معهد الدراسات الأمنية (*)
ترجمة: قراءات إفريقية
في عام 2011 نشر معهد الدراسات الأمنية تقريرًا مطولاً عن القارة الإفريقية ومستقبلها في 2050، وتوقع التقرير حدوث تحسينات في الاقتصاد والحكم الرشيد وتحسنات في الناتج الزراعي مع نوع من الاستقرار السياسي بالإضافة إلى زيادة المساعدات وخفض الديون، وأكد التقرير على أهمية السلع بالرغم من عدم نموها بصورة كافية في العقدين الماضيين، وأن القارة قد خاضت عملية إصلاح هيكلي للأفضل.
وأشار التقرير إلى أن القارة ستشهد متوسط نمو بمقدار 6% لدولها الأربعة والخمسين في 2035، واستبعد أيضا القضاء التام على الفقر بحلول 2030، وهو أحد أهم أهداف التنمية المستدامة. وبالنسبة لغالبية الأفارقة فقد تحسنت الأوضاع بالرغم من أنها لم تتحسن بالسرعة المطلوبة.
وقد سلطنا الضوء على الدول الخمس الأكبر في إفريقيا: نيجيريا، جنوب إفريقيا، الجزائر، مصر وإثيوبيا، وخلص التقرير إلى أن نيجيرها وحدها كانت تملك إمكانات حقيقية لنمو لتصبح لاعبا دوليا هاما، بشرط أن تتغلب على عدة تحديات متعلقة بالحكم والأمن الداخلي.
وفي المجمل توقع التقرير أن يتوسع نفوذ القارة ولكن بالنظر لمقوماتها السياسية والاقتصادية فإن القارة ستظل هامشية على مستوى الشئون الدولية، حيث ستحتل الساحة ثلاثة عمالقة كبار، هم الولايات المتحدة والصين والهند الواعدة، وسيكون لديهم مزيدا من السطوة والنفوذ من حيث المصادر والموارد والقوى الدبلوماسية مقارنة بالدول الأخرى، ويمكن أن ينضم إليهم الاتحاد الأوروبي إذا ما ظل موحدا ومتكاملا، في حين ستظل الفجوة واسعة بين هؤلاء الأربعة وبقية دول العالم.
ولكن اليوم وبعد هذا التقرير المتفائل لإفريقيا فإن دول جنوب الصحراء ربما لا تزال تعاني من فقر التنمية المستدامة، ولذلك فإننا سنى مزيدا من التهميش لتلك الدول في السنوات القادمة. وهناك ثلاثة عوامل رئيسية لهذه الرؤية، العامل الأول هو التغيرات في الصين، التي تعد اليوم الشريك التجاري الأكبر للقارة، ولكن اقتصادها يعيد موازنة ذاته وقلل من حماسته نحو تجارة السلع، وهذا بالطبع اتجاه مؤقت، ومن المتوقع أن تدخل الهند بقوة في هذا السوق وأن تستعيد إفريقيا بعضا من زخمها، ولكن في الوقت الراهن فإن النمو العالمي يتباطئ وليس كافيا لتحل أي دولة أخرى محل الطلب الصيني المتزايد على المصادر الطبيعية الإفريقية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن المملكة العربية السعودية تسعى اليوم لحماية حصتها في سوق النفط العالمية بالحفاظ على حجم الإنتاج وهو ما أدى إلى انخفاض السعر إلى ما دون 30 دولارا، وهذا أضار بصناعة النفط الإفريقية بصورة حادة، وعلى رأسهم الدول الإفريقية الكبرى المصدرة للنفط مثل نيجيريا وأنجولا حيث انخفضت مدخولاتها بصورة حادة، إلى جانب دول أخرى طموحة بالدخول في سوق النفط مثل غانا الذين يعانون جميعا من ضربات مباشرة.
فدول مثل تنزانيا وموزمبيق والذين يعتمدون على مدخولات كبيرة من النفط والغاز اكتشفوا أن استثماراتهم في مصادرهم الطبيعية قد ذهبت هباء، هذا بالإضافة إلى ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة، لذلك فإن النفط الإفريقي الآن ليس محل طلب وانعكس ذلك في صورة مشكلات اقتصادية وتهميش استراتيجي للقارة، خاصة لدول غرب إفريقيا، هذا بالإضافة إلى تهديدات القاعدة وتنظيم الدولة في غرب إفريقيا.
والعامل الثاني يرجع إلى الإرهاب واللاجئين؛ فالاستثمارات المخصصة للترويج للتنمية الشاملة وتقليل الفقر وتطوير البنية التحتية والحكم الرشيد كلها تبخرت مع تعثر أوروبا في الوفاء بالاتزاماتها المالية كنتيجة لأزمة اللاجئين من سوريا ومن غيرها من البلدان.
وعلى جانب آخر فإن ملايين الفقراء في إفريقيا في خطر فقدان المساعدات الدولية الإنسانية والتنموية التي لا توفرها لهم بلدانهم، وهناك اتجاه جديد بتحميل المؤسسات التجارية الخاصة والشركات المملوكة للأفراد جزءا من مسئولية تخفيض الفقر عن طريق دورهم الاجتماعي في التنمية والمساعدات الإنسانية، كما يمكن أن يساهموا في خلق وظائف واستيراد الثروة من الخارج، في حين تستطيع الحكومات عمل برامج للعدالة الاجتماعية ومحاربة الاحتكار.
أما العامل الثالث فيتعلق بالتغير في الأنماط الدولية تجاه العنف السياسي، فبعد عدة اضطرابات وحروب وحالات عدم استقرار صاحبت نهاية الحرب الباردة شهدت إفريقيا حقبة من السلام استمرت حتى منتصف 2011، ولكن بعد ذلك ضرب العنف وعدم الاستقرار إفريقيا، كما أن الغزو الأمريكي الكارثي للعراق استفز الإرهاب الإسلامي في الشرق الأوسط ومن المتوقع أن يعقب ذلك حالات من عدم الاستقرار ربما تستمر عشر سنوات، فهناك حرب سنية شيعية في الشرق الأوسط وحرب بالوكالة بين السعودية وإيران في منطقة ذات أهمية استراتيجية، سينبثق عنها عدة حروب بالوكالة في أكثر من مكان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لذلك من المتوقع ألا تحظى منطقة جنوب الصحراء بمزيد اهتمام أو أموال في الفترة القادمة بسبب تلك التحديات بالإضافة إلى منظومة أخرى من المشكلات مثل عدم المساواة في الدخل والمشكلات السياسية بين الجماعات، ومع وصول تقنية المعلومات إلى أرجاء القارة أصبح من الأسهل اليوم تحريك المجتمعات وحشدها بسرعة حول أي قضية، كما دلل على ذلك الحوادث في تونس وجنوب إفريقيا.
ولذلك فمن المتوقع أن يزيد الضغط من الأسفل من الشعوب على الحكومات السلطوية وأن حالات عدم الاستقرار ستتراوح بين الانتفاضات والثورات التي ستتحرك في الريف والحضر كما يتوقع أن يزيد العنف المصاحب للانتخابات في مختلف البلدان، في ظل ارتفاع التوقعات والآمال من المواطنين الأفارقة فيما يعاني قادتهم من الاستجابة إلى مطالب الشباب الثائر والمتصل ببعضه البعض عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والذين تلقوا قدرا من التعليم بعدد محدود من الوظائف وفرص العمل.
لذلك على القادة الأفارقة أن يركزوا جهودهم على تحسين جودة الخدمات وإيصالها لمجتمعاتهم في ظل سيادة القانون وأن يظهروا شفافية ومصداقية أمام شعوبهم إذا ما أرادوا أن يتلافوا موجة عدم الاستقرار القادمة.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي على هذا الرابط:
https://www.issafrica.org/iss-today/the-re-marginalisation-of-africa