صدر حديثا للاستاذ الدكتور حمدي عبدالرحمن حسن دراسة بعنوان “الدولة المستحيلة في أفريقيا..مسارات متناقضة“، عن دار “الآن” الأردنية, وجاءت الطبعة الأولى لعام 2020م، في نحو 400 صفحة، متضمنة مقدمة وخمسة أبواب وخاتمة.
وفي المقدمة تحدث الدكتور عن الدولة التي وصفها بأنها هي بيت الداء، وتعرف على أنها أم المشاكل التي تواجهها الشعوب الإفريقية، إذ يتسم المجال الأفريقي العام بالفوضى والعنف وعدم اليقين, الأمر الذي جعل الدولة غير مسؤولة، وتفتقر إلى وجود البوصلة الأيدولوجية، إلى الحد الذي تكون فيه مؤسساتها الهشة غير قادرة على أداء دورها الأساسي في حماية المصالح والممتلكات العامة.
وأكد الدكتور أن هذه الدراسة تسعى إلى اكتشاف وتحليل المسارات المتناقضة التي سلكتها الدولة الافريقية عبر مراحلها التاريخية المختلفة، انطلاقا من فهمه لطبيعة الدولة ودورها في إفريقيا ومفادها أنه تاريخيا كانت المصالح الغربية في أفريقيا ثابتة وتتمثل في الوصول إلى العمالة الرخيصة والسيطرة على الاقتصاد والأسواق والمواد الخام, وعليه فقد تم تشكيل دولة الاستعمار في أفريقيا لتحقيق هذه الأهداف الغربية, ومن ثم اتسم تطور الدولة في أفريقيا بالتناقض والارتباك.
والباب الاول كان مقدمة نظرية حول سؤال ما الدولة؟ ومحاولة مقارنته في سياقه الاوروبي بواقعها الافريقي كما عكسته خبرة “بولاماتاري” الكونغولية.
ويطرح الكاتب في هذا الباب مفهوم المركزية الأفريقية كإطار معرفي لفهم الواقع الأفريقي والذي جسدته أعمال عدد من المفكرين الافارقة أمثال: شيخ أنتا ديوب، مولفي كنتي أسانتي، وعلي مزروعي.
وتأتي أهمية هذا الإطار المعرفي –كما يقول الدكتور حمدي-إلى أن كثيرا من المفاهيم والافتراضات التي تم توظيفها لفهم الواقع الأفريقي والشتات انطلقت من سياق معرفي مغاير يركز على الخبرة الأوروبية بانحيازها الفكري والمنهجي.
ويدرس الباب الثاني، وهو بعنوان “دولة ما قبل الاستعمار”، تاريخية مفهوم الدولة في أفريقيا من خلال فهم خبرة وسياق ممارسات السلطة في مرحلة ما قبل الاحتكاك الأوروبي بأفريقيا قبل استعمارها، حيث تميزت القارة بدرجة كبيرة من التعددية والمرونة.
ويؤكد هذا الباب أن المجتمعات التقليدية الأوروبية كانت ذات طبيعة متنوعة, فهناك مجتمعات اللادولة, مجتمعات تديرها الدولة, وأخرى شهدت وجود ممالك وإمبراطوريات كبرى.
ومعظم هذه التنظيمات السياسية، كما تشير الدراسة، تم تأسيسها على مبادئ المشاعية والحكم الذاتي، بحيث أن جميع الأعضاء شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في الإدارة اليومية للقبيلة.
وفي الفصل الأول من هذا الباب تحدث الكاتب عن مجتمعات الدولة التقليدية، ومجتمع الدولة البدائية وأنماط نظم الدولة، وامبراطورية غانا، مالي، الصونغاي.
وفي الفصل الثاني تناول نماذج مجتمعات اللادولة في أفريقيا, وكيفية حل النزاعات في مجتمعات اللادولة.
وفي الفصل الثالث تحدث الدكتور حمدي عن عوامل نشأة الدولة في مرحلة ما قبل الاستعمار, والنزعة العسكرية، دولة ما قبل الاستعمار, وكيف اسهمت التجارة في تشكيل وبناء الدول, والجهاد الإسلامي ونشأة الدولة في غرب أفريقيا, وتجارة الرقيق والتنافس السياسي في غرب أفريقيا.
وتحدث الباحث الدكتور حمدي في الفصل الرابع عن ضوابط ممارسة السلطة في المجتمعات التقليدية.
ويركز الباب الثالث وهو بعنوان “دولة الاستعمار”، على تحليل نشأة وتطور الدول الاستعمارية الاوروبية في أفريقيا لاسيما جنوب الصحراء خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وهو يحاول الاجابة على تساؤلات:
-متى ولماذا ظهرت الدول الاستعمارية؟
-وما أنماطها المختلفة؟
-وكيف أدارت مجتمعاتها المستعمرة.
وأكد الباحث على وجود تناقض واضح بين النظرية والتطبيق في نمط الإدارة الاستعمارية، حيث أوضح أن الإدارة الاستعمارية كانت أكثر انتشارا وأقل تنسيقا بشكل يختلف كثيرا عن وثائق وسجلات الاستعمار الرسمية.
وقد اشتملت الإدارة الاستعمارية على مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، ليس فقط النخب العسكرية والمدنية الاوروبية والقادة الأفارقة، ولكن أيضا المترجمين وجامعي الضرائب الأفارقة, بالإضافة إلى خبراء الغابات الأوروبيين والمنصرين، وعلماء الانثروبولوجيا والمستوطنين.
وجاء هذا الباب في ثلاثة فصول، على النحو التالي:
الفصل الأول تحدث عن معارك التكالب الأولى ونشأة الدولة الاستعمارية.
والفصل الثاني تناول أساليب الإدارة الاستعمارية، وهي: نظام الحكم المباشر ونمط الإدارة الألمانية- الحكم غير المباشر في الجنوب الإفريقي، ونمط الحكم البلجيكي والبرتغالي.
والفصل الثالث تحدث عن الملامح العامة لدولة الاستعمار في أفريقيا, وتناول الدولة المصطنعة، الدولة التابعة، دولة الهيمنة الوسيطة، ودولة بولامتاري.
ويتناول الباب الرابع “وهو بعنوان الدولة في مرحلة ما بعد الاستعمار بين تحديات الانهيار وإعادة البناء”، طبيعة الدولة ما بعد الاستعمارية وأنماطها المختلفة، إذ يمكن فهم تحولات دولة ما بعد الاستعمار في افريقيا عبر ثلاث مراحل متتالية:
-مرحلة ما بعد الاستقلال التي شهدت مدا قوميا مع اعطاء الأولوية لبناء الدولة الوطنية.
-مرحلة التدخل العسكري في السياسة، والذي يتميز بعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
-مرحلة التحول الديموقراطي والتي اتسمت بعدم اليقين وبظهور اوتوقراطيات نيو ليبرالية جديدة.
والملمح العام المشترك لكل هذه المراحل-تؤكد الدراسة- يتمثل في محاولة الدولة الحفاظ على امتيازها السلطوي، ونضال القوى الاجتماعية لمقاومة جنوح سلطة الدولة نحو الاستبداد، ومحاولة صياغة حدود فعالة بين المجالين العام والخاص.
وجاء هذا الباب في سبع فصول، على النحو التالي:
الفصل الأول تحدث عن طبيعة دولة ما بعد الاستعمار, والأهمية المحورية لجهاز الدولة وطبيعة الطبقة الحاكمة.
والفصل الثاني تناول تشكيل وأزمة الدولة.
والفصل الثالث كان دراسة حالة الدولة المنهارة: جمهورية الكونغو الديموقراطية أنموذجا.
والفصل الرابع خصصه الكاتب للحديث عن الدولة والسياسة, بينما تحدث في الفصل الخامس عن الدولة والمجتمع، في الفصل السادس تحدث عن الدولة والاقتصاد واسهب في شرح سمات بعض الدول مثل: دولة سياسة ملء البطون، دولة المصدر المادي، الدولة المفترسة والدولة الريعية، دولة الظل ودولة أمراء الحرب، دولة الطبقة, الدولة التنموية، الدولة المخصخصة.
وانتهى هذا الفصل بالحديث عن النموذج الرواندي والجدل حول مفهوم الدولة التنموية.
وينتهي الباب بالفصل السابع والذي خصصه الكاتب للحديث عن غانا كنموذج لليبرالية الجديدة.
ويركز الباب الخامس وهو بعنوان “قضايا النخبة وعسكرة السياسة” على بعض قضايا أزمة دولة ما بعد الاستقلال، وترتبط التساؤلات المهمة التي يطرحها هذا الفصل بعدد من الموضوعات منها:
-طبيعة النخب التي دفعت ببلادها بعيدا عن طريق النهضة والنمو.
-طبيعة العلاقات المدنية العسكرية السائدة.
-تحولات الشعبوية السياسية.
-تقاليد العائلية السياسية.
وقسم الباحث الدكتور حمدي هذا الباب إلى خمسة فصول, الأول عن النخبة في أفريقيا بين تحدي العسكرة وتسليع السياسة وتحدث فيه عن اتجاهات دراسة النخب في أفريقيا, وأشكال النخب الأفريقية.
وجاء الفصل الثاني عن إشكاليات العلاقات المدنية العسكرية, وتحدث فيه عن الجيش والسياسة في الخبرة الأفريقية, وأنماط العلاقات العسكرية المدنية، وصياغة العلاقات ومرحلة الانتقال الديموقراطي، وتحديات السيطرة المدنية على العسكر في المرحلة الانتقالية.
وفي الفصل الثالث كان الحديث عن العائلية السياسية في أفريقيا، وأنماط وصيغ العائلية السياسية في أفريقيا، وعوامل تفسير العائلية السياسية، والعائلية السياسية والتطور الديموقراطي في أفريقيا, وكان ختامه بملامح العائلية السياسية.
وخصص الدكتور حمدي الفصل الرابع للحديث عن تحولات الشعبوية وأزمة الحكم في أفريقيا، حيث عرض للشعبوية في الفكر السياسي الأفريقي، ونمط الشعبوية الانتخابية، والعلاقة بين الشعبوية والتحول الديموقراطي.
وختام هذا الباب كان بالفصل الخامس وجاء فيه الحديث عن بوركينافاسو ..الدولة وأزمة النخبة الحاكمة.
وفي خاتمة الدراسة وهي بعنوان إعادة تشكيل الدولة الأفريقية تساؤل الباحث الدكتور حمدي عن كيفية التخلص من أمراض الدول الأفريقية؟ وكيف ستبدو الدولة الأفريقية في المستقبل المنظور؟
وقال إن التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة الأفريقية ما بعد الاستعمارية يتمثل في ظاهرة الفساد المستشري على جميع مستويات الحكم, كما أن طبيعة النظام الدولي المعولم تشكل تحديا كبيرا للدولة الأفريقية, بيد أن عالم ما بعد الحرب الباردة وتعدد القوى الدولية الكبرى فيه يخلق فرصا للدول الأفريقية لتوسيع مساحة المناورة الخاصة بها.
ولفت إلى أن المطلوب هو توظيف المنظور المقارن لبيان كيفية صياغة وتنفيذ سياسات الدول الأفريقية العامة من جهة، وكيفية تعبئة الطبقة الحاكمة لجهاز الدولة لتحقيق غايات معينة وطريقة تفاعلها مع المجتمع المجني على مستوى التنفيذ من جهة أخرى.
وأكد في الخاتمة على أن طبيعة الدولة التنموية في أفريقيا بحاجة إلى مزيد من البحث والاستقصاء العلمي من خلال دراسات الحالة المقارنة.
وقال إن ضعف أداء الدولة في كثير من أنحاء أفريقيا ولاسيما في المناطق التي تشكل مركبا أمنيا بالغ التعقيد مثل الساحل والقرن الأفريقي يحتاج أن يتم تقييمها بشكل منهجي صحيح.
وأوضح الدكتور حمدي أن نقطة الانطلاق في أفريقيا والتي يدعو اليها هذا الكتاب هي إعادة بناء أو اعادة تعريف العلاقات بين الدول (السياسة) وبين المجتمع(الشعب) من جهة، مع القيام بدراسة نقدية لمجال العلوم الاجتماعية لمعرفة معنى وأهمية هذا الهدف.
ولفت إلى أن الصدام وعدم الانسجام بين الدولة والمجتمع المدني الذي حدث بعد رحيل الاستعمار قد كلف أفريقيا كثيرا في كثير من الحالات، ولفترات طويلة توقفت التنمية الاجتماعية والاقتصادية في القارة أو تراجعت.
وأكد على أنه قد يجد الأفارقة أنموذجا مختلفا للحكم أكثر ملاءمة لقارتهم، وفقا للمنظور المعرفي الحضاري الافريقي القائم على مفهوم الميراث الثلاثي الذي طرحه بلايدن, وروج له نكروما, وصاغه مزروعي.