زينب مصطفى رويحه
باحثة ماجستير بكلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة
ظهر مصطلح المُجْتَمَع المَدَنِيّ في العقود الأخيرة للتعبير عن واحدة من الظواهر التي أفرزتها التفاعلات في الواقع السياسي لمختلف المُجْتَمَعات؛ بحيث صارت مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ حقيقة لا تنفصل عن الصورة الشاملة لأيّ مُجْتَمَع، وبات من الواضح أن وجودها ضرورةٌ للحفاظ على التوزان بين السلطة الحاكمة والأفراد، وعلى ذلك اختلفت أشكال المُجْتَمَع المَدَنِيّ بصورتها المؤسَّسيَّة، وأهدافها؛ وفقًا لطبيعة كُلّ مُجْتَمَع وأولويات أفراده.
تعريف المُجْتَمَع المَدَنِيّ:
وفقًا للأدبيات التي تعرضت لمصطلح المُجْتَمَع المَدَنِيّ، يمكن حَصر تعريفه في كافة الكيانات الفاعلة غير الحُكُومِيَّة التي تسعى إلى تحقيق أهداف مُجْتَمَعِيَّة، وهي بذلك تختلف عن المُنَظَّمَات الهادفة للربح من حيث الهدف والدور والآليّات، على سبيل المثال، المُنَظَّمَات المعنية بالتنمية، والجمعيات الخيرية، وجمعيات حقوق الإنسان، والمُنَظَّمَات النسائية والدينية، والجمعيات المهنية، والنقابات غير الحُكُومِيَّة، والحركات الاجتماعية، والائتلافات، ومجموعات الدعوة. والجمعيات النسائية التي تُعْنَى بقضايا المرأة.
يمثل المُجْتَمَع المَدَنِيّ الأدوات غير الرسمية التي يعتمد عليها الأفراد في تحقيق مطالبهم، وبالتالي فهي تشكّل المجال الذي يمكن للمواطنين فيه التعبير عن رغباتهم، والاستقواء به باعتبارها بمثابة حلقة وصل بين الجماهير والحكومة، كما أنه من الضروري أن تتَّسق سياسات وقيم هذه المُنَظَّمَات مع ثقافة كلّ مُجْتَمَع، وبالتالي فإن توجُّهات تلك المُنَظَّمَات تختلف من مُجْتَمَع لآخر، ويتوقف ذلك على مدى انفتاح المجال العام، والثقافة السياسية للأفراد وللسلطة الحاكمة، ومدى إيمانها بضرورة وجود مُجْتَمَع مدنيّ قويّ؛ باعتباره شريكًا ولاعبًا رئيسيًّا في أيّ مُجْتَمَع.
وبذلك فإن كيانات المُجْتَمَع المَدَنِيّ تغطي قطاعات عديدة تبعًا لأهدافها التي قد تكون تحقيق التنمية، الدفاع عن فئة معينة، مُناصَرة لحقوق المهمَّشين، نشر أفكار ثقافية أو دينية، الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، مكافحة الفساد، الدفاع عن قضايا خاصة بالبيئة أو المناخ، وغيرها.
العلاقة مع المُؤَسَّسَات الحُكُومِيَّة:
أحيانًا يتعاون المُجْتَمَع المَدَنِيّ مع الجهات الحُكُومِيَّة لخدمة أهداف ذات مصلحة مشتركة؛ مثل التعاون في ملف اللاجئين والهجرة، ومراقبة الفساد. كما أن المُجْتَمَع المَدَنِيّ قد يكافح لأجل فتح مساحات حريَّة كافية للأفراد في مُجْتَمَعاتٍ تعاني من ضيق المجال العام، وأيضًا في قضايا الديمقراطية والحريات، وهنا يدخل في سجالات طويلة مع السلطات؛ حيث يبذل مجهودًا طائلاً بهدف تحقيق مُجْتَمَع منبسط ديمقراطيًّا، يؤمن قادته بحرية التعبير، يدلل على ذلك مشاركته كطرف على طاولة المفاوضات في الفترات الانتقالية. على الجانب الآخر، هناك عدد من مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ ترفض التعاون مع الحكومة؛ حيث تنظر إليها باعتبارها أحد المعوقات التي تقيد حركتها في مسيرتها التنموية.
طبيعة المُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا:
بالاطلاع على خصوصية الحالة في إفريقيا، فهي مُجْتَمَعات عانت طويلاً من الحكم الاستعماري، وهو ما قيَّد حرية الحركة لدى المجال العام في معظم الدول الإفريقية، فكان المطلب الشعبي الأول هو التحرر من الاستعمار، وقامت عددٌ من المُنَظَّمَات بجهود مُجْتَمَعِيَّة بالتعاون مع حركات شعبية للمشاركة في عملية التحرير، وهو ما أفسح المجال لهذه المُنَظَّمَات لإظهار أهمية دورها في المشاركة كمُكوّن رئيسي في أيّ مُجْتَمَع، وعليه تداخل دور مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ مع دور الأحزاب في تغيير الواقع السياسي.
مع بدء موجة التحولات الديمقراطية في أواخر الثمانينيات، بدأ مصطلح “المُجْتَمَع المَدَنِيّ” ينتشر في إفريقيا، وتمّ الاعتراف بدوره في نزع السلاح، وتنظيم الانتخابات في تقرير البنك الدولي عام 1989م، وأكّد إجماع واشنطن 1989م على الدور السياسي للمُجْتَمَعات المَدَنِيَّة الإفريقية على أنها مُحرّك التحوُّل إلى الديمقراطية بالتعاون مع الأحزاب السياسية[i].
بعد أن دارت موجة الاستقلال بالقارة، لم تساعد الأوضاع السياسية والأمنية على تكوين تجربة سياسية مستقرة؛ حيث تمسكت العديد من الأنظمة الحاكمة بنظام الحزب الواحد، ولم تلتزم بالإجراء المنتظم للانتخابات في دورتها المحددة، وهو ما قوَّض نشاط الحراك السياسي، كما عملت الحكومات على الإضعاف من قوة العمل السياسي والحركات الاجتماعية خوفًا من أن تهدد وجودها، لذلك كانت مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا في حالة شديدة من الخصوصية، بحيث تَشكَّلت الخطوط العريضة للأهداف التي تضطلع بها هذه الجماعات كالآتي[ii]:
1- الوصول إلى المُجْتَمَعات المحلية المختلفة، ومحاولة إيجاد حلول للمشكلات التي يتعرض لها، ويمثل مشروع “صوت المواطن في الحكم”، في مقاطعة كينيا الساحلية، مُنَظَّمَة فاعلة بالتعاون مع الجهات الحُكُومِيَّة لتطوير البرامج ووضع الحلول المعنية بإحلال التنمية في المحليات، وهو يتعاون مع 280 مُنَظَّمَة مُجْتَمَعِيَّة.
2- قد تُعْنَى بعض المُنَظَّمَات بتحقيق مناخ سياسي إيجابي، والمشاركة والدفع في عملية الإصلاح السياسي، وهنا قد يتداخل دورها مع دور الأحزاب السياسية، مثل Y’en a Marre (لقد كان لدينا ما يكفي) في السنغال، وLe Balai Citoyen (مكنسة المواطن) في بوركينا فاسو، وحركة “الاثنين الأسود” في أوغندا.
3- الرقابة والمساءلة لضمان سير تنفيذ قوانين السلطة التشريعية وقرارات الحكومة والحفاظ على القيم الدستورية، وهذا يعزّز من ثقة الجماهير في الحكومة، مثل ما حدث في عام 2013م، حينما تبنَّت مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ مطالب المواطنين الكينيين لمنع زيادة رواتب وبدلات أعضاء البرلمان، أيضًا في جمهورية الكونغو عام 2003م، قاد الأساقفة الكاثوليك حملة لمحاصَرَة الفساد في قطاع النفط بالتعاون مع مجموعة من المُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة الأعضاء في الائتلاف الوطني.
4- كان للنساء مشاركة فعَّالة في مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ المعنيَّة بحلّ النزاعات، مثل “مُنَظَّمَة العمل النسائي الليبيريّ من أجل السلام” في ليبيريا؛ حيث قامت حركة سلام ليبيرية بقيادة “ليما غبوي” في 2003م لإجبار أمراء الحرب الليبيريين على توقيع اتفاق سلام أنهى 10 سنوات من الحرب الأهلية الدامية بعد شهور من المفاوضات غير المثمرة[iii].
5- العمل من أجل تسريع وتيرة الازدهار الاقتصادي عن طريق الاندماج الإقليمي، والذي كشفه منتدى المُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا 2019م الذي جمع أكثر من 300 مُنَظَّمَة مُجْتَمَع مدني حول إفريقيا ليكون منصة للحوار بين المُجْتَمَع المَدَنِيّ والمصرف الإفريقي للتنمية في القارة للدفاع عن اتفاقية منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، ويظهر ذلك مدى قوة المُجْتَمَع المَدَنِيّ كشريك استراتيجي في تحقيق التنمية الاقتصادية على مستوى الإقليم.
6- تقديم مقترحات وحلول للمشكلات التي تعاني منها المُجْتَمَعات، ومبادرات تنموية، وتنبيه الحكومة إلى بعض الممارسات التي لا تتلاقى مع طموحات المواطنين، وتقديم بدائل فعَّالة، مثل “تحالف (ZLA)” في زامبيا؛ وهو مجموعة من مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ التي كافحت ضد سياسة الأراضي التي اعتمدتها الحكومة، ودعت إلى التوزيع العادل للأراضي، وحماية مصالح المُجْتَمَعات الفقيرة والمجموعات الاجتماعية المهمَّشة.
7- تشارك العديد من مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا مع الحكومات في قضايا التنمية، على سبيل المثال مؤسسـة ابيبيمـان Abibimman))[iv]، وهي تُعْنَى بنشر الـوعي بـالروابط بـين الفقـر وتغير المناخ، وقضايا السلام والتنمية المستدامة، كما تُمثّل مشاركة 60 ممثلاً عن الحكومات الإفريقية ومُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ من جميع أنحاء القارة في مارس 2015م في اجتماع أديس أبابا لوضع آليَّات مكافحة الفساد بشكلٍ مشترك في القارة دليلاً قويًّا على دورها في النهوض بمستوى الشفافية في الدول الإفريقية.
8- أيضًا نظرًا لأن قطاع الصحة العامة بالقارة يحتل مرتبة كبيرة على سُلّم الأولويات؛ فقد نشأت عدد من مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ التي تتعامل مع القضايا الصحية والاجتماعية مثل فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”، والصحة الإنجابية، وحقوق المرأة. وهي تعاون مع المُنَظَّمَات الدولية مثل الأمم المتحدة. مثل في الكاميرون جمعية ““Impact Santé Afrique المعنية بمكافحة الإيدز.
9- بعض المُنَظَّمَات التي تختص بتقديم الدعم اللازم المالي والفني للمُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة، مثل برنامج إفريقيا في مركز المشروعات الدولية الخاصة (CIPE).
10- هناك بعض المُنَظَّمَات المعنيَّة بالثقافة والقِيَم والحفاظ على الإرث الحضاري؛ مثل في مالي رابطة (Association Internationale des Jeunes Francophones).
11- في بعض الحالات الاستثنائية، تتكون ائتلافات من جماعات دينية غير حُكُومِيَّة لتحقيق هدفٍ ما، وقد حقَّق المجلس الوطني لكنائس كينيا (NCCK) مساهمات كبيرة في تحقيق الديمقراطية.
ويمكن التعرف على دور مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ الفعَّالة من خلال نماذج مختلفة في إفريقيا مثل:
جنوب إفريقيا:
بالنظر إلى واقع المُجْتَمَع في جنوب إفريقيا، نجد أنها عانت طويلاً من الحكم الاستعماري الذي رسَّخ إجراءات الفصل العنصري، وانتهاكات حقوق الإنسان، وكان إصدار قانون الأراضي في عام 1913م أحد مخرجاته التمييزية التي حرمت المواطنين من أراضيهم. بالإضافة إلى أن مُجْتَمَع جنوب إفريقيا مُجْتَمَع منقسم يتَّسم بالصراعات والنزاعات. ووفقًا لذلك وقع عبء تغيير هذا الواقع على عاتق مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في الكفاح من أجل الاستقلال ضد حكومة الفصل العنصري وتحدِّي سياسات وممارسات الدولة المتمثلة في التمييز والقمع والسياسات المناهضة للديمقراطية إلى جانب مكافحة الفساد، وبالتعاون مع نقابات العمَّال وحركات الطلاب والجماعات الدينية بدأت الإضرابات، وعقد العديد من الاجتماعات العامة التي تغطّي تقريبًا جميع أنحاء جنوب إفريقيا لتوعية المواطنين بالدستور، والتشاور مع الجمهور حول عملية تغيير ما خلفه الاستعمار من آثار قمعية، كما قامت بدور إشرافي على المُؤَسَّسَات الديمقراطيَّة ومراقبة حقوق الإنسان.
كما واجهت هذه المُنَظَّمَات اتهامات عديدة وتهديدات بالحظر من أفراد داخل الحكومة، وقُتل عدد من نشطاء المُجْتَمَع المَدَنِيّ أثناء قتالهم من أجل إقرار حقوق المواطنين، وتعرضت لضغوط تتمثل في سحب التمويل والدعم والعقود الحُكُومِيَّة، بسبب عدم انتهاجها لسياسات تتسق مع طموحات الحكومة.
لعب المُجْتَمَع المَدَنِيّ دورًا كبيرًا في إحداث التغيير السياسي والانتقال من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية؛ حيث استطاعت جماعات المُجْتَمَع المَدَنِيّ إجبار بعض الرؤساء على الخروج من السلطة. من ضمنهم الرئيس “جاكوب زوما”؛ حيث بالتعاون مع حشود المعارضة من منتقدي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ساقت مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ زوما إلى المحاكم على خلفية حوادث الفساد المتعددة والتلاعب بمُؤَسَّسَات الدولة لتحقيق مكاسب خاصة، ومنعته من تمرير الحكم لزوجته نكوسازانا دلاميني. كما قادت تحدّي قانوني في عام 2017م لمنع الحكومة التي يقودها زوما من تنفيذ صفقة نووية مع روسيا التي كانت تعني أعباء كارثية على الاقتصاد.
وفي تطوير الوضع في ملف السكن والصحة والغذاء، قدم مركز الموارد القانونية (LRC) عام 2000م، ومجموعة من مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في إطار قضية Grootboom، التماسات للحكومة لتوفير الإسكان “للأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى الأرض”، وعلى إثر ذلك أكدت المحكمة الدستورية واجبات حكومة جنوب إفريقيا بشأن الوفاء بحق السكن اللائق المنصوص عليه في الدستور[v].
أيضًا حشدت المعارضة من جانب المُجْتَمَع المَدَنِيّ جهودًا طويلة ضد رئيس جنوب إفريقيا السابق” ثابو مبيكي” لرفضه إتاحة علاج فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” في المستشفيات العامة، وانفراده بصنع القرار وتهميش دور المعارضة.
ومن أمثلة المُؤَسَّسَات الداعمة للديمقراطية الدستورية: “هيئة حقوق الإنسان جنوب إفريقيا”؛ وهي تضطلع بمهمة تقديم تقارير سنوية إلى البرلمان بشأن الخطوات التي اتخذتها كل إدارة حُكُومِيَّة تجاه أعمال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
ويرجى الإشارة إلى أن التعاون بين المُجْتَمَع المَدَنِيّ والحكومة أحد الدعائم المركزية للجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستهدفة؛ مثل المنتدى الوطني لمكافحة الفساد “NACF” في 2001م بمشاركة المُجْتَمَع المَدَنِيّ وقطاع الأعمال والحكومة بشأن تبادل المعلومات وتقديم المشورة من أجل مكافحة الفساد. تبنَّى المنتدى فيما بعد استراتيجية شاملة للخدمة العامة لمكافحة الفساد تُلْزِم الحكومة بتعقُّب الفاسدين داخل الخدمة العامة. تمّ بعد ذلك عقد المزيد من مؤتمرات قمة مكافحة الفساد في عامي 2005م و[vi]2008م، وفي يناير 2012م، أطلق قادة المُجْتَمَع والنقابيون وموظفو الخدمة المَدَنِيّة برنامج “Corruption Watch”، لردع الفساد وهي تعتمد على الجمهور للإبلاغ عن ممارسات غير قانونية، وتستخدم هذه التقارير كمصدر للمعلومات لمحاربة الفساد ومحاسبة القادة. ونتيجة لتلك الجهود انتقلت البلاد من المرتبة 43 من أصل 179 دولة في عام 2007م في مؤشر مدركات الشفافية الدولية للفساد، إلى المرتبة 73 من أصل 180 دولة في عام 2018م.
تشاد:
تكثر هجمات الجماعات المتطرفة في منطقة بحيرة تشاد استغلالاً للفجوات الأمنية، وارتفاع معدلات الفقر التي يعاني منها سكان المنطقة، وتباطؤ الحكومة في معالجة تلك المشكلات والذي بدوره أدى إلى نزوح ما يزيد عن مليوني شخص إلى مخيمات النازحين، وبالتالي تزايد معدلات البطالة، بالإضافة إلى أن زيادة الجفاف في المنطقة والضغط السكاني أدَّى إلى تكثيف التوترات المرتبطة بالإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، ويعتبر ذلك تحديًّا كبيرًا لمُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ، لمواجهة الخطر الذي تُشكّله هذه الجماعات الإرهابية والتصدّي لوقف هجماتها[vii].
ويُعْنَى عدد كبير من مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في تشاد بالحدّ من عمل الجماعات الإرهابية؛ حيث يوجد 148 مشروعًا يهدف إلى منع الإرهاب ومكافحته في حوض بحيرة تشاد، وتقوم بمبادرات وبرامج تدريبية لتوعية الشباب بخطورة الانضمام للجماعات المتطرفة.
ويمثل مشروع دعم جمعيات المُجْتَمَع المَدَنِيّ (PASOC) انتصارًا واضحًا لمُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ؛ وهو مُمَوَّل من جانب الاتحاد الأوروبي، ومن أبرز أهدافه: المساهمة في جعل جمعيات المُجْتَمَع المَدَنِيّ التشادي شريكًا مسؤولاً في عملية اتخاذ ومتابعة القرارات على الصعيدين المحلي والوطني.
ومن المُنَظَّمَات المعنية بحقوق الإنسان (جمعية تعزيز الحريات الأساسية في تشاد والدفاع عنها، والجمعية التشادية من أجل اللاعنف، والرابطة التشادية لحقوق الإنسان)، ومن المُنَظَّمَات المعنية بالتنمية: وكالة التعاون والبحث في ميدان التنمية (Acord)، ومُنَظَّمَة إنترمون أوكسفام، ومؤسسة الرؤية العالمية، وجمعية دعم مبادرات التنمية المحلية (Assaild)، ويمتلك مركز التدريب من أجل التنمية (CEFOD) بنكًا للمعلومات القانونية، ومن الجمعيات النسائية من أجل تعزيز حقوق النساء والدفاع عنها تُنفّذ الجمعيات النسائية المُجْتَمِعَة في إطار خلية الاتصالات والمعلومات التابعة للجمعيات النسائية (CELIAF) أنشطةً من خلال الحلقات الدراسية، والمشورة التقنية، والبحوث، والحصص الإذاعية بشأن الاتفاقية.
نيجيريا[viii]
في ظل معاناة المُجْتَمَع في نيجيريا من تفاقم المشكلات المرتبطة بالاقتصاد والتنمية، بالإضافة إلى تعرضها لتهديدات من جماعات إرهابية تتّخذها موطئًا لأهدافها، كان هناك حاجة مُلِحَّة لمُجْتَمَع مدنيّ فعَّال، وتمثل شبكة المُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة النيجيرية (NNNGO) أول هيئة عضوية عامة لمُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في نيجيريا، وتأسست في عام 1992م، وتجمع أكثر من 2400 مُنَظَّمَة تهتم بقضايا الفقر والتنمية. كما عملت على دعم الحكومة الفيدرالية في البرنامج الموسَّع للتحصين (EPI)، وبرامج مكافحة تعاطي المخدرات، وفي حملة فيروس نقص المناعة البشرية.
وكان للمُنَظَّمَات المهتمة بالوضع الأمني ومكافحة الإرهاب دورٌ بارزٌ؛ مثل مركز مكافحة الإرهاب ICCT”” وهو مركز مدني نشط منذ عام 2014م في مواجهة الإرهاب وتعبئة المُجْتَمَع للتصدي له، وهو مُمَوَّل مِن قِبَل فرقة العمل المعنية بتنفيذ مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة (CTITF) في إطار مبادرة المساعدة المتكاملة لمكافحة الإرهاب (I-ACT)، ويتم تنفيذها بالتعاون مع مجموعة الأمن الإنساني ومكتب مستشار الأمن القومي (ONSA) في نيجيريا[ix].
ونظرًا للطبيعة الإثنية للمُجْتَمَع النيجيريّ؛ تكونت جمعيات مدنية ترفع مطالب الإثنيات مثل مؤتمر أريوا الشعبي (APC) لحماية مصالح الهوسا المسلمة في شمال نيجيريا. وأيضًا مُنَظَّمَة مؤتمر الشعوب ((OPC، وهي تمثل القومية اليوروبا في نيجيريا، وعنيت بالتمكين السياسي لجماعة اليوروبا.
أوغندا[x]
لعبت مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ دورًا واضحًا في أوغندا في عملية التنمية سواء على مستوى الصحة أو التعليم أو معالجة الفقر، تتضمن أهم هذه المُنَظَّمَات “جمعية وكلاء التغيير” في أوغندا (UCAA)، وACCORD، Deniva، ومنتدى أوغندا الوطني للمُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة، والاتحاد الوطني للمعاقين في أوغندا.
كما عملت بعض المُنَظَّمَات في عملية حماية الحقوق المتأصلة في الدستور والإصلاح السياسي، مثل “حركة الاثنين الأسود”[xi]، وهي تحالف من المُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة المحلية ومُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ، وتمثل انطلاقها منذ نوفمبر 2012م كل يوم اثنين أول من الشهر إلى الشوارع للتنديد بآثار الفساد في أوغندا بعد فضيحة الفساد التي طالت المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء باختلاس حوالي 15 مليون دولار كانت مخصَّصة لمشاريع التنمية في شمال البلاد، أيضًا ما قام به ائتلاف تحالف المواطنين من أجل الديمقراطية الانتخابية في أوغندا (CCEDU) في عملية إصلاح القوانين الانتخابية قبل الانتخابات العامة عام 2016م. كما كرّرت رسالتها إلى الرئيس في يناير 2019م بالدعوة إلى إصلاحات عاجلة في القوانين الانتخابية متركزة على 3 تحديات تسييل الانتخابات والفساد ونزاهة السجل الوطني للناخبين والعنف أثناء الانتخابات.
يعاني المُجْتَمَع الأوغنديّ من ضيق المجال العام، وكثيرًا ما يتمّ التلاعب بالدستور مثل عندما أيدت المحكمة الدستورية التعديل الدستوري الذي يُلْغِي الحد الأدنى للسنّ الرئاسي في يوليو 2018م؛ تمكينًا للرئيس موسيفيني بالبقاء في الحكم لولاية سادسة فيما اعتُبِرَ تحديًا لإرادة الشعب، ولذلك كثيرًا ما تضطهد المُؤَسَّسَات الحُكُومِيَّة المُنَظَّمَات الفاعلة في المجال السياسي؛ على سبيل المثال: عندما علقت اللجنة الانتخابية الأوغندية اعتماد لجنة الحقوق المَدَنِيَّة والسياسية لأنشطتها المتعلقة بمتابعة سير الانتخابات على الرغم من وجود بعض القيود القانونية. وأيضًا عندما فرض قانون إدارة النظام العام 2013م. وهو بدوره يعطي الحق للسلطة بحظر الاجتماعات العامة. كما يحظر قانون المُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة 2016م في المادة 44 على المُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة القيام بأنشطة في أيّ جزء من البلاد ما لم تكن قد حصلت على موافقة لجنة المراقبة غير الحُكُومِيَّة بالمقاطعة (DNMC) والحكومة المحلية في محاولات للتضييق على العمل المَدَنِيّ.
وفي ضوء التعاون مع الحكومة؛ أطلق وزير التربية المَدَنِيّة والثقافة وتنمية المُجْتَمَع “إيفرتون تشيموليرنجي” المبادرة الوطنية للتربية المَدَنِيّة (NICE) في مارس 2019م، بالتعاون مع مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ الألمانية لتشجيع تقديم تعليم مدني وطني وشامل للجميع على نحو يتسم بالكفاءة والفعالية، كما تهدف إلى تعزيز العمليات الديمقراطية والحكم الرشيد من خلال توفير التعليم المَدَنِيّ، والمساهمة في تحقيق انتخابات حرة ونزيهة من خلال توفير التوعية المَدَنِيّة وتوعية الناخبين[xii].
ومن المُنَظَّمَات المهتمة بتحقيق العدالة حول حقوق المرأة في أوغندا: تحالف الأراضي الأوغندي (ULA)، وهي مُنَظَّمَة غير حُكُومِيَّة تأسست في عام 1995م تضم 37 مُنَظَّمَة غير حُكُومِيَّة ومؤسَّسة وطنية ودولية تعمل على الضغط من أجل تمرير قوانين تمليك الأراضي للفقراء، كما يواصل اتحاد المحامين العرب أعمال الضغط والدعوة بشأن ضرورة حصول المرأة على الأرض، وتمثيلها في الهيئات العقارية، ورابطة المحاميات الأوغنديات (FIDA-U) تضم المحاميات الأوغنديات. وتهدف إلى تحقيق احترام القانون وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والإنصاف، أيضًا جمعية القانون الأوغندية، وجمعية العمل من أجل التنمية (ACFODE)، والتحالف الأوغندي للأراضي، والرابطة الوطنية للمرأة في أوغندا (NAWOU)، والمركز الأوغندي للموارد الجنسانية (UGRC).
ويعتبر المنتدى الوطني الأوغندي للمُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة (UNNGOF) مُنَظَّمَة أوغندية غير ربحية تتمثل مهمتها في توفير منصة مشاركة للمُنَظَّمَات غير الحُكُومِيَّة، تم إطلاقه في عام 1997م بهدف تطوير قدرات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في أوغندا، والعمل مع القيادات النسائية، ويعمل حاليًا مع 35 شبكة محلية لها وجود في 61 مقاطعة في أوغندا.
السودان:
كان أول ظهور لمصطلح المُجْتَمَع المَدَنِيّ في السودان أثناء الفترة الاستعمارية؛ حيث نشطت عدد من الجمعيات في منتصف الأربعينيات، وعلى رأسهم مؤتمر الخريجين الذي اهتم برفع الوعي وتنوير الشعب السوداني بحقهم في الحرية والاستقلال، وحمل لواء الكفاح ومكاتبة الحكومة إلى أن استقلت السودان في 1956م، وشارك في مفاوضات ما بعد الاستقلال، بعد ذلك تشكّلت كثيرٌ من مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ العاملة في مجال الحقوق المَدَنِيّة والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جميع أنحاء البلاد.
في خطوة لمحاولة تنظيم عمل مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ وتسجيلها صدر قانون الجمعيات التطوعية في السودان سنة 1957م. ومع تطور الحياة الاجتماعية وتشعّب المجالات اتسعت الحركة التطوعية في البلاد؛ ولكن بحدوث الانقلاب العسكري عام 1989م، وضعت الحكومة قيودًا على عمل مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ، وأوقفت عمل أغلب المُنَظَّمَات والجمعيات المهنية ونقابات العمال والجمعيات والصحف والمجلات.
عانت الحياة المَدَنِيّة طويلاً من انتهاكات نظام “البشير”، وتعددت الاحتجاجات مثل ما حدث في أغسطس 2012م؛ حيث مارست الأجهزة الأمنية أساليب التعذيب والإخفاء القسري ضد المتظاهرين، وعلى إثر ذلك ثارت مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ، وتقدمت 20 مُنَظَّمَة مُجْتَمَع مدنيّ سودانية معنية بحقوق الإنسان مذكرة إلى المفوضية السودانية لحقوق الإنسان حول انتهاكات وتجاوزات الأجهزة الأمنية والعسكرية، وفي أبريل 2015م قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية اتخذت الحكومة مرة أخرى إجراءات صارمة ضد مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ والمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام وأعضاء المعارضة السياسية؛ حيث شنَّت حملات اعتقال شملت 48 ناشطًا، ورفضت السماح لمُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ بمراقبة الانتخابات، وألغت تراخيص بعض المُنَظَّمَات، وأغلقت البعض منها، مثل المنتدى المَدَنِيّ، واتحاد الكتاب السودانيين، ومركز محمود محمد طه. ومع استمرار حملات القمع داهَم جهاز الأمن والمخابرات الوطني مركز التدريب (TRACKs) المعني بالتنمية البشرية في [xiii]2016م.
وفي نهاية عام 2018م، عندما بدأت الاحتجاجات الجماهيرية التي تدعو إلى إنهاء حكم عمر البشير الذي دام 30 عامًا، اشتركت قوى المُجْتَمَع المَدَنِيّ مع المتظاهرين؛ حيث قامت مجموعة واسعة من الائتلافات المَدَنِيّة (قوى إعلان الحرية والتغيير) DFC متكونة من تجمع المهنيين السودانيين، الجبهة الثورية السودانية، تحالف قوى الإجماع الوطني، نداء السودان والتجمع الاتحادي بصياغة إعلان الحرية والتغيير وميثاق الحرية والتغيير الذي دعوا فيه إلى إقالة عمر البشير من السلطة، وقدّموا مطالبهم للمجلس الانتقالي TMC الداعية للانتقال الديمقراطي من خلال الحكم المَدَنِيّ، وفي يوليو 2019م، توصلت TMC وDFC إلى اتفاق سياسي بشأن الإعلان السياسي للفترة الانتقالية. يتضمن الإعلان السياسي ثلاث مُؤَسَّسَات: المجلس السياديّ والحكومة والمجلس التشريعي. وفقًا لنص الاتفاقية، سيتألف المجلس السيادي من 11 عضوًا، من بينهم خمسة أعضاء من الجيش وخمسة مدنيين، بينما سيكون العضو الحادي عشر مدنيًّا تختاره كلّ من TMC وDFC.
وتتنوع مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ على حسب اهتماماتها مثل مُنَظَّمَة قرى الأطفال SOS المعنية بمساعدة الأطفال السودانيين، وأيضًا هناك ما تهتم بالتنمية الزراعية مثل المُنَظَّمَة العربية للتنمية الزراعية، كما تُعْنَى جمعية حفظ البيئة السودانية بإعادة التأهيل البيئي والتصدي لآثار تغير المناخ على المياه والصرف الصحي والصحة، والضغط والدفاع عن الحقوق البيئية، وتم اعتمادها عضوًا في مؤتمرات الأمم المتحدة. ومُنَظَّمَة “شبكة نُظُم الإنذار المبكر بالمجاعة”؛ وهي رائدة في مجال الإنذار المبكر والتحليل والإشارة إلى انعدام الأمن الغذائي الحادّ. تم إنشاؤها في 1985م مِن قِبَل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)[xiv].
الجهات الدولية المتعاونة مع مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا
المركز الدولي للعدالة الانتقالية:
وهو يساعد الدُّول في تتبّع انتهاكات حقوق الإنسان، والمساعدة في الخروج من الأزمات مثل الحروب الأهلية ونزع السلاح، وعلى الصعيد الإفريقي يعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ والمُؤَسَّسَات الحُكُومِيَّة في دول إفريقية عديدة، مثل بروندي؛ حيث عمل على تطوير قدرات الناشطين وواضعي السياسات في بوروندي حول كيفية تخطيط وتنفيذ مجموعة من أساليب العدالة الانتقالية بما في ذلك العدالة بين الجنسين والتعويضات والملاحقات القضائية والبحث عن الحقيقة، وتطوير إصلاح نظام الأمن الذي يراعي العدالة من خلال تنفيذ برنامج التعداد وتحديد الهوية.
وفي كوت ديفوار، حرص على إشراك الضحايا من مختلف أنحاء كوت ديفوار في العملية الانتقالية، مع التركيز بشكل خاصّ على الشباب والضحايا المقيمين خارج العاصمة. أيضًا يعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع السلطات الوطنية لزيادة الشفافية وشمولية برامج التعويضات. وعمل المركز في كينيا على الملاحقات القضائية وإصلاح المُؤَسَّسَات. في جنوب إفريقيا يساند المركز حقوق الضحايا.
يعمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية منذ عام 2005م لدعم جهود أوغندا في بناء سلام مستقر عن طريق تأمين كرامة ضحايا الصراع في بناء قدراتها للدفاع عن العدالة، ولا سيما النساء والشباب. كما يقدّم المشورة الفنية للجهود الجارية لمساءلة الجناة. كما قدم الدعم لشعبة الجرائم الدولية التي أنشأتها المحكمة العليا في أوغندا في عام 2008م للتحقيق في الجرائم الدولية والعابرة للحدود مثل الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والإرهاب والقرصنة والاتجار بالأشخاص[xv].
الأمم المتحدة:
هناك مجالات مشتركة قدمت فيها الأمم المتحدة الدعم من خلال مكاتبها بدول القارة؛ مثل برنامج “تونزا” الذي اعتمد في 2003م، وهو يهدف إلى خَلْق حركة يشارك فيها الأطفال والشباب بنشاط في التنمية المستدامة. وتهدف المبادرة إلى تطوير أنشطة في مجالات بناء القدرات والوعي البيئي وتبادل المعلومات، مع رؤية لتعزيز جيل من المواطنين الواعين بيئيًّا[xvi].
يعمل مكتب المستشار الخاص لشؤون إفريقيا (OSAA) بالشراكة مع كيانات الأمم المتحدة لحشد الدعم والموارد من أجل الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا والأُطر الإنمائية لإفريقيا، ورفع الوعي حول قضايا التنمية الرئيسية في إفريقيا.[xvii]
الاتحاد الأوروبيّ:
يتعاون الاتحاد الأوروبيّ مع قطاعات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا من أجل مكافحة الإرهاب؛ نظرًا للخطر الذي يمثله لكلا المُجْتَمَعَيْنِ الأوروبيّ والإفريقيّ، ويمثّل ذلك الاستراتيجية المشتركة بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي (JAES)، وهي تجمع مُمثِّلين عن مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ الإفريقية والأوروبية للتباحث بشأن مواجهة التَّحَدِّيَات المشتركة، وتمّ تشكيل فرقة العمل المشتركة متعدِّدة الجنسيات (MNJTF) بغيةَ التصدي لتهديد الإرهاب الذي تشكله “بوكو حرام” داخل إطار لجنة بحيرة حوض تشاد[xviii].
كما قدم الاتحاد الأوروبي خمسة مليارات يورو كمساعدات إنمائية لإفريقيا من خلال مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ منذ 2007 حتى 2013م، وعقد شراكات بين مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ الإفريقية والأوروبية لتبادل المعلومات ووجهات النظر والبحث عن مواقف مشتركة حول عملية الشراكة وتنفيذها من خلال عدة منتديات مثل:
المنتدى الأول للمُجْتَمَع المَدَنِيّ الإفريقي-الأوروبي عام 2010م، في مصر.
المنتدى الثاني للمُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا والاتحاد الأوروبي عام 2013م، في بلجيكا.
المنتدى الثالث للمُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا والاتحاد الأوروبي عام 2017م، في تونس.
التَّحَدِّيَات التي تواجه عمل مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ في إفريقيا:
تعاني مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ تحديات كثيرة في مختلف المُجْتَمَعات باعتبار أن دورها يتقاطع مع الدور الرسمي للحكومات، وبالتالي فهي تخضع للقيود التي تفرضها الحكومة على الجهات التي تناظرها، وبالنسبة للمُجْتَمَعات الإفريقية؛ فعلى الرغم من أنها بذلت مجهودًا كبيرًا في ملف الحريات والانتقال الديمقراطي، لكن لا زالت هناك بعض المعوقات التي تعرقل دور مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ، منها:
1- التضييق على المجال العام، ووضع العراقيل وتقييد حرية الحركات الاجتماعية من جانب بعض الحكومات؛ حيث تنظر إلى هذه المُنَظَّمَات باعتبارها بمثابة أدوات للمواطنين للرقابة على سلطاتها، وهو ما يُعدّ تهديدًا لوجودها. مثل عندما أعلن الحزب الحاكم (حزب الاتحاد الوطني ZANU PF) في زيمبابوي أن مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ لا يُعتدّ بدورها.
2- جمود كثير من الأُطُر القانونية التي تحكم عمل هذه المُنَظَّمَات؛ حيث تقوم بعض الحكومات بالحَدّ من حركتها من خلال إصدار قوانين تعسفية مثل قانون إدارة النظام العام الذي أصدرته حكومة أوغندا في 2013م؛ لتعطيل نشاطات المُجْتَمَع المَدَنِيّ.
3- تُواجه مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ عداء من الحكومات التي تنظر إليها في بعض الأحيان على أنها معارضة مملوءة من الخارج لتأليب الأفراد على الحكومات، كما تعمل السلطات على الترويج لتلك الادعاءات لإبطال تأثير عمل مُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ وعدم انجذاب المواطنين للعمل معهم.
4- هناك أزمة تتعلق بثقافة الشعوب والتعاطي مع مفهوم المُجْتَمَع المَدَنِيّ ونطاق دوره في أيّ مُجْتَمَع، وهي ما قد تدفع المواطنين إلى النفور من تلك الكيانات، وبالتالي تعجز عن تحقيق الاقتراب من الجماهير والتعبئة الكافية للقيام بدورها التنموي.
5- عدم كفاية التمويل، لا يمكن التغافل عن أنّ القارة الإفريقية تعاني أزمات كثيرة تتعلق بالصحة والفقر والتعليم والتنمية ومستوى البنية التحتية، وهو ما أثقل عاتق الحكومات والمُنَظَّمَات المَدَنِيَّة على حدّ سواء، بحيث لم تستطع صناديق التمويل تغطية كافة احتياجات المُجْتَمَعات في إفريقيا، وهذا على مستوى المساعدات الفنية والمالية والإدارية.
ختامًا:
على الحكومات أن تدرك قيمة دور المُجْتَمَع المَدَنِيّ كشريك فاعل في تحقيق التنمية ومعالجة المشكلات التي تعاني منها الشعوب الإفريقية، وأن مدى تقدّم ملف الديمقراطية والرفاهية في أيّ مُجْتَمَع يُقاس من خلال وجود مُجْتَمَع مدنيّ قويّ وفعّال. من الضروري التأكيد على أهمية وجود المُجْتَمَع المَدَنِيّ؛ حيث يُعدّ بمثابة كيانات موازية بالمواجهة مع الجهات الحُكُومِيَّة لتحقيق التوازن ومساعدتها في الوصول إلى درجة كبيرة من التنمية والرضا المُجْتَمَعيّ عن أدائها، وتنبيه الحكومة بالقضايا الطارئة وتوجيه الاهتمام نحو المهمَّشين وسرعة احتوائهم قبل أن يُشكّلوا جبهات مضادة ضد الدولة، وعلى الجهات المسؤولة في الدولة أن تُكثّف اهتمامها بمُنَظَّمَات المُجْتَمَع المَدَنِيّ وتتخذها كمعين وإشارة إنذار للقنابل الموقوتة، وتستفيد من جهودها وخبراتها.
[i] Civil Society In Africa متاح على
[ii] Le rôle politique des sociétés civiles en Afrique : vers un rééquilibrage متاح على
https://www.cairn.info/revue-internationale-et-strategique-2008-4-page-29.htm#
[iii] Unleashing the power of Africa’s civil society متاح على
[iv] ABOUT ABIBIMAN FOUNDATION متاح على
https://www.abibimanfoundation.org/who_we_are/who_we_are.php
[v] القضية المرفوعة من “جروتبوم” ضد حكومة جنوب إفريقيا متاح على
[vi] NACF – NATIONAL ANTI-CORRUPTION FORUM متاح على https://www.nacf.org.za/
[vii] منع التطرف ليس مهمة المجتمع المدني وحده متاح على
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=05102019&id=1b4a1741-400b-4bcd-b192-9b9ec9f620cd
[viii] Civil Society Engagement: Nigeria متاح على https://icct.nl/project/civil-society-engagement-nigeria/
[ix] CIVIL SOCIETY IN NIGERIA: A TREAT OR THREAT? متاح على
https://www.fairplanet.org/story/civil-society-in-nigeria-a-treat-or-threat/
[x] Uganda متاح على
[xi] Le réveil de la société civile en Afrique متاح على
[xii] the National Initiative for Civic Education متاح على https://www.nice.mw/
[xiii] (20) من منظمات المجتمع المدني تتقدم بمذكرة لمفوضية حقوق الإنسان حول انتهاكات وتجاوزات الأجهزة الأمنية متاح على
[xiv] دليل المنظمات غير الحكومية من السودان متاح على
https://arab.org/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84/%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86/
[xv] دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية: متاح على
https://www.ictj.org/ar/our-work/regions-and-countries/uganda
[xvi] إشراك المجموعات الرئيسية وأصحاب المصلحة متاح على
[xvii] Partnerships متاح على https://www.un.org/en/africa/osaa/partnerships/
[xviii] THE AFRICA-EU PARTNERSHIP متاح على
https://www.africa-eu-partnership.org/en/our-events/5th-au-eu-summit