بقلم : MANON DURET
المصدر: lejournalinternational
ترجمة : سيدي .م. ؤيدراوغو
أعلنت “إسرائيل” إنهاء عملية “هجرة ” يهود إثيوبيا ، فهل ذلك كان مجرد إشاعة ؟ إنه حدث يلقي الضوء على تهميش شريحة كانت على وشك الاندماج في “المجتمع الإسرائيلي “؛ فما هي درجة “التهويد” المؤهلة إلى “الجنسية الإسرائيلية” ؟
لقد أعلنت “إسرائيل” في 28 أغسطس المنصرم نيتها في إنهاء عملية “هجرة ” يهود إثيوبيا وبذلك جعلت حدا على الهجرة الجماعية من إثيوبيا وإغلاق وكالة اليهود في أديس أبابا .
ويرى البعض أن هذا الإعلان نتيجة لعنصرية بعض من “المجتمع الإسرائيلي” ضد المهاجرين الأفارقة. لكن الحكومة تزعم عدم الجدوى من استمرار العملية لاعتقادها نفاد المرشحين للهجرة ؛غير أن بعض جمعيات يهود إثيوبيا اعترضت على ذلك ، وقد سبق أن أعلنت الحكومة نهاية عملية إجلاء فلاشا مورا أكثر من مرة.
ولفهم هذه الوضعية المعقدة يستدعي الفصل بين قضيتي هجرة حصل الخلط بينهما في الخطاب السياسي :قضية فلاشا ومشكلة فلاشا مورا.
تفاوت درجات التهويد بين فلاشا وفلاشا مورا.
فلاشا: مصطلح مزدر بمعنى (المهاجر أو اللاجئ) يطلق على يهود إثيوبيا ، بينما يطلقون على أنفسهم “بيت إسرائيل “،ويستمدون ذلك من أسطورة انتمائهم إلى سليمان- عليه السلام- وملكة سبأ أو من الأسباط المفقودة…لا نعرف غير اليسير عن هذه الفئة من اليهود.
ولكن وجودهم ظهر في وثائق الرحالة منذ القرن التاسع مما يثبت وجود مملكة يهودية في إثيوبيا قبل غزوها من المملكة المسيحية الإثيوبية ثم تهميش اليهود إلى أسفل سلم الاعتبار.
وقد ارتبط يهود إثيوبيا بيهود الغرب في القرن التاسع عشر ، ومنذ تلك الفترة بدأ ظهور مشكلة يهوديتهم وذلك لتباين طقوسهم الدينية، ومن ثم بدأ التقارب بين يهود الغرب و”بيت إسرائيل” ، وإنشاء المؤسسات التعليمية والدينية في إثيوبيا.
ولم يتم الاعتراف بيهودية فلاشا إلا بعد مناقشات طويلة بين الحاخامات وبين “الدولة الإسرائيلية” إلى أن تم الاعتراف بيهودية فلاشا عام 1973 م مما سمح لهم بالهجرة إلى “إسرائيل” بموجب قانون ” العودة “.
وكان ما يناهز 250 من الفلاشا يعيشون في إسرائيل عام 1976م نتيجة للهجرة الجماعية عام 1970م بينما كانت إثيوبيا في الحرب.
كما نزح كثير من الإثيوبيين إلى معسكرات اللاجئين في السودان عام 1984م عام المجاعة ، ولكن “إسرائيل” وأمريكا قامتا بعملية سرية لإجلاء فلاشا إلى “إسرائيل” ؛ فكانت العملية الأولى تحت مسمى ” موسى ” وذلك في عام 1984م وشملت 6500 شخصا.
وبعد سقوط النظام الشيوعي عام 1991م شملت عملية ” سليمان “14300 شخصا من المنتمين إلى “بيت إسرائيل” (فلاشا)،إذن فأغلبية يهود إثيوبيا يعيشون حاليا في “إسرائيل” ولم يبق منهم غير المئات الذين لا يرغبون في الهجرة.
ثم ظهرت معضلة أخرى عام 1991م على الحكومة العبرية : هجرة فلاشا مورا. وهم ذرية فلاشا الذين اعتنقوا المسيحية في القرن التاسع عشر ، وذلك للاستفادة من المزايا التعليمية و تحسين الأوضاع الاجتماعية مع الاحتفاظ بصلتهم باليهود.وفي القت الراهن يطالبون أحقية اللجوء لانتمائهم اليهودي ،ويعتبرون أنفسهم ضحايا للاعتناق الاجباري للمسيحية ،وذلك وارد مع بعضهم.
مجتمع ذو انقسام عميق
وحسب ما ذكرته ليزا أنتبي- يميني ،خبيرة علم الآثار في CNRS(المركز الأهلي للبحوث العلمية)والباحثة في هجرة الأفارقة إلى “إسرائيل” ، بأن إعلان الحكومة عن إنهاء عملية الإجلاء من إثيوبيا يعكس الانقسام بين “بيت إسرائيل” وبين “إسرائيل” منذ عام 1991م حيث يعارض بعض اليهود على هجرة فلاشا مورا ،ويعتبرونهم مسيحيين انتهازيين الذين لم يعانوا من المضايقات والتمييز ضد اليهود ثم يريدون استغلال أصولهم المشبوهة.
ورغم ذلك يناضل بعض يهود إثيوبيا لإجلائهم ؛لأن الكثيرمن فلاشا مورا أقارب لهم بشكل أو بآخر. لكن قانون ” العودة ولم شمل الأسرة ” يسمح بوضع قائمة الأسماء لوكالة اليهود لإجلاء فلاشا مورا من المعسكرات بالطائرات.
ولفلاشا مورا وضع خاص غير أن تباين المواقف بين أطراف “بيت إسرائيل”جعلت “إسرائيل” عاجزة عن اتخاذ قرار حول هويتهم الدينية ، كما يوجد هناك بعثات منظمة في المعسكرات تمهيدا للهجرة ،وتهدف تقييم ” درجة يهودية ” فلاشا مورا حسب سلالتهم.
كما يطلق عليهم في “إسرائيل” اسم “المجتمع العائد إلى اليهودية”حيث يعودون إلى اليهودية لمدة عام ، وهي أقصر مدة مقارنة بالذين يطمعون في “الجنسية الإسرائيلية” ؛فهؤلاء يجب عليهم اعتاق اليهودية قبل الوصول إلى “إسرائيل” ثم يتتلمذ على يد حاخام لمدة تتراوح بين أربع إلى عشر سنين .
أما المجتمع المدني فلا يهتم بشأن فلاشا مورا غير القليل من اليهود المتدينين الذين يدافعون عن القضية بدافع تهويد مجتمع فلاشا مورا، ويسعون لعودتهم جماعيا؛ لذا لم يتسبب إعلان إنهاء إجلائهم ضجة كبيرة.
على أن إنهاء عملية الإجلاء يعتبر انتصارا مؤقتا لمعسكر مناوئي فلاشا مورا حسب ليزا أنتبي- يميني.غير أن ثمة قائمات تتداول بين الناشطين لإجلاء الأقارب ،ويبدو أن الحكومة فصلت القول بنفي يهودية فلاشا مورا الذين بقوا في إثيوبيا.
وقضية الأحقية في الهجرة لأولئك المسيحيين المنحدرين من اليهود تشكل مشكلة أكثر أهمية عند “إسرائيل” من قضية طالبي اللجوء من الأفارقة غير اليهود.
اليهود و الأفارقة : وضع الأثيوبيين المتناقض في “إسرائيل“.
هناك ثمة خلط في “المجتمع الإسرائيلي” بين فلاشا (بيت إسرائيل)وفلاشا مورا من جهة وبين طالبي اللجوء من جهة أخرى ، وهذا الخلط أيسر مقارنة بأغلبية اللاجئين من إريتريا ،والسودان المجاورتين بأثيوبيا حيث تجمعهم العادات والتقاليد وحتى اللغة في بعض الوقت.
ووضعهم القانوني واعتبارهم الاجتماعي من الرأي العام متباين؛ لذا يحاول الإثيوبيون إثبات الفرق بينهم وبين غيرهم.
ففي الأحياء الجنوبية لـ”تل أبيب” حيث يجتمع اللاجئون تجد اليهود الإثيوبيين يلبسون “كيبه “ويتحدثون بالعبرية. ولو أن الانتماء إلى اليهودية يجنب التعرض للعنصرية إلا أن أبناء “بيت إسرائيل “لم ينفلتوا منها, ويعتبرون يهودا من الدرجة الثانية ؛ لأنهم يشكلون الشريحة الأكثر فقرا لتأخر مجيئهم ، ويتلقون مساعدات الدولة أكثر من غيرهم من اليهود المهاجرين ، ويعانون من تبعات التمييز.
لقد استقبلتهم “إسرائيل” ولكن بصفتهم مهاجرين تحت المجهر، وخير دليل على ذلك الجدل حول تحديد النسل طوعا أو كرها المفروض على الإثيوبيات .
مضى جيل منذ المجيء الجماعي ثم ظهر جيل آخر في “إسرائيل” نشأ وولد فيها ،وبعضهم بدأ الظهور على الساحة ،وإذا كان الرعيل الأول يعاني من البطالة للأمية ؛ يبدو أن وضع النشء أفضل بكثير.
ونسبة نجاح أولاد الأثيوبيين في الثانوية ضئيلة مقارنة بالنسب الأهلية،ولكنها تحسنت تدريجيا في عشر السنوات الأخيرة حيث ارتفعت من(18 إلى 34% ).
والآن يوجد ضباط في الجيش وأعضاء في كنيست ،وطلاب جامعيون من أصول إثيوبية وإن لم يندمل كل الجروح .
وفي برنامج تلفزيوني “تلفزيون الوقع “حبست فتاة من “بيت إسرائيل “في بيت مع شبان من متبني الصور النمطية للمجتمع “الإسرائيلي” ؛ فكانت ضحية للعنصرية من منافسها ، فأثارت ضجة نالت تأييدا واسعا مع الفوز بالمرتبة الأولى. لكن يظل النبذ قائما في “المجتمع الإسرائيلي”.