د. عمران سعيد ميغا – مالي
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم تنزيله: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5]، ثم الصلاة والسلام على مُعلِّم البشرية؛ محمد بن عبد الله الهادي البشير، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وبعد:
فهذا البحث فكرة خطَرت ببالي منذ أمدٍ؛ حيث لاحظتُ تجانسًا بين كلمات من اللغة العربية وكلمات من لغة سونغاي، وكنت أتساءل في نفسي عن سبب هذا التجانس؛ وهل هناك علاقة عِرْقِيَّة بين اللغتين، أو هل توجد دواعي للتأثر بالثقافة الوافدة، إن لم يكن من أسباب ذلك الولع والتنافس بين الغالب والمغلوب. والأمر ليس من هذا القبيل في حالتنا هذه؛ إذ إن غالبية المؤرخين يتفقون على أن شعب سونغاي اعتنقوا الإسلام عن طيب نفس دون الخضوع لسطوة أو قهر السيف.
من خلال هذا البحث أردت بها أن أجد جوابًا عن هذه التساؤلات، والتي وددتُ بها إلقاء ضوء على المحضر (الكتاتيب)، ويعرف في اللغة المحلية بـ(دُودَل)، ودورها في تثقيف الأمة الإسلامية، وعنونته بـ(دور الكتاتيب في نشر ثقافة سونغاي وتأثرها بالثقافة العربية). وتحريتُ هذا الموضوع لأهميته ولمكانته في نفسي، ولتجربتي إيَّاه؛ فرأيتُ أن تحصيل العلم الدقيق الحقيقي يبدأ من هناك، وإن كان يحتاج إلى مدة أطول، وشيء من التطوير.
وأيضًا رأيت أن كثيرًا من الباحثين -ممن تجمعنا العلاقة النسبيَّة أو البلدية- الذين كتبوا في هذا المجال ضربوا صَفْحًا عن هذا الجانب، وإنما تعرَّضوا لبعض الجوانب المتعلقة بإمبراطورية سونغاي، مثل التقاليد، وتأثر لغة سونغاي باللغة العربية، وغيرها من الموضوعات الفرعية عن مملكة سونغاي.
وهذا الموضوع حَرِيٌّ بالدارسة والاعتناء؛ لأن كل هذه الأمور –بدءًا من التأثير الثقافي واللغوي، والانتشار الديني في هذه البلاد- إنما هي ناجمة عنه، وعن جهد الشيوخ والعلماء الذين بذلوا جهدهم المبارك من خلال هذه الطريقة؛ ليعلِّموا الناسَ أمورَ دينهم.
ولقد قسمتُ هذا البحث إلى أجزاء؛ حتى تتم الاستفادة منه؛ حيث اشتمل على عدة محاور؛ هي: دخول الإسلام في مملكة سونغاي، ومكانة اللغة العربية فيها، ووسائل انتشار الحركة العلمية فيها، ثم تناولت الكتاتيب، وطرق التعليم فيها، والمناهج المدروسة فيها، وختمت البحث بالإشارة إلى بعض الإيجابيات والسلبيات في تعليم الكتاتيب، وكذلك تأثر ثقافة سونغاي بالثقافة العربية في بعض الجوانب الحياتية؛ (الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية).
وأرجو أن أكون قد أفدتُ البحث العلمي في هذا المجال؛ حيث يُعتبر هذا الموضوع من المواضيع التطبيقية المبنية على الملاحظات الميدانية، اللهم إلَّا الإشارات الطفيفة التي لا نعدمها في ثنايا الكتب التاريخية. ولعل هذه الدراسة تكون نبراسًا لإضاءة هذا الجانب ليلفت توجُّه الباحثين ويحظى بعنايتهم؛ وليهتموا بالجوانب التي أهملتها هذه الدراسة. والله ولي التوفيق.
وصول الإسلام إلى مملكة سونغاي:
ينقسم تاريخ سونغاي فيما يتعلق بالإسلام إلى قسمين؛ فقد عاشت على وثنيتها في عاصمتها القديمة (كوكيا) حتى سنة 1009م؛ فاعتنق ملكها الخامس عشر المسمى (زاكسي) الإسلام بفضل الاحتكاك السلمي بالجاليات العربية من تجار ودعاة مسلمين، وكان إسلامه حدثًا تاريخيًّا في حياة سونغاي؛ حيث تحوَّلت من الوثنية إلى الإسلام.
وإن كان الدكتور هارون المهدي يستبعد هذه الفكرة المنتشرة في الكتب التاريخية، ويأتي بتحليل يستحق الاعتماد وإعادة النظر في المشهور حول هذه الفكرة؛ حيث يقول: “ويغلب على كتب التأريخ للمنطقة أن أول من أسلم منهم هو الملك الخامس عشر، واسمه: زاكسي، ويبدو أنه غير صحيح؛ لأن الملك السادس من هؤلاء يسمى (زا علي)، ويبعد أن يكون اسمه إسلاميًّا من غير أن يكون مسلمًا، وخاصةً أن دعوى كون أصلهم من اليمن غير مُسلَّم به، ويَرُدّها حتى مدلول هذا اللقب في لغة سنغاي. فلعل الصحيح أن يكون بعض هؤلاء قد اعتنقوا الإسلام من القرن الأول الهجري، لكن لم يَحْظَ الأمر بالتسجيل، كما حظي أمر (زاكسي)… والمهم أن (زا علي) هذا كان ملكًا في أوائل القرن الثاني الهجري سنة 135هـ”([1]).
ويواصل الدكتور هارون المهدي سرد الحجج على أن احتمال هذه الدعوة لـ(زاكسي) قد يكون ناتجًا من جهوده البارزة في توطيد الإسلام في المنطقة؛ حيث أصدر مرسومًا ملكيًّا بعدم تولية الحكم لغير مسلم، وذلك حوالي 400ه. والمرجح في روايات دخول الإسلام في مملكة سونغاي أنه كان عن طريق التجارة والهجرات وحركة الدعاة الأوائل.
يقول فاي منصور: “على الرغم من الصعوبات التي تعترض الباحث في تحديد تاريخ دخول الإسلام في مملكة سونغاي؛ إلا أنه يمكن تحديده بالملاحظة الدقيقة من خلال أقوال الباحثين عن هذا التاريخ حسب كتاباتهم، وأن تاريخ بلاد السنغهاي الإسلامي، على وجه الخصوص، مرَّ بعدة مراحل تؤكّد أن الإسلام لم يدخل بلاد السنغهاي دفعة واحدة في زمن معيَّن، وإنما كانت هناك فترات أسلم فيها أفواج من السكان؛ إمَّا على أيدي التجار المسلمين، وإما على أيدي المهاجرين، أو الهجرة بين الشمال الصحراوي والجنوب منها. كما ارتبط إسلام البعض منهم بإسلام الملك جاكسي1009م”([2]). وعلق على ذلك بقوله: “وفي ذلك ما يؤكد مجددًا أن الإسلام انتشر في هذه البلاد سلمًا لا حربًا”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الإسلام قد وجد طرقه إلى بلاد السودان الأوسط والغربي، منذ القرن الأول الهجري (السابع الميلادي)، وذلك لا عن طريق الفتح الحربي والضغط والقهر، ولكن عن طريق التجارة والمصاهرة والاندماج والكتب والمدارس والمساجد؛ لأنّه يصعب إخضاع وقيادة القبائل الكبيرة القوية عن طريق الحرب بدليل أنّ الإسلام في تلك البلاد ظفر بأقوى القبائل وأشجعها وليس بالمستضعَفَة منها([3]).
مكانة اللغة العربية في مملكة سونغاي:
إنّ شعب سونغاي لما اعتنقوا الإسلام وآمنوا به؛ رأوا أنّ حياتهم متوقفة على فَهْمه، وأنّ الإسلام أساس عزّهم وسبب نهضتهم ومجدهم؛ لذا أقبلوا عليه يدرسونه ويتفهمونه؛ ولما كان فَهْم الإسلام لا يتأتَّى بغير اللغة العربية أقبلوا عليها يدرسونها دراسة عميقة؛ حتى يتفهموا كتاب الله وسُنَّة رسوله، “ولقد كان الاهتمام بالقرآن الكريم، يستدعي الاهتمام عند أهل سونغاي خاصة وعند غرب إفريقيا عامة بدراسة لغة القرآن التي اكتسب مسحة من التقديس…”([4])؛ فكانت غايتهم في تعلم اللغة العربية هي فَهْم الدين وتعاليمه، وكلّ ما يدور حول العبادات والمعاملات، ولم يكونوا طامعين في غير ذلك؛ “فالأب عندما يرسل ابنه ليتعلم القرآن والعلوم الدينية؛ فإنّ الصورة التي يتخيلها لابنه مستقبلاً هي ذلك الإنسان الفقيه والعالِم لعلوم الدِّين، يدافع عن الإسلام وينافح عن تعاليمه، ويدعو الناس إليه، ويتفانى -عن دراية- في خدمة الإسلام ونشر العلم في المجتمع المسلم، وهذا سبب نفورهم من المدارس العصرية، وإن كانت عربية؛ بحجة أنّ العلوم التي تدرس فيها ليست علومًا دينية، وأنّ التربية التي يتلقاها الأولاد فيها شبيهة بتلك التي يتلقاها أولاد المدارس الحكومية الرسمية العلمانية من حيث المناهج ووسائل التربية وسبل التعليم”([5]).
إنه شعبٌ “قد اهتمَّ بالأدب والعلوم والتدوين بعد أن اعتنقوا الإسلام، وتعلموا اللغة العربية”([6]). فقد أرادوا أن يتضلعوا باللغة العربية وفهم الدين الإسلامي والتفقُّه في علومه، فكان الواحد منهم يحفظ المعلقات السبع الجاهلية، والمقامات الحريرية، والدالية، ومقصورة ابن دريد، وأُمّهات المعاجم اللغوية، وغيرها من كتب اللغة، كما كانوا يحفظون كتب الفقه كرسالة ابن أبي زيد القيرواني، والمقدمة العزية، وحتى أصعب كتاب على علماء العصر الذي هو مختصر الخليل. وكذلك كتب الأحاديث، ابتداءً من الأربعين النووية، وبلوغ المرام، وموطأ الإمام مالك، ورياض الصالحين، والكتب التسعة، وغيرها من كتب الأحاديث. “لقد كانت جميع المعارف تُدَرَّس وتُستوعب بواسطة اللغة العربية، وكانت هذه اللغة هي لغة الكتابة الرسمية والثقافة على السواء، غير أن التدريس في المساجد كانت تُستخدم فيه اللهجات المحلية للعامة، أما طلاب العلم فكانوا يدرسون باللغة العربية”([7]).
ومما يؤكد لنا اهتمامهم باللغة العربية، أن هؤلاء الملوك الذين اعتنقوا الإسلام، هم من قاموا بنشره والدعوة إليه، ابتداءً من زاكسي، وحتى سني علي، الذي مع ما أُخِذَ عليه من اضطهاد العلماء والشعب في فترة من الوقت، فإنهم اعترفوا باعتنائه بالإسلام والعلماء، حيث يقول المؤرخ عبد الرحمن السعدي: “إنَّ سوني علي كان قد أغدق نِعَمه على عدد من المرابطين، وأنه كان يردد في أقواله فضل العلماء في الدين والدنيا، فضلاً عن أنه كان يُخصّص ساحات لأداء الصلاة في شهر رمضان المبارك، وأنشأ الدواوين الرسمية في المملكة، وجمع كنزًا عظيم الأهمية من الكتب والأوراق، وكان مخزونًا في المستودعات، وأوكل بها على الأغلب جماعة المرابطين”([8]).
وهكذا لما تولَّى على عرش المملكة الفاتح الأكبر أسكيا محمد الأكبر (1493هـ/ 1528م) الذي قام بدور أعظم في نشر الإسلام، وفي عهده بلغت إمبراطورية سونغاي أقصى اتساعها وعظمها وازدهارها، وقد اتخذت في حركتها التوسعية مظهرًا إسلاميًّا واضحًا([9]).
كما اعتنى بالعلم والعلماء وكرَّمهم تكريمًا كبيرًا، ما أدَّى إلى جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية، في المملكة، وبها تُكتَب رسائل الملك، ودواوين المملكة، وكل ما يتعلق بسياستها، وبهذا نُدرك مكانة اللغة العربية في هذه المملكة، ومرتبتها في المجتمع، فلا غَرْو في ذلك؛ لأنهم أحبُّوا الإسلام، وأحبُّوا ما يُقرّبهم إلى فهم هذا الإسلام، وتطبيقها كما ينبغي، فكانت اللغة العربية هي الوسيلة الكافية، فأخذوها بالنواجذ.
وسائل انتشار الحركة العلمية في المملكة:
وقبل أن نتحدَّث عن هذا الموضوع، هناك نقطتان ينبغي أن نشير إليهما؛ بما لهما من أهمية في فسح المجال لنا لنصل إلى ما نريد الخوض فيه، وهما: الثقافة الفكرية عند سونغاي قبل الثقافة الإسلامية، والمراحل التي مرت بها الثقافة الإسلامية لتنتشر في مملكة السونغاي. ونبدأ بشيء من التفصيل مع النقطة الأولى، التي هي:
ثقافة مملكة سونغاي قبل الثقافة الإسلامية:
كانت الأسس الفكرية عند شعب مملكة سونغاي ترتكز في جزء كبير منها على المفاهيم السّحرية والدجل، وعلى الخرافات البالية التي ظلت عبر التاريخ تهيمن على عقول الشعب وعلى علاقاتهم الاجتماعية بشكلٍ عامّ.
واستمرت وطأة الأعمال السِّحرية فيهم إلى عهد أسكيا الحاج محمد الذي بذل جهوده من أجل القضاء على هذه المعارف السحرية القديمة؛ لكونها أوهامًا تتجافى مع المبادئ الإسلامية، وبالتالي مع نظام دولته التي تجاهد من أجل إقرار أحكام الشريعة الإسلامية داخل بلاد سونغاي، فضلاً عن رغبته القوية في توثيق الروابط الأخوية بين بلاده وبين ممالك العالم الإسلامية.
وتتبين هذه الاتجاهات بالوقوف على الرسالة التي وجَّهها السلطان أسكيا الحاج محمد إلى العالم المغربي محمد عبد الكريم المغيلي، يطلب منه فيها بيان حكم الدين الإسلامي فيما ورد بها من استفسارات حيث، قال: “إن أهل بلاد السونغاي، في زعمهم، وظاهر أمرهم مسلمون، ومدينتهم بالجامع والجامعة والجمعة والأذان للصلوات الخمس، وذلك بعد أن كانت كلها بلاد كفر وأهلها عبدة أصنام، فقام عليهم بعض أجداد هؤلاء السلاطين مع أتباعهم، فقاتلوا أولئك الكفار وملكوا بلادهم المذكورة عنوة، وسكنوها بالإسلام أكثر من ثلاثين سلطانًا قبل السلطان سوني علي، وكان أبو سوني علي سلطان أهله، وكانت أمه من بلاد فار([10])، وهم قوم كفار يعبدون الأصنام من الأشجار والأحجار، ويتصدقون لها ويسألون حوائجهم عندها. ثم قام علي سوني بعد موت أبيه يطلب الحكم وقاتلهم حتى غلبهم، وتسلطن عليهم، كما كان أبوه، ومن قبله من ملوك سونغاي، إلاّ أنه، رغم نطقه بالشهادتين، ونحوهما من ألفاظ المسلمين، لم يكن يعرف لذلك حقيقة، وكثيرًا ما كان يصوم، ويتصدق بالذبائح وغيرها عند المساجد ونحوها، لكنه مع ذلك كان يعبد الأصنام ويُصدّق الكُهَّان ويستعين بالسَّحَرة ونحوهم في أقل الأمور وأجلها”([11]). وندرك من هذا السؤال ما يؤكد صدق الاتجاه الذي تبنَّاه أسكيا محمد من أجل توجيه المفاهيم السودانية الغربية، لكي تتخذ شكلها الإسلامي الذي عُرِفَتْ به مملكة سونغاي في عهده.
أما النقطة الثانية وهي: مراحل نشر الثقافة الإسلامية في مملكة سونغاي. فيقول فاي منصور: “يرى الباحثون أن التفاعل الديني الإسلامي القائم على ثقافة اللسان العربي مع الأسس الفكرية التي وُجِدَتْ في السودان مرَّ بثلاث مراحل عبرت خلالها الثقافة الإسلامية إلى المجتمعات السودانية”([12]): وهي مرحلة وصول الدين الإسلامي إلى المنطقة، ثم مرحلة اتصال بلاد السودان بالعالم الإسلامي المشرقي والمغربي، ثم مرحلة نضج الثقافة الإسلامية في بلاد السودان الغربي، وذلك خلال القرن السادس عشر الميلادي.
أما أولاها: فتبدأ من تاريخ وصول الدين الإسلامي إلى المنطقة حتى أواسط القرن الرابع عشر، ولم يتجاوز أثر هذه الثقافة فيها تعليم الأهالي قراءة القرآن والسلوك الإسلامي في المعاملات المختلفة.
وثانيها: تميّزت بتوطيد صلات بلاد السودان بالعالم الإسلامي في المشرق وفي دول الشمال الصحراوي؛ حيث شهدت منطقة السودان الغربي خلالها انتقال العلوم والمعارف الإسلامية، فظهرت مدرسة إسلامية سودانية خاصة في ميدان علوم الدين من فقه وحديث ومسائل، وغيرها.
وثالثها: تبدأ من أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وشهدت بلاد السودان خلالها توسعًا كبيرًا في مجالات المعارف والعلوم مثل الفلسفة والمنطق والتاريخ وآداب الرحلات والشعر والإنشاء.
فهذه هي المراحل التي مرت بها الثقافة العربية الإسلامية في بلاد السودان الغربي قبل أن تكون هي المهيمنة على ثقافتها.
والآن حان الأوان أن نعود إلى موضوعنا، وكأنّنا نجعله تكملة لما سبقه من المواضيع حتى يزداد وضوحًا؛ لأنها من العوامل المؤثرة في ازدهار الحركة العلمية، وهي الوسيلة التي بها تتم تلك المراحل الثلاثة السالفة الذكر:
وما زلنا مع (فاي منصور) حين يتحدث عن العوامل التي أدّت إلى ازدهار الحركة العلمية في بلاد السونغاي، وجعلها تبلغ ما وصلت إليه، في نهاية القرن الخامس عشر، وخلال القرن السادس عشر الميلادي من ازدهار وعطاء متميز.
ومن أهم ما ذكره من هذه العوامل ما يلي:
1- مركزية موقع البلاد ومكانتها التجارية “مثل: غاوو، وتمبكتو، وجني وولاته، والتي وفرت لجميع الناس فيها حياة كريمة هادئة”([13])، ومعلوم أن تجار العرب المسلمين يكثرون التوارد على هذه البلدان وبخاصة المدن التجارية المركزية، ممَّا أدَّى إلى اختلاطهم مع المجتمع، فسهَّل لهم طريقة إبلاغ الدعوة الإسلامية إليهم.
2- سياسة السلطان أسكيا محمد تجاه العلم والعلماء، فكما عرفنا اجتهاده في الدعوة الإسلامية، فإنه اعتنى كذلك بالعلم والعلماء، واحترمهم احترامًا بالغًا، وكذلك جعل بعض جلسائه من بين العلماء الصالحين؛ ليستشيرهم في الأمور الدينية وبعض القضايا المتعلقة بالدولة.
3- هجرة العلماء الأجانب إلى بلاد سونغاي، فقد شهد القرن الخامس عشر الميلادي بالذات، هجرات كبيرة قام بها بعض طوائف العرب والبربر إلى منطقة بلاد السودان الغربي، ومن ذلك وصول علماء ينتمون إلى أسرتين كبيرتين مشهورتين بالعلم هما: آل أقيت، وآل اندع محمد، وذلك في النصف الأول من القرن الخامس عشر، فقد كان هؤلاء المهاجرون يحملون معهم في الصدور علومًا ومعارف جاهزة لخدمة البلاد.
4- تأثيرات خارجية أخرى؛ وهي: التواصل المستديم بين علماء تمبكتو وكبرى الجامعات الإسلامية، “وكانت لهم صلات مستديمة مع كبرى الجامعات الإسلامية، في الشرق وفي الشمال الإفريقي، مثل جامعة الأزهر الشريف، والقيروان، والقرويين، وجامعة الزيتون”([14]). وبخاصة إذا عرفنا أن هناك رسائل متبادلة بينهم للاستفسار عن بعض القضايا الدينية التي تحتاج إلى التدقيق من أحد الطرفين.
وقال في آخر هذه النقاط -التي صغتها بتصرُّف منّي ولم أُرد أن أسوقها كما هي-: “ولعل فيه ما يؤكد أن الحركة العلمية في بلاد السودان الغربي استمرت طويلاً في اندفاعها نحو هدفها الواضح في نقل العلوم والمعارف الإسلامية، وتكريس الثقافة الإسلامية في هذه المنطقة، وذلك بفضل العلماء من أهل الفقه واللغة والشريعة الإسلامية، وعبر المراكز الثقافية والحضارية داخل البلاد وخارجها، لدرجة أنها نجحت نجاحًا كبيرًا في ربط حضارة الشعوب الإفريقية المحلية بالفكرة الإسلامية في إطار التأثير الذي لم يعرف أيّ نكسات أو أيّ مظهر للرفض من جانب سكان المنطقة الذين باتت الثقافة الإسلامية بالنسبة إليهم جزءًا لا ينفصل عن كيانهم الذاتي، وهي الرابطة الثقافية والحضارية والروحية التي يُطلق عليها بعض الباحثين اليوم اسم “المدرسة الإفريقية”([15]).
نشأة الكتاتيب في المملكة ودورها في التوعية:
ومما سبق، ندرك اهتمام أهل مملكة سونغاي بالعلم والتعليم، فوجد من بين المجتمع جماعة خلّصوا أنفسهم لله -عز وجل-؛ فتفرغوا لهذه المَهمَّة، ولتوعية الناس وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، فلم يكونوا يخافون في الله لومة لائم، بل كانوا يفعلون ذلك إخلاصًا لوجه الله، وطلبًا لرضاه. ولله العزة وهو أصدق القائلين؛ حيث يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. إضافة إلى ما حظَوْا به من العناية والاحترام مِن قِبَل المجتمع، “ولقد كان المعلمون يحظون باحترامٍ كبيرٍ، فإنّ تعليم القرآن الكريم وحفظه هو المادة الأساسية في التعليم بجانب الإلمام ببعض العلوم الإسلامية الأخرى واللغة العربية والخط، وكان طلبة القرآن ومعلّموهم لهم مشاركة اجتماعية في البلاد”([16]).
فهذا الجهد الذي يقومون به هو ما سُمِّيَ بـ(الكتّابية) مفرد كتاتيب، أو المحضر، ولم تكن في ذلك الحين مدارس نظامية، ولا مدارس حكومية؛ ولذلك تَحتَّم عليهم أن يؤسِّسُوا لأنفسهم طرقًا وأساليب تناسب بيئتهم، وتُمكّنهم من إبلاغ هذه الرسالة على أحسن ما يمكن؛ فوقع اختيارهم على طريقة الكُتّاب، ولقد وُفِّقُوا في الاختيار، فهي أنسب طريقة تعليم لقومٍ لم تكن الحضارة قد تطورت لديهم بعدُ، ولم يتفتحوا إلى العالم حولهم.
كما يمكن القول بأن هذه الطريقة هي الطريقة نفسها التي بدأ بها التعليم الإسلامي في كثير من بلدان العالم الإسلامي، ومنها تكونت تلك الحضارات الراقية الفائقة الذِّكْر التي طوّرت عقل الإنسان، وساعدته على عمارة هذا الكون، ومن مناهله تواردت الحضارة الغربية حتى أصبحت ما أصبحت عليه الآن. لذلك، فهذه الطريقة التعليمية ما كان ينبغي أن تُرْمَى وراء الظهور، بل ينبغي أن يُعْتَنَى بها وتُطوَّر حتى تتماشى مع الأساليب الحديثة المعاصرة في التعليم.
وسائل التعليم في الكتاتيب:
من وسائل التعليم في الكتاتيب:
1- الألواح الخشبية.
2- الدواة المصنوعة من الفحم.
3- القلم الخشبي.
4- الحطب الموقدة في الليل، أو الفجر، ليقرأ الطلاب على نورها([17]).
وهذه هي الوسائل المهمة في تعليم النشء؛ حيث كان كلّ مَن يأخذ ابنه إلى الشيخ للتعليم يأخذ معه أولاً لوحًا خشبيًّا، فيكتب الشيخ للولد أول مرة (بسم الله الرحمن الرحيم)، ويقرأها له هجائيًّا حرفًا حرفًا، ثم الحروف الهجائية من الألف إلى الياء، بدون تشكيل ثم تأتي مرحلة التشكيل من الفتحة إلى الضمة، والكسرة، والسكون إلى آخره، وقبل أن تنتهي هذه المرحلة يكون الولد قد تعلم الحروف، وتمكَّن من تمييزها، ونطقها نطقًا صحيحًا.
وفي هذه المرحلة كلها يعتمد الولد على الشيخ فيما يكتبه له، وبعد وقت قليل حيث تمكن من إمساك القلم ويثبت عقله، فيبدأ الكتابة لنفسه، ينظر القرآن، فيكتب لنفسه درسه، ثم يقدمه للشيخ فيصحّح له ما أخطأ في كتابته، ويسمَّى تصحيح المُعَلِّم بـ(سَاتِين)، وبعد هذا يقرأ له الشيخ ما كتب حتى يتمكّن من القراءة الحسنة للقرآن، ثم يحفظها عن ظهر قلب ليُسمّعها عند الشيخ في الغد ويسمى (دُرْسَيَنْ).
وهكذا إلى أن يكمل الولد كتاب الله، ويحفظه عن ظهر قلب، ثم يراجعه، ويكتبه عن غيب من الكتاب، وبعد ذلك يقال بأنه حافظ لكتاب الله.
أوقات الدراسة:
إن لكل شيء في الكون نظامه الذي يجري عليه؛ سعيًا لتحقيق هدفه الذي يسعى إليه، فكان نظام الدراسة في الكتاتيب مستمرًّا في الأيام الأسبوعية ما عدا يومي الخميس والجمعة، الذين اتُّخِذَا فرصة للاستراحة وتجديد الحيوية في النفوس، هذا بالنسبة للأيام الدراسية.
أما في اليوم الواحد؛ فتختلف دراسة النشء والنساء عن المتقدمين، حيث تنحصر أوقاتهم الدراسية من الصباح إلى الضحى أو إلى قبيل الظهر، ثم يعودون بعد الظهر إلى بعد العصر قبيل الغروب وينصرفون إلى منازلهم.
أما الطلاب الكبار أو المتقدمون والساكنون عند المُعَلِّم فأوقاتهم تكون أكثر حيث يقرأون في الليل بعد العشاء إلى منتصف الليل، وقراءتهم تكون على نور الخطب الموقدة التي تسمَّى بـ(دُودَلْ)، ثم من طلوع الفجر إلى الصباح ليسمّعوا عند المُعَلِّم ما حفظوه ويأخذوا درسًا جديدًا.
وهكذا يقضون جلّ حياتهم في التعلم والتعليم، وربما يقضي الواحد منهم عشرين سنة أو ثلاثين قبل أن يُجيزه المعلم، ويعطيه إجازة علمية بعد أن تعلَّم كلّ ما في وُسْع المُعَلِّم أن يُعلّمه إيَّاه. وإنَّ أحسن أخلاقه وأخلص في معاملته مع الشيخ، قد يزوّجه المُعَلِّم ابنته المحببة عليه مكافأة على جهده وإخلاصه، وتوطيدًا لرابط العلاقة بينهما، فإن شاء مكث عند الشيخ وإن شاء رجع إلى أهله.
وكان هذا التعليم أشبه ما يكون محققًا لما دوّنه القابسي (المتوفَّى سنة 403هـ) في رسالته المفصّلة لأحوال المعلمين والمتعلمين؛ إذ توضح لنا هذه الرسالة المناهج والأساليب التعليمية في إفريقيا.
ولخَّص الدكتور الأهواني رسالة القابسي التي تُصوّر حالة التعليم الأولى في القرن الرابع الهجري؛ حيث كان الصبي يُبْعَث إلى الكتاب إذا عقل، وكانت هذه الكتاتيب منتشرة في أنحاء المدن والقرى، وقد تكون بجوار المساجد؛ حيث يقوم عليها مُعلّم يستأجر مكانًا للتعليم، وقد يشترك مُعلّم أو أكثر في تعليم الكُتّاب؛ حيث يُعلّمون الصبيان مقابل أجر زهيد أسبوعيًّا أو شهريًّا أو سنويًّا، ولا تخضع هذه الكتاتيب لأيّ سلطة إدارية أو تفتيشية.
ويذهب الصبي مبكرًا إلى الكُتّاب فيبدأ بحفظ القرآن، ثم يتعلم ،الكتابة ثم يعود إلى المنزل ويرجع بعد الظهر، ويظل به إلى آخر النهار ويختلف الأطفال إلى الكتاب طيلة أيام الأسبوع إلا يوم الخميس وصباح يوم الجمعة، وريما قرأوا يوم الجمعة مساء في بعض المدن ليطوفوا مع الفقيه على المساجد لقراءة القرآن الكريم.
ويتعلّم الصبي أثناء الدراسة: القرآن الكريم والكتابة والنحو والعربية، وقد يتعلم الحساب والشعر وأخبار العرب إذا تطوع المُعَلِّم بذلك، على أنَّ أهمّ ما يدرس هو حفظ القرآن على الطريقة الفردية أو الجماعية، ولكلِّ صبيٍّ لوحٌ يَكتب فيه ما يحفظه، ويُعاقَب الصبيان الكسالى أو المتلاعبون بالنصح والتهديد، والضرب إذا لم ينفعهم النصح، وتنتهي مرحلة الحفظ بالحتمة (الحدقة) في بعض المدن، وعندئذ إما أن ينتقع عن التعليم ويتجه إلى الصناعة، وإما أن ينصرف إلى المسجد والمدرسة للتبحُّر في التعلم([18]).
وعلى هذا الأسلوب التعليمي درسنا، وكذلك مَن كانوا قبلنا، غير أنَّهم في فترة حفظ القرآن لا يجمعون معه شيئًا، إلا بعد إكمال القرآن الكريم مرة أو مرتين، ثم يبدأ تعليم الكتب الصغيرة في اللغة والمذاهب الفقهية السهلة للمبتدئين. اللهم إلا النساء أحيانًا؛ حيث يعلمونهنَّ الأدعية وما تصلح صلاتهن من الدعوات المنثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
مراحل التعليم في الكتاتيب وطرق التعليم في كل مرحلة:
إنَّ أهم المراحل في الكتاتيب هي مرحلتين حسب ملاحظتي: مرحلة تعليم القرآن الكريم، ومرحلة طلب العلم.
أما مرحلة تعليم القرآن، فتبدأ منذ الدخول في الكُتّاب إلى يوم إكمال القرآن الكريم بالحفظ، وبالحصول على إجازة المُعَلِّم أو الشيخ، وسنتناول هذه المرحلة بشيء من التفسير الوجيز.
فهذه المرحلة هي أصعب المراحل على الطالب؛ لأنه أعجميّ ولم يتعوّد لسانه على الحروف العربية، مما يُشكّل صعوبةً حتى على المُعلِّم، ولكنْ بفضل الله ثُمَّ بفضل جهود هؤلاء الشيوخ الذين اجتهدوا وحاولوا الوصول إلى طريقة مناسبة تُمكّنهم من تذليل بعض الصعوبات على الطلبة الأعاجم ليتمكنوا من القراءة الجيدة؛ فاخترعوا طريقة الأبجدية المرتبة من الألف إلى الياء. وكيفية قراءة الحرف العربية تمر بثلاث مراحل:
1- مرحلة قراءة الحروف المجردة من الحركة ومن السكون: وفي هذه المرحلة يكتب الحرف كما هو على اللوحة، وينطقها المُعَلِّم فيتبعه الولد مثل أن الألف (أ) فينطق (أَ) بالفتحة، وكذلك (ب) بالفتحة، إلى آخر الحروف الثماني والعشرين.
2- مرحلة الحركات: وفيها يكتب الحرف مع التشكيل، ويُتبع بشيء من التفصيل بلغة السونغاي لتقرب النطق إلى ذهن الطالب فيقولون مثلا: (ب) مفتوح (بَ) فينطق للطالب (ب) ماسي بيني (بَ) ba masa bene= ba، وتعني في السونغاي الباء المتحرك فوقُ.
وفي الكسرة يقولون مثلا (ب) كسرة (بِ) فينطق (بِ) با ماسِي غاندَ = بِي ba massa ganda=bi وتعني الباء المتحركة تحتُ.
وفي الضمة يقولون في (أُ) أو (بُ) مَاسَ غونغُما ba massa goumgouma=Bou. أي الباء المضمومة= بُو. وتعني الشيء المقوس أي الذي انحنى مثل حركة الضمة.
وفي السكون، يسمى السكون بكُورْبَيْ أي الخاتم (الفتخة)؛ لأن السكون على شكل الخاتم، فيقولون في الباء مثلا: (بْ) بَا كُورْبَيْ= أَبْ،ba korbey=ab ، وهكذا إلى أن يكمل هذه المرحلة وهي مرحلة الحركات.
3- مرحلة التنوين: وفيها يكتب الحرف مع التنوين، ويتبع أيضًا بشيء من التفصيل بلغة السونغاي لتُقرّب النطق إلى ذهن الطالب؛ إلا أنهم في هذه المرحلة ينطق الحرف كما قرأه في مرحلة الحركات، فيقولون مثلا: (بً) با كَنَنْدِ= بَنْ، ba kacnandi=ban، بمعنى المتحرك حركتين= بنْ.
وفي تنوين الكسرة: يقولون: بِي كنَنْدِ= بِنْ، bi kacnandi=bi.
وفي تنوين الضمة: بُو كنَنْدِ= بُنْ، bou kacnandi=boun، وبهذه الكيفية يكون الطالب قد عرف الحروف، وتوقف على الفروق بينها، وفهم نطقها جيدًا.
ملاحظة: قد يكون نطق الحرف مع الحركات بالعربية بحتة فيقولون ألف ب ت ث، وفي الحركات، يقول ألف فتح أَ، وب فتح بَ، وب ضم بُ، وب كسر بِ، وب سكون أبْ.
وفي التنوي: ب فتحتان بً، و ب ضمتان= بٌ، و ب كسرتان= بٍ.
وفي الحروف المتقاربة في النطق المتشابهة بعضها البعض مثل: س، ص، ث، فيقولون في سين (سَ) صاحب الأسنان الثلاثة، وفي (ص): صاد صاحب البطن الكبير، وفي (ث) ثَ صاحب النقط الثلاثة. هذه كلها تنطق باللغة السونغاي. وصعبٌ عليَّ كتابتها.
وفي: (ز، ذ،) يقولون: في (ز) زَ الراء، وفي (ذ) ذَ الدال.
وفي أي حرف قد يكون فيه التباس مع غيره، يحاولون حتى يجدوا مخرجًا لا يلبس الأمر على الولد ومثل هذه الحروف: (ش مع س، وت مع ط، ود مع ض، وع مع غ، و ز مع ظ، و ك مع ق، و ح مع خ،.. إلخ).
وهذه المراحل تكفي إذا كان الطالب ذكيًّا مجتهدًا، أن يكون متمكنًا من القراءة، وأن يتلوَ كل ما تقع عليه عينه، فيبدأ بقراءة القرآن الكريم من الفاتحة، والناس إلى ما شاء الله.
وإن لم يتمكن من القراءة بنفسه، يتابع له تطبيق قراءة الحروف الهجائية على السور القصيرة، بحيث يقرأ السُّوَر حرفًا حرفًا، وبعد إتقان حروفها، يُرجع إلى البداية بداية السورة، فيقرأها ترتيلاً، وهكذا إلى أن يكمل القرآن -بإذن الله تعالى-.
وبهذا يكون قد أكمل هذه المرحلة؛ مرحلة تعليم القرآن الكريم وحفظه، وقد أشرتُ فيما مضى كيف ومتى يُطلق عليه حافظًا لكتاب الله. وبعد ذلك، له الحرية في أن يرجع إلى أهله ليساعد أباه، أو يدخل في التجارة، أو الصناعة، أو يختار متابعة الدارسة بأمر وموافقة من أبيه، فيتابع في المرحلة الثانية التي تسمى بمرحلة طلب العلم.
المرحلة الثانية مرحلة طلب العلم:
وبعد قراءة القرآن، والتمكُّن من حفظه والتعرُّف على الحروف جيدًا، ينتقل إلى طلب المعرفة والتفقه في الدين، ليرجع إلى أهله معلمًا راشدًا، ومفتيًا يتمكَّن من تلبية حاجاتهم الدينية، فيبدأ في دراسة الكتب السهلة في اللغة والفقه، والحديث، والتي مع سهولتها قد يقضي على واحد منها سنة كاملة قبل أن يكمله لصعوبة اللغة وجدتها عليهم، ومع ذلك فإنهم لا يمرون على شيء من الدروس حتى يتقنوه، بل يحفظون المتون، وكل ما يرون أنه لا سبيل لهم إليه إلا بحفظه يحفظونه. ولا غرو في ذلك؛ لأن الواحد منهم إذا بدأ بدراسة كتاب عند المُعَلِّم قد يكتفي بشرح سطر أو ثلاثة أسطر له، فيذهب الطالب ليقرأها إلى الغد ويحفظ الكلمة العربية مع معناها في لغة سونغاي.
أهم المواد المدروسة في هذه المرحلة:
وأهم المواد المدروسة في هذه المرحلة هي: التفسير، والتوحيد، الحديث، والفقه، وكتب اللغة: الأدب، النحو، والصرف.
وأوقات الدراسة في هذه المرحلة قد تختلف عن المرحلة الأولى؛ لأنها تتوقف على حال المُعَلِّم أو الشيخ، إذا كان يُلْقِي الدرس في المسجد فغالبًا ما يكون الوقت بعد الفجر مباشرةً في المسجد، وبعد صلاة العصر كذلك، وبين المغرب والعشاء, ويقسم هذه المواد على هذه الأوقات.
أما إذا كان الشيخ يُلْقِي الدرس في بيته، فقد تختلف قليلاً؛ حيث تفتح الدراسة بعد طلوع الشمس إلى الضحى أو قبيل الظهر، ثم بعد العصر إلى قبيل المغرب، ثم ينصرف الجميع، وهكذا تستمر الدراسة إلى ما شاء الله.
وهذه الأوقات الدراسية تسمَّى (مجلس)؛ فيقال مجلس الشيخ الفلاني، وفي موريتانيا والسنغال يسمى بـ(المحضر).
والطريقة المتَّبعة في التدريس في هذه المرحلة هي: أن تُفتح الدراسة بالبسملة والصلاة على النبي، وأول درس يدرّس هو تفسير القرآن الكريم، والتفسير المعتمد هو تفسير الجلالين، فإن كان هناك مجموعة كثيرة من تلاميذ التفسير، فإنهم يقسمون على مجموعتين أو ثلاثة، فمن سورة الناس إلى (يس) مجموعة، ومنها إلى (كهيعص) مجموعة، ومنها إلى سورة (البقرة) مجموعة.
غير أن المشايخ يُفضّلون، مهما كثر عدد التلاميذ، أن يكونوا مجموعة واحدة، وهنا لا بد من رئيس الجلسة الذي يقود المجلس، ويقرأ للشيخ، ويسأل الشيخ نيابةً عن الطلاب.
أما التوحيد: فيقول عمر محمد صالح:” فالتوحيد عِلْم قائم بذاته، غير أنه من المألوف عادة أن يبدأ التلميذ في دراسته للتوحيد بقراءة مقدمة (منظومة ابن عاشر)؛ لتتكون لديه كمية ابتدائية جيدة من علم التوحيد، ثم بعد حين من الزمن -حسب البرنامج- يدرس الكتب المختصة لعلم التوحيد، مثل جوهرة التوحيد، إيضاح الجنة، رسالة التوحيد… إلخ“([19]).
هذا ما ذكره، أما أنا فقد رأيت عندنا في غاوو أن الطلبة يبدؤون في علم التوحيد بالأصول الثلاثة، ثم كشف الشبهات، فكتاب التوحيد، وفتح المجيد، والعقيدة الواسطية، والعقيدة الطحاوية.. إلى ما هنالك من كتب التوحيد([20]). بدليل أن الطالب عندما يريد دراسة كتاب ما، الشيخ هو الذي يدلّه على الكتاب الذي ينبغي أن يطلبه ويناسب مستواه، فكانوا يرشدونهم إلى الابتداء بهذه الكتب في علم التوحيد.
وفي الفقه يعتمدون على فقه المالكية وهي الأغلب: فيبدؤون بالكتب القليلة الحجم المتعلقة بأحكام العبادات، مثل الأخضري، والعشماوي، والمقدمة العزية للجماعة الأزهرية، وهذه تُعْنَى بالطهارة والصلاة، والصوم وما يتعلق بها، ثم مصباح السالكين منظومة فقهية على المذهب المالكية، ثم الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، جواهر الإكليل المشتهر بـ(الخليل)، بجزأيه الأول والثاني، وهذا الكتاب عميق جدًّا، وليس من السهل فَهْم مباحثه؛ لذلك تُدرس في شيء من الدقة والعناية والتأني. ويُعتبر مَن قرأه وفهمه قد بلغ القمة من علم الفقه.
وفي الحديث: يكون الاعتماد على الأربعين النووية، بغية كل مسلم من صحيح الإمام مسلم، وبلوغ المرام، وموطأ الإمام مالك، ورياض الصالحين، ثم يرتقي إلى أمهات الكتب السبعة.
وفي اللغة والأدب: نجد أن من الكتب المقررة: مقصور ابن دريد، ونيل الأماني المشتهر بـ(الدالية)، والعشرينيات، والعشريات، والسبع الطوال من مختارات شعر الشعراء الجاهلية، واشتهر بينهم بـ(ستة الشعراء الجاهلية)، وإن كانوا أكثر من ذلك. وكذلك المقامات الحريرية، وبديع الزمان الهمزاني، و”الطالب بعد هذه الخطوات، يكون قد اقتنى كنزًا عظيمًا من المفردات، واطلع على جزءٍ مهمّ من الأدب العربيّ، وحصل على مبادئ جيدة تَسْمح له بالاعتماد على نفسه للمطالعة معتمدًا على ما لديه من قاعدة لغوية وأدبية”([21]).
وفي النحو، فالكتب المعتمدة هي: متن الأجرومية، ومُلْحة الإعراب، وقطر الندى وبل الصدى، وشذور الذهب في معرفة كلام العرب، ثم ألفية ابن مالك، وهو القمة في الدراسة النحوية، والشروح المعتمدة عليه هي: ابن عقيل، والأشموني، والمكدوني، وأوضح المسالك.
وقد أشار عمر محمد صالح إلى نقطة مهمة؛ وهي أنه ليس الشيخ وحده هو الذي يقوم بتدريس التلاميذ؛ لأنهم قد يفوقون المئات، وعلى هذا فلا بد من مساعدة بعض كبار تلاميذه، فكثير من الطلبة المبتدئين ربما يمكث عند الشيخ سنة أو سنتين بدون أن يدرس على يد الشيخ كتابًا واحدًا من غلاف إلى غلاف، وإنما يتولى أمرهم الطلاب الكبار، بعد إذن من الشيخ، إلا أنه في درسه الأول من الكتاب لا بد أن يفتتحه عند الشيخ، وكذلك الدرس الأخير من الكتاب، ليعترف له الشيخ بالتلميذية، وإذا ارتقى مستواه يبدأ في التلقي من الشيخ مباشرة آن ذلك.. وهكذا.
إيجابيات وسلبيات الدراسة الكُتَّابيَّة:
إن لكل شيء إيجابيات وسلبيات، وخاصة الدراسة التي هي سلاح ذو حدين يبني ويخرب، إلا إذا وقع في أيدي مَن يراعيه أحسن الرعاية، ويستعملها فيما يكون لصلاح البشرية، ولا يرضى له التفلُّت من حبال القوانين الكونية التي وُضِعَتْ لمصالح الإنسانية. ووجود الإيجابيات أو السلبيات في الدراسة الكُتّابية أمرٌ مُسَلَّمٌ به، وهو شيء طبيعي؛ لأنه يرجع إلى طبيعة الإنسان الذي لا يمكن أن يكون كاملاً؛ فالكمال حقّ لله -سبحانه وتعالى-. علاوة على ذلك فإن المدارس الكُتّابية لها إيجابيات وسلبيات:
ومن إيجابياتها:
1- احترام المُعَلِّم وتقديره تقديرًا وافيًا، والخضوع التام له في كل أوامره، وخدمته طيلة الدراسة.
2- الاستعانة بالله والدعاء بالموافقة والفهم في بداية كل درس، وهذه الاستعانة والدعاء له أهميته في أعمال البشر.
3- الفهم والاستيعاب الدقيق للدرس الذي يلقيه المعلم، وإن كان قليلاً؛ بحيث إنه لا يتجاوز فصلاً أو بابًا إلاّ بعد فَهْمه جيدًا.
4- الاعتناء بالتربية والالتزام بالأخلاق المثلى، وتجنُّب كلّ ما يُخِلّ بالمروءة فضلاً عن المعاصي.
5- احترام الكتب والاعتناء بها.
ولقد أثبتت التجارب التربوية أن الطالب الذي مرَّ بمرحلة الكتاتيب، ثم دخل في المدارس النظامية، لا توجد مقارنة بينه وبين الذي بدأ مباشرة بالمدرسة النظامية؛ من حيث الجد والمثابرة على طلب العلم، وكذلك الفهم والاستيعاب الفائق، وحتى من حيث التخلق بالآداب الحسنة.
وأما من الجانب السلبي فنلاحظ ما يلي:
1- حرمان الطلاب من حُرّية المشاركة في المناقشة في المجلس، فلا حركة، ولا نشاط فصوت المُعَلِّم هو المسموع والمطاع.
2- يركز المدرس على المعلومات فقطـ، وينسى شخصية التلميذ من الناحية الجسمية والوجدانية.
3- الاتكال والاعتماد التامّ على المدرس فقط؛ بحيث لا يتعداه إلى غيره، وهذا مما يجعل أفق الطالب محدودًا وضيقًا.
4- الالتزام بالوجه الواحد في المسار دون الاعتراف والاستفادة من الوجهات الأخرى.
5- طول المكث في التعلُّم وقلة المحصول العلمي، مما يجعل بعضهم يضيّع عمره في تعليم شيء قليل مع أن المجتمع بحاجة إليه.
6- ضيق الأفق وقلة الثقافة وعدم تطوير كيفية التعليم حسب متطلبات العصر.
7- التقليد الأعمى للمعلم وإن كان على باطل.
8- التظاهر بالتزهد في بعض الأحيان، مما يجلب لهم الاحتقار والازدراء عند العامة.
9- استخدام القسوة في التربية عند بعض المعلمين، وهذا مما ينفّر بعض الناس عن التعليم.
10- الاعتماد على الخرافات في التربية، والذي يجعل بعضهم يُصدّق هذه الخرافات، ويرفض الحقائق ويتجنّبها أو يكذبها.
فهذه النقاط أردت بها تسليط الضوء على بعض الجوانب السلبية والايجابية، في الدراسة الكُتّابية، وإن كنت لم أستوعبها جميعًا، إلاّ أنه ما لا يُدْرَك جُلّه لا يُتْرَك كلّه.
أبرز تأثيرات الكتاتيب على مجتمع سونغاي:
التأثيرات الثقافية على ثقافة سونغاي:
مع انتشار تعليم اللغة العربية، ومراكزها في المملكة، أصبحت ثقافة سونغاي متأثرة تمامًا بالثقافات العربية الإسلامية من جميع الجوانب الحياتية؛ حيث “إنه يمكن القول بعد انتشار الإسلام على نطاق واسع.. انتشرت المعارف الإسلامية في البلاد وتعمقت المفاهيم الإسلامية في نفوس الشعب”([22]).
ويؤكد لنا هذا التأثير الثقافي، ما ندركه من ظاهرة بينة في الحياة الاجتماعية، وخاصة في العبادات، فنجدهم يلفظون الكلمة العربية نفسها إلا أنه حدث فيها تغيير طفيف أوجبته اللغة المتأثِّرة.
فمثلاً هذا جدول لأسماء الأوقات، وغيرها من الكلمات الأخرى في الجوانب الأخرى
الكلمة العربية |
مقابلها في لغة سونغاي |
كيفية نطقها |
الظهر(في العربية يعتبر وقت الصلاة الأولى)، ويسمى الأولى |
ألُولَى (الأولى) |
A lloula |
العصر |
ألاَصَرُو |
A llassaro |
المغرب |
المَارُو |
Al maro |
العشاء |
السَّافُو |
As safo |
الفجر |
الفَجرُو |
Al fajaro |
الركعة |
الرّكَهْ |
Ar raka |
السجدة |
سُجُدَيَنْ |
Soujoudou |
السجود القبلية، والبعدية |
سُجُدُ قبلا، اندا سجد بادا |
soujoudou BA da inda soujoudou kabla |
الوقت |
الواتُو |
Al wato |
الصباح |
صُبَاحُو |
Soubaho |
الرُّبْعُ |
أَربِي |
A rabi |
الظهر، أو الزوال |
زَارُو |
Zaaro |
وفي أيام الأسبوعية:
اسم اليوم بالعربية |
اسم اليوم بلغة سونغاي |
كيفية نطقها |
السبت |
أَشبْتُو |
Ashouto |
الأحد |
الهَدُو |
Al hado |
الاثنين |
أتِنْنُو |
Atinno |
الثلاثاء |
أَلتَلاتَى |
Atllata |
الأربعاء |
ألَرْبَا |
Alarba |
الخميس |
الهميسَ |
Alhamissa |
الجمعة |
ألزُلْمَا، أو(جمة) |
Alzoumaأو joumma |
وفي الجانب الديني[23]:
الكلمة العربية |
مقابلها في سونغاي |
كيفية نطقها |
الإسلام |
ألْشِلامَتَرَيْ |
Al shilamatray |
الإيمان |
إِمَانُتَرَيْ |
Al imanoutaray |
النبيّ |
نَبِيَمَّا |
nabiyammaa |
الوضوء |
ألْوَلَى |
alwala |
التيمم |
تِمَمْيًا |
Temamyan |
التوبة |
تُوبِيًا |
Toobiyan |
أشرك |
أَشِرْكِي |
A shirki |
صلى على |
أَنَسَلِّدَمْ |
anassalidam |
شاور |
أَشَاوَرْ |
ashaawar |
وعظ |
أَوَازُ |
awazou |
زكى |
أَزَكَّى |
azkka |
وفي المجال الثقافي:
الكلمة العربية |
مقابلها في سونغاي |
كيفية النطق |
قلم |
كَلَمْ |
kalam |
الأدب |
ألَدَبْ |
aladab |
السياسة |
ألْكَيَاسَه |
Alkiaasa |
القاضي |
أَلْكَالِي |
Alkali |
الأمير |
أَمِيرُو |
Amiro |
تاريخ |
تَارِكْ |
tariq |
لوحة |
وَلْحَهْ |
walha |
وفي المجال الاجتماعي
العيال |
ألاَيَنْ |
Alaayane |
العادة |
أَلاَدَهْ |
alaada |
الجماعة |
أَلْجَمَى |
Al jama |
اليتيم |
أَلتمْ |
Alitim |
الوصية |
وسيُو |
wasiyyo |
الأمانة |
أَمَانَة |
amana |
المنكر |
أَلْمُنْكَر |
almonkar |
إصلاح |
مسَلْهَى |
moussalha |
العافية |
أَلَافَيَه |
alaafiya |
العمر |
أَلُومُرْ |
aloomoe |
وفي المجال الاقتصادي:
الكلمة العربية |
مقابلتها في سونغاي |
كيفية النطق |
الرزق |
أرزكه |
arzaka |
المال |
أَلْمَنْ |
almanne |
اللؤلؤ |
لُولُو |
lolou |
البركة |
ألْبرْكَهْ |
Albarqa |
البصل |
ألْبشَرْ |
Albasher |
صابون |
سَافُنْ |
Saafone |
مد النبي |
مدنبي |
Modinnabi |
الصاع |
سَاوَلْ |
saawal |
وهذه نماذج قليلة من الألفاظ الكثيرة التي تأثرت بها ثقافة سونغاي من الثقافة العربية نتيجة هذا التعليم الكُتّابي، وانتشار اللغة العربية والحضارة الإسلامية بين المجتمع. يقول الدكتور عبدالفتاح المقلد غنيمي: “ولقد تركت اللغة العربية أثرها المباشر في اللغات المحلية مثل لغة الهوسا والفولاني وسنغاي، ولا تزال إلى اليوم آلاف الكلمات العربية مستخدمةً في شتَّى مظاهر الحياة الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولقد كان انتشار اللغة العربية على نطاق واسع بسبب دخول المعارف الإسلامية إلى سنغاي وقيامها بدورٍ فعَّالٍ في ميدان الثقافة العربية الإسلامية”([24]).
خاتمة:
فهذا العمل قمتُ به سدًّا لفراغ في جهود مَن سبقني من الباحثين في هذا المجال، ولا أدَّعي أنني استوفيتُ له كلّ ما يستحق من العناية والمتابعة التامة، إلا أنني أفرغت فيه جهدي قدر الاستطاعة، وحسبما سنحت لي الفرصة والظروف، فتوصلت من خلالها إلى خلاصة مفادها:
– قبيلة سونغاي من أصول إفريقية، تقع ما بين مالي والنيجر، حاليًا على امتداد نهر النيجر. ومملكتها مرَّت بثلاث مراحل، حكمت فيها ثلاث أُسَر؛ مرحلة حكم أسرة (زا)، ومرحلة حكم أسرة (سني)، ثم مرحلة حكم أسرة (أسكيا).
– الإسلام دخل هذه البلاد في وقتٍ مبكّر، واعتنقته الرعاة العامة قبل الملوك، في السنة 1009م، وكان للغة العربية مكانتها المرموقة لدى مجتمع سونغاي.
– اهتم مجتمع سونغاي بدراسة القرآن الكريم؛ لمحاولة فَهْم الدين، وذلك عن طريق الكتاتيب المنتشرة في الدولة، فنتجت عن ذلك حضارة مزدهرة وثقافة غلبت على ثقافة سونغاي الوثنية، وتأثرت تمام التأثر بالثقافة العربية الإسلامية من جميع نواحي الحياة: السياسية، والاجتماعية، والدينية، وغير ذلك.
– الكمال الخالي من كل عيب من خصوصية الباري -جل وعلا-، ومن ذلك تبين لي أن الدراسة بطريقة الكُتّابية، وإن كانت لها إيجابياتها إلا أنها لا تَعدم من سلبيات تنبغي الإشارة إليها؛ لنتبينها، ونحاول تقويمها بما هو أحسن وأجود.
– وإن كنت قد أدركت أن هذه الطريقة لم تَعُدْ صالحة في هذه العصور المتأخرة؛ لما طرأ عليها من اتخاذها سبلاً للاسترزاق والتكسُّب؛ حيث تجد في أغلب الأحايين الآن الأولاد يقضون جُلّ أعمارهم عند المُعَلِّم دون تحصيل شيء من القراءة فضلاً عن العلم، إلا التسوُّل الذي يقومون به خدمةً للمعلم، إضافةً إلى شدة العقاب الموجّه لهؤلاء الأولاد الصغار، وإرهاقهم بالأعمال الشاقَّة مما لا طاقة لهم عليها.
– وهذه من الأسباب التي جعلت بعض الناس يرفضون إرسال أبنائهم إلى الكتاتيب، ويفضّلون المدارس الحكومية، أو المدارس النظامية العربية. وأحسب أن العلاج المناسب لهذه القضية هو الاعتناء بهؤلاء العلماء كما كان معروفًا عند الملوك القدماء، وأن يُضْمَن لهم حياتهم المعيشية؛ حتى يتفرغوا لتعليم أبناء المسلمين؛ لأن دورهم في المجتمع لا ينبغي أن تغمض عنه العين.
فلا حياة لأمة بدون عِلْم، ولا عِلْم بدون عالِمٍ، ولا عالِم ما لم تطمئن نفسه على قُوت يومه. هذا، والحمد لله رب العالمين.
______________________
المصادر والمراجع:
باري، محمد فاضل، وسعيد إبراهيم كريدية: المسلمون في غرب إفريقيا: تاريخ وحضارة، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان.
الدالي، الهادي المبروك: التاريخ السياسي والاقتصادي لإفريقيا فيما وراء الصحراء، من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية القرن الثامن عشر. الدار المصرية اللبنانية.
السائح، الحسن: الحضارة الإسلامية في المغرب، ط2. دار الثقافة للنشر والتوزيع.
سويد، عبد الله: إفريقيا اللغة والتاريخ مجموعة أبحاث لسانية، ط1. اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام، 2007م. طرابلس – ليبيا.
الغربي، محمد، ونعيم قداح: حضارة الإسلام وحضارة أوروبا في إفريقيا الغربية، ط2، الجزائر، 1975م. ص: 514.
الغنيمي، عبد الفتاح مقلد: حركة المدّ الإسلامي في غرب إفريقيا، مكتبة نهضة الشرق، جامعة القاهرة. مصر.
الفارسي، الحسن بن محمد: وصف إفريقيا، ترجمة: محمد حجي، ومحمد الأخضر. ط2. دار الغرب الإسلامي.
الفلاني، عمر محمد صالح: الثقافة العربية الإسلامية في الغرب الإفريقي، ط1، مؤسس الرسالة. بيروت – لبنان. ص: 92.
كي ـ زيربو، جوزيف: تاريخ إفريقيا السوداء. ترجمة: يوسف شلب الشام، منشورات وزارة الثقافة، في الجمهورية العربية السورية – دمشق، 1994م.
محمود، حسن أحمد: الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا، دار الفكر العربي القاهرة. د.ت.
جمال عبد الهادي محمد، ووفاء محمد رفعت: أخطاء يجب أن تُصحّح في التاريخ: إفريقيا يُرَاد لها أن تموت جوعًا، ط3، 1991م. دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، مصر.
منصور، فاي: أسكا الحاج محمد وإحياء دولة السنغهاي الإسلامية، ط1 منشورات كلية الدعوة الإسلامية الجماهيرية العظمى، طرابلس: 1997م.
المهدي، هارون: امبراطورية سونغاي: دراسة تحليلية في الترتيب التاريخي للإمبراطوريات الإسلامية في غرب إفريقيا. مجلة دراسات إفريقية، بالسودان، العدد 37، يونيو، 2007م.
-[1] ينظر: المهدي، هارون: إمبراطورية سونغاي: دراسة تحليلية في الترتيب التاريخي للإمبراطوريات الإسلامية في غرب إفريقيا. مجلة دراسات إفريقية، بالسودان، العدد 37، يونيو، 2007م، ص 114.
[2]– منصور، فاي: أسكا الحاج محمد، إحياء دولة السنغهاي الإسلامية، ط1 منشورات كلية الدعوة الإسلامية الجماهيرية العظمى، طرابلس: 1997م. ص: 22.
[3]– سويد، عبد الله: إفريقيا اللغة والتاريخ مجموعة أبحاث لسانية، ط1. اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام، 2007م. طرابلس- ليبيا، ص: 240.
[4]– الغنيمي، عبد الفتاح مقلد: حركة المد الإسلامي في غرب إفريقيا، مكتبة نهضة الشرق، جامعة القاهرة. مصر. ص: .117. وينظر: باري، محمد فاضل، وسعيد إبراهيم كريدية: المسلمون في غرب إفريقيا: تاريخ وحضارة، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان. ص 125.
[5]– الفلاني، عمر محمد صالح: الثقافة العربية الإسلامية في الغرب الإفريقي، ط1، مؤسسة الرسالة. بيروت – لبنان. ص: 92.
[6]– جمال عبد الهادي محمد، ووفاء محمد رفعت جمعة: أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ: إفريقيا يراد لها أن تموت جوعًا، ط3، 1991م. دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة- مصر. ص: 28.
[7]– الغنيمي، عبد الفتاح مقلد: حركة المد الإسلامي في غرب إفريقيا، مرجع سابق، ص: 117.
[8]– سويد، عبد الله: إفريقيا اللغة والتاريخ مجموعة أبحاث لسانية، مرجع سابق، ص: 242. وينظر: منصور، فاي: أسكا الحاج محمد وإحياء دولة السنغهاي الإسلامية، ص: 73.
[9]– كي ـ زيربو، جوزيف: تاريخ إفريقيا السوداء. ترجمة: يوسف شلب الشام، منشورات وزارة الثقافة، في الجمهورية العربية السورية – دمشق1994م، ص: 235.
[10]– منطقة فار هذه تفع عند الجنوبي الغربي لبلاد السونغاي.
[11]– منصور، فاي: أسكا الحاج محمد وإحياء دولة السنغهاي الإسلامية، ص: 197- 198.
[12]– منصور، فاي: أسكا الحاج محمد، المرجع نفسه، ص: 199.
[13]– منصور، فاي: أسكا الحاج محمد وإحياء دولة السنغهاي الإسلامية، مرجع سابق، ص: 200.
[14]– منصور، فاي: أسكا الحاج محمد.. المرجع نفسه، ص: 202.
[15]– الغربي، محمد، ونعيم قداح: حضارة الإسلام وحضارة أوروبا في إفريقيا الغربية، ط2، الجزائر، 1975م، ص: 514.
[16]– الغنيمي، عبد الفتاح مقلد: حركة المد الإسلامي في غرب إفريقيا، مرجع سابق، ص: 118.
-[17] هكذا درست، وكان منتشرًا بين الدارسين في الكتاتيب ويعرف بـ( دُدَلْ).
[18]– ينظر: السائح، الحسن: الحضارة الإسلامية في المغرب، ص:179. بتصرف.
[19]– الفلاني، عمر محمد صالح: الثقافة العربية الإسلامية في الغرب الإفريقي. مرجع سابق، ص:96.
[20]– هذا رأي استفدته من ملاحظاتي، ومن استفتاء بعض الإخوة في المنطقة.
[21]– الفلاني، عمر محمد صالح: الثقافة العربية الإسلامية في الغرب الإفريقي، مرجع سابق، ص:99.
[22]– الغنيمي، عبد الفتاح مقلد: حركة المد الإسلامي في غرب إفريقيا، مرجع سابق، ص: 116.
[23]– سويد، عبد الله: إفريقيا اللغة والتاريخ مجموعة أبحاث لسانية، مرجع سابق، ص: 263-265.
[24]– الغنيمي، عبد الفتاح مقلد: حركة المد الإسلامي في غرب إفريقيا، مرجع سابق، ص: 117.