مركز الدراسات الاستراتيجية الإفريقية (*)
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
التعقيدات المؤسساتية والتعبئة العرقية
من المفترض أن يساهم الاعتراف بأن الانتماء العرقي ليس مصدرا محوريا للنزاعات بين القبائل عند تكريس الجهود لاحتواء الأزمات ،باعتبار التعدد العرقي من ضمن العناصر المحفزة للنزاعات وليس وحده سبب النزاعات ومن ثم اتخاذ إجراءات ضرورية للتدخل قبل تدهور الأوضاع والخروج عن السيطرة بعامل النعرات الشعوبية.
على أن وجود المؤسسات والإدارات الحكومية التي تعكس التعدد العرقي وتحترم حقوق الأقليات والتوزيع العادل للسلطة إضافة إلى وجود آلية فعالة للرصد والمتابعة، يحول دون غياب العدالة الاجتماعية والأمنية المؤدية إلى التعبئة العرقية.
ومن هنا تتجلى أهمية دور النظام القضائي العادل حيث إن المظلومين يضطرون إلى اللجوء إلى العنف لتسوية المظالم في المجتمعات التي تفتقر إلى السلطات القضائية العادلة، ولا تنحصر المسألة على مجرد وجود النظام القضائي بل يتطلب كذلك إرساء سيادة القانون والفصل بين السلطة القضائية وبين التنفيذية؛ للحيلولة دون التجاوزات من قبل الدولة. كما يتضمن الإجراءات تلك عدم استغلال موظفي الدولة صلاحياتهم لصالح المجموعات العرقية التي ينتمون إليها.
ومعروف أن إدارة شئون الأراضي – في غالب المناطق الإفريقية- من صلاحيات السلطة التنفيذية وليست التشريعية مما يعطي الأولوية لقبيلة الرئيس على غرار ما حدث في كينيا عام 1960-1970م حيث استغلت قبيلة كيكيو قرابتها من الرئيس كينيايا؛ فكونت مؤسسة لشراء الأراضي على وادي Rift وذلك لتقطن الآلاف من أفراد القبيلة.
كما أن وجود النظام القضائي العادل يساهم في تمحور المجتمع المدني حول المصلحة العامة مثل التنمية والشفافية واحترام حقوق الإنسان بغض النظر عن الاعتبارات العرقية وذلك يؤدي إلى إيجاد تقارب في وجهات النظر بين المجموعات المختلفة.
على أن الجمعيات المهنية والأندية الرياضية والفنانين كلها من المكونات الاجتماعية القادرة على تجاوز الاعتبارات العرقية على إيجاد تعاون إيجابي مع الحكومة.
لكن الانتخابات والهيئات التي تنظمها تشكل مجال التركيز الأساسي مع أن الانتخابات لا تشكل -في حد ذاتها-ركيزة الاستقرار حيث تؤدي أحيانا إلى التوترات والعنف العرقي حيث إن استحواذ الحزب الفائز على جميع أصوات الناخبين في الدول المتعددة الأعراق والمتخلفة والتي تسيطر فيها الحكومات على جُلَّ ثروات الدولة ، يجعل من الانتخابات مسالة مصيرية: الحياة أو الموت؛ لذا يتعين أن تتمتع الجهات المنظمة للانتخابات بالاستقلالية عن الحكومة.
على أن الفرق بين الانتخابات الكينية الأخيرة وبين مثيلتها في غانا يتمثل في استقلالية مجلس تنظيم الانتخابات في الأخيرة ومتانتها حيث لم تنحصر الشفافية على صلاحية إعلان نتائج الانتخابات من مجلس التنظيم بل كان من مقدور المجموعات المحايدة رفع المخالفات إلى السلطات القضائية، وهذا التعدد الإجرائي وإمكانية المساءلة أعطى الناخبين الغانيين الثقة بالنظام الانتخابي رغم ضآلة فروق في النتائج الانتخابية لعام 2008م ، على سبيل المثال.
وتجدر الإشارة إلى أن ” مجلس حقوق الإنسان والعدالة الإدارية CHRAJ “
يشكل آلية مؤسساتية فعالة لاحتواء الأزمات العرقية وقد منحها المادة 456 من الدستور عام 1993م صلاحية التحقيقات عن شكاوى الحقوقية والمساس بالحريات الأساسية في القطاع العام والخاص، ومتابعة الشكاوى حول التجاوزات الإدارية والتعسف في استعمال السلطة أو المعاملة غير العادلة من الموظفين ضد المواطن أثناء أداء مهامه”.
ومن الصلاحيات الممنوحة للمجلس تلك المتعلقة بتوعية الأفراد حول حقوقهم وحرياتهم الأساسية ومسؤولياتهم تجاه الآخرين؛ مما مكَّن الغانيون –وللمرة الأولى-من محاسبة الحكومة وطلب الاستئناف الفوري حال ثبوت المظالم على المستوى المحلي ، فبعد 12 عاما من الحكم العسكري عرفت الدولة نقلة نوعية إلى الديمقراطية وكان تكوين المجلس فرصة نادرة، والذي استفاد بدعم مادي سواء على مستوى الدولة او في الإقليم وحتى في المقاطعات. كما عززت استقلالية المُدقق عن السلطة التنفيذية مصداقية المجلس لدى الشعب الغاني وتميَّزت خدماتها عن نظيراتها في الدول الأخرى .
ويشار إلى أن المجلس عالج القضايا العامة بعضها طالت الوزراء وأخرى تعلقت بفصل الموظفين بالطريقة غير نظامية من طرف المفتش العام للشرطة وفي خصوص مصادرة ممتلكات الأفراد وحكمت المحاكم لصالح المجلس.
وقد لعب رجال الدين والمنظمات غير الحكومية المحلية دورا في بلورة فكرة المجلس على المستوى الشعبي من خلال التوعية وتنظيم المخيمات ومساندة المظلومين في رفع شكاويهم إلى المجلس لاستعادة حقوقهم .وبهذه البنية التحتية وهذا النظام التربوي والدعم المادي تمكَّن الغانيون من إدراج سيادة القانون والاستجابة السريعة حال ورود المظالم على مستوى المجلس سواء في الأقاليم أو حتى في المقاطعات. والتعدد العرقي في المجال الأمني يشكل ميزة ملموسة حيث إن قوات الأمن(الشرطة) تتعرض – في الغالب- للنزاعات على مستوى المحافظات.
ضرورة إعطاء الأولوية لاحتواء النزاعات العرقية
إن إعادة اعتبار النزاعات العرقية كمناورة سياسية للوصول إلى السلطة والاستحواذ على الثروات تُفرِض علينا إعادة النظر في المنهجية المتبعة لاحتواء الأزمات؛ فبدلا من التعامل مع صراع الهوية كنتيجة حتمية للتنوع العرقي، يتعين إيلاء الأولوية على الرؤية الاستباقية: إنشاء الهياكل المؤسسية ذات أهداف لَمِّ الشمل.
والعلاقة بين المجموعات العرقية وبين الدولة فيما يخص البحث عن الأمن والاعتراف بالهوية من صميم النزاعات العرقية حيث إن منهجية الدولة في معالجة تلك المصالح والاحتياجات هي التي تحدد مستوى الصراع العرقي؛ لأن وجود النظام القضائي المتكامل الذي يحترم حقوق الأقليات ويحميها من تجاوزات السلطة ويأخذ بعين الاعتبار المظالم ،يحول دون التعبئة العرقية. لكن ذاك الحل يتطلب تكافؤ الفرص في الوصول إلى المناصب والوظائف الحكومية وخدماتها.
لكن مشاركة الأقليات في القيادة وفي صفوف القطاع الأمني تظل ضرورية في وظائف الدولة حيث يمكن للقوات العسكرية تشكيل مؤسسة تجمعية قادرة على خلق روابط بين المجموعات العرقية المختلفة حيث يكون المعول على الهوية الوطنية بدلا من الانتماء العرقي، وتضمن حرية تنقل الأفراد في جميع أنحاء البلاد وتكون الجدارة هي المعيار للوصول إلى الوظائف والمناصب.
ولتمثيل التعدد العرقي في صفوف قوات الأمن إيجابيات كثيرة حيث إن الشرطة تتعامل في الغالب مع احتواء الأزمات على المستوى الشعبي في مناطق عدة في إفريقيا.
على أن الانتخابات بدورها تشكل مصدر التوترات العرقية مما يجعل الاهتمام بها – في سياق البحث عن السبل الكفيلة في احتواء العنف- من الأولويات وذلك لاستغلال السياسيين التنوع العرقي أثناء الفترات الانتخابية.
غير أن تكوين لجنة انتخابات حرة ونزيهة مع تمثيل التعدد العرقي وبقيادة مسئولين ذوي الخبرة والنزاهة يحول دون نجاح استغلال السياسيين للاعتبارات العرقية ، والمجلس المكلف بالإشراف على الانتخابات في غانا خير أنموذج يحتذى به وذلك لبرهنته على أن من مقدور المجلس الانتخابي الكفؤ أن يلعب دورا محوريا في مكافحة العنف العرقي.
ومن مقدور اللجان الانتخابية الحرة وضع شروط انتخابية تتيح الفرص للمرشحين القادرين على تكوين ائتلافات بين المناطق وبين المجموعات العرقية المختلفة، ويمكن الإدراج في الشروط إبعاد الاعتبارات العرقية في التقسيم الإداري للانتخابات.
جدير بالذكر أنه يمكن الاستفادة من خبرة لجنة الانتخابات في غانا في احتواء التوترات العرقية من خلال الحلول التي توصلت إليها حيث لعبت اللجنة دور مؤسسة حكومية حاضرة على متناول الجميع والمكلفة بمتابعة ملفات المظالم ومعالجتها. وتعميم إنشاء هياكل مشابهة في جميع أنحاء إفريقيا سيشكل خطوة نحو حماية الأقليات من التعرض للانتهاكات، ويساهم في احتواء الأزمات على المستوى المحلي.
لكن ذلك يتطلب تسخير الإمكانات والتسهيلات اللازمة للجان وإعطائها الصلاحيات لإشراك الجهات الحكومية المعنية بتسوية المظالم. وأمين المظالم لحقوق الإنسان يشكل آلية رسمية يمكن لأفراد المجتمع الرجوع إليه لتسوية الخلافات بين المجموعات وكون طبيعة مهامه تُفرض ضرورة كسب الثقة والدعم الشعبي ذلك يُلزِم إزالة العقبات الحائلة دون وصول المظلومين إلى أمين المظالم في كل أنحاء البلاد.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا