بقلم:كريستوف بوابوفي و ريمي كرايول
ترجمة :سيدي .م. ويدراوغو
ماهي التهم الموجهة إليه ؟ وبم يدافع ؟ ماذا لو أقر مجلس النواب التهم الموجهة ضده ؟ وما هو موقف الرئيس الحالي إبراهيم أبوبكر كيتا من القضية؟
إن الرئيس المالي الأسبق الذي تمت إطاحته إثر الانقلاب العسكري في مارس 2012 م ، مما اضطره للجوء إلى دكار ، يحتمل اتخاذ إجراءات قضائية ضده “بتهمة الخيانة العظمى ” ولكن الانقسامات السائدة بين البرلمانيين حيال الموضوع قد تحول دون المضي قدما.
منذ عامين طرح السؤال الذي ظل يتجدد عند كل جلسة برلمانية :هل يحاكم أمادو توماني توري ؟
أحد البرلمانيين من حزب الأغلبية عبر أسفه لإثارة هذه القضية قائلا: “إنها بمثابة ثعبان البحر … هناك ثمة أولويات أخرى بالنسبة للدولة ” غير أن سؤالا حول موضوع القضية على البرلمانيين البالغ عددهم 147 عضوا.
الرئيس الأسبق أطيح به عقب انقلاب عسكري في 22 مارس 2012 م ويعيش في المنفى في دكار من ذلك الوقت وانطلقت إجراءات قضائية ضده بتهمة ” الخيانة العظمى “منذ نهاية 2013 م.
وفي هذا السياق شكلت لجنة برلمانية من 15 عضوا مكلفة باستعراض التهم الموجهة إلى الرئيس الأسبق ، حيث قامت بإجراء تحقيقات منذ يوليو 2014 م إلى أن انتهت مهمتها قبل 8 أشهر بعد تحريات طالت كثيرا من الضباط والوزراء والأمناء العاميين في الرئاسة.
هل سيتم نقاش الموضوع من قبل البرلمانيين خلال الأسابيع القادمة؟
تجيب “عائشة بلكو ميغا”- نائبة رئيس البرلمان التي اعترفت في الوقت ذاته بحساسية القضية التي تستدعي تفادي التهور- : “إنه في البرنامج وإن كان الأمر يتوقف على عدد القوانين التي سنتطرق ‘ليها “
وحال ورود الملف إلى الجلسة العامة هل سيؤيد البرلمانيون الإجراءات القضائية التي اتخذت ضد توري منذ 2013 م؟
الأمر يتعلق بما سينتهي إليه التقرير حسب ما يراه الكثير ، غير أن ثمة انقسامات بين البرلمانيين حيال القضية بغض النظر عن الانتماءات السياسية حيث يرى البعض بأنه ” لولا سوء إدارة توري لما حصل الكابوس الذي عايشوه “على حد قول نائب من بماكو.
بينما يرى الآخرون العكس “كيف يحاكم الرئيس الأسبق بينما نسعى للمصالحة بين أبناء مالي ؟! وكيف نتهمه بممارسات لا زالت جارية ؟! “،حسب تعبير برلماني من الشمال.
ما الاتهامات التي يؤاخذ عليها؟
لقد وجهت الحكومة أصابع التهم في شهر ديسمبر 2013 م إلى توري بتمكين الانفصاليين الطوارق والجهاديين للاستيلاء على شمال البلاد وأنه لم يوفر للجيش الامكانيات اللازمة لطردهم. كما وصف المدعي العام الوضع بالخيانة العظمى متهما الرئيس ” بفشل رئيس السلطة التنفيذية “.
وأضاف بأن دخول القوات المسلحة على الأراضي المالية واستقبالها ودعمها الرسمي بالمال إلى جانب التسهيلات التي تمت بموافقة من الرئيس يعتبر إما تهاونا أو إهمالا يتوجب المعاقبة.
هل سيصل تقرير اللجنة إلى أبعد الحدود؟
حسب موقع “جان أفريك” فالجواب بالنفي ، حيث تضمن التقرير ملخصا عن “ الاتهامات المحتملة توجيهها ضد الرئيس الأسبق ” وبناء على إدلاء الشهود( وهم عشرات) الذين تم الاستماع إليهم من اللجنة –يرون أن توري ساهم في زعزعة استقرار الدولة وذلك بعدم معارضته على دخول واستقرار قوات أجنبية على الأراضي ، على حد قول “براهيما بيردغو”، المقرر الخاص.
وأنه أتاح الفرصة لمئات من المسلحين الذين أتوا من ليبيا بالأسلحة للدخول إلى مالي وساهم في فشل القوات الأمنية لعدم تزويدها بالعتاد الضرورية. كما أورد التقرير – بدون أدلة – جريمة التعطيل المتعمد لجهاز الدفاع الوطني ” ومن قائمة التهم “المشاركة في إلحاق الهزيمة النفسية بالجيش من خلال التعيينات التعاطفية “
كما اتهم كذلك بالاستعانة بخدمات العقيد الحاج آغ غامو زعيم مليشيات دلتا الخاضعة نسبيا تحت سيطرة الجيش النظامي.. غير أن التقرير أغفل عن الإفصاح بأن إبراهيم أبوبكر كيتا –الرئيس الحالي- هو الذي ارتقى بالعقيد غامو إلى رتبة الجنرال في سبتمبر 2013 م كما استعان بميليشياته منذ عامين بعد تغيير اسمها إلى غاتيا.
كما أضيفت إلى الجرائر تهمة “إلحاق الضعف بالقيادة العليا في هيئة أركان الجيش حيث أوردت أحداث أجيلكوك وتيساليت وميناكا( المناطق التي سقطت تحت سيطرة المتمردين والجهاديين في بداية الأزمة) لبرهنة جريمة الخيانة العظمى “.
ورغم إلحاح براهيما بيردوغو باجتماع أعضاء اللجنة برئيس برلمان النيجر في إطار التحقيقات غير أن التقرير يفتقر إلى الدقة حيث تضمن اعترافا “بأن تدقيق التهم حساس من الناحية القانونية ومعقد من الناحية السياسية ، وخلص إلى القول بأنه لم يتمكن من التقييم الموضوعي للوقائع لفقدان الأدلة الكافية.
فما الرد المحتمل؟
لقد تلقى الرئيس الأسبق الاتهامات كملاكم مقيد الأيدي وغير قادر على رد ضربات المنافس حيث إنه يعيش في سجن ذهني في دكار منذ أربع سنين منتظرا القرار الذي سيتخذه النواب في بماكو.
ورغم إحاطته بعائلته ومساعده العسكري الرائد علي بكايوكو إلا ” إنه لا يثق في الأجهزة القضائية المالية ولكنه يتوقع على الأقل أن تكون اللجنة البرلمانية مستقلة “على حد قول أحد المقربين منه.
لكن الصمت الذي يلتزم به منذ الإطاحة به يكلفه سمعته وشرفه لكنه حريص عليه ذلك لتفادي إزعاج الحكومة ونظرا لعدم الحصول على اتفاق مع الرئيس الحالي وإن كان يتلهف إلى الدفاع عن نفسه وشرفه ، كما صرح بذلك أحد المقربين منه ، قائلا: ” إنه مستعد للرجوع إلى مالي حال إثبات التهم ضده “
ونقل أحد زواره عنه أنه يعتقد بأنه ضحية لضغائن حاشية الرئيس الحالي ، معترفا بارتكاب أخطاء إثر اندلاع الحرب ولكنه يعارض بالشدة تهمة التخلي عن الجيش مفندا تلك الادعاءات بأدلة مدعمة بالأرقام.
وعلى سبيل المثال ” عرفت ميزانية الدفاع ارتفاعا بين 2002 -2012م من 35 مليار فرنك سيفا إلى 75 مليار فرنك سيفا ، وميزانية الأمن من 8 إلى 30 مليار فرنك سيفا .كم تم تزويد معسكر الشمال بالعتاد إلى جانب تجنيد الكثير والتدريب وشراء الأسلحة….لكن أفراد الجيش هربوا من مواجهة العدو عام 2012م.
صحيح أن ثمة أخطاء استراتيجية ارتكبت إبان هجوم المسلحين وخاصة في أجيلوك لكن مسؤولية الرئيس فيها نسبية ، واستنادا على تلك الاعتبارات يرى أحد الموالين له بأن ” مطالبته بالإدلاء بشهادته عما حدث منطقي ولكن محاكمته خطأ”.
ماذا سيحدث حال تصويت النواب على توجيه التهم ضده ؟
بناء على مادة 95 من الدستور يكون توجيه الاتهام بعد تصويت ثلثي النواب قبل اتخاذ الإجراءات القضائية ثم تصدر المحكمة العليا توجيهات إلى المعني بالمثول أمام القاضي وهناك احتمالان في ذلك: أن يمتثل الرئيس الأسبق طواعية للمحاكمة في بماكو أو يرفض الامتثال وعندئذ سترفع دولة مالي طلب تسليمه إلى السنغال.
وذلك يعقد الوضع حيث يسمح القانون السنغالي 1971 م بالتسليم غير أن المادة 5 تضيق نطاقه ” لا يشمل التسليم إذا كانت الجرائم والمخالفات ذات الطبيعة السياسية “.
كما لم يتحصن توري بوضعية اللاجئ السياسي حيث لم يطلب ذلك قط ، لكنه يتمتع بحصانة دبلوماسية بصفته رئيس دولة أسبق ؛ كما أن إجراءات التسليم على نطاق CEDEAO معقدة واتفاقيات أبوجا 6 أغسطس لعام 1994 م أكثرها صرامة.
الرؤساء المسجونون في مالي
موديبو كيتا: تم الإطاحة به عقب انقلاب عسكري بزعامة موسى تراوري 19 نوفمبر 1977م ثم حبس في سجن كيدال بعد محاكمة عاجلة وتوفي في السجن في 16 مايو 1977م عن عمر يناهز 61 عاما .
موسى تراوري: أطيح به عقب انقلاب عسكري في 26 مارس 1991م بعد انتفاضة شعبية وحكم عليه بعقوبة الإعدام وذلك بتهمة قمع المتظاهرين 1991 م ، لكن ألفا عمر كوناري خفف عقوبته إلى السجن المؤبد ثم عفي عنه.
فما موقف الرئيس الحالي إبراهيم كيتا حيال هذه القضية؟
” لا علاقة بي بالأمر…وقد أبلغت توري بأنني لست من السياسيين الذين يخشى من ألاعيبهم القذرة ” هذا ما صرح به الرئيس الحالي أثناء مقابلة أجرته جريدة جان أفريك معه في ديسمبر 2015 م حول موضوع الإجراءات القضائية الراهنة.
من المسؤول عن تحريك الدعوى؟
يقول احد المقربين من الرئيس الحالي : ” في ديسمبر 2012 م عند اطلاق الاتهامات تلقى الرئيس الخبر على التلفاز فاحتد غيظا غير أنه لم يكن بمقدوره الرجوع عنه “.
أكد ذلك أحد الوزراء قائلا: “يبدو أن الأمر كان مباغتا للرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا حيث لم يناقش موضوع توجيه التهم إلى توري في مجلس الوزراء ، إنما جعلوا الرئيس أمام أمر الواقع ، ونظرا لكلامه السابق عن المساواة وأنه لا أحد فوق الفانون فلم يكن بمقدوره التراجع ” .
على أن الإجراءات التي انطلقت من المدعي العام وقد لا تكون “المبادرة فردية “بل كانت مدعومة من محمد علي باتيلي وزير العدل آن ذاك(ووزير الأملاك العامة والعقارية حاليا) وكان توري قد عينه مديرا لمكتبه عقب الانقلاب الذي أطاح بموسى تراوري 1991 م ثم تدهورت العلاقة بينها لاحقا.
ما هو موقف إبراهيم كيتا ؟
” لا يرغب الرئيس في محاكمة توري ولا اتوقع من نواب حزب الحاكم (حزب التجمع من أجل مالي RPM )التصويت لتوجيه الاتهام ضد الرئيس الأسبق ” على حد قول أحد أهم مستشاريه.
ومعلوم أن الرئيس الحالي أجرى اتصالا هاتفيا مع الرئيس الأسبق في عام 2015 م لتعزيته بوفاة الأم التي ربته في موبتي و اقترح عليه وضع كافة التسهيلات له مما في ذلك طائرته إذا رغب في المشاركة على الجنازة ، غير أن الأخير رفض بتأدب مما يوحي بقوة العلاقة بينهما.
يمكن الاطلاع على رابط المقال الأصلي من هنا