إفريقيا هي ثاني أكبر قارَّة في العالم من حيث المساحة، كما أنها ثاني أكبر قارة سكانية في العالم، وتغطِّي إفريقيا حوالي ستة في المائة من سطح الأرض، وتبلغ مساحتها حوالي 30.2 مليون كيلومتر مربع. وتُمثِّل هذه النسبة نحو 20.4 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي في العالم.
ويعيش نحو 15 في المائة من سكان العالم في هذه القارة. ويُمثِّل هذا الحجم حوالي 1.1 مليار نسمة اعتبارًا من عام 2013م؛ مما يجعل إفريقيا هي ثاني قارة من حيث عدد السكان بين القارات السبع في العالم.
وهي أيضًا القارة التي لديها أكبر عدد من السكان الشباب؛ فأكثر من 50 في المائة من السكان الإفريقيين يبلغون من العمر 19 سنة أو أقل من ذلك.
يحيط بإفريقيا البحر المتوسط من شمالها، والمحيط الأطلسي من الغرب، والمحيط الهندي من جنوب شرقها، وكلّ من قناة السويس والبحر الأحمر على طول شبه جزيرة سيناء إلى شمال شرقها. كما أنها تتضمن جزيرة مدغشقر ومختلف الأرخبيلات كجزء من هذه القارة، كما أن إفريقيا تضم 54 بلدًا وتسعة أقاليم(1).
بدأت دراسة الأديان التقليديَّة في إفريقيَّة قبل قرون خلت، قام بها عدد من علماء السلالات البشرية (Anthropologists) والمبشِّرون الكَنَسِيُّون، ولم تكن كلمة دين (Religion) أو عقيدة (Creed) تُطلَق مِن قبل على الشعائر العادية أو التعبدية بقدر ما كانت أقرب إلى طقوس السحر وأساطير قديمة ترتبط بالعادات والتقاليد الإفريقيَّة، بل جاء وصفها بهذه العبارات متأخرًا، ولا يزال محصورًا في نطاق ضيِّق، والشائع في وسائل الإعلام الغربية والأوساط الثقافية استخدام تلك العبارات التي أطلقها الرُّوَّاد الأوائل من علماء السلالات، وغيرهم على الأديان الإفريقيَّة.
ويُعَدُّ مصطلح الأديان التقليديَّة مصطلحًا شاملاً يُستخدم لجميع الأديان العِرقية والموروثات الدينيَّة الشعبيَّة التي يمارسها الشعب الإفريقي، لا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء، ويُقصَد بذلك التوافق بين الأديان في إطار العادات والتقاليد(2) ، وقد ساعد التنوع الإثنوغرافي في المنطقة الإفريقيَّة الواقعة جنوب الصحراء في وجود مظهر من مظاهر الاعتقاد بصورة جلية بعيدًا عما يسمَّى بالعالم الثقافي لدين ما بعد الحداثة على المستوى العالمي، أي: بمعنى مظهر افتراضي يقوم على عبادة المظاهر الطبيعية والروحية التي تستمدّ قوتها من الأساطير والطقوس المحلية.
تضم إفريقيا نوعين من الأديان؛ هما: الأديان التقليديَّة، والأديان الوافدة التي تضم مجموعة دينية كبيرة، وهناك قاسم مشترك بين الديانات التقليديَّة الإفريقيَّة والديانات الوافدة، وتُعَدُّ في مجملها قَبَلِيَّة في المقام الأول، ومُكَوِّن من مُكَوِّنَات الشعوب ما قبل الاستعمار، والملاحَظ أنه ليست للديانات الإفريقيَّة كُتُب مقدَّسة كتلك التي لدى الوثنيات المشهورة في شبه الجزيرة الهندية أو الطقوس الجنائزية المقدسة لدى الوثنية المصرية؛ فالطقوس أمورٌ متوارثةٌ، وغالبًا ما يُختار القائمون على سدانة الأوثان هناك بالوراثة أو التلبُّس، وهو ما يجعل دراسة الأديان الإفريقيَّة أمرًا ليس باليسير؛ حيث تعتمد جُلّ الدراسات على الملاحظة المباشرة للطقوس(3).
ويتوزع ممارسو الديانات التقليديَّة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بين 43 دولة، ويُقدَّر عددهم بحوالي 70 إلى 100 مليون نسمة، أي 12٪ من سكان إفريقيا، في حين أن أكبر الأديان في إفريقيا هي المسيحية والإسلام، وهو ما يمثل 45٪ و40٪(4).
إذا نظرنا إلى الإحصاءات التي تتناول الجغرافيا الدينية لإفريقيا جنوب الصحراء كمثال، نجد أن السكان ينقسمون إلى ثلاث فئات، وهي:
1- فئة الإحيائيين 2- المسيحيون 3- المسلمون.
وهنا تظهر مشكلة التنوع والتعددية الدينية بكل صفاتها وسماتها؛ فالإحيائيون يعتمدون على المظاهر الطبيعية والروحية في تفسير الكون ومصير الإنسان. أما المسيحيون فيعتمدون على قانون الإيمان المسيحي المنبثق من تعاليم الكنيسة الرسولية أو العالمية، غير أنهم في واقع الأمر ليسوا مسيحيين بالمعنى المقصود، على الرغم من أنهم قد شهدوا تطوُّرًا قويًّا خلال السنوات الأخيرة، وبالنظر إلى مجموع إفريقيا جنوب الصحراء، حتى المعمدانية في العالم القروي نلاحظ أن الكثير من المسيحيين يمارسون التقاليد الإحيائية التي تعتمد في الأساس على العادات والتقاليد المحلية على ضوء تنوُّع مفهوم المجتمعات البشرية في غرب القارة السمراء، وقد لعبت بعض هذه المجتمعات دورًا توحيديًّا من خلال فرض النظام والعدالة بناءً على الموروثات الشعبية التقليديَّة(5).
المجموعات الدينية تتعايش مع بعضها البعض بدون إثارة أيّ مشكلات لتناسق مطلوبات الحياة فيما بينهم، وهو الحال في السنغال وبوركينافاسو والكاميرون، فهم يتقاسمون بعض الإحيائية في الاحتفالات الدينية؛ من خلال إيجاد أشكال توافقية كأن تظل الأبرشية (المسيحية) صامتة في معظم الأحيان، ولا يزال الإيمان بالطبِّ التقليدي يُشكِّل أحد محاور الحياة الأساسية، فالإنجيليون يستخدمون أحيانًا الروح والممارسات الطبية التقليديَّة التي يُعالَج بها عادةً في أوساط الفئة المتأثرة بالنمط الغربي(6).
وهذا يشير إلى الارتباط الوثيق بين العبادات التقليديَّة؛ فأتباع الكنيسة في إفريقيا أكثر ميلاً إلى الطقوس الدينية الإفريقيَّة من ممارسات الكنيسة، وهي سمة منتشرة بدءًا من شرق الكاميرون وجمهورية الكنغو الديمقراطية حتى موزمبيق في المحيط الهندي، بالرغم من انتشار الأبرشيات الإنجيلية والبروتستانتية؛ لكن كثيرًا ما تعتمد على الممارسات البدائية.
الوثنية (Fetishism) من العبارات التي تُطلَق وصفًا لديانات الغرب الإفريقي، وهي مشتقة من اللغة البرتغالية من كلمة (Fetico) التي تُطلَق عمومًا على (أي: عمل منحوت يصنعه الإنسان لغرض ديني كالتعاويذ الجالبة للحظ والتمائم)، والتي شهدها البرتغاليون في رحلاتهم إلى إفريقيا على صدور وجذوع الأفارقة، ولاحقًا صارت العبارة مستخدَمة لوصف أديان الغرب الإفريقي، وتعني الاعتقاد في أكثر من إله؛ حيث يرى بعض الأنثروبولوجيين أن في إفريقيا أديانًا متسامحة في عقائدها، ويمكنها بسهولة قبول أديان أخرى(7).
عبادة الأسلاف:
يُعَدُّ مصطلح عبادة الأسلاف (Ancestor worship) الأكثر قبولاً بين الباحثين الأنثروبيولوجيين الأفارقة، وهو ذلك المصطلح الذي أطلقه هاربرت سبنسر في كتابه (Principles of sociology) عند تأمله لعقائد الغرب الإفريقي، وقد شاع استخدامه بين الكُتَّاب الأفارقة، وأطلقوا هذه التسمية لوصف أديان المنطقة. لكن يعترض بعض الباحثين في غرب إفريقيا على هذه التسمية(8).
ويرون أن الأمر ليس عبادة بالمعنى المعروف؛ حيث يرون أن للأسلاف دورًا في المعتقدات التقليديَّة الإفريقيَّة، ولكن تسمية الديانات الإفريقيَّة بهذا الاسم يُعَدُّ إفراطًا في تبسيط المصطلح.
في خمسينيات القرن الماضي بدأ المثقفون الغربيون في إطلاق عبارات إيجابية تجاه المعتقدات الإفريقيَّة، ومنها عبارات دين (Religion)، وقد أسهم في هذا التحوُّل مجموعة علماء السلالات البشرية والأنثروبيولوجيين الإفريقيين، الذين جاهدوا في إثبات معرفة إنسان إفريقيا الأول للإله قبل أن يعرفه المبشِّرون؛ حيث ذكروا أن المبشِّرين الذين أتوا إلى قارة إفريقيا قبل مائتي سنة فقط لم يكونوا هم من أتوا بالربِّ إلى قارتنا، لكن الربَّ هو مَن أتى بهم، ويصعب جدًّا الفصل بين الشعائر التقليديَّة ومسالك الحياة اليومية عند أصحاب الديانات التقليديَّة الإفريقيَّة؛ حيث نجدها في الأفكار وطقوسها العلاجية والجنائزية وأعيادها واحتفالاتها.
الاستعمار والخارطة الإثنية والدينية:
كان للاستعمار الأوربي دورٌ كبيرٌ في تغيير الخارطة الدينية للقارة الإفريقيَّة في ظل وجود التعدُّد العرقي والديني، والتي أثرت فيما بعدُ على شكل الممارسات الدينية؛ حيث تم تقسيم القارة إلى اللادينيين والوثنيين والدينيين، ومن ثَمَّ استغلت تلك التغيرات العقائدية إلى تشكيل الوازع الديني المحلي بنمط غربيي (يهودي- نصراني) مما ساعد في تغيير كيان القارة السمراء، وبالتالي تم تأجيج الصراعات الدينية؛ حيث تم تقسيم الحدود الجغرافية للقارة الإفريقيَّة وفقًا للمصلحة الخاصة للمستعمر، وهو ما أفرَز وجود جماعات مختلفة الثقافات والأعراق داخل الدولة الواحدة، كما أفرز وجود امتدادات للجماعات في عددٍ من الدول المتجاورة(9).
أيضًا استفاد المستعمر من ذلك التباين والاختلاف في سَنّ القوانين واللوائح التي تناسب وتلائم كل مجموعة، وهو ما ساعَد في خَلْق أزمة الاندماج في الكيانات الإفريقيَّة المختلفة.
ومن التعقيدات التي أوجدها الاستعمار أيضًا أنه مكَّن بعض الجماعات العِرقيَّة التي لم تكن ذات أغلبية ميكانيكية، ولم تكن موضع ثقة عند العامَّة، كما مكَّن بعض الجماعات النصرانية من بعض الدول على حساب مجموعات أخرى مثل الأمهرة في إثيوبيا، والتوتسي في بورندي، وغيرها من المناطق؛ مما أدَّى إلى صراعات عِرْقِيَّة ذات طابع ديني في بعض الأحيان.
تستخدم بعض المجموعات القَبَلِيَّة معتقداتها الدينية التقليديَّة للسيطرة على المجموعات الأخرى، فقبيلة الماساي في كينيا، والنوير في جنوب السودان -على سبيل المثال-؛ تعتقد أن خلق العالم يجري تناقله من عشيرة إلى أخرى، ومن جيل إلى آخر، وطبقًا لهذه الأساطير يعتقدون أن الإله قد منَح للماشية سلطة عليا للسيطرة على نمط الحياة، وهو المعتقد الذي تنتمي إليه القبلية، وعليه فإنهم يقومون بسلب الماشية من القبائل الأخرى، وأنهم ليس لهم الحق في امتلاكها(10).
بالتالي يتمتع الكهنة والسحرة والمشعوذون والأطباء التقليديون بمكانة مقدَّسة في المجتمع الإفريقي، في بعض الأحيان يتم ضمهم إلى الأنشطة الإدارية أو الحزبية على اعتبار بأن لديهم قوى غير طبيعية تساعدهم في عملهم الإداري؛ ففي كينيا مثلاً كلُّ مَن يعتقد بأنه (صُنَّاع الأمطار) يشترك في صناعة القرارات والإجراءات في بعض المناطق.
نماذج بعض الأديان التقليديَّة في إفريقيا:
أولاً: أديان البامبارا:
وهي تقع في غرب إفريقيا، ويؤمنون بالإله (فارو)، ويعتقدون أن (فارو) خُلِقَ من السديم الأزلي في الفضاء الخارجي، ثم صار إله الماء، وبعد ذلك قام بالانتصار على إله الأرض (بمبا)، فاستطاع تدبير شؤون الكون، وهو أقرب لعروس البحر، وله رأس بيضاوي، ويتغذَّى على دم الأضاحي والطماطم، وحساء الذرة.
وللإله (فارو) القدرة على التشكُّل في صور مختلفة، فكثيرًا ما يظهر على هيئة الكبش، أو امرأة حسناء، أو ضباب، أو يتواصل مع العباد عبر الكهنة، كما يُعرَف هذا الإله بأسماء عدة، مثل (أشانتي) أو (نانا)(11).
ثانيًا: أديان الدوجون:
يعتقد أبناء قبائل الدوجون أن هناك إلهًا يدعى (أما)، خلَق النجوم، يستطيع أن يقذف ذرَّات من الطين في الفضاء، ويدَّعون أن خلق الشمس والقمر كصُنع الكرات، وقد يُحاط بالنحاس الأصفر والأخرى بالنحاس الأبيض، وبالتَّالي يتجلَّى خلق البشر من الجنسين، والأسود والأبيض؛ فالأول يخلق في الشمس، والثاني يخلق في القمر، بعد ذلك يستمر رمي كرة من الطين لتتحول إلى الأرض، ويتم بسطها من الشمال للجنوب(12).
ثالثًا: معتقدات المانجا:
يعتقدون أن الإله التقليدي -ذكرًا كان أو أنثى- يخلق من الطين، فإذا أصابت أية ذرية كارثة أبادتهم، فلم يبق منهم غير إله اسمه (ستيو)، وهو الذي يقوم بعملية الإعدام، ويقوم بشكل حيوان مفترس، يعتقد أنه منح بذور القوة للتحكم في الحيوانات، ومن مجهوداته أنه يقوم بخرق الوعاء الذي كان يختزن فيه الماء فتتشكل الأنهار، ويعرف عند بعض المجموعات بإله النار والصيد، والذي كثيرًا ما يصعد إلى السماء ليصير نجمًا اسمه (أوريون).
ومن معتقدات قبائل الجابون: أن بداية الخلق قد بدأت من خلال نفخ الخالق في الظلام، فخُلقت امرأة بيضاء تسمَّى (دنتوستا) تحمل الشمس في يمينها والقمر في يسارها، وأن الكواكب تستمد نورها من تلك المخلوقة، كما قامت بتلقيح الكون فتكونت النجوم، واتخذ الكون شكل الزهرة.
وكذلك هناك معتقدات قبائل اللوبي؛ حيث يعتقدون بأنَّ السماء عبارة عن قبة تتمركز على الأرض، ويسكنها الإنسان الأحمر، أما تحت الأرض فيسكنها الإنسان الأسود(13).
المعتقدات الإفريقيَّة التقليديَّة:
أولاً: عبادة الأسلاف:
تُعتبر عبادة الأسلاف من أهم المعتقدات التقليديَّة في إفريقيا؛ حيث يعتقدون أنه عندما يموت الشخص تنتقل الروح في الكون، ويعتقدون أن علاقتهم مع أسلافهم قوية جدًّا، وأنهم يشعرون بمراقبتهم لهم، وأنهم موجودون حولهم، وأن الموتى انتقلوا من العالم المادِّي إلى عالم روحي دون أن يقطعوا الوشائج بينهم والعلاقة مع الأحياء(14).
وتعتقد بعض الجماعات أن حياة الشخص هي التي تحدِّد أرواح الأسلاف، فمثلاً قبيلة الأكانا في غانا ترى أن الشخص لكي يصير سلفًا لا بد له من حياة سابقة ذات قيمة وشرف، وأن يكون قدوة حسنة، أما قبيلة اليوروبا في نيجيريا فتعتقد أن على المرء أن يموت ميتة حسنة حتى يستطيع أن يدخل إلى عالم الأسلاف، فلا يدخل في الأسلاف من مات بسبب حادثة، أو انتحر، أو مَن مسَّه الجنون أو الجزام، أو الصرع، وعلى ذلك تتشابه الشروط التي تحددها المجموعات الإفريقيَّة حتى يدخل الشخص الميت في نَسَق الأسلاف(15).
ثانيًا: السدانة:
السَّدَنَة هم الوسطاء بين الآلهة وعابديهم، والمترجمون لحاجياتهم، وقادة الطقوس، والذين يقومون بعمل الترانيم الاحتفالية، وتُمَارَس السدانة في المجتمع الإفريقي لأغراض متعددة غير العبادة، فهناك سدنة الأوثان وهم الذين يُعَدُّونَ حكماء وأطباء شعبيون وقضاة لأقوامهم، في قبائل اليوربا في نيجيريا تُعتبر السدانة الوساطة التي تربط البشر مع الآلهة في آنٍ واحد، والسدنة هم الذين يمكن أن يسمعوا للآلهة، ويرفعوا الصلوات للآلهة لكي يقبلوها.
والسدانة وظيفة أساسية تجد الاحترام والتقدير عند الوثنيين، وهو أمر مفتوح للرجال والنساء في آنٍ واحد، وغالبًا ما تكون السدانة موروثة من بيت معيَّن في القبيلة، والأشخاص الذين يترشحون لذلك يجب أن يُثبتوا كفاءتهم لذلك.
وهناك طريقة واحدة لنَيْل هذه الدرجة؛ وهي أن يتلبس الإله أو الروح المعيَّن بالمرشَّح في أثناء أداء الطقوس، ويُعَدُّ هذا التلبس الإذن العملي باختيار الشخص المتلبس ليكون ضمن السدانة إلى إله معين(16).
الطقوس في الأديان التقليديَّة:
أولاً: طقوس الزواج:
تُعتَبر من أهم الطقوس؛ لأنها تعطي للزوجين مكانةً خاصة؛ لأنهما يشكِلان محور عملية العبور، كما يساعدان في وضع المشاركين كأهل وضيوف في مواقع التفاعل الوجداني، فطقس الزواج يهيئ للعروسين تقمُّص أدوار الزوج والزوجة، ومنها تتصل بالعلاقات التي لها علاقة المصاهرة والنسب، وتمارس الطقوس في ترسيخ القيم المشتركة بين الطرفين، ويشكل اللبس عاملاً مهمًّا؛ حيث اللبس الأبيض للعروس دلالة على العفة والشرف، والزي الأسود للرجل تعبيرًا عن السلطة والقوة، وترتبط طقوس الزواج بمناسبات محدَّدة، مثل بداية المواسم أو نهايتها أو الأعياد الدينيَّة، أو الانتقال من وضع اجتماعي إلى آخر(17).
ثانيًا: الحمل والولادة:
أيضًا يُعتَبر من الجوانب المهمَّة في الأديان التقليديَّة، وهو أمرٌ له علاقة بالأسلاف، فالطفل وهو في بطن أمه يُحاطَ بعناية فائقة، ليس فقط من والديه، بل من المجتمع والأقارب؛ حيث نجد بعض القبائل الإفريقيَّة كقبائل (الأكامبا) تُحرِّم الاتصال الجنسي بين الزوجين حال التيقُّن من وقوع الحمل، كما يتَّسع هذا التحريم عند قبيلة (الماو) في إثيوبيا ليشمل تحريم الحديث بين الزوجة الحامل وزوجها إلا عبر وسيط، كما تحمل الزوجة بعض الأغذية وتقدمها في الحقول دلالة على الخصوبة(18).
كذلك في عملية الولادة تحدث إجراءات محدَّدة، ويُعتبر الحبل السري والمشيمة التي تربط الأم مع طفلها رمزًا للاتحاد بينهم، خاصة عند قبيلة (الولوف) بالسنغال؛ حيث تقوم المرأة بالقفز فوق نار صغيرة داخل الغرفة في الاتجاهات الأربعة، ثم يُسقَى الطفل من ماء مقدَّس لطرد الأرواح الشريرة والمرض.
ثالثًا الموت والجنائز:
في الجنوب الغربي لجمهورية الكونغو الديمقراطية، توجد قبيلة السوكو الساحرة المليئة بالتقاليد الغريبة، والتي تُعتَبر من أهمِّ قبائل إفريقيا القديمة، وعندما يموت أحد أفراد تلك القبيلة، خاصةً إذا كان من الكبار وذوي المكانة الرفيعة، فإن جنازته تتم في مكان خالٍ في الغابة، وتُوضَع الهدايا والقرابين، لكن يتم مَنْع النساء من حضور الجنازة.
وأيضًا نجد شعب التشيوا الذي يُعتَبر أكبر القبائل البدائية في ملاوي التي يزيد عدد سكانها عن 20 مليون نسمة، ويوجد بعضهم أيضًا في جنوب إفريقيا، ولديهم بعض العادات الغريبة؛ كطريقتهم في التعامل مع الموتى؛ حيث يأخذون الجثة بعد الوفاة إلى الغابات لإجراء الطقوس التي تبدأ بقطع حَلق الميت، وإسالة الماء النظيف بداخله لتنظيف الجسد وتطهيره، وذلك من خلال الضغط على المعدة حتى يصل الماء(19).
أيضًا بعض القبائل تقوم بتحريك عظام الميت، وتُعرف هذه الممارسة باسم “Famadihana“، أو “الروابط الأسرية”، ويقوم بها شعب مدغشقر؛ إذ يقومون باستخراج عظام أقربائهم الموتى من مقابر العائلة مرة كل 7 سنوات، وينظِّفونها ويغطونها بملابس جديدة، قبل أن يقوم أقارب المتوفى بالرقص مع الجثة.
وتعتبر هذه الممارسة إحدى المناسبات العائلية الكبيرة، والتي تتميز بالموسيقى الصاخبة. وعلى الرغم من أنه يُنْظَر إليها على أنها إحدى الصور المهمة لتبجيل الأسلاف، وما يزال مسموحًا بها، إلا أنها توشك على الانقراض في الوقت الحالي(20).
مستقبل الأديان التقليديَّة في إفريقيا:
وفقًا لبعض الدراسات؛ فإن هناك تغيُّرات مستقبليَّة في خارطة الأديان؛ حيث من المتوقع أنه سوف تتراجع الأديان التقليديَّة مقابل الأديان السماويَّة؛ نتيجة للحداثة والتعليم والعولمة، ويظل التنافس بين الدين الإسلامي والمسيحية قائمًا حول نسبة الانتشار في إفريقيا، مع التنبؤ ببعض التغيُّرات التي ستطرأ على الديانات في العقود الأربعة القادمة.
ووفقًا لمركز (بيو) للأبحاث؛ فإنه يبدو أن المسيحية ستظل الديانة الأكبر في العالم، ولكنْ من المتوقع أن يزداد حجم الديانة الإسلامية بوتيرة أسرع من الديانات الأخرى، في حال استمر الوضع الحالي.
ويُستدل من البحث أيضًا أنه حتى عام 2050م سيكون عدد المسلمين مساويًا تقريبًا لعدد المسيحيين في أنحاء العالم. وسيشكِّل الملحدون والأشخاص الذين لا ديانة لهم جزءًا صغيرًا من سُكَّان العالم.
ويحتلّ المرتبة الثالثة المواطنون الذين لا ديانة لهم، وكانت نسبتهم حتى عام 2010م نحو 16.4% من إجمالي سكان العالم، وكان تعدادهم 1,131,150,000. ووفقًا للتوقعات؛ فإنه في العام 2050م قد يصل تعدادهم إلى 1,230,340,000، وستكون نسبتهم 13.2% من إجمالي سكان العالم فقط (21).
الإحالات والهوامش:
(*) باحث بمركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية – دائرة إفريقيا.
(1) Ehret, Christopher, An African Classical Age: Eastern and Southern Africa in World History, 1000 B.C. to A.D. 400, page 159, University of Virginia Press, ISBN 0-8139-2057.
(2) إسماعيل صديق وآخرون، البنية الفكرية لأديان إفريقيا التقليدية، معهد مبارك قسم الله للبحوث، الخرطوم، ط1،2017م، ص9.
(3) عاصم محمد حسن محمد، الديانات التقليدية في غرب إفريقيا مدخل دراسي، www.qiraatafrican.com/home/new، 5/10/2016م.
(4) غادة قدري، ديانات إفريقيا.. وسطاء من القرابين والجن والأقنعة، www.dotmsr.com.
(5) Herbert cole,Mbari;Art and life among the Owerri Lgbo (Bloomington Indiana University press ,1982
(6) John Mbiti ,African Religionand Philosophy Experience .Modern Lilrary ,New Yourk,1969,p7.
(7) KOFI ASARE OPOKU, WEST AFRICAN TRADITIONAL BSLIGION, 1978 ,SINGAPORE: FEP INTERNATIONAL PRIVATE LIMITED, pp-vii p4 .
(8) عاصم محمد حسن محمد، الديانات التقليدية في غرب إفريقيا مدخل دراسي، www.qiraatafrican.com/home/new، 5/10/2016م.
(9) حمدي عبدالرحمن، التعددية وأزمة بناء الدولة في إفريقيا، مركز دراسات المستقبل الإفريقي، القاهرة، ط1، 1996م.
(10) مؤنس حسين، أطلس تاريخ الإسلام، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، ط1، 1987م، ص 134.
(11) سلجيمان، السلالات البشرية في إفريقيا، مكتبة العالم العربي، القاهرة، ط1، ص123.
(12) حمدي عبدالرحمن، التعددية وأزمة بناء الدولة في إفريقيا، مرجع سابق، ص27.
(13) سلجيمان، السلالات البشرية في إفريقيا، مرجع سابق، ص 68.
(14) صافي الدين محمد، إفريقيا بين الدول الأوروبية، مكتبة مصر، القاهرة، 1959م، ص 77.
(15) عليان رشدي، الأديان دراسة تأريخية مقارنة، الديانات القديمة، مطبعة وزارة التعليم العالي، بغداد، ط1، ص 33.
(16) KOFI ASARE OPOKU, WEST AFRICAN TRADITIONAL BSLIGION, 1978 .
(17) عبدالقادر محمد سيلا، المسلمون في السنغال.. معالم الحاضر وآفاق المستقبل، كتاب الأمة 12، قطر، 1986م، رئاسة الشؤون الدينية، ص29.
(18) طه الهاشمي، تاريخ الأديان وفلسفتها، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1963م، ط1، 34.
(19) علي سعيد، عادات وتقاليد قبائل إفريقيا، www.ts3a.com/majhool، يناير، 20017م.
(20) أحمد نصار، أغرب شعائر الدفن في العالم، www.eremnews.com.
(21) عامر دكة، توقعات مستقبل الديانات حتى عام 2050م، www.al-masdar.net