تولو أوغونليسي, صحفي نيجيري مقيم بلاغوس(*)
ترجمة قراءات إفريقية
قبل عقدين من الزمن، كانت لاغوس مترادفة للمناطق الحضرية المهملة – وليس ذلك فقط, بل منذ فترة طويلة، كانت الصورة الكبيرة للإهمال تكمن في حرمان المدينة من الطرق والجسور والمساكن في ظل انفجار عدد السكان، إضافة إلى سيطرة القمامة عليها دون إيقاف, وحوادث الطرق البشرية.
لقد تغير الكثير نحو الأفضل منذ مطلع القرن ال21، عندما عادت الديمقراطية إلى نيجيريا بعد عقد ونصف من الحكم العسكري.
إن الجنود الذين أطاحوا في عام 1984 بحكومة مدنية منتخبة أهدروا الكثير من الوقت تاركين بصماتهم على لاغوس – حيث ألغوا عقد عام 1982 لبناء خط المترو الأول للمدينة. ولربما قد يغير المشروع الذي يشمل 28.5 كم وجه المدينة إلى الأفضل ويحفز التوسعات والترقيات – لو تم تنفيذه حينها.
عاد الجيش مرة أخرى في عام 1990, وكان الهدف هذه المرة هو “ماروكو”، مدينة الصفيح المترامية الأطراف موجودة في وسط الأهوار إلى الشرق من جزيرة “فيكتوريا” الراقية التي كانت موطنا لأكثر من ربع مليون شخص. تدفقت الجرافات إليها وسوّت المكان، دون أي تحرّك من الحكومة بسبب عدم وجود ردود أفعال.
في ذلك العام لم يكن كل ما حدث هو اختراق جميع سياسات الأرض. لأن 1990 هو نفس العام الذي – كهدية من القائد العسكري إبراهيم بابانغيدا – حصلت المدينة على “تورد مين لاند بردج (الجسر البري الرئيسي الثالث)”، والذي يكتسح 12 كم عبر البحيرة القذرة الجالسة بهدوء في قلب المدينة.
في عام 1938، وصلت جدتي هنا في المدينة للالتحاق بالمدرسة الثانوية. وكانت لاغوس التي رحبت بها حينها مدينة انتشر أقل من ربع مليون شخص من سكانها عبر جزيرتين – لاغوس و “إيكويي” – والأطراف الجنوبية من “مين لاند (البر الرئيسي)” في “إِدُّو”، “إيبوتي ميتا” و “يابا”.
وكانت الدراجات وسيلة اعتيادية للنقل، والجدة تذكّرتْ أنها مرة تعرّضت للغرامة بسبب ركوبها الدراجة بدون خوذة.
في العقود السبعة منذ مجيئها إلى لاغوس، موّلت نفسها للحصول على التعليم، ووظيفة الخدمة المدنية، وربّت أربعة أطفال، وتقاعدت وهي قد اشترت ليس فقط شقة واحدة ولكن أيضا مثواها الأخير – حتى وإن كان أجلها ليس قريبا، لأنها على وشك أن تصبح في التسعين من عمرها.
كان للجدة مساهمة كبيرة في ذاكرتي الطفولية الوحيدة للاغوس من أواخر الثمانينات, وذلك عندما جئتُ أنا وأخي وأقربائي لزيارة. في ذلك الوقت وهي في الستينات من عمرها وبدون امتلاكها لسيارة، تقوم بقيادتنا في جميع أنحاء المدينة في سيارات “دانفو” و “مولوي” (نوعان من سيارات الأجرة المتوسطة والكبيرة مشهورتان في المدينة)، وهي تُرينا مشاهد المدينة وأصواتها. ومع كوننا صغارا في ذلك الوقت – لا أعتقد أنني كنت في 10 من عمري – أتذكر الوعي الذاتي الذي ساورنا جميعا ونحن جالسون في حافلة، وكان علينا تحمّل هذه المرأة المسنة بأن ترفع صوتها عاليا وهي تعرّفنا بمدينة لا أحد يهتمّ بها.
على الرغم من أنه يبدو وكأنني عشت في هذه المدينة المجنونة منذ وقت طويل، غير أن وجودي فيها لم يكن سوى عقد من السنوات. انتقلت إلى لاغوس في عام 2004 للعمل، كما فعلت الجموع من الشباب على مدى عقود. وكانت لاغوس التي رحبت بي – بعد ما يقرب من 70 عاما لجدتي – مدينة 15 مليون شخص.
في ذلك العقد ومنذ ذلك الحين، أرى أن الكثير تغيّر أكثر من العقدين السابقين. وكانت بعض التغييرات غير محسوسة ودقيقة : فأنت لا تدرك تماما أنّ مدينتك تخلو من علامات وإشارات الشوارع إلا بعد ظهورها فجأة كما لو أنها من يد خفية.
لبعض الوقت الآن، نمت المدينة كمرض خبيث. إذ تقدّر حكومة ولاية لاغوس أن ألفين مهاجر يفيضون إلى المدينة كل يوم. وكانت شبه الجزيرة “ليكي” التي تمتد شرقا مما يعرف سابقا بـ”ماروكو” هي الممر الأسرع نموا في المدينة, وهي قبل عشرين عاما لم تكن سوى سلسلة من قرى المستنقعات. واليوم باع ملاك الأراضي والزعماء أراضيهم الثمينة في المنطقة مما جعلهم الآن ضمن بعض أغنى الأغنياء في المدينة.
اليوم، يجري الانتهاء من ناطحات السحاب الأولى على “إيكو اتلانتيك سيتي”, منطقة الأعمال المركزية (CBD) في جزيرة لاغوس، مجاورة للإقليم التأريخي للمدينة، خاضعة لتجديد مذهل بدأ منذ حوالي عام 2007. وبعد عامين، تم تثبيت التحسين للاكسبرس في “أوشودي”، إحدى العُقَد النقلية الرئيسية في المدينة.
لا أعتقد أن في تصوّر أي أحد أنه يمكن تطهير”أوشودي” قط. وذلك حدث مميز لإرث “باباتوندي فاشولا” حاكم الولاية. أيضا هناك انتقادات كثيرة بعد التدخل العنيف للتحسين والتجديد للمدينة.
في العقد الحالي الثاني من القرن الـ21، نمت المدينة بكل ثقة وتكبّر. ورحبّت بأول وكالة لشركة بورش، وعدد كبير من محلات الأزياء الفاخرة. هناك أشياء لا وجود لها – أو ندر وجودها – قبل عقد ماض من السنوات, كالمغاسل وصالات الرياضة ومحلات العصير ومخازن التجزئة، إضافة إلى جسر معلق ومباني شاهقة.
صمم المهندس المعماري “ديفيد أدجاي” أول مبنىاه في لاغوس – وهو “مخزن كونسبت” الذي افتتح العام الماضي في جزيرة فيكتوريا. وظهرت نقاط الإسعاف في أنحاء المدينة؛ ورجال الشرطة يتجولون الآن بهدوء في جميع أنحاء المدينة في سياراتهم على غرار الولايات المتحدة. وهاجس محافظ الولاية الجديد “أكين أمبودي” هو إضاءة شوارع كل المدينة.
وهناك أشياء اختفت اليوم – على غرار اختفاء منطقة “ماروكو” – مثل عمليات الإعدام العلنية التي حدثت في شاطئ “بار” (هو اليوم معروف بـإيكو اتلانتيك سيتي) الذي كان أفضل بقعة للترفيه العائلي من السبعينات إلى أوائل الثمانينات.
يبدو وكأن الأيام التي كان المجرمون المستولون على المدينة للحصول على فدية, ولّت وراء ظهورنا إلى الأبد. فقد وُجد وقتذاك المجرمون المشهورون أمثال “إشولا أويينوسي” المعروف أيضا باسم “الطبيب” في الستينات، و”شينا رامبو” في التسعينات, و”حمّاني تجاني” في بداية عقد 2000. منذ أن تم هدم إمبراطورية “تجاني” في عام 2003، لم يكن هناك – حسب معرفتي – أي شخص لديه صورة مماثلة للمذكورين. وكما يرى البعض، فإن السياسة وصعود استخدام الانترنت قد وفّرا أسهل طرق مؤدية إلى الازدهار لأشخاص آخرين مجرمين.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا