د. ندا موزاني ماجوتو*
مقدّمة:
على الرغم من محاولات الاختراق التي تهدف إلى التشويش على عقل المرأة الإفريقية، من خلال فرض ثقافات قوى الاستعمار على الدول الإفريقية بشكل عامٍّ، ودول وسط إفريقيا بشكل خاصٍّ، فإنها لم تلق قبولاً في كثير من أوساط المجتمعات النسائية، وهذا يعود إلى شعور المرأة الإفريقية بأهمية الخروج من التبعية، والحفاظ على هويتها، والتي يمثّل الإسلام مصدرها الرئيس.
لم تنل المرأة قبل دخول الإسلام القارة الإفريقية عناية إنسانية رشيدة، وحقوقاً قانونيةً منصفة، ومكانة اجتماعية مرموقة تمكّنها من أداء رسالتها في الحياة، كانت قبل الإسلام تُعَدّ من سَقَط المتاع، ومنهم مَن كان ينظر إلى المرأة بوصفها سلعة تُباع وتُشترى، ولا حقّ لها في الميراث، ولا حرية لها في اختيار الزوج، وتتعرض للعنف بجميع أنواعه الجسديّ وغيره.
ومع دخول الإسلام إفريقيا؛ عمل هذا الدين الجديد على إنصاف المرأة واحترامها وإعطائها حقوقها كاملة، فتعلّقت المرأة الإفريقية بالإسلام واستمسكت بتعاليمه، وكان لهذا أكبر الأثر في حالة المناعة التي تتمتع بها أمام الهجمات التي تستهدفها، وبقيت متصدية للتيارات والأفكار والثقافات التي ترد إليها لحجب الحقائق عنها، ولهدف جعلها نسخة لمعتقدات تلك الثقافات وأخلاقياتها.
ويمكن لأي متابعٍ أو زائرٍ للقارة السمراء ملاحظة هذا الموقف الصّلب للمرأة الإفريقية الدال على مدى وعيها، وملاحظة التطور في شخصيتها، وفي أدائها المتقن في مجالات كثيرة؛ الاجتماعية منها والسياسية.
وبالرغم من هذه المقدمة التي ظاهرها زوال المشكلات والصعوبات عن المرأة المسلمة الإفريقية؛ فإنّ الواقع يعطينا مؤشرات على تجدّد المشكلات والمعوقات، المقصودة وغير المقصودة، مما جعل المنظمات الحقوقية تتخبط في قضايا المرأة، وتضع القوانين والأنظمة المتعلّقة بحقوق المرأة، والتي فيها الغثّ والسمين لفقدها الشمولية والمصداقية.
لذلك من الأهمية بمكان أن نعرض لمشكلات المرأة والقضايا التي تواجهها، مع اقتراح معالجات لها.
أولاً: صعوبات في حياة المرأة بوسط إفريقيا وجنوبها:
1 – العنف ضد المرأة:
العنف ضد المرأة من المشكلات المتفاقمة التي تعانيها المرأة عموماً، والمرأة المسلمة خصوصاً، ففي التقرير الصادر من كلية لندن لشؤون الصحة وطبّ المناطق الاستوائية ومجلس جنوب إفريقيا للبحوث الطبية لعام 2013م، يرصد هذا التقرير التقديرات العالمية والإقليمية للعنف الموجّه نحو المرأة، وهو أول دراسة منهجية للبيانات العالمية عن معدلات انتشار العنف ضد المرأة – سواء المُمارس عليها من الشركاء أو من غيرهم – أنّ 35% تقريباً من جميع النساء يتعرضن للعنف، ويدعو التقرير إلى مساعدة البلدان في تعزيز قدرتها على التصدي للعنف ضدّ المرأة[1].
ونتيجة لتفاقم هذه المشكلة؛ فقد وقّعت دولة بوروندي اتفاقية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة)، وقد استفادت المرأة المسلمة البوروندية من هذه الاتفاقية في بعض جوانبها بالرغم من المواد السلبية التي تتضمّنها، ففي مجال التخفيف من العنف الأسري أنشأت منظمة غير حكومية معترف بها لدى الحكومة تُعنى بحقوق المرأة البوروندية، بحيث تتلقى المنظمة الشكاوى والبلاغات التي تُمارَس ضدّ المرأة.
وجاء في مادة رقم: (10) من الاتفاقية: (على المرأة الإبلاغ عن العنف الذي يُمارَس ضدّها)[2]، وقد أعطت هذه المادة دفعة قوية للمرأة المسلمة البوروندية، وخفّفت كثيراً من العنف الذي كان يُمارَس ضدها، ولم يقتصر العمل على وقف العنف ضدّ المرأة على دولة بوروندي فحسب، بل هناك دول من وسط إفريقيا وجنوبها فعّلت إجراءاتها للحدّ من العنف ضدّ المرأة، فأنشأت دولة رواندا هيئة مستقلة تُعنى بالدفاع عن المرأة الرواندية، وفي جنوب إفريقيا كذلك.
ولكن من الأمور المؤسفة استغلال بعض النساء لهذه الاتفاقيات والمنظمات للإضرار بالحياة الزوجية والخروج عن الفطرة التي خُلقت عليها المرأة، حتى بات الكثير من الأزواج يشكون من هذه الممارسات.
وهنا تأتي أهمية تثقيف المجتمع المسلم، وبخاصة المرأة المسلمة، والعمل على زيادة الوعي لديهم للاستفادة من الإيجابيات التي تتضمنها هذه الاتفاقيات، أو تقدّمها هذه الهيئات والمنظمات، والحذر من سلبياتها التي قد تهدّد الكيان الأسري بل المجتمع بأسره.
ولكي تتجنب المرأة المسلمة سلبيات هذه الاتفاقيات، ينبغي لها أن تراعي الأمور الآتية:
– تغيير العادات السيئة عن طريق التعليم، وزيادة الوازع الديني، ونبذ الجهل.
– عدم الانخداع بالشعارات الزائفة التي يطلقها الغرب عن حرية المرأة.
– الاستمرار في الدعوة إلى الله تعالى؛ من خلال العمل العامّ أو الخاصّ.
– تفوّق المرأة في مجال العمل العامّ كي تُتاح لها المراكز المرموقة القيادية.
– تعميق الأخوة الإيمانية.
– تنظيم حملات المناصرة للمرأة المسلمة، ومساعدة المرأة غير المسلمة المظلومة في مناطق النزاع وغيرها.
– بناء القدرات لدى المرأة المسلمة.
– توفير الموارد اللازمة لناجحها في مهامها، والبحث عن مصادر التمويل، وتعميق مفهوم الإنفاق الخيريّ.
– توظيف التقنية الإعلامية الحديثة في خدمة قضايا المرأة المسلمة.
– التعاون والتضامن بين النساء ونبذ الطائفية والمذهبية.
– قيام المرأة بأدوار سياسية مؤثّرة.
– التواصل مع غير المسلمات في المنطقة[3].
كما تجدر الإشارة إلى المشكلات التي تتعرض لها المرأة المسلمة في مناطق النزاع، فالنزاعات خلّفت الكثير من التخلّف والتدهور الصحي، وغيره في أوساط كثيرٍ من النساء، والأمن مسؤولية الجميع، ونصرة المرأة جزء من تلكم المسؤولية، وللقيام بهذه المسؤولية يجب العمل على تعزيز العلاقات التنسيقية للتخفيف من هذه المشكلة أو إزالتها ما أمكن، ومن الإجراءات التي يمكن تطبيقها في هذا المجال:
– العمل على بناء القدرات والإلمام بقضايا المرأة.
– إعلاء قضايا المرأة المسلمة.
– التركيز في التعليم.
– نبذ العادات الضارة والنهوض بالمرأة.
– الزيارات الميدانية لمناطق النزاع.
– ومن الأمور ذات الأهمية الكبرى في هذا المجال إلمام المرأة المسلمة بتعاليم دينها.
2 – طمس هوية المرأة الإفريقية (شكلاً ومضموناً):
عندما وطئت أقدام الاستعمار الغربي القارة الإفريقية عمل على تغيير هوية المجتمعات والبلاد التي احتلها، وكانت إحدى أدواته في هذا السبيل تغريب المرأة الإفريقية، وسلخها من قيمها وعقيدتها ظاهراً وباطناً.
أما الظاهر؛ فقد أدخل الاستعمار الغربي على المجتمعات صوراً دخيلة من اللباس والأزياء، وروّج لها في الأوساط النسائية بوصفها من مظاهر الرقي والتقدّم، وأشاع أنّ خلاف هذه المظاهر الغربية هو التخلّف؛ وقد حملت هذه الأزياء ثقافة الحياة الغربية ونمطها وقيمها وسلوكيات المرأة الأوروبية، حيث كانت تعتمد على إبراز الجسد وإظهار مفاتنه، وقد رفضت الكثير من النساء في مجتمعات وسط إفريقيا الاستجابة لهذه السلوكيات والعادات الغربية، وحذّر العقلاء من الانجرار وراء الثقافة الغربية؛ لكونها تقوّض قيم المجتمعات الإفريقية ومبادئها، وتسلبها خصوصيتها التي تشكّلت عبر مئات السنين.
وقد احتفظت المرأة المسلمة بزيها المميز، والتزمت بارتداء الحجاب، واعتبرته رمزاً لهويتها من الصعوبة أن تفرط فيه، والحديث عن حرص المرأة المسلمة على حفظ هويتها لا يعني عدم وجود بعض السلبيات؛ كما أنّ هناك قضايا تحتاج إلى بذل جهود علمية لرفع مستوى الفهم الصحيح للإسلام ومقاصد الشريعة لدى المرأة، وتقع بعض الإشكالات في هذه القضايا بسبب ضعف إيمان المرأة، أو لجهلها بأحكام الشريعة.
أما على مستوى الفكر والمضمون؛ فكانت هناك محاولات مستميتة لإعادة تشكيل العقل الجمعي وصياغته في المجتمعات الإفريقية؛ من خلال وسائل الإعلام، وتغيير مناهج التعليم، ونشر ثقافة القوى الاستعمارية وقيمها، وإرسال النّخب والمتميزين من الأفارقة إلى بلدان هذه القوى للتعلّم فيها، ولتربيتها وتنشئتها نشأة بعيدة عن مجتمعاتها، فتتأثر بما تعايشه وتراه، وتعود إلى أوطانها تحمل ثقافة المستعمر وتسعى للترويج لها، كما تتولى مناصب القيادة في مجتمعاتها لتدير دفّة الأمور، وتوجّه بوصلة المجتمع في الاتجاه الذي يريده المحتل، وكانت قضايا المرأة من أهم القضايا التي عملت هذه النّخب على تغييرها، واستلهام النموذج الغربي في عملية التغيير.
ثانياً: من مشكلات المرأة في بوروندي:
قبل الحديث عن أهم قضايا الأوساط النسائية المسلمة ومشكلاتها؛ نشير بوجه عامٍّ إلى نسبة المرأة البوروندية من السكان، يبلغ عدد سكّان بوروندي 10.888.321 نسمة طبقاً لتقديرات يوليو 2013م، وتزيد نسبة الإناث عن 52% تقريباً من هذا التعداد، انظر: الجدول رقم (1).
الجدول رقم (1)
التركيب العمري للسكان في بوروندي، وأعداد الذكور والإناث، لكلّ مرحلة عُمرية، طبقاً لتقديرات يوليو 2013م
مراحِل العُمر |
النسبة المئوية |
عدد الذكور |
عدد الإناث |
أصغر من 15 سنة |
45.6% |
2.497.999 |
2.469.564 |
15 – 24 سنة |
19.7% |
1.071.135 |
1.074.763 |
25 – 54 سنة |
28.4% |
1.533.191 |
1.559.661 |
55 – 64 سنة |
3.8% |
186.706 |
225.467 |
65 سنة فأكبر |
2.5% |
108.243 |
161.592 |
وتعاني المرأة البوروندية بشكلٍ عامٍّ العديد من المشكلات؛ وأخطرها:
1 – العنف ضدّ المرأة:
ينتشر العنف ضد المرأة بجميع أشكاله في بوروندي – سبقت الإشارة لذلك-، وهو واقع تعترف به الحكومة والمجتمع وجميع المنظمات العاملة في مجال مكافحة هذه الظاهرة، وعلى الرغم من توقيع الحكومة البوروندية على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تمنع هذه الظاهرة، واتخاذها العديد من الإجراءات القانونية في هذا الإطار؛ فإنّ هذه الظاهرة ما تزال تتزايد في المجتمع البوروندي، وقد حذّرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها حول بوروندي عام 2010م من استمرار الارتفاع في معدلات الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي ضدّ النساء والفتيات، وكان معظم ضحايا حوادث الاغتصاب من القُصَّر[4].
2 – الإيدز:
على الرغم من سعي الحكومة والمنظمات المدنية للتخفيف من انتشار مرض الإيدز في بوروندي، حيث يُعَدّ هذا من أولويات وزارة الصحة العامّة، فإنّ المرض لا يزال يشكّل خطورة كبيرة على المجتمع البوروندي، وبخاصة النساء، فمعدلات انتشاره بين النساء أكبر من الرجال، فحسب تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن جمهورية بوروندي يبلغ معدل انتشار المرض بين النساء (1.7٪ للنساء)، و (1.0٪ للرجال)، أي تُصاب (170 امرأة؛ مقابل 100 رجل)[5].
3 – الفقر:
تُعَدّ المرأة البوروندية القوة البشرية الرئيسة العاملة في مجال الزراعة، حيث يعمل في هذا المجال (107 من النساء؛ مقابل 100 رجل من سكان الريف)، هذا بالإضافة إلى أعمالها المنزلية؛ مما يشكّل عبئاً إضافيّاً على المرأة، خصوصاً أنّ تقنيات الزراعة في بوروندي منخفضة، كما أنّ البلاد تتعرض لمتغيّرات مناخية، أما في المناطق الحضرية؛ فنسبة مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية أقلّ من الرجل، حيث يبلغ معدل مشاركة الرجال في المناطق الحضرية مقارنة بالمرأة: (50.8٪ للرجال؛ مقابل 35.6٪ للنساء)[6].
4 – التعليم:
على الرغم من تقدّم المرأة البوروندية في مجال التعليم مقارنة بالماضي، كما هو موضح في الجدول رقم (2)، فإنّ العملية التعليمية تشهد صعوبات وتحديات كبيرة، أبرزها طبيعة الثقافة الخاطئة السائدة في المجتمع حول تعليم المرأة، والفقر المادي للأسر البوروندية، فالمعاناة في المعيشة تمنع الأسرة من إرسال بناتها وأبنائها إلى المدارس، هذا بالإضافة إلى عدم كفاية البنية التحتية المدرسية، والنقص في عدد المدرسين.
هذه التحديات انعكست بالسلب على تعليم المرأة، وعلى المخرج الناتج من العملية التعليمية، ومن ثمّ كان لها أثرها السلبيّ على قضايا تنمية المجتمع ونهضته.
جدول رقم (2)
عدد الطلاب الإناث وعدد الطلاب الذكور في المرحلة الثانوية، في الفترة (2005م – 2011م)[7]
السنة الدراسية |
عدد المدارس |
عدد الإناث |
عدد الذكور |
نسبة تعلم الإناث مقارنة بالذكور |
2005/2006 |
486 |
70024 |
101632 |
68% |
2006/2007 |
520 |
78831 |
116774 |
67% |
2007/2008 |
527 |
87705 |
133074 |
65% |
2008/2009 |
687 |
105487 |
153228 |
68% |
2009/2010 |
858 |
125555 |
182299 |
68% |
2010/2011 |
970 |
142082 |
203906 |
70% |
5 – الصراعات والحروب:
بوروندي دولة ذاقت مرارة الصراعات العرقية، في حرب طويلة اندلعت عام 1993م، واستمرت 12 عاماً، وكانت المرأة البوروندية هي إحدى ضحايا هذه الصراعات الممتدة، فقد مات خلال هذه الحرب مئات الآلاف، وخلّفت عشرات الألف من النساء المشردين؛ بلا عائل ولا مأوى، وحتى الآن لا تزال المرأة البوروندية في معاناة من جراء هذه الحروب.
ثالثاً: من قضايا المرأة المسلمة في بوروندي:
1 – قضية المساواة بين الرجل والمرأة:
قضية المساواة بين الرجل والمرأة من البنود التي تضمّنتها اتفاقية الأمم المتحدة (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) لعام 2008م، وقد وافقت بوروندي على بنود هذه الاتفاقية ووقّعت عليها.
هذه الاتفاقية هي دعوة صريحة لتطبيق القيم الغربية في مجتمع المرأة البوروندية؛ فقد جاء في هذه الاتفاقية ما نصّه: «على الرغم من نجاح الديمقراطية الجديدة في بوروندي.. فقد واجه هذا البلد صعوبات جمّة، وفي الواقع لدى بوروندي وزير ونائب وزير لحقوق الإنسان وقضايا المساواة بين الجنسين؛ الأمر الذي يثبت تزايد إدراك المرأة لأهمية المساواة بين الجنسين»[8].
وغني عن البيان أنّ هناك مجالات تتساوى فيها المرأة مع الرجل، كما جاء في الشريعة الإسلامية، فلم تفرّق الشريعة بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة، أو القيمة الإنسانية، فلا يوجد بينهما تمايز أو تنافر في ذلك، بل إنهما يرجعان إلى أصلٍ واحدٍ، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ…﴾ [النساء : 1]، (نَفْس واحدة: هو آدم عليه السلام).
أما الفوارق الجسدية والمعنوية والشرعية بين الرجل والمرأة؛ فهي ثابتة قَدَراً وشرعاً، وحسّاً وعقلاً، وهذا الاختلاف ينبني عليه جملة من الأحكام الشرعية في الإسلام، فالشريعة الإسلامية تقرر أنّ الله سبحانه وتعالى قد أوجب ببالغ حكمته الاختلاف، والتفاوت، والتفاضل بين الرجل والمرأة، في بعض أحكام التشريع، وفي المهمات والوظائف التي تلائم كلّ واحدٍ منهما في خِلقته وتكوينه، وفي قدراته وأدائه، وفي اختصاصه.
وهذا هو ما استقرت عليه المجتمعات الإفريقية حتى قبل دخول الإسلام؛ حسب الدراسات التاريخية والأنثربولوجية، وهو ما يتوافق والطبيعة البشرية والفطرة الإنسانية.
2 – قضية الميراث:
من القضايا التي تشغل المجتمع المسلم في بوروندي قضية ميراث المرأة المسلمة، وقد جاء في اتفاقية الأمم المتحدة (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) لعام 2008م، التي وافقت بوروندي على بنودها ووقّعت عليها، في فقرة (35): «على الرغم من إقامة مشاريع متنوعة لفائدة النساء في بوروندي؛ إلا أنّ الحاجة قائمة لوضع خطة شاملة لمواجهة مشاكل المرأة إزاء مسألة الملكية وحقوق الميراث؛ بما في ذلك تقسيم الملكية بعد وفاة الزوج»[9]!
وكان من نتاج ذلك أن ظهرت في بوروندي منظمات حقوق الإنسان، بعضها متخصّص في شؤون المرأة، عملت على التمكين لهذا البند الأممي في أوساط المجتمعات النسائية المسلمة في بوروندي، وقد تأثرت عدد من النساء المسلمات بهذه المطالب، حتى أصبحت (قضية الميراث) تشغل حيّزاً كبيراً من الحوارات والجدال داخل المجتمع الإسلامي في بوروندي؛ الأمر الذي دفع الشيخ يوسف محمود إلى القول: «المعيار في بوروندي لمعرفة المرأة المسلمة البوروندية والملتزمة بدينها هو: قضية الميراث، وقضية تعدد الزوجات».
ونوضح في هذا الصدد، بعيداً عن السجالات الانفعالية العاطفية، أنّ الإسلام قرّر حقّ المرأة المسلمة في الميراث، وأنّ هناك (4) حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل، وأضعاف هذه الحالات ترث مثل الرجل تماماً، كما أنّ هناك (10) حالات أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال، أي أنّ هناك أكثر من (30) حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل (4) حالات محدّدة ترث فيها المرأة نصف الرجل، فالجهل بهذه الحقائق والحكمة الشرعية من هذا التقسيم هو الذي أوقع بعض المسلمات في التأثر بما تروّجه تلك المنظمات؛ في المقابل هناك جهد ملموس لـ (اتحاد النساء المسلمات) في التوعية بذلك في أوساط المسلمات في بوروندي، وبيان الحكمة الإلهية من هذه التشريعات.
3 – تحديد النسل:
طالب البند (ك) من (وثيقة بكّين) جميع الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة بـ «التقليل من اللجوء إلى الإجهاض؛ من خلال التوسع في خدمات تنظيم الأسرة، وإعطاء الأولوية لمنع حالات الحمل غير المرغوب فيه، أما النساء اللاتي يحملن حملاً غير مرغوب فيه؛ فينبغي أن يتيّسر لهنّ فرص الحصول على المعلومات الموثوقة».
وبوروندي من الدول التي أعلنت التزامها بـ (وثيقة بكّين)، أو (إعلان بكين)، حتى خلال الفترات التي شهدت فيها صراعات وحروباً؛ وبالتالي فإنها ملتزمة بما جاء فيها من حرية الممارسات الجنسية، وحرية الإجهاض، وحقّ المرأة في عدم الحمل، واستخدم الوسائل المناسبة لمنع الحمل، وقد خصّصت وزارة الصحة أقساماً خاصّة في بعض المستشفيات لتوفير وسائل منع الحمل، وتقدّم الخدمات مجاناً، وبإجراءات ميّسرة، ويوضح الشكل الآتي تطور استخدام وسائل منع الحمل في بوروندي خلال الأعوام الماضية، في الفترة (2000م – 2013م).
تطور استخدام وسائل منع الحمل في المجتمع البوروندي في الفترة (2000م – 2013م)[10].
وقد تبنّت عدد من المسلمات الغافلات هذه الدعوة، وبدأت تروّج لها في الأوساط النسائية المسلمة، وقضية تحديد النسل لها خصوصية عند المسلمين؛ فالمجامع الفقهية قد أفتت بحرمة تحديد النسل، لذلك يبدي علماء المسلمين تحفّظهم على ما جاء في (وثيقة بكّين) فيما يخصّ قضية تحديد النسل، بل يرون أنّ هذه الوثيقة تحمل العديد من المغالطات، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الأسرة.
فهذه المواثيق الدولية لم تعط الاهتمام اللائق بقضية تكوين الأسرة وبنائها، بل خلت كثير من بنودها تماماً من أية إشارة لمصطلح الأسرة، برغم تناولها لموضوعات المرأة، ولكن تناولتها كعنصر تمّ اجتزاؤه من سياقه الاجتماعي، وفي حين آخر اعترفت بعض المواثيق بهذا المصطلح إلا أنها همّشته إلى أقصى حدّ، إلى حدّ ذكره ثلاث مرات فقط ضمن بنود اتفاقية تحوي تسعين بنداً، وحينما تذكره يكون في سياق تلبية الاحتياجات المتعلقة بتنظيم الأسرة وتحديد النسل، أو أن يرد ذكر المفهوم لغَلّ يد الوالدين في تربية أبنائهما فيما أطلقت عليه الوثائق (العنف في نطاق الأسرة)، أو أن يأتي المفهوم في سياق هو أخطرهم جميعاً بضرورة الاعتراف بوجود (أشكال أخرى للأسرة)! وهذا يعني، ليس فقط الاعتراف بالشذوذ وتقنينه، وإنما يعني ضرورة أن يتسع معنى الأسرة كي يشمل جميع العلاقات السوية والشاذة! وإعطاء الجميع الحقوق نفسها من الضمانات الاجتماعية والإرث و… سواء بسواء!
وفي إطار هذه التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في بوروندي؛ شكّلت مجموعة من النساء المسلمات منظمة نسائية تحت مسمّى: (اتحاد النساء المسلمات).
رابعاً: اتحاد النساء المسلمات في بوروندي:
يهدف (اتحاد النساء المسلمات) إلى مواجهة تلك التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في المجتمع، وللنهوض بدورها، وقد نقلت تجربة الاتحاد إلى بلدان أخرى في وسط إفريقيا.
ويهدف الاتحاد إلى:
– تحسين الوضع الاجتماعي والثقافي للمرأة داخل الأسرة.
– إكساب المرأة المسلمة المعارف والمهارات الضرورية للنهوض بدورها المنوط بها.
– تحصين المرأة المسلمة بالمناعة اللازمة التي تمكّنها من مواجهة التحديات.
ويقوم الاتحاد بأنشطة عديدة، ومن هذه الأنشطة:
إقامة ندوات ومحاضرات تخصّ النساء، ومن أبرز الندوات التي أقامها الاتحاد ندوة بعنوان: (تأهيل الداعيات وتعزيز مهاراتهن الدعوية)، أقيمت في الفترة 28-31/7/2005م.
وكان من أهداف الندوة؛ حسب تقرير نشره الاتحاد:
1 – تزويد الداعيات المسلمات بالمهارات اللازمة للقيام بدعوة هادفة، من جميع جوانب الحياة، وكيفية تزكية النفس.
2 – تشخيص دور المرأة المسلمة في نشر الإسلام في بوروندي.
3 – تحديد أبرز المشكلات التي تواجه الداعية المسلمة، والحلول المناسبة لها.
4 – تقويم نشاط المرأة الدعوي على مستوى الوطن.
5 – تحديد معالم منهج برنامج الدعوة القابل للتطبيق في مناطق معينة[11].
* باحث في تاريخ الدعوة الإسلامية – بوروندي.
[1] انظر: تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية حول العنف ضد المرأة، يونيو 2013م.
[2] انظر: التقرير الأممي حول العنف ضد المرأة، لعام 2013م.
[3] من توصيات الملتقى الثقافي النسائي حول مشكلة المرأة في إفريقيا في مناطق النزاع، جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم السودان، لعام 1435هـ / 2014م.
[4] يمكنك الاطلاع على تقرير منظمة العفو الدولية عن العنف في بوروندي من خلال هذا الرابط: http://www.amnesty.org/ar/region/burundi/report-2010
[5] انظر: التقرير هيئة الأمم المتحدة – للمرأة حول بوروندي على الرابط التالي: http://www.unwomen.org/~/media/headquarters/attachments/sections/csw/59/national_reviews/burundi_review_beijing20.ashx
[6] المرجع السابق.
[7] تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، مرجع سابق.
[8] انظر: الاتفاقية الأممية حول بوروندي لعام 2008م، ص 3.
[9] انظر: الاتفاقية الأممية حول بوروندي لعام 2008م، ص 7.
[10] تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، مرجع سابق.
[11] اتحاد النساء المسلمات في بوروندي: ندوة (تأهيل الداعيات وتعزيز مهاراتهن الدعوية)، في الفترة من: 28-31 من يوليو 2005م، ص 2.