د. رشا السيد عشري
باحثة مصرية متخصصة في الشأن الأفريقي
عقدت الجامعة الإسلامية بمنيسوتا-الولايات المتحدة الأمريكية فرع السنغال مؤتمرًا دوليًّا حول “جهود علماء إفريقيا في نشر الإسلام، الثقافة والحضارة الإسلامية” يومي 7-8 أغسطس/أب 2020م، برعاية كل من (مؤسسة APTESS فرنسا، جامعة المرقب ليبيا، الاتحاد الدولي للمؤرخين للتنمية والثقافة والعلوم الاجتماعية، المعهد العربي للديمقراطية تونس، المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية بورزازات المغرب، مركز البحوث والدراسات الإفريقية بالسنغال).
وكانت أعمال المؤتمر -الذي عُقِدَ على مدار يومين- مقسمة على إحدى عشرة (11) جلسة علمية لعدد ستين (60) ورقة بحثية، بواقع (5) إلى (6) ورقات في كل جلسة، شارك فيها أساتذة وباحثون متخصصون، وخبراء أكاديميون من الدول الإفريقية والإسلامية.
كما أسهم المتابعون والحضور -من خلال الحوار والنقاش- في إثراء المؤتمر الذي انتهت فاعلياته مساء يوم السبت 8 أغسطس 2020م، وتوصّل إلى عددٍ من الملاحظات والتوصيات التي دعا المؤتمر إلى تفعيلها في الفترة القادمة.
وقد تضمَّنت الأوراق البحثية العديد من الموضوعات المهمة حول جهود نشر الإسلام في القارة الإفريقية، وتفعيل الدور الحضاري والثقافي، شملت بعض هذه الأوراق البحثية الموضوعات الآتية:
مجلة قراءات إفريقية ودورها في نشر الوعي والثقافة:
الورقة البحثية التي شارك بها الأستاذ الدكتور علي يعقوب – عميد الدراسات العليا والبحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالنيجر– ضمن جلسات اليوم الأول في المؤتمر ، كانت تحت عنوان “دور مجلة قراءات إفريقية في نشر الوعي بجهود علماء إفريقيا في نشر الإسلام”.
ركَّزت الورقة البحثية على جهود مجلة قراءات إفريقية في نشر الوعي والثقافة وجهود العلماء ودورهم الكبير في نشر الإسلام في القارة الإفريقية؛ من خلال التعليم والوعظ والتأليف قديمًا وحديثًا؛ حيث كانت الإشكالية التي تمَّ التركيز عليها وهي افتقار دور النشر العربية في التعريف بالقارة وعلمائها، وعدم تسليط الضوء عليهم، وكذا على قضاياها بشكلٍ كبيرٍ، حتى ظهرت مجلة “قراءات إفريقية”، وسلَّطت الضوء على قضايا القارة الإفريقية المختلفة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وفكريًّا، وركزت على جهود العلماء الأفارقة ودورهم في نشر الإسلام منذ ظهور العدد الأول منها عام ٢٠٠٤م إلى العدد الخامس والأربعين لعام 2020م؛ حيث تمَّ تقسيم الورقة البحثية إلى مبحثين وخاتمة.
ركَّز المبحث الأول على التعريف بالمجلة ونشأتها وفروعها المختلفة؛ ثم المبحث الثاني، والذي ركّز على دور مجلة قراءات إفريقية في نشر الوعي بجهود علماء إفريقيا في نشر الإسلام وكذا الثقافة، فمنذ صدورها وقد اعتمدت على رَصْد جهود العلماء في نشر الإسلام بداية من العدد الأول؛ حيث ركَّزت على جهود الشيخ عثمان فوديو في نشر الإسلام.
ثم ركزت في عدد آخر على جهود العلماء الأفارقة في نشر الثقافة الإسلامية في غرب إفريقيا بدايةً من دولة سنجاي حتى الوقت المعاصر، وذلك من خلال التعليم والتدريس وغيرها، وفي أعداد أخرى ركَّزت على مدارس التفسير سواء في نيجيريا أو دول غرب إفريقيا، مثل دولة الإمامية في السنغال، التي أسَّسها العلماء والأئمة في إفريقيا مثل الشيخ عبد القادر البنا، والشيخ ليمان بال.
وهناك أعداد أخرى ركَّزت على دور الشيخ أحمد والشيخ موسى حمرا من السنغال، وهما من الذين لهما دور كبير في كتابة تاريخ غرب إفريقيا؛ حيث نوَّهت المُدَاخَلة على تشويه التاريخ الإسلامي في غرب إفريقيا نتيجة نقل العلماء العرب التاريخ من الكُتّاب الغربيين؛ ما أّدَّى إلى تشويه التاريخ كتاريخ الشيخ عثمان فوديو. واختتمت الورقة بالتركيز على أهمية مجلة “قراءات إفريقية” في نشر الوعي والثقافة وجهود العلماء الأفارقة في نشر الإسلام في القارة الإفريقية. وأوصت بضرورة الاهتمام بمثل هذه المجلات، وحثّ الأقلام الإفريقية على الكتابة في التاريخ لإزالة التزييف والتشويه الغربي للتاريخ الإفريقي.
المذاهب الدينية وأثرها في نشر الإسلام في القارة:
مُداخَلة بعنوان “أثر فقهاء المالكية في الحياة العلمية والثقافية في ممالك السودان الغربي، غانا، مالي، سنغاي، كانم في العصر الوسيط”، والتي ركَّزت على أهمية الثقافة الإسلامية في تكوين الهوية الإفريقية؛ حيث كان لفقهاء المالكية دور بارز في مجال التعليم والتدريس، وإنشاء المكتبات، وتأليف الكتب، وشرح الفقه المالكي في مساجد تنبكت وجني وغاو وولاتة وغيرها.
كما كان أثر فقهاء المالكية واضحًا في مناهج التدريس والدعوة الإسلامية بإدخال الملوك والقبائل الوثنية للإسلام، وتحفيظ الأولاد القرآن الكريم؛ كما لاحظ ذلك ابن بطوطة خلال رحلته.
وانتشرت كتب المالكية بحيث لا تخلو خزانة أو مكتبة من وجودها مثل كُتب القاضي عياض وسحنون وشروح ابن القاسم وخليل وكتب المغيلي والونشريسي وموطأ مالك والمدونة والخزرجية وكتب التاجوري والقرطبي وغيرها.
وقد خلصت الورقة إلى ضرورة إبراز فضل علماء المالكية المغاربة في نشر الثقافة العربية الإسلامية في إفريقيا جنوب الصحراء (السودان الغربي والأوسط)، وأهمية دراسة تاريخ إفريقيا في العصر الوسيط واعتبارها أزهى الفترات في جميع المجالات عكس ما يروّج له بعض المؤرخين الغربيين أنها الفترة المظلمة في تاريخ إفريقيا، وأن تطوُّرها بدأ بعد فترة الاستعمار الأوروبي.
دور العلماء المسلمين في نشر الإسلام وقيم التسامح والثقافة في القارة:
ورقة بحثية بعنوان “دور العلماء في نشر مبادئ الإسلام من التسامح والاعتدال”، والتي ركَّزت على دور العلماء في ترسيخ قيم التسامح والاعتدال؛ من خلال موقفهم من الاسترقاق بالسودان الغربي. فقد تعدَّدت مصادر التزود بالعبيد في السودان الغربي، والتي يمكن حصرها في عملية الاسترقاق المنظَّمة سواء من طرف القبائل أو السلطة السياسية، وأغلب هؤلاء المسترقون كانوا يوجهون إلى الأسواق، وغالبًا ما ينتهي بهم المطاف في أسواق المغرب أو المشرق أو العالم الجديد.
وقد حاول الأساكي أحد حُكام مملكة سنغاي والتجار بمدينة توات إيجاد مُسَوِّغ شرعيّ لامتلاك العبيد والاتجار فيهم، لكنَّ العلماء الأفارقة دافعوا عن ترسيخ قِيَم التسامح والاعتدال من خلال تطرُّقهم لمسألة الاسترقاق، والإجابة عن الفتاوى التي وردت عليهم سواء من السلطة السياسية أو من التُّجار.
تناولت هذه المسألة آراء ثلاثة علماء مسلمين من دول إفريقية مختلفة، هم السيوطي من مصر، والمغيلي من الجزائر، وأحمد بابا من تمبوكتو حول مسألة استرقاق العبيد بالسودان الغربي خلال العصر الأسكي وبيعهم، ومجالات الاسترقاق وشروطه. والمُلاحَظ من فتوى وآراء هؤلاء العلماء أنهم حصروا مجال الاسترقاق في الكافر الذي لا تربطهم به أيّ معاهدة وألَّا يكون ذميًّا. إلا أنه بالرغم من بعض هذه المسائل، فقد كان التركيز على إظهار دور علماء إفريقيا في النهوض بالثقافة والحضارة الإسلامية بالقارة الإفريقية، لا سيما بمنطقة السودان الغربي. وقد خلصت الورقة البحثية إلى مجموعة من التوصيات تمثَّلت في تعزيز البحوث حول علماء إفريقيا والاقتداء بآرائهم في النهوض بأوضاع الأمم والمماليك الإسلامية الإفريقية، فضلًا عن العناية بالمخطوطات والفكر الإفريقي وصيانته وحفظه من الضياع عن طريق الرقمنة والتحقيق.
صِلات الشيخ محمد المامي الباركي بالغرب الإفريقي:
ورقة بحثية بعنوان “قيمة التسامح ودورها في تجسير الصلات بين الثقافات والشعوب: قراءة في صِلات الشيخ محمد المامي الباركي بالغرب الإفريقي”. ركَّزت على دور العالم محمد المامي الباركي في نشر الدين الإسلامي في الغرب الإفريقي؛ وذلك من خلال كتبه المتعددة وآرائه الفقهية، وحلقاته في التدريس، ودوره في تعزيز قِيَم التسامح والاعتدال بين القبائل؛ حيث ركَّزت الدراسة على ضرورة العناية بتراث وجهود علماء إفريقيا ونشره، وإنجاز الدراسات المعمقة حوله لسبر أدواره في البناء الحضاري، واستلهام قِيَمه في واقعنا المعاصر بما يُعزّز ثقافة التسامح والتلاقي بين الثقافات والشعوب خدمةً للإنسانية وقِيَم التعارف والتواصل الحضاري المثمر.
وقد أوصت الورقة البحثية بضرورة الاهتمام بتراث الشيخ محمد المامي، واستنطاق قِيَمه الحضارية، وخدمة مناحيه العلمية، والنهل منه في المجال العلمي والأكاديمي عبر الاستفادة من كتبه في مجال التدريس وتجربته العلمية ومشروعه الفكري عمومًا.
إسهامات الحاج عمر الفوتي:
ورقة بحثية بعنوان “جهود وإسهامات الحاج عمر الفوتي في نشر الثقافة والحضارة الإسلامية في غرب إفريقيا”.
تعالج هذه الدراسة موضوعًا مهمًّا، وهو إسهامات وأثر الحاج عمر الفوتي في نشر تعاليم الدين الإسلامي، والتمسك بتعاليمه السمحاء، فمع بداية التوسع الأوروبي للاستيلاء على القارة الإفريقية سجَّل زعماء الإسلام بطولات منقطعة النظير، ووقفوا سدًّا منيعًا ضدّ محاولات التوسع الأوروبي، وكبَّدُوا العدو خسائر فادحة، ونجحوا في إرساء أُسُس العقيدة الإسلامية على أساس صحيح، ومازالت شعوب غربي إفريقيا الإسلامية تدين بالكثير لهؤلاء الزعماء، ومن أبرز الذين ساهموا بشكل فعَّال نجد المجاهد التجاني عمر الفوتي التكروري، الذي يُعدّ من أشهر زعماء حركات الإصلاحية الجهادية في غرب إفريقيا؛ إذ اتسمت حياته بالعلم والفقه والجهاد في سبيل دينه ووطنه، كما عمل على نشر تعاليم الطريقة التجانية، وحمايتها من الوثنيين والفرنسيين.
أيضًا كان له أثر بارز في غرب إفريقيا؛ حيث هدفت حركته إلى إحياء الجهاد، وشملت مناطق واسعة من حوضي نهري السنغال والنيجر؛ إذ تميز بإخلاصه لدينه، كما خلَّف تراثًا فكريًّا ضخمًا دعم به مشواره الإصلاحي وحتى الجهادي، فنشأته في بيئة دينية علمية مرموقة في منطقة الفوتاتورو دعمته بعلوم الدين الإسلامية ونشره.
وأيضًا من الذين ساهموا في الثقافة العربية الإسلامية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي الشيخ عمر بن سعيد تال الفوتي (ت 1865م)، وقد وُلِدَ الشيخ عمر تال في قرية حلوار بالقرب من بودور (PODOR) على الحدود السنغالية الموريتانية في عام 1797م، ودرس اللغة العربية وعلوم الدين عند والده، فحفظ القرآن الكريم، ودرس صحيحي البخاري ومسلم، ثم ترك حلوار لطلب العلم في فوتاتورو ثم فوتاجالو.
وفي عام 1826م قام الحاج عمر برحلة إلى بيت الله الحرام، ومرّ في طريقه إلى الحج بمدينة (حمد الله) عاصمة دولة ماسينا الإسلامية، ثم واصل إلى سكتو عاصمة دولة عثمان بن فوديو وقضى فيها سبعة أشهر، ثم غادرها إلى فزان في ليبيا، ثم مصر، ثم أخيرًا وصل إلى مكة المكرمة عام 1828م، وقد مكث عند عودته من الحج في القاهرة بعض الوقت للدراسة في جامع الأزهر.
وفي طريق عودته عرّج على برنو، ومكث فيها مدة للتدريس، ثم ذهب إلى سكتو، ثم إلى ماسينا بعد وفاة خليفة سكتو محمد بلو عام 1838م، ومكث فيها فترة، وغادرها بعد سوء التفاهم مع حكامها، وأخيرًا استقر في منطقة فوتاجلو، واستطاع بعد عودته إلى فوتاجالو أن يقيم دولة إسلامية مترامية الأطراف، تحكمها الشريعة الإسلامية، ولغتها الرسمية اللغة العربية. وللشيخ عمر بن سعيد تال الفوتي مؤلفات عدة؛ من أشهرها: منظومة في إصلاح ذات البين، ومنظومة سفينة السعادة، وغير ذلك من الكتب، وجلّها في الدعوة وتهذيب الأخلاق.
دور العلامة محمد بن عبدالكريم المغيلي:
ورقة بحثية أخرى بعنوان “دور العلامة محمد بن عبدالكريم المغيلي في خدمة الإسلام بإفريقيا”؛ يُعتبر العلامة الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي أكبر داعية عرفه الغرب الإفريقي خلال القرن 9ه/15م وبداية القرن 16م، فبعد رحيله من تلمسان، وإقامته في توات التي كانت له فيها قصته المشهورة مع اليهود الذين استولوا على الموارد الاقتصادية، وأفسدوا الأخلاق والذِّمم؛ قام هذا الداعية برحلته الطويلة إلى بلاد السودان الغربي، واشتغل بالدعوة والوعظ والتدريس والقضاء والإفتاء، وبذل النُّصح لأمرائها وأُولي الأمر فيها، وطاف بعددٍ من عواصمها وأقاليمها؛ حيث أعطى العلامة المغيلي قيمة كبيرة للتعليم في إحداث التغيير الاجتماعي المنشود، كما ساهم في الإصلاح السياسي بممالك غرب إفريقيا. ومن ثَمَّ أوصت الدراسة بضرورة البحث في تاريخ علماء إفريقيا وتبنّي استراتيجياتهم في الإصلاح والتغيير.
دور الفكر الصوفي:
ورقة بحثية بعنوان “دور الفكر الصوفيّ في ترسيخ القِيَم والمفاهيم الإسلامية في السّودان”. ركَّزت المُداخَلة على دور الفكر الصوفي في إفريقيا لا سيما السودان؛ حيث ركَّزت على طرق الاستفادة من القاعدة العريضة للطرق الصوفية وسط شرائح مختلفة من السودانيين .ودعت لضرورة توسيع الخطاب الديني لتشمل قضايا تمسّ أمن وسلامة المجتمع السوداني، وتعزيز مفاهيم العدالة الاجتماعية ونَبْذ الفُرْقَة والشتات، ومنهجية الوسائل التربوية واستخدامها كأدوات للإصلاح الحقيقي، ولزيادة الوعي الديني والاجتماعي للمجتمع، وذلك لنشر قيم السلام والتنمية وقبول الآخر.
دور المراكز التعليمية في نشر الثقافة والعقيدة الإسلامية:
رصدت ورقة بحثية بعنوان “دور علماء تلمسان في نشر وترسيخ الحضارة الإسلامية في إفريقيا خلال القرن 17م: الحركة التعليمية أنموذجًا”. دور المراكز التعليمية في نشر الدين الإسلامي، وتوسيع الحركة الثقافية بالرغم من التحديات التي واجهت التعليم في تلك الفترة.
فبالرغم من الاضطرابات والتحولات السياسية التي عرفتها حاضرة تلمسان منذ مطلع القرن 16م، فإن الحالة العلمية والثقافية شهدت وضعًا مميزًا تكاد تجمع جُلّ المصادر والمراجع على أن نظام الحكم العثماني في الجزائر لم يهتمّ بالثقافة والمثقفين، ولم يترك هذا النظام معالم ثقافية قائمة بذاتها تنسب إلى العثمانيين على غرار الجامع الأزهر في القاهرة، وجامع القرويين بفاس وجامع الزيتون بتونس، ولعلَّ ذلك راجعٌ لانشغالهم بالجهاد البحري، بالإضافة إلى عدم فهمهم للغة العربية، لكن هذا لا يعني أن الجهل كان منتشرًا انتشارًا كاملًا، بل كانت هناك مجموعة من المراكز التعليمية التي لعبت دورًا كبيرًا في الحفاظ على الثقافة وتخريج مجموعة من العلماء والفقهاء.
ورغم الأوضاع المزرية سالفة الذكر إلا أن الحركة التعليمية كانت نشيطة؛ فقد شهدت المدينة حلقات تدريسية حضرها علماء محليون وعلماء وافدون من الأقطار الإسلامية المجاورة؛ فقد كان المدرسون يؤكِّدون على تعليم المبادئ الإسلامية، وتحفيظ القرآن، وتعليم السنة النبوية، تجلَّى دورهم العلمي من خلال بثّهم لمختلف العلوم التي انبرت لهم مجالسهم العلمية في مدارس تلمسان.
وأخيرا يمكننا القول: إنه رغم الأوضاع السياسية التي أجبرت بعض العلماء على ترك ديارهم إلا أنهم لم يتخلوا عن مهنة التعليم؛ بحيث تصدروا للتدريس في مختلف المراكز التعليمية سواء في المغرب أو المشرق.
وقد توصلت الدراسة إلى أن الأمة الإسلامية تعيش منعطفًا خطيرًا، وتكتلات كبرى؛ لذلك وجب عليها أن تتكاتف وتتعاون، وذلك من خلال مجموعة من التوصيات التي تمثلت في مدّ المزيد من جسور التعاون بين الثقافات، وإعداد خطة متكاملة لتمتين أواصر الترابط الثقافي بين دول إفريقيا عامة وشمالها خاصة، وردّ الاعتبار لفكرة التسامح الديني، أو ما يسمى بالتعايش السلمي؛ فضلاً عن حثّ العاملين للإسلام على الإكثار من اللقاءات والندوات المشتركة لتقريب وجهات النظر، بالإضافة إلى الاهتمام بالمراكز الثقافية وإعادة إحيائها.
طرق التجارة وأثرها في نشر الإسلام والثقافة في القارة:
ورقة بحثية بعنوان “التبادل التجاري بين تلمسان والسودان الغربي وأبعاده الحضارية 633ه-962ه/1235م-1554م”.
تمكنت تلمسان في العصر الوسيط الزياني من نَسْج علاقات تجارية مميزة مع السودان الغربي، مستفيدة من الموقع الجغرافي للمدينة التي كانت مركز التقاء لثلاثة اتجاهات أساسية في حركة التجارة الإقليمية شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، مستغلة الفراغ السياسي الذي تركته دولة الموحدين في توسيع حدودها السياسية والتجارية نحو سجلماسة، مدعومة في كل ذلك بتنوُّع إنتاجها المحلي والعابر في الوقوف بثبات في ترسيم الخارطة التجارية نحو السودان الغربي وأوروبا.
ولم تقتصر آثار الحركة التجارية نحو السودان الغربي على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى التأسيس لشبكة من العلاقات السياسية والثقافية والحضارية بين ضفتي الصحراء؛ حيث كانت بين الدولة الزيانية التي عاصمتها تلمسان والسودان الغربي وفود ومراسلات، كما ساهم علماء تلمسان وغيرهم في نشر الإسلام والثقافة الإسلامية، وكان لذلك آثار طيبة على المستوى السياسي والشعبي؛ إذ أصبحت تعجّ بالعلماء والفقهاء والقضاة، وبقيت على ذلك إلى عصرنا.
لذلك كانت إشكالية البحث الرئيسية تتمحور حول التساؤل عن حقيقة العلاقات التجارية بين تلمسان كعاصمة الدولة الزيانية وبين السودان الغربي، وما هي الوسائط التي ساهمت في ترسيمها؟، وإلى أيّ مدى كانت آثارها على المستوى الحضاري؟
حيث ركزت الورقة البحثية على تلك العلاقات التجارية بين المنطقتين من خلال ما توفّره بعض المصادر والمراجع وبعض الدراسات من أجل الحصول على أجزاء من الصورة التاريخية التي كانت بين ضفتي الصحراء، وكيف ساهمت في تنويع العلاقات السياسية والثقافية؛ حيث تمكَّنت تلمسان من تأسيس فضاء تجاري متميز بين ضفتي الصحراء، وهذا راجعٌ لموقعها الاستراتيجي وخاصة المنطقة المغاربية والمتوسطية، كما أصبحت ممرًّا لطريق الذهب، واستغلت ذلك في تنويع نشاطاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية طوال الفترة الزيانية، واستطاعت أيضًا أن تتفاعل مع المجال الجغرافي السوداني الغربي رغم صعوبة الوصول إليه.
ومن ثَمَّ كان للتجارة دور مهمّ في العلاقات العامة بين بلاد المغرب الإسلامي والسودان الغربي، ومن خلالها نُسِجَتْ العلاقات السياسية والثقافية والاقتصادية، وعندما تراجعت تأثرت تلك العلاقات بشكل كبير جدًّا على كافة الأصعدة.
حركات التحرُّر وتأثيرها في نشر الوعي في القارة
ورقة بحثية بعنوان “مســــار القضيـة الجزائــرية فـــي المؤتـمــرات الإفريقية”، شهدت القارة الإفريقية عقب الحرب العالمية الثانية بروز موجة تحرُّر بشكلٍ متسارع أرغم الدول الاستعمارية على إعادة النظر في وجودها في القارة، كما اتسمت هذه الفترة بظهور التنظيمات الحزبية والنقابية الشعبية الإفريقية التي حملت على عاتقها قيادة حركة التحرُّر في إفريقيا، وكان من أبرز نشاطات تلك التنظيمات الدعوة إلى عقد العديد من المؤتمرات بين سنتي 1958-1961م، والتي هدفت إلى تحرير القارة وشعوبها من نَيْر الاستعمار وهيمنته، والتي كانت بمثابة إرهاصات لقيام منظمة الوحدة الإفريقية على المستوى الشعبي، كما تزامن مع المؤتمرات الشعبية عقد مؤتمرات رسمية حكومية مدعومة بتأييد شعبي عارم.
لذلك ركَّزت هذه الدراسة على محاولة تسليط الضوء على بعض الجوانب الغامضة من تاريخ الدبلوماسية الجزائرية إبَّان الثورة التحريرية، وبالخصوص مسار القضية الجزائرية أثناء عقد المؤتمرات الإفريقية، مما أثار تساؤلًا مهمًّا مفاده هل حظيت القضية الجزائرية بقرارات سياسية حاسمة أثناء انعقاد المؤتمرات الإفريقية؟ وهل اعتبرت هذه المؤتمرات مكسبًا مهمًّا للثورة الجزائرية لتدويل القضية الجزائرية على الصعيد الدولي؟
كانت فكرة اتحاد الشعوب الإفريقية من أجل الحصول على استقلالها فكرة تراود الكثير من المفكرين الأوائل خاصة السود خارج القارة الإفريقية، وكان معظمهم من زنوج الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الشخصيات التي سعت إلى توحيد الأفارقة الأمريكيين؛ حيث احتشد في لندن في مطلع عام 1900م عدد من الأفارقة ومعظمهم من زنوج الولايات المتحدة بقيادة أحد أبرز الشخصيات الإفريقية الأمريكية ألا وهو وليم ديبوا (W.E.Burghard Dubois) المتوفى عام 1936م، واعتُبِرَ هذا الاجتماع هو المؤتمر الأول للزنوج الذين لم ينسوا ما فعلته بهم تجارة الرقيق عبر الأطلنطي، وساند الكثير من الشخصيات الإفريقية الأمريكية دعوته لتأسيس إفريقيا الكبرى الموحدة، واعتبر مؤتمر برلين علم 1900م المؤتمر المؤسِّس لحركة الجامعة الإفريقية (Pan Africanism).
ومن ثَمَّ ركَّزت الدراسة على دور المؤتمرات والفاعليات والمنظمات في عمليات التحرير بدءًا من إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية حتى الاستقلال والتحرُّر من قيود الاستعمار. وقد خُتِمَتْ الدراسة بدور الدبلوماسية الجزائرية إبَّان الثورة التحريرية، وبفضل سعي جيل من الشباب الدبلوماسي إلى التعريف بالقضية الجزائرية وإطلاع الرأي العام الدولي على ما يعيشه الجزائريون والجزائريات من قهر وظلم على يد المستعمر. لذلك كانت الاستراتيجية والحنكة الدبلوماسية التي تحلَّى بها ممثلو جبهة التحرير الوطني بتدويل القضية وسيلة ضغط على فرنسا لإجبارها على التفاوض مع الجبهة، والحكومة المؤقتة، رغم أن الحكومة الفرنسية كانت تنظر إلى الثورة الجزائرية على أنها تمرّد، إلا أن الحركات التحررية في الجزائر أثبتت حرية نشاطها واستقلاليته قراراتها.
أهم التوصيات:
خرج المؤتمر في الجلسة الختامية بمجموعة من الملاحظات على الأوراق البحثية، ومجموعة من التوصيات تمثل بعضها في الآتي:
– التشجيع المتواصل والتعاون الاجتماعي والثقافي والفكري بين البلدان العربية ومثيلاتها من البلدان الإفريقية؛ من أجل تبادل الخبرات والتجارب في المسائل ذات الاهتمام المشترك، بما يخدم الإسلام والمسلمين.
– العمل على إنشاء مراكز بحثية متخصِّصة في دراسة القضايا المشتركة على مستوى العالم العربي والإسلامي، وجعل المسؤولية مشتركة في الحفاظ على الآداب والقيم والأخلاق الإسلامية وترسيخها، وتقديم الحلول الناجعة للمشاكل والتحديات، والاستفادة من التجارب واستلهام العِبَر بما يكفل المحافظة على هوية العالم العربي والإسلامي وخصوصيته.
– المحافظة على اللغة العربية والاهتمام بتطويرها في إفريقيا؛ للمحافظة على الدين الإسلامي، والمحافظة على الموروث الثقافي والحضاري المشترك بين الهوية العربية والإفريقية.
– ضرورة الاهتمام بالفكر الإصلاحي للعلماء المسلمين في العالمين العربي والإسلامي؛ من خلال إنشاء مراكز بحثية علمية مشتركة، تحت إشراف هيئات علمية من الأساتذة والباحثين المتخصصين في هذا المجال في إطار تعزيز التبادل والتعاون والتنسيق بينهم وتبادل الخبرات.
– الاهتمام بدراسة فكر العلماء المسلمين الجزائريين كنموذج عربي إسلامي رائد في مجال الإصلاح والنهضة الفكرية والثقافية، وتجربة علمية تربوية، ثقافية واجتماعية ناجحة، رغم ظروف الاحتلال وسياسات القمع الاستعمارية.
– تثمين مثل هذه المبادرات والملتقيات وتشجيعها مِن قِبَل الهيئات الحكومية في إطار الدعم الماديّ والمعنويّ لضمان النجاح والاستمرارية.
– دعم البحث العلمي خاصة في مجالات الطبع والتأليف للاستفادة من بحوث ودراسات الباحثين.
– إنشاء مركز خاصّ يعتني بكتب الرحلات، والوقوف على المراكز الحضارية التي تحدث عنها الرحالة.
– التعاون والتضامن والحرص على تطوير اللغة العربية بكل الوسائل، وبذل المزيد من الجهود في مواجهة العقبات التي تمنعها من الارتقاء، مع ضرورة الاستفادة من حياة العلماء الربانيين الذين خدموا هذه اللغة، وتطوير الوسائل التي اتخذوها في تحقيق تطلعاتهم.
– تفعيل دور المنظمات الإسلامية بشكل كبير وعلى نطاق واسع لمجابهة التحديات التي تواجه انتشار الإسلام في القارة الإفريقية لا سيما مع ظهور الجماعات الإرهابية التي تتخذ الدين ذريعة لحماية مصالحها.
– ضرورة إطلاق العلماء من الجامعات الإسلامية العربية الكبرى سواء بمصر أو شبه الجزيرة العربية أو دول الشمال الإفريقي للتوجُّه في دورات علمية وندوات ومؤتمرات داخل إفريقيا، مع الاهتمام بتراجم القرآن، وتشكيل مجمع إسلامي للترجمة، وتطوير هذه الجهود بشكل سنوي.
– ضرورة الاعتناء بدراسة الأسانيد خاصة في مجالي الإجازات القرآنية ومجال التصوف؛ لأنها تعطي تصورًا عن الحركة العلمية، وعن دور هذه المجموعات ودور علماء المنطقة عمومًا في نشر المعارف والعلوم الشرعية.
– العمل على إنشاء مؤتمر دولي سنوي، يتم التنسيق له، والتنظيم من طرف ممثلين عن كلّ بلد، والهدف منه هو تقديم أوراق علمية حول كلّ المواضيع التي لم تدرس بعدُ أو مازالت بحاجة للدراسة.
– تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ التوصيات التي خرج بها هذا المؤتمر العلمي، وتبنّي مشروع مجلة مختصة في جهود العلماء الأفارقة.