ماريوس رودت (*)
ترجمة: عبدالحكيم نجم الدين
كما كان متوقعا من قبل الكثيرين، كانت انتخابات الحكومة المحلية لعام 2016 في جنوب أفريقيا هي الأكثر تنافسا إلى الآن منذ مرحلة ما بعد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. للمرة الأولى، شهد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم (ANC ) انخفاض أغلبيته إلى أقل من 60 ٪ كما فقَد السيطرة على عدد من البلديات، بما في ذلك بعض المدن الكبرى في جنوب أفريقيا.
في الوقت نفسه، وصل حزب المعارضة الرئيسية، التحالف الديمقراطي ( DA ) ، إلى ما يقرب من 27 ٪ على الصعيد الوطني. وكان هذا أفضل أداء للحزب إلى الآن، وأعلى نسبة من الأصوات التي حققها أي حزب معارض منذ عام 1994.
وثالث أكبر حزب، حزب “المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية” ( EFF) ، تمكن من كسب 8٪ من الأصوات على المستوى الوطني وهي نسبة محترمة إلى حدّ ما، وقد برز كثاني أكبر حزب في معظم البلديات في مقاطعة ليمبوبو وبلدات حزام البلاتين في محافظة الشمالية الغربية.
وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات قد تبدو وكأنها كارثة على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وانتصارٌ للمعارضة، إلا أن النتائج تبيّن صورة أكثر دقة. وهنا بعض الإيجابيات والسلبيات التي يمكن للأطراف الرئيسية كسبها.
المؤتمر الوطني الأفريقي
إيجابيات:
لا يزال المؤتمر الوطني الأفريقي أكثر الأحزاب وجودا في ريف جنوب أفريقيا. إذ خارج معظم المدن الكبرى ومقاطعة الكيب الغربية، فإن المؤتمر الوطني الأفريقي لا يزال الحزب المفضل لدى معظم شعوب جنوب أفريقيا. وهو أكبر حزب في كل البلديات في خمس (5) من تسع (9) مقاطعات في جنوب أفريقيا – فري ستيت، مبومالانجا ، ليمبوبو ، الشمالية الغربية، والكيب الشمالية – فائزا في بعض هذه البلديات بأغلبية ضخمة.
كما أن الحزب شهد زيادة في التصويت له في كوازولو ناتال، وعلى الرغم من أن حصة تصويته انخفضت في إيثيكويني ( ديربان ) ، أكبر مدينة في تلك المحافظة ، إلا أنه لا يزال أكبر حزب هناك وكذلك في مانجونج ( بلومفونتين ) ومدينة بوفالو (لندن الشرقية).
سلبيات:
كانت حصة التصويت للحزب في أدنى مستواه حتى الآن عند 53.9 ٪ – انخفاضا من 62 ٪ في عام 2011 – وكان أداؤه في خمس من ثماني مدن رئيسية كارثيا. فإن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بالكاد تمكن من كسب ربع أصوات الناخبين في كيب تاون، وهزمه حزب التحالف الديمقراطي في تشوان ( بريتوريا ) و “نيلسون مانديلا باي” ( بورت اليزابيث ) ، وجُرَّ إلى أقل من 50 ٪ في جوهانسبرغ و إيكورهوليني (ايست راند).
وكانت حملة الحزب أيضا لم تعطِ ثمارها في كيب الغربية، وهي مقاطعة أُبلِي الحزب بلاء حسنا في شرقها, التي هي عبارة عن بلديات ريفية. في هذه الانتخابات، لم يفز كليا بأي بلدية في كيب الغربية، وكان أكبر الحزبين الموجودين فقط. وانخفضتْ كل حصتها في التصويت في المحافظة إلى 26 ٪، أقل من الانتخابات المحلية السابقة عندما كانت حصتها الدائمة من الأصوات فوق 30 ٪ .
التحالف الديمقراطي
إيجابيات:
كان الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات هو التحالف الديموقراطي. حيث حصل على أكثر من ربع الأصوات على المستوى الوطني – 26.9 ٪ مقارنة بـ 23.9 ٪ في عام 2011 – وهو الآن أكبر حزب في أكبر مدن جنوب أفريقيا الثلاث. حصل على ما يقرب من ثلثي الأصوات في كيب تاون. وهو أكبر حزب في “نيلسون مانديلا باي تشوان”، حيث من المرجح أن يكون الشريك الأكبر في الحكومات الائتلافية. وقام بالضغط على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بشدة في جوهانسبرج، وكسب ما يقل قليلا عن 40 ٪ وينتهي ببضع نقاط مئوية أقلّ من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
كما أن أداءه قويا في إيكورهوليني، مدينة غوتنغ الكبرى الثالثة، حيث أنه فاز بما يقرب من 35 ٪. وفاز بكل المجالس تقريبا في معقله بـ”كيب الغربية”، كما أن لحزب المؤتمر الوطني الافريقي فوزا آخر في الكيب الشرقية، وزيادة أغلبيته في مجلس ميدفال في غوتنج. وتشير النتائج أيضا إلى أن التحالف الديموقراطي – الذي يراه الكثيرون كحزب “البيض” – وجد طريقه بين الناخبين السود في المناطق الحضرية.
سلبيات:
على الرغم من أن التحالف الديموقراطي قد حصل على عدد من المرابط خارج مقاطعة الكيب الغربية، فإنه سيصاب بخيبة أمل بسبب أدائه في بعض المناطق. تمّ تحديد كيب الشمالية منذ فترة طويلة كمنطقة بإمكانات النمو، لكن التحالف الديموقراطي فشل في تحقيق تقدم ملموس في البلديات هناك. وظل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أكبر حزب في كل من بلديات المحافظة ، وزاد دعم المحافظات العام للتحالف الديموقراطي هامشيا فقط، من 22 ٪ في عام 2011 إلى 25٪ في عام 2016.
سيكون أداء الحزب في ليمبوبو والشمالية الغربية مثيرا لبعض القلق. حيث تمّ دفع الحزب بانتظام إلى المركز الثالث من قبل حزب المؤتمر الوطني الافريقي وحزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية في هذه المحافظات. وكانت إجمالية حصة الانتخابات المحلية – بالمقارنة مع 2011 – انخفضت أيضا في مبومالانغا والشمالية الغربية. كان للحزب في كوازولو ناتال زيادة نمو كبيرة في بعض المجالات، ولكنه سيصاب بخيبة أمل من الأداء المتواضع إلى حد ما عمومًا، حاصلا على 15 ٪ في تلك المحافظة. وبشكل عام، ظلت حصة التصويت للحزب راكدة إلى حد ما خارج المراكز الحضرية الرئيسية.
المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية
إيجابيات:
تمكن المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية الحصول على 8 ٪ من الأصوات، وهو أداء جيد جدا لحزب عمره ثلاث سنوات فقط. وظهر كقوة سياسية مؤثرة في تشوان، جوهانسبرغ، و إيكورهوليني، ويمكن أن يكون بمثابة الشريك الأصغر في الائتلاف في كل من هذه المدن.
حطم الحزب أيضا شيئا من لعنة السياسية في جنوب افريقيا. حيث تحصل الأحزاب الجديدة على مقابل أسوأ في انتخاباتها الثانية – أمثال كل من حزب مؤتمر الشعب، الحركة الديمقراطية المتحدة، والديمقراطيين المستقلين– غير أن المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية خالف هذا الاتجاه.
وسيكون الحزب سعيدا مع أدائه في ليمبوبو والشمالية الغربية أيضا، حيث كان ثاني أكبر حزب في معظم البلديات. وكان أفضل أداء له في بولوكواني في ليمبوبو، مسقط رأس زعيمه “يوليوس ماليما”، حيث فاز بما يقرب من 30 ٪ من الأصوات.
سلبيات:
من المرجح أن يصاب المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية بخيبة أمل لأدائه بشكل عام. حيث سبق أن أعلن “ماليما” أن الحزب يستهدف 18 ٪ من الأصوات على المستوى الوطني، ولكن أداءه ليس أفضل بكثير مما حصل عليه في انتخابات عام 2014 عندما فاز بـ 6.4 ٪ من الأصوات.
وسيخيب أمله أيضا لحقيقة أن الحزب لم يَبْدُ كأكبر حزب في أي بلدية. وكما هو الحال في عام 2014، فشل أيضا في الفوز بتأييد كبير في جنوب البلاد، مع بقاء المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية كحزب أساسي في الشمالية الغربية.
ملاحظات أخرى
عودة حزب الحرية انكاثا
شهدت هذه الانتخابات نوعا من عودة حزب الزولو القومي “الحرية انكاثا” ( IFP ) ، الذي فاز بستة مجالس في كوازولو ناتال. ولأول مرة، شهد أيضا زيادة في حصة تصويتها أكثر من الانتخابات السابقة حيث ارتفع نسبة أصواته في كوازولو ناتال من 15 ٪ في عام 2011 إلى 18٪.
كان قرار عودته جزئيا يعود إلى منع لجنة الانتخابات حزبَ الحرية الوطنية (NFP) من المشاركة بسبب التأخر في دفع الرسوم. وكان حزب الحرية الوطنية, الذي انفصل عن حزب الحرية انكاثا في عام 2011، استولى على الكثير من الدعم الذي من المفترض أن يتمتع به حزب الحرية انكاثا في عام 2011 عندما فاز – أي الحرية الوطنية – بنسبة 10٪ من الأصوات في كوازولو ناتال. وكان – أي حزب الحرية الوطنية أقرّ رسميا بدعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في تلك الانتخابات، ولكنه يبدو وكأن بعضا من ناخبيه عادوا إلى حزب الحرية انكاثا.
حزب نومسا
أطلق الاتحاد الوطني لعمال المعادن في جنوب أفريقيا ( Numsa )، وهو حليف نقابي سابق لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، حزبا سياسيا خاصا به، وهو “الجبهة المتحدة” ، وذلك لخوض انتخابات الحكومة المحلية في عدد من البلديات، وأبرزها “نيلسون مانديلا باي”. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يؤثر التنظيم الجديد في المكان هناك، إلا أنه حصل على مقعد واحد فقط وفشل في تحقيق تقدم ملموس في مجالات أخرى حيث رشّح فيها مرشحين.
المستقلون
يلاحظ أيضا أداء المرشحين المستقلين (في المقام الأول أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي سابقا) في ايثيكويني، مع انتخاب أربعة مرشحين مستقلين في المجلس البلدي. أيضا كان أداء المنتدى لتقديم الخدمات ( F4SD ) في محافظة الشمالية الغربية ذا أهمية كبيرة. تشكلت هذه المجموعة لمساعدة المرشحين المستقلين بدعم لوجستي وغيره في المحافظة. وفازت بـ 3 ٪ من الأصوات في الشمالية الغربية، وهي ما تكفي لحوالي 26 مجالس. وكانت هناك تكهنات بأن المجموعة تم إنشاؤها من قبل أعضاء “المؤتمر الوطني الأفريقي” المستائين.
الخطوة التالية : التعددية الحزبية؟
بشكل عام، أظهرت الانتخابات متانة الديمقراطية في جنوب أفريقيا. وكان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي رحب الصدر في الهزيمة، و قبِل النكسة الانتخابية عن طيب الخاطر. ويبقى أن نرى ما إذا كان الحزب سيأخذ هذه الفرصة لبدء النظر في فَصْل الرئيس جاكوب زوما أم أنه سيواصل دعمه وتحصين منصبه.
وسيكون التحالف الديمقراطي الحزبَ الأكثر ربحا ومرتاحا وقد أظهر أنه هو الآن المنافس الحقيقي خارج معقله في كيب الغربية. وسوف يكون على ثقة بأنه أكبر حزب في غوتنغ في انتخابات 2019 العامة وهو ينتظر أن تكون حصته الوطنية للتصويت تصل إلى 30 ٪ .
وعلى العكس من ذلك، فإن عمل حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية تمّ رسمُه وقصُّه. وسيكون جزءا من الائتلاف الحاكم في بعض البلديات على الأقل، كما أنه سيكون لديه بذلك إمكانية الإثبات للمشككين والمؤيدين على السواء أنه قادر على القيادة، وأنه متمكن من تنفيذ برنامجه.
إن عهد جنوب أفريقيا ذات الحزب الواحد في انتهاء. وقد يكون تعدد الأحزاب وسياسة التحالف أقرب مما يتوقع كثير من الناس.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا