جون كامبل – مجلس العلاقات الخارجية (*)
ترجمة قراءات إفريقية
يصوت الجنوب إفريقيون لانتخاب المسئولين على المستويات المحلية ومستوى القطاعات في الثالث من أغسطس الجاري، كما في أي دول ديموقراطية أخرى، فإن هذه الانتخابات يمكن اعتبارها أيضًا استفتاءً على الحكومة المركزية. وفي حالة جنوب إفريقيا، سوف يقيم الناخبون سجل الفضائح التي ضربت حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي” وإدارة الرئيس جاكوب زوما ونجاح الحزب (أو فشله) في مخاطبة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لثلاثمائة عام من تفوق العرق الأبيض.
والتباين ما بين التطور المذهل للديموقراطية الجنوب إفريقية منذ نهاية التفرقة العنصرية، وما بين النمو المنخفض للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، سوف يصبح مصدرًا لسخط متزايد، وبخاصة بين الغالبية السوداء، ذات الدخل المنخفض. وبالرغم من أن الفجوة في الدخل والثروة ما بين البيض وغيرهم قد تقلصت بصورة ما منذ 1994، إلا أن عدم المساواة في الدخل بصورة عامة تزايدت، وبين السود فعدم المساواة تصاعدت أكثر، ففي عام 1993، فإن معامل جيني لجنوب إفريقيا كان 0.59، وفي 2011 كان 0.63 (0 يمثل مساواة كاملة، في حين 1 يمثل عدم مساواة كاملة).
معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي لجنوب أفريقيا
فالقليل من الجنوب إفريقيين أغنياء، والكثير منهم فقير، حتى مع وصول مستوى النمو الاقتصادي إلى متوسط 3% سنويًا في السنوات الستة عشر الأولى من عمر الحزب الحاكم الحالي (في حين وصلت البلاد إلى الكساد في أوائل 2016). وقد وفر الحزب إعانات لتقليل عدد الفقراء في جنوب إفريقيا والذين يعيشون في الفقر المدفع إلى 10.2 مليون في 2011، نزولا من 12.6 مليون في 2006. في حين انخفض الذين يعيشون في فقر متوسط من 27.1 مليون في 2006 إلى 23 مليون في 2011، ولكنهما معا يمثلان أكثر من نصف عدد السكان الذين كان 53 مليون في 2013، وأن الغالبية العظمى من أولئك الموسومين بالفقر كانوا من السود أو الملونين (من أصول مختلطة إفريقية وأوربية وآسيوية). وفي المقابل فإن 0.8% فقط من البيض يعيشون في الفقر.
والسخط المتزايد من استمرار الفقر وعدم المساواة في الدخل والنسب المنخفضة من التغير الاقتصادي والاجتماعي قد أشعلت تظاهرت واسعة كثيرا ما تحولت إلى العنف، وهذه الإفاقة ربما تساهم بصورة غير مباشرة في زيادة نسب الجريمة العالية بالأساس في البلاد، فالغضب هو جزء من سياق التصويت الذي سيتم في الثالث من أغسطس وسيجعل من الصعوبة التنبؤ بانتصار ساحق لحزب المؤتمر الوطني، لاسيما في البلدات والقرى.
فجنوب إفريقيا ظلت ديموقراطية دستورية تعتمد على حكم القانون منذ عام 1994، وسلطات الحكومة على كافة المستويات يحدها الدستور الذي يحتوي على أقوى فقرات في العالم لحماية حقوق الإنسان، وتعتبر الانتخابات في نظر المراقبين الأجانب مساوية في جودتها ومصداقيتها لتلك التي تجري في الديموقراطيات المخضرمة، مثل الولايات المتحدة واليابان، وتظهر الاستطلاعات أن الديموقراطية الدستورية لجنوب إفريقيا تتمتع بدعم واسع من كافة الجماعات العرقية. فالفصل العنصري الرسمي قد انتهى تمامًا، والسود في جنوب إفريقيا الذين يشكلون 80% من السكان موجودون في كافة نواحي الحياة الوطنية، في النوادي الليلية التي كانت في السابق محصورة على البيض، إلى الجامعات، ولكن السلوك التصويتي يستمر في أن يتأثر بصورة كبيرة بالهوية العرقية، وحزب المؤتمر، بالرغم من أنه متنوع العرق، إلا أنه الحزب التقليدي للغالبية السوداء، وحكم البلاد بدون انقطاع منذ عام 1994.
تباين ديموغرافي:
لا يزال التباين في الصحة والتعليم صارخا بين الأقلية البيضاء والغالبية السودء، فبالنسبة للعديد من السود، فإن الوصول إلى خدمات التعليم والصحة قد تحسن بصورة طفيفة منذ الفصل العنصري، وفي 2015 كان متوسط العمر بين السود 56.4 سنة، في حين كان بالنسبة للبيض 72.6، وينتشر الإيدز بين السود البالغين بنسبة 20% في حين كان بين البيض 2.5%، وبالرغم من أن غير البيض يشكلون غالبية الطلاب في الكثير من المعاهد الأكاديمية المرموقة، إلا أن السود لا يزالون غير ممثلين بصورة تتناسب مع كثافتهم السكانية، فعلى سبيل المثال فإن ربع عدد طلاب جامعة كيب تاون من السود، في حين أن البيض والذين يمثلون 9% من سكان جنوب إفريقيا ولكنهم يشكلون ثلث عدد طلاب الجامعة، كما أن نسبة كبيرة من البيض لديهم القدرة على الوصول إلى التعليم الجامعي، في حين تظل نسبة السود القادرين على الوصول إلى ذلك ضئيلة.
وفيما يتعلق بالوصول إلى خدمات الصحة والتعليم، فإن البيض في جنوب إفريقيا يمتلكون المهارة الضرورية للمشاركة في الاقتصاد الحديث، كما أن الصحة الأفضل التي يتمتعون بها تعني نسب أقل من السمنة، وبالتالي فإن البيض لديهم نسب أقل من البطالة. وفي 2014 كانت نسب البطالة بين البيض 8.1%، في حين كانت بين السود 28.3%، والبطالة كانت مرتفعة في 2014 بسبب التعافي البطيء لجنوب إفريقيا م كساد 2008، فعلى سبيل المثال، في 2008 وقبل أن يضرب الكساد البلاد، كانت البطالة بين البيض 4.1%، في حين كانت بين السود الشباب من القرى حيث جودة التعليم والخدمات الصحية فقيرة، فإن نسب البطالة عادة ما تصل إلى 50%.
التباين في الثروة:
جنوب إفريقيا من الدول ذات الدخل المتوسط، حيث تتمركز الثروة في أيدي الأقلية البيضاء وعدد قليل من السود من ذوي العلاقات الجيدة. فأغنى اثنين في البلاد، وكلاهما من البيض، قد جمعا إجمالي صورة تعادل ثروة 50% من فقراء البلادن طبقًا لمؤسسة أوكسفام البريطانية. ويقول الاقتصادي الفرنسي توماس بيكتي أن التقديرات تشير إلى أن 60% إلى 65% من ثروة جنوب إفريقيا في أيدي 10% من السكان، وبين أعلى 5، 80% منهم من البيض. ومتوسط ثروة السود تقدر بخمسة في المائة فقط من ثروة البيض، وهذا أمر متجذر في التفرقة العنصرية، حيث كان البيض قادرون على تكديس رؤوس الأموال وتمريرها إلى الأجيال التالية لهم، أما تراكم الثورة بالنسبة للسود فكان نادرًا وصعبًا تحت التفرقة العنصرية، ولم يكن هناك الكثير لميراث الأجيال التالية.
عدم المساواة وحزب المؤتمر الوطني:
في إطار جهوده لمخاطبة عدم المساواة فإن الحزب قد خصص ربع ميزانية الدولة للتعليم (مقارنة بستة في المائة للدفاع)، كما أن الحزب عزز بنجاح نظام المدارس المنفصلة التسع عشرة الموروث عن التفرقة العنصرية، وحاول أن يقضي على الازدواجية في إدارات التعليم، ولكن التحدي في إلغاء نظام “بانتو” التعليمي الموروث من حقبة التفرقة العنصرية لا يزال كبيرا (تعليم بانتو يشير إلى التعليم منخفض المصادر بصورة كبيرة الذي أصب متاحا للسود في ظل التفرقة العنصرية). ومسألة اللغة هي إحدى الأمثلة، فهناك أحد عشرة لغة رسمية في جنوب إفريقيا، وفقط 11% من السكان، نسبة كبيرة منهم من البيض، يتحدثون الإنجليزية كلغة أولى. فالإنجليزية هي لغة التجارة في الداخل والخارج، ولكن ليس هناك إجماعا إذا ما كان التعليم اأساسي يكون بالإنجليزية أم باللغة الأم للطلاب.
وقد دعم حزب المؤتمر الوطني عملية (التمكين الاقتصادي للسود)، وهي سياسة عمل تطورت عبر السنوات الماضية وتتهدف إلى خلق فرص للمستثمرين والموظفين السود. وهذه السياسات دفعت إلى ظهور طبقة متوسطة سوداء، وبخاصة عبر التوظيف في القطاع العام. ولكن يقول النقاد أن هذا النظام يفيد نخبة ضيقة من أصحاب العلاقات داخل حزب المؤتمر، وأنه ليس لديه أثر كبير على الفقر في القرى والمناطق النائية.
وبالرغم من أن غالبية السود يدعمون حزب المؤتمر، إلا أن هناك مخاوف وبخاصة بين المعلقين الإعلاميين من أن كل الأجناس وقاطني القرى، والذين معظمهم سود أو ملونين، قد ابتعدوا عن دعم الحزب، فبالنسبة لهم فهم يرون أن الحزب الذي ساهم في سقوط العنصرية إلا أنه ساهم كذلك في ترسيخ الرأسمالية البيضاء وعدم المساواة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء، وازدادت التظاهرات من الفقراء في القرى والأحياء بسبب سوء الخدمات وعادة ما كانت تركز على الأهداف السياسية كذلك، فالتظاهرت في تشاوين وبريتوريا في يونيو 2016 خلفت قتلى وعدد كبير من الخسائر في الممتلكات. ويعتقد أن تلك التظاهرات كانت نتيجة لنزاع داخلي بين أعضاء الحزب، فقد حاولت سلطات الحزب أن تفرض بعض المرشحين على منصب العمدة في بعض المناطق المحلية على غير رغبة السكان المحليين والذين تظاهروا نيابة عن مسئوليهم المنتخبين.
السلوك التصويتي:
لا تزال الهويات العنصرية هي التي تقود السلوك التصويتي، ومن ثم فإن الانتخابات عادة ما تكون عبارة عن احصاءات عنصرية، لذلك فمن المتوقع أن يستمر حزب المؤتمر في قيادة الحكومة، فالسود يصوتون بكثافة لصالح الحزب، في حين أن البيض والملونون والهنود يصوتون للمعارضة (التحالف الديموقراطي). وحزب المؤتمر قوي في المناطق الريفية في حين هناك مخاوف من أن التحالف الديموقراطي إذا فاز ربما يلغي المخصصات الحكومية التي تقلل عدد الفقراء في البلاد، والرئيس زوما هو سياسي مؤثر للغاية في تلك المناطق الريفية، بالإضافة إلى خلفيته الثقافية من قبائل الزولو، الذين يشكلون ربع سكان جنوب إفريقيا.
فالأوليجاركية السود والطبقة المتوسطة السوداء الصاعدة مرتبطين بحزب المؤتمر، وبالتالي فإن الغضب بين الفقراء عادة ما يوجه إلى قيادات الحزب وليس إلى الزب ذاته، كما حدث في مدينة تشواني. أما حزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية، وهو حزب سياسي راديكالي يستخدم أدبيات معادية للبيض يقوده يوليوس ماليما ، والذي يستغل هذا الغضب من أجل توسيع قاعدته السياسية ونفوذه، وبخاصة على حساب حزب المؤتمر.
مستقبل حزب المؤتمر:
المشهد السياسي في جنوب إفريقيا هو مشهد متحرك ومتغير، فالبلاد تشهد طفرة من تحول الريف إلى الحضر مما يقلل مع الوقت قوة القاعدة الريفية لحزب المؤتمر، لذلك فإن الشباب امن الطبقة المتوسطة الذين ولدوا بعد عام 1994 يبدو أنهم أقل ميلا إلى حزب المؤتمر وارتباطه بنيلسون مانديلا عما كان عليه آباؤهم. كما أنهم أعلى صوتا كذلك في معارضتهم للساد، ولكن مشاركتهم في الانتخابات تعد متدنية، كما هو الحال بين تلك المرحلة السنية في الديموقراطيات الأخرى. لذلك فإن التحالف الديموقراطي يحاول الوصول إلى الناخبين السود، ويقوده الآن الرجل الأسود ماموسي مايماني، ذو الستة وثلاثين عاما وعضو في البرلمان. وهو حزب الحكومة في الكاب الغربي وفي كيب تاوني، وعادة ما يعتبر على أنها الأجزاء الأفضل حكما في جنوب إفريقيا، مما يعطي التحالف الديموقراطي بعض المصداقية بين سكان المدن من السود أبناء الطبقة المتوسطة، بالرغم من سمعت على أنه حزب “ابيض”.
وفي الاستعداد لانتخابات أغسطس، فإن التحالف الديموقراطي يستهدف مصادر حملته الانتخابية الفوز بانتخابات مجالس المدن في مدن جوهانسبيرج وتشواني وخليج نيلسون ما نديلا (بورت إليزابيث)، ويعتقد معظم المعلقين أن مرشحي الحزب لديهم فرصة في النجاح.
الخلاصة:
بصرف النظر عن نتيجة انتخابات أغسطس فإن قوة أي حكومة جنوب إفريقية لتحقيق تغيير اجتماعي جذري ستحدها الجهات الرقابية، كما هو الحال في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن البنية الرسمية لتفوق البيض يمكن أن تتفكك سريعا، ولكن تأثير ثلاثة قرون من التفوق الأبيض سيظل موجودا، كما هو الحال في الولايات المتحدة.
فحزب المؤتمر ظل في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود، ولم يعد يمثل التغيير عن الحالة الراهنة، وقيادته غارقة في الفضائح، وإذا ما كان أداء الحزب فقيرا في الانتخابات القادمة، فسوف تتصاعد الضغوط من داخل الحزب على زوما من أجل أن يرحل، ولكن الحزب لا يزال يمثل طموحات السود، وسيظل يرى كذلك سواء كان الناخبين سيعاقبون الحزب في الاتخابات القادمة، فستظل الانتخابات تخيم عليها بصورة كبيرة المسألة العرقية في البلاد.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الاصلي من هنا