بقلم / كريستوف لو بيك و أونوريه نغباندا
ترجمة:سيدي.م.ويدراوغو
على الرغم من أن أسعار العديد من المعادن تتجه إلى الهبوط لا تزال تواصل الشركات الاستثمار في المشاريع الضخمة، ويتزاحم فيها المستثمرون الجدد – خاصة الهنود- للاستيلاء على الرواسب الرخيصة في إفريقيا والتي تظل جيدة رغم اضطراب المجال.
وعلينا أن نعذر كسندر (نشرة إحصائية توثيقية شهرية صادرة من مركز Idrel) عن نظرتها السودواية بقطاع المعادن على الرغم من الظروف الحالية حيث إن الاقتصاد العالمي في التردد: تراجع النمو الاقتصادي في الصين (أكبر مستهلكة المعادن) والركود في أوروبا وفي يابان إلى جانب فقدان الحوافز في الولايات المتحدة لطباعة النقدية.
وإن كانت تلك الاعتبارات غير مشجعة -وخصوصا في القارة الإفريقية حيث تشكل إيرادات الثروات الطبيعة قرابة ثلث ناتج الدخل المحلي PIB – باعتبار أن تراجع الطلب سيعزز تداعيات على مجالات كثيرة: انخفاض الرسومات والضرائب، تراجع في نفقات الدولة وفقدان الوظائف إلى جانب إلغاء أو تأخير إنتاجية المشاريع.
فالواقع هو أن أسعار بعض المعادن-بخلاف بعض-عرفت ارتفاعا ملحوظا في الأشهر الأخيرة، وعلى رغم فقدان الحديد 40%من قيمته طوال 2014م مؤديا إلى تجميد مشاريع الغرب الإفريقية المكلفة إلا أن أسعار الزنك والنيكل والألمنيوم عرفت بعضها استقرارا وأخرى ارتفاعا.
وجدير بالذكر أن اهتمام المستثمرين ازداد تجاه بوروندي التي تحتوي أراضيها كمية هائلة من احتياطات النيكل وقد شرع منجم موسَن غاني في الإنتاج نهاية 2014م بعد 40 عاما من التردد والمراوغة من الشركاء من القطاع الخاص في المشروع المعني. وأكدت أكبر الشركات Anglo-American، Rio Tinto، Valeالعاملة في مجال المعادن في إفريقيا عزمها في المضي قُدما في تطوير مشاريعها الكبرى في المنطقة.
على أن النحاس الذي فقد 14% من قيمته خلال 2014م يتوقع جُلُّ المحللين نقصا حادا في التعدين في الأشهر المقبلة ومن جانبه أعرب إيفان جلاسنبروغ مدير شركة Glencore للمداولات و المعادن -ومالكة أهم مناجم النحاس في زامبيا وكونغو الأكثر ربحية في العالم – في مناسبة “يوم المستثمرين” في 10ديسمبر 2014م عن رغبته في مواصلة الاستثمار في المجال المعدني.
ويشار إلى أن أسعار الذهب في ارتفاع مستمر منذ نوفمبر المنصرم وإن لم تبلغ مستواها في بداية 2014م وهناك عامل آخر ، المتمثل في تراجع أسعار النفط والذي يؤدي إلى انخفاض تكاليف نقل المعادن والكهرباء المستخدم في الإنتاج، وذلك يعزز المكاسب.
تدني الأسعار مسألة مؤقتة
ونستشف من التحليلات أنها لا تنبئ بالكارثة حيث أكدت كبريات الشركات الثلاث المذكورة وأهمها في المجال المعدني بأنها ستواصل في تطوير مشاريعها الكبرى في إفريقيا، وهي شركات لا تتأثر بتقلبات السعار لضخامة إمكانياتها المادية وخبرتها في المجال. وتُدرك بأن العرض (حجم الإنتاج) يؤدي إلى تدني الأسعار ولكن بشكل مؤقت وذلك لتنامي الطلب؛ مؤكدة في الوقت ذاته ضرورة تعزيز الاستثمار في الوقت الراهن استعدادا للإنتاج عند ارتفاع الأسعار.
لكنها تبنت منهجا انتقائية حيال المشاريع من خلال التركيز على الاحتياطات الضخمة مما يتيح لهم تحقيق مكاسب كبيرة وأكبر قدر ممكن من توسيع الاستثمار على غرار Rio Tinto التي تواصل في تطوير مناجم الحديد في منطقة سيماندو في غينيا كوناكري، وبدأت الشركة Vale في إنتاج الفحم في منطقة معاتز في موزمبيق منذ مايو 2014م وإنشاء ممر الخدمات اللوجستية على المستوى على الرغم من تدني أسعار الحديد والفحم.
وفي هذه الحالة غير المستقرة لكل من الشركات الصغرى والكبرى احتلت التحليلات حول المخاطر السياسية واللوجستية على الصدارة مما أدى إلى تباين مواقف المستثمرين في الدول. وفي كوت ديفوار-على سبيل المثال-يظل قطاع الصناعة الاستخراجية في طوره البدائي ولكن جنوب إفريقيا تتصدر الدول الإفريقية في المعادن وعلى الرغم أن شركتي Anglo Gold &Anglo American نشئتا من جنوب إفريقيا إلا أنها موقف حذر للغاية والناجم عن النزاعات الاجتماعية والمشاكل الضريبية، والنقابات ومع الحكومة من جهة ومخاوفهم حيال الامدادات الكهربائية من جهة أخرى؛ لذا شرعت نحو إنشاء مشاريع جديدة في الدول النامية وخاصة في أمريكا اللاتينية.
وبالقرينة المعاكسة يلاحظ الارتفاع العمودي في الاستثمارات في كوت ديفوار حيث بدأ إنتاج منجم الذهب الرابع في يناير 2014م في منطقة أجباوو والمنجم مِلك للشركة Endeavour Mining بطاقة إنتاجية 3 أطنان ذهب سنويا.
جدير بالذكر أن البنى التحتية للدولة والقوانين الخاصة بالاستثمار جذبت مديري الشركات العاملة في المعادن على غرار مارك برستو مدير راند جولد التي تدير منجم توتغون ” لقد راعت الحكومة الإيفوارية مصالح المستثمرين حيث امتنعت عن وضع نظام يُلزم دفع الضرائب قبل دخول المشروع قيد التنفيذ وتتميز الدولة بامتلاك النظم-في مجال المعادن-الأكثر تسويغا على مستوى القارة، على حد قول الجنوب الإفريقي الذي يمتلك عدة تصاريح التنقيب في الدولة على الرغم توقفه عن الاستثمار في موطنه الأصلي.
وفي السياق ذاته أبدت كبريات الشركات رغبتها في احتياطات بوتاسيوم والذهب في إثيوبيا والتشجيعات الضريبية من الحكومة الهادفة إلى ارتفاع إيرادات مناجم الدولة إلى ثلاثة أضعاف في حدود 2024م (وهي حاليا 600مليون دولار) وقد منحت أديس أبابا قرابة 209 تصريحا منذ 1992م وتم إلغاء 56 منها في نهاية 2014م بعد نهاية صلاحيتها ويوقع إعادة اقتراحها على المستثمرين.
المناخ السياسي
وجدير بالذكر أن الكونغو الديمقراطية وزامبيا من الدول التي يبدي المستعمرون مخاوفهم من الاستثمار فيها وذلك للمشاكل السياسية واللوجستية، غير أن الشركات جلنكور و فريبورت ميك موران استمرت في تعزيز إنتاج النحاس 2014م في الكونغو الديمقراطية – التي تفتقرإلى الشفافية في الإدارة -ولهما اهتمام باحتياطات كولتان (في منطقة كيفو التي تحتوي 70%من الاحتياطات العالمية) إضافة إلى القصدير: مجالان يمكن تطويرهما لولا تعرضهما للنهب من المجموعات المسلحة.
على أن حجم الاستثمارات في الدول مرهون بالجو السياسي وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية 2016م إضافة إلى توفير الكهرباء حيث أدى نقصه إلى تضييق الخناق على إنتاجية المصانع في كاتنغا. وقد يشكل رحيل ميكائيل شاتا رئيس زامبيا منطلقا لتغيير المعايير لصالح المجموعات العاملة في المناجم حيث كانت الضرائب مرتفعة وتم إلغاء كثير من الإعفاءات الضريبية الاستثنائية.
وعند وفاة الرئيس في أكتوبر 2014 م كانت شركة جلنكور و فيدانتا اعترضتا على تلك المعايير وهددت في الوقت نفسه بإلغاء استثمارها في البلاد، لكنهما في سعي حثيث وراء الكواليس للضغط على المرشحين للتراجع عن تلك الإجراءات، على حد قول مارك غينية.
الفرص المتاحة
ولوحظ في بعض المناطق الإفريقية ارتفاع في شراء المشاريع المعدنية المتعثرة والناجمة عن تدني الأسعار وذلك يوحي إلى انبعاثها. وفي هذا السياق تم شراء منجم “مارامبا” السيراليوني من فرنك تيمس (رجل الأعمال الأسترالي-الروماني والذي كوَّن إمبراطورية من حديد إفريقيا الغربية) اشتراه من شركة London Mining التي كانت تحت الحراسة القضائية مما يتعين له إلحاقها بنظيرتها في تونكوليلي في سيراليون.
ومن جانبها أكدت شركة راند جولد وهي من المجموعات النادرة التي تتميز بوضع اقتصادي جيد وتتحين الفرص لشراء المشاريع بثمن بخس على غرار شركة رييا تينتو الهندية التي تبحث عن الاحتياطات الإفريقية للاستثمار، كما سبق أن حظيت بشراكة في مناجم الفحم في موزمبيق بقيمة 3,9مليار دولار والتي لم تكن مربحة لعدم تناسب اللوجستية؛ فاضطرت إلى بيع حصتها إلى انترنشونال كوال فانتير التي تحظى بدعم نيودلهي ب 50مليون دولار.
فرنك تيمس…إمبراطور على المحك
الفرصة الذهبية لشراء المعادن تكون حال هبوط الأسعار، على حد قول أحد رجال الأعمال من لندن مؤكدا بأن أصحاب رؤوس الأموال مثل مايك دافس المدير السابق Xstrata (وتم دمجها إلى جلنكور) ومدعوم من الشركات الهندية واليابانية –يدرسون الفرص الاستثمارية المتاحة في إفريقيا غير أنه سيواجه منافسة شرسة حيث إن الشركات الهندية بالمرصاد ولها إمكانية هائلة، على حد تعبير أحد المصرفيين.
وأكدت الشركات العملاقة الثلاث في المجال المعدني في إفريقيا: Anglo-American، Vale Rio Tintoعزمها في المضي قدما في تطوير مشاريعها الكبرى في إفريقيا.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا