حسب توقّعات المتخصّصين؛ في أقلّ من جيلين سيزداد عدد الشباب في إفريقيا بنسبة 340 مليون فرد، وفي الوقت نفسه سيكون هناك نقص في عدد الشباب بكلٍّ من القارة الأوروبية والآسيوية وأمريكا الجنوبية، وبذلك ستمثل القارة الإفريقية في عام 2035م أكبر موطن يتجمّع فيه أكبر تعداد من فئات القوة الدافعة والمحركة؛ أي القوة العاملة.
هذه التوقعات تمثّل بالنسبة لإفريقيا بشارات يجب التنويه بها، ولكنها في الوقت نفسه تمثّل تحديّاً كبيراً بالنسبة لها في إيجاد أرضية مناسبة تلبّي احتياجات الشباب من حيث التربية والصحّة والعمل.
في الوقت الراهن، وبفعل الانفجار المعرفي والثورة التكنولوجية، أصبح الشباب في إفريقيا يطلع- بكلّ سهولة- على المتغيرات السياسية والاجتماعية لمحيطه، وذلك عبر الوسائل المعلوماتية المعاصرة التي أصبحت من المستحيل أن تكون تحت سيطرة أي واحدٍ من الساسة أو أي نظامٍ سياسيٍّ قائم.
ولئن تميّز القرن التاسع عشر بما سُمّي بالثورة الصناعية؛ فإنّ هذا القرن الذي نعيش فيه يتميز بما يمكن أن يُسمّى: «الثورة التكنولوجية والمعلوماتية»، ولئن تخلّفت إفريقيا عن موعد الثورة الصناعية؛ فإنه ينبغي أن تنتهز فرصة هذه الثورة المعلوماتية والتكنولوجية لتكون في مصاف الدول القوية، وهذه المسؤولية إنما تقع أساساً على عاتق الشباب؛ بوصفهم الركيزة الأساسية لعملية الإقلاع النوعي نحو المستقبل، ولأنّ مشكلات الشباب في إفريقيا أصبحت معادلة يصعب حلّها بمعزلٍ عن الشباب أنفسهم.
منذ السنوات الأولى من حركات الاستقلال؛ هناك محاولات عدّة لاحتواء فئة الشباب، وضمان حياةٍ كريمةٍ لهم، ولكن نتائج هذه المحاولات بقيت ضعيفة أو دون جدوى تربويّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً، وعليه فهناك حاجةٌ ملحّةٌ لإيجاد الأجوبة المناسبة لمشكلات الشباب في جميع المستويات؛ وطنيةً أو إقليمية.
وتلعب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (TIC) دوراً مهمّاً ومتزايداً في زيادة الإنتاجية من خلال الاقتصاد الرقمي، وتحسين الخدمات العامّة والخاصّة، وتنفيذ الأهداف الاجتماعية والاقتصادية العامّة؛ في مجالات التعليم والصحّة والعمل والتنمية الاجتماعية، لهذا السبب؛ فإنّ البلدان تعمل على تطوير سياسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لدعم النمو (La croissance) في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز القدرة على المنافسة وتحويل الفرص.
وفي السياق نفسه؛ تعدّ تكنولوجيا المعلومات والتواصل في الوقت الراهن وسيلةً للشباب في إفريقيا لإنشاء المؤسسات المبتكرة، والاستثمار في مجال المقاولاتية/ريادة الأعمال، بعيداً عن الاستخدام الشخصي القائم على استهلاك واستخدام ما هو جاهز أو نصف جاهز من صفحات التواصل الاجتماعي أو المواقع أو حتى الأفكار، فقد بدأت آفاق الإنتاج المهنيّ المبدع فكريّاً في هذا المجال في إفريقيا، حيث ظهرت مهنٌ جديدة على الساحة الاقتصادية المحلية، كما ينشط حاليّاً عددٌ كبيرٌ من المؤِسسات المستقلة المتخصّصة- تماماً أو جزئيّاً- في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وهي ذات خدمة عامّة.
نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على استخدام الشباب في إفريقيا لوسائل تكنولوجيا المعلومات والتواصل، وتأثير ذلك في المجتمع والسياسة وإنشاء فرص العمل، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن مجموعة إشكالات تتعلق بواقع استخدام تكنولوجيا المعلومات والتواصل في إفريقيا، ومجالات توظيفها التعليمية والتثقيفية والتوعوية، وآفاقها الاجتماعية والسياسية والمهنية والاستثمارية.
تكنولوجيا المعلومات والتواصل في إفريقيا: أرقام وإحصائيات:
في الوقت الحاضر؛ أصبحت تكنولوجيا المعلومات والتواصل، حتى في الدول النامية، ضرورةً من ضرورات الحياة الإنسانية، فهي بمثابة الغذاء، على مستوى المؤسسات أو الأفراد، لذا: عاماً بعد عامٍ تزداد أعداد المستخدمين لها بالملايين، يفيد التقرير السنوي للاتحاد الدولي للاتصالات عام 2014م(1) بوجود أكثر من ثلاثة مليارات شخصٍ على شبكة الإنترنت، وبأنّ نموّ تكنولوجيا المعلومات والتواصل يظلّ مزدهراً في كلّ بلد من بلدان العالم تقريباً.
وتشير أحدث هذه البيانات إلى أنّ استخدام الإنترنت لا يزال ينمو باطّراد بنسبة 6.6% على مستوى العالم في عام 2014م، ويمثّل هذا النمو في الدول المتقدمة نسبة 3.3%، وفي الدول النامية 7.8%، وتفيد البيانات نفسها بأنّ هناك تضاعفاً في عدد مستخدمي الإنترنت في الدول النامية ما بين عامي 2009م – 2014م، بحيث أصبحوا يمثّلون ثلثي مستهلكي الإنترنت في العالم.
وبرغم هذه الإحصائية التي تبدو في الوهلة الأولى إيجابية من حيث التقدّم التكنولوجي للدول النامية بما فيها إفريقيا بتعدادٍ كبير، فإنها تُخفي حقائق عميقة، حيث تشير الدراسة نفسها إلى وجود 4.3 مليارات شخص لم يستخدموا الإنترنت قطّ في حياتهم، وإلى أنّ 90% منهم يعيش في بلدان العالم النامي.
بخصوص إفريقيا؛ تشير الأرقام التي نشرتها بينغدوم (Pingdom)(2) إلى أنّ أعداد المستخدمين للإنترنت في إفريقيا انتقلت من 34 مليون إلى 140 مليون بين 2007م و 2012م، وبذلك تكون إفريقيا أكبر منطقة تسجّل أكبر نسبة نمو من حيث الاتصال بالإنترنت، بحيث يمثّل هذا النموّ نسبة 317% من مجموع أعداد المستخدمين للإنترنت في القارة.
وفي قطاع الاتصالات الخلوية المتنقلة (الهواتف النقالة)؛ يقدّر التقرير نفسه وجود سبعة مليارات مشترك بالاتصالات المتنقلة حتى نهاية 2014م، وهو رقمٌ يكاد يعادل مجموع سكان العالم، ولكن لا يُستنتج من ذلك أنّ كلّ العالم موصول بالتكنولوجيا الخلوية النقالة، لأنّ العديد من المستخدمين يمتلكون اشتراكات متعددة، ولهذا السبب؛ فإنّ أرقام النموّ العالميّ من حيث التغطية الشبكية تُترجم أحياناً إلى نزرٍ يسير من التحسّن الحقيقيّ في مستوى توصيلية مَن هم في أسفل الهرم، وفي التسلسل الفكريّ نفسه، تجدر الإشارة إلى أنه يعيش ما يقدّر بـ 450 مليون شخصٍ في العالم في أماكن لا تزال بعيدة عن تغطية الخدمة الخلوية المتنقلة.
وبرغم هذه الصعوبة في البلدان النامية؛ تأتي إفريقيا في المرتبة الثانية من حيث عدد المتصلين بالاتصالات الخلوية المتنقلة بعد منطقة آسيا الباسفيك (آسيا – المحيط الهادئ)(3), فحسب الدراسة التي أجرتها أفروباروميتر (afrobaromètre)، بين عامي 2011م – 2013م؛ فإنّ 93% من سكان القارة الإفريقية لديهم هاتف نقال.
وعلى نحو مشجّع؛ يشير التقرير نفسه إلى تحسيناتٍ كبيرةٍ في النفاذ إلى عرض النطاق الدوليّ في البلدان الأكثر فقراً، حيث إنّ حصة البلدان النامية من الإجمال العالميّ لعرض النطاق الدولي ارتفعت من 9% فقط في عام 2004م إلى أكثر من 30% في عام 2014م، ولكن الافتقار إلى ما يكفي من عرض نطاق الإنترنت الدولي في أقلّ البلدان توصيلاً لا يزال يشكّل عائقاً كبيراً أمام الإقبال على تكنولوجيا المعلومات والتواصل في هذه البلدان.
واقع تكنولوجيا المعلومات والتواصل في إفريقيا وعلاقتها بالتنمية:
من حيث تحقيق التنمية المستدامة عن طريق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ فإنّ هناك عائقين يحولان دون هذا التحقيق في إفريقيا: العائق الأول: هو النظرة التقليدية لبعض الساسة الذين يرون الاستثمار في هذا المجال نوعاً من إسراف المال العام، فالأولوية عندهم هي أن تُصرف هذه الأموال في القطاعات التقليدية، والعائق الثاني: هو الصعوبة البالغة في تحديد الوزن الاقتصاديّ والاجتماعيّ الحقيقيّ لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التنمية.
فإذا لم يكن بإمكاننا إنكار أولوية الاستثمار في القطاعات التقليدية، وإنكار أنّ معدومية البنيات التحتية الأساسية في منطقةٍ معينةٍ يشكّل مشكلة تنموية كبيرة، فإنه يجب الإشارة إلى أنه في المجتمع والاقتصاد الذي نعيش فيهما اليوم أصبحت وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي العامل الجديد للإنتاجية، وجذب الاستثمار، فتطوّر هذا القطاع وتنميته يؤثّر بشكلٍ عميقٍ في بقية القطاعات، ويقدّم لها يد عون لتتقدم بسرعة فائقة، لسنا مضطرين أن نمرّ بالضرورة بالمراحل التي مرّت بها بقية الدول لنحقق التنمية؛ لأنّ التطور الرقمي الذي نعيش فيه يقدّم لنا خيارات متعددة لنقلع بفاعلية نحو التطور والازدهار.
يشير ريني كهولن إلى هذه الحقيقة من خلال دراسته لتأثيرات القيمة المضافة للسوق المعلوماتية؛ إذ يقول: «على مستوى الاقتصاد الكلّي؛ فإنّ تطوير قطاع المعلومات يؤدّي إلى تغييرات هيكلية في الاقتصاد بأكمله، هذا النموّ يؤثّر في وضع مقاييس الدخل والإنتاج القومي، ويثير الآمال في النمو الاقتصاديّ العام»(4), فكلما كان استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكلٍ مكثّف كان تأثيرها أوضح؛ بحيث تؤثّر بشكلٍ إيجابيٍّ في تخفيض التكاليف في القطاعات الأخرى، وبالخصوص في قطاع الخدمات.
إنّ التنمية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا تخصّ فقط استخدام وسائل المعلومات المتعددة من أجل المردود الاقتصادي؛ بل تمسّ بشكلٍ أوسع جوانب كبيرة من سياسات واستراتيجيات التنمية التي تتعلق بالتنمية السياسية والاجتماعية وغيرها، وقد تتعلق كذلك بالجانب الإعلاميّ لتوعية المواطن في المشاركة في المبادرات أو الفعاليات والأنشطة المتعلقة بالتغييرات المجتمعية.
تأخذ تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت اليوم مركزية كبيرة في تحقيق التنمية، لذا فإنّ المؤسسات الإقليمية العاملة في الاندماج الاقتصادي للدول الإفريقية تدعم الحكومات في الحصول على تقنية الألياف البصرية، فقد قام الاتحاد الاقتصاديّ والنقديّ لغرب إفريقيا (UEMOA) بالتعاون مع البنك الإفريقي للتنمية مع مستثمرين آخرين بدعم مشروعٍ؛ يهدف إلى توفير الإنترنت عن طريق تقنية الألياف البصرية(5) (كابل أوبتيك) في منطقة غرب إفريقيا.
وفي منطقة الشرق-الوسطي الإفريقيّ يتمّ العمل في مشروع (EASSY) Eastern African Submarine Cable System، وهو مشروعٌ يستخدم تقنية الألياف البصرية نفسها، يمتدّ من جنوب إفريقيا مروراً بالسودان إلى جمهورية مدغشقر.
أصبحت تكنولوجيا المعلومات والتواصل اليوم مقياساً لتقدّم الدول ومصدراً للتنمية ورافعةً اقتصادية كبيرة، وقد أدرك كثيرٌ من الدول الإفريقية هذه الحقيقة؛ لذا تتناوب الشركات العالمية في إفريقيا من أجل الاستثمار في هذا القطاع.
وقد أكد- في لقائه مع وفدٍ من مفوضية الاتحاد الإفريقي- الدكتور غونغ يوان شينغ ممثل شركة هواوي(6): أنّ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أصبحت القوة الدافعة التي يمكن أن تعزّز بشكلٍ كبيرٍ من النمو الاجتماعي والاقتصادي في القارة الإفريقية، وتلتزم شركة هواوي بزيادة دعمها نحو خطط التنمية في هذا القطاع في إفريقيا، ودفْع عجلة التصنيع للأمام، بالإضافة إلى التزامها بتنمية المواهب الشابة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال داخل القارة الإفريقية من خلال برامج متخصّصة على غرار Huawei Seeds for the Future.
في عام 2008م، في أعقاب المنتدى الثاني حول أفضل ممارسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إفريقيا، الذي نُظّم برعاية مايكروسوفت والاتحاد الأوروبي، تم تصميم خارطة طريق للحكامة الإلكترونية (E-gouvernance) في إفريقيا، فمصطلح «الحكامة الإلكترونية» أو «الإدارة الإلكترونية» يعني: استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الإدارة العمومية لتوفير الخدمات العامّة، وتهدف إلى تحويل العمل الإداري العادي من إدارة يدوية إلى إدارة إلكترونية باستخدام نُظُم معلوماتية قوية، تساعد في اتخاذ القرارات بشكلٍ سريعٍ وفعال، والهدف الأساسي منها هو تبسيط الإجراءات الإدارية للمواطن في شكلها ومدتها.
بعيداً من أن يكون مجرّد شعار أو موضة؛ تعمل بعض الحكومات الإفريقية بشكلٍ جديٍّ في تطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إدارتها العمومية، تتمثّل هذه الإدارة في توفير أغلب هذه الدول لمواطنيها مواقع وشبكات أو نوافذ إلكترونية؛ من خلالها يتعرف المواطن على كلّ الإجراءات دون أن يتحرك من مكانه.
في السياق نفسه، وفي مجال الاستثمار وريادة الأعمال/المقاولاتية، تقوم وزارات الاقتصاد أو الاستثمار أو الشركات الصغيرة والمتوسطة، حسب إطلاقات الدول المختلفة، بإنشاء بوابة إلكترونية لعرض الإجراءات الإدارية عبر ما يُسمّى: «شباك موحّد»، يعني إمكانية القيام بكلّ الإجراءات الإدارية في فضاءٍ واحد.
تكنولوجيا المعلومات والتواصل والمشاركة الشبابية في إفريقيا:
المشاركة في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا تتحدد فقط في إنتاج المعلومات؛ لكن تتحدد أيضاً في: نوع المعلومات التي ينبغي أن تُنتج، وفي مضمونها، فالمشاركة الشبابية في توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تتنوع مجالاتها في إفريقيا حسب الاهتمامات المختلفة.
وفيما يأتي ذكر لأهمّ هذه المجالات:
1 – توظيف تكنولوجيا المعلومات والتواصل في المشاركة السياسية والاجتماعية:
في الوقت الحاضر؛ تفرض تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نفسها كحلٍّ حتميٍّ لفك الحصار عن الشباب في إفريقيا للمشاركة في العملية السياسية، وقد أدى ذلك إلى أن أصبح دعم الحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية هو الخيار الوحيد أمام الدول الإفريقية لتحقيق الأمن والاستقرار السياسي.
وتعدّ البنية التحتية للمعلومات والاتصالات هي الأرضية الصلبة التي تنمو عليها الديمقراطية الحقيقية، باعتبار هذه البنية الرؤية أو الفلسفة التي تتيح للشعب آليات مهمّة لممارسة حقوقه السياسية، والتي من أهمها: آليات التخاطب والحوار والتعبير عن الرأي، والتصويت في الانتخابات التشريعية والاستفتاءات، واستطلاع الرأي العام، والتنظيم السياسي الميداني.. وغيرها.
تعدّ مواقع التواصل الاجتماعي الظاهرة المعلوماتية الأبرز في عالمنا التكنولوجي، لكونها تستقطب شريحةً كبيرةً من شرائح المجتمع، وبخاصة شريحة الشباب، بوصفهم الفئات الأكثر تأثيراً بما يمثلونه من طاقةٍ وقابليةٍ لتغيير أيّ ظاهرة، وقد خلصت دراسة حول «فيس بوك أفريك»، نشرها موقع جين أفريك 2015 إلى: أنّ هناك 151 مليون مستخدمٍ لفيس بوك في إفريقيا جنوب الصحراء(7), وأنّ عدد المستخدمين في جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا يمثّل ربع مجموع المستخدمين الأفارقة. وأشارت الدراسة كذلك إلى أنّ عدد المستخدمين للفيس بوك في إفريقيا جنوب الصحراء نما بنسبة 20% ما بين عامي 2014م و 2015م.
لم يكتف الشباب الإفريقيّ باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي المستوردة كفيس بوك وتويتر وغيرهما، بل لجأ الشباب إلى اختراع مواقع تواصلية إفريقية، نذكر منها:
– موقع اشهاهيدي Ushahidi: اخترعه الشاب أوري أوكولو Ory Okolloh، وهو مصمَم باللغتين الإنجليزية والسواحلية، وقد أدى هذا الموقع دوراً كبيراً خلال انتخابات 2008م بكينيا، حيث سمح لآلاف الكينيين بالتواصل من أجل الحدّ من عملية التزوير التي كانت معْلَماً لتلك الانتخابات، ويسمح هذا الموقع كذلك بإنشاء مدوّنةٍ خاصّة، وامتلاك بريدٍ إلكترونيٍّ خاص، وخدمات إرسال رسائل نصية قصيرة.
– موقع أفريغاتور Afrigator : وهو موقعٌ متخصّص في إنشاء المدونات.
– موقع زوبي zoopy: اخترعه شابٌّ بجنوب إفريقيا، على شاكلة يوتيوب، لتبادل الفيديوهات.
وهناك أيضاً مواقع متخصّصة في مجالات معينة؛ كموقع جوكولابس Jokkolabs الذي اخترعه الشاب السنغالي كاريم سي Karim Sy، وهو موقعٌ اجتماعيٌّ متخصّص في المبادرات الإبداعية والمواهب الشابة في إفريقيا.
ولأهمية المشاركة الإفريقية في مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد اقترح الفيس بوك نسخاً باللغات السواحلية والهوساوية ولغة زولو، واقترح موقع غوغل كذلك– منذ أكتوبر 2010م- خدمةً أسماها: بارازا Baraza، تعني بالسواحلية: «موقع التواصل»، وتهدف هذه الخدمة إلى تبادل الآراء، وطرح أسئلة تمسّ الشأن المحليّ والإجابة عنها.
وقد ساهم هذا الانفجار لمواقع التواصل الاجتماعي في إتاحة الفرصة لجميع الشباب في إفريقيا، سياسيين أو باحثين أو أكاديميين، لنقل أفكارهم ومناقشة قضاياهم السياسية والاجتماعية؛ متجاوزين الحدود المادية والطبيعية إلى فضاءاتٍ جديدةٍ لا حدود لها.
في هذا الظرف؛ أدى كثيرٌ من الشباب في إفريقيا دوراً كبيراً في توعية المجتمع أمام قضايا تتعلق بالسياسة والديمقراطية والشفافية والحكامة الرشيدة للشأن العام، ونذكر نماذج لهذا الدور فيما يأتي:
في السنغال: مشروع «سونو 2012» «SUNU 2012»، الذي يعني: «نحن» باللغة الولوفية، أبدعه الشاب السنغالي «الشيخ فال» بمشاركة شبكة المدونين السنغاليين، وهو مشروع شبكة إنترنتية على شكل مدوّنة، مصمّمة على أساس مبادرةٍ وطنيةٍ وتطوعيةٍ من أجل المشاركة في الشفافية الديمقراطية، هذا المشروع الذي أطلق في يونيو 2011م بقيادة نشطاء سنغاليين؛ أحرز نجاحاً كبيراً في الانتخابات الرئاسية في السنغال عام 2012م، فقد استطاع الكشف عن نتائج الانتخابات بشكلٍ مباشرٍ قبل النتائج الرسمية، وذلك عن طريق عديدٍ من المراقبين الإلكترونيين المحليين الذين يرفعون المعلومات من مراكز صناديق الاقتراع عن طريق الهواتف الذكية؛ للحيلولة دون أن يقع أيّ عبث بالنتائج الانتخابية.
وفي كوت ديفوار: خلال ما سمّي: «بأزمة ما بعد الانتخاب»؛ ظهر بتاريخ 5 أبريل 2011م في ساحة شبكات التواصل الاجتماعي: وسم (هاشتاغ) #CIVsocial لتبادل المعلومات، وتقديم المساعدة للمواطنين الذين كانوا حبيسي الحرب، وسيتم استخدام الهاشتاغ نفسه بشكلٍ كبيرٍ خلال الفيضانات التي ضربت مدينة أبيدجان (العاصمة الإيفوارية)؛ لجذب انتباه السلطات العمومية، وإنشاء نظامٍ معلوماتيٍّ عن طريقه، يتمّ عبره بشكلٍ مباشرٍ الإعلام عن حالات الضحايا.
غينيا كوناكري: وفي السياق نفسه؛ تمّ إطلاق مبادرة GuinnéeVote في غينيا كوناكري بمبادرة شبكة المدونين الغينيين؛ تعبيراً عن رفضهم لسلسلة الانقلابات وتغيير الأنظمة السياسية بقوة السلاح، فهم يسعون لتسليح المواطن عن طريق «صوته الانتخابي»، وإغراقه في صميم العملية الديمقراطية؛ من خلال المشاركة في العملية الانتخابية.
وفي مالي: تمّت مراقبة الانتخابات الرئاسية في يوليو 2013م، بعد الأزمة التي بدأت في عام 2012م، بالتعاون بين قوات منظمات المجتمع المدنيّ والمدونين والناشطين على شبكة الإنترنت، وقبل ذلك رأينا مجموعةً كبيرةً من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لبيان المواقع المختلفة حول الأزمة السياسية – العسكرية التي نشبت عام 2012م.
وفي نيجيريا: في عام 2011م؛ شهدنا حملة انتخابية جدّ نشطة على الشبكات الاجتماعية، وليس هذا فقط، فقد رأينا أيضاً وجود نظامٍ رقابيٍّ قويٍّ من قِبل مراقبي الانتخابات الذين كانوا يستخدمون الشبكات الاجتماعية كوسائط خاصّة لتأمين العملية الانتخابية، يشير تقرير اثنين من الباحثين في الانتخابات الرئاسية في نيجيريا في عام 2011م إلى أنّ : «وسائل الإعلام الاجتماعية قد سمحت بملاحظةٍ أكثر كفاءة للانتخابات عن طريق زيادة عدد المراقبين والتقارير مع التقليل من التكاليف (…)، بحيث تمكّن المواطنون من الوصول مباشرة إلى معلومات أكثر دقّة»(8).
وفي بوركينافاسو: استطاعت قوة وسم (هاشتاغ) #Lwili الذي يعني: «الطير» بلغة موشي، منْعَ محاولاتٍ لتغيير الدستور والتلاعب به، هذا التلاعب الذي كان من شأنه أن يسمح للرئيس بليز كومباوري بالبقاء في السلطة، استطاع الشباب في بوركينافاسو الاستيلاء على النقاش السياسي، وتوعية الشعب عن طريق الشبكات الاجتماعية، وأدى ذلك إلى تسرب بليز، وإقامة نظامٍ انتقاليٍّ نظّم انتخابات رئاسية حرّة وشفافة.
وبهذا الخصوص؛ لم يبق الشباب الإفريقيّ الدارسين باللغة العربية خلف الركب، فقد قاموا بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك (ملتقى دارسي اللغة العربية من إفريقيا)، هذه الصفحة تضمّ ما يقرب من 30 ألف شخص، وقد أدت هذه المنصة دوراً كبيراً في تقريب الرؤى السياسية والاجتماعية لهذه الفئة، وفي تقديم الصورة الحقيقية لإفريقيا، سواء السياسية منها أو الاجتماعية للقرّاء العرب.
2 – الاستخدامات التعليمية والتثقيفية لتكنولوجيا المعلومات:
في قطاع التربية والتعليم؛ يعترف الكثير من الساسة والفاعلين السياسيين في إفريقيا بشكلٍ أوسع بأنّ الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سيساعد الأفراد لمواجهة المنافسة في ظلّ اقتصادٍ معولم، فهي وسيلة لتكوين أيدٍ عاملة مؤهلة لتلبية الاحتياجات التعليمية، ويعترفون كذلك بأنّ نفوذ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال التعليم والتثقيف سيؤثر تأثيراً إيجابيّاً على المنتج التعليميّ والتربويّ؛ بحيث يسمح برفع مستوى الأداء التدريبي؛ بتوفير كفاءات أو قدرات جديدة لدى المتعلمين، ويساهم كذلك من تخفيض الرسوم المتعلقة بالتعليم التقليدي.
فقبل أشهر(9) فقط؛ افتُتح في العاصمة المصرية مؤتمر ومعرض حول التعليم الإلكتروني في إفريقيا، في نسخته الحادية عشرة، تحت شعار: «حيث تصبح الرؤى حقيقة»، وقد قالت خلالها النيجيرية تويوسي أكيريل عبارة ألقتها بنبرة يملؤها التأثر بخصوص التعليم عن بُعد: «أحلم بيومٍ يصبح فيه التعليم في إفريقيا متنقلاً، ومتاحاً ليستطيع كلّ فرد أن يتعلم ذاتيّاً دون الحاجة إلى مبنى أو مؤسسة تكفله»(10).
لقد أدى الاهتمام بالجانب التعليمي والتثقيفي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى خلق منصات إلكترونية، وتمّ في إفريقيا تطوير ما بات يعرف بالمُوكْ (MOOC) الذي يعني: «Massive Open Online Course» بالإنجليزية؛ أي ما يُعرف بالعربية بـ «المساق الهائل المفتوح عبر الإنترنت»، وهو مساقٌ تعليميٌّ حديثٌ وناشئٌ في مجال التعلّم عن بُعد، ويستخدم الإنترنت كأسلوبٍ تعليمي، ومن أساسياته السماح بمشاركة عددٍ ضخم من المتعلمين، وخلق ميدان نقاش وتخاطب تعلّميٍّ بين المشاركين من طلاب ومدرسين ومساعدي المدرسين.
فعن طريق الوكالة الجامعية الفرنكفونية (AUF)؛ يشارك كثيرٌ من طلبة الجامعات الإفريقية، وبخاصّةٍ جامعات غرب إفريقيا الفرنكوفونية في الموك فون الفرنسية الذي أطلقته الوزارة الفرنسية للتربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، وفي مجال الصحافة والبرمجيات هناك: الموك أفريك انوفاسيون (Afriqueinnovation)، نجد عليها مجموعة من الدروس في الصحافة التحريرية، والصحافة السمعية -البصرية، ونجد عليها كذلك دروساً كثيرة في البرمجيات وتطوير الويب.
تعدّ منصّات «الموك» وسيلة غنية لكثيرٍ من الشباب في إفريقيا، حيث تعتبر نوعاً من دمقرطة المعرفة، تمكنهم من تجاوز كثيرٍ من المشكلات المتعلقة بالولوج في سلك التعليم العالي، ورفع قيمتهم التشغيلية، والمبادرة في إنشاء المقاولات الخاصّة.
آفاق الإنتاج المهنيّ والمقاولاتيّ لتكنولوجيا المعلومات والتواصل في إفريقيا:
1 – المقاولاتية (11) والريادة عن طريق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إفريقيا:
تحتوي إفريقيا على أكثر الفئات الشابة في العالم، حيث يبلغ عدد أفراد الفئات العمرية ما بين 15-24 عاماً (200) مليون فرد، أيّ ما يشكّل 20% من مجموع السكان، و 40% من الأفراد البالغين سنّ العمل، ومع ذلك تشكّل هذه الفئة أيضاً 60% من السكان العاطلين!
وتعدّ مشكلة بطالة الشباب عويصة في إفريقيا أكثر من بقية الأماكن في العالم، وذلك لأنّ تباطئ نمو الاقتصاد في تلك المنطقة لا يشجّع على خلق فرص عملٍ كافيةٍ لعدد الخريجين الذين يصلون سوق العمل سنويّاً، ففي كلّ سنةٍ يلج سوق العمل ما بين 7 إلى 10 ملايين فرد؛ برغم أنّ السوق لا ينمو بالسرعة التي يستطيع بها استيعابهم، يشير ملخص بعض الدراسات إلى أنّ 10% فقط من هذا العدد هم الذين يجدون شغلاً كفؤاً لهم، والكثير منهم لا يزالون يعانون من البطالة أو يحاولون العمل في مجالاتٍ أخرى لا يحملون التجربة الكافية للخوض فيها، يزاد على ذلك أنّ الأجور في بعض البلدان منخفضة للغاية.
وفي كلّ سنة تزداد أعداد حاملي الشهادات الذين يدخلون سوق العمل ولا يجدون شغلاً، حيث نما هذا العدد ثلاثة أضعاف تقريباً بين عامي 1999م – 2009م، من 1.6 مليون إلى 4.9 ملايين شخص، ويتوقّع أن ينمو هذا العدد للضعف في 2020م؛ أي أنه سيصل إلى 9.6 ملايين شاب.
أمام هذا الوضع الذي تعجز فيه الدول والحكومات الإفريقية عن توفير العمل للشباب، وخصوصاً أنّ العمل في القطاع العموميّ محدّد رقميّاً، لم يبق أمام الشباب إلا الخيار المقاولاتي، هذا الخيار الذي يعوِّل فيه الشاب على نفسه وعلى قدراته الإبداعية لخلق فكرة مشروع يتسم بالواقعية والريادة.
هذا، وقد تزايد مؤخراً اهتمام الباحثين بمجال المقاولة وإنشاء المؤسسات في إفريقيا، وهذا نظراً للأهمية المتنامية التي تدرّها على اقتصاديات البلدان في مختلف الجوانب، ونظراً لما يوفره المقاولون والمؤسسات الجديدة (PME) من مناصب عمل، ولكن الحقيقة أنّ نسبة الشباب الذين ينحون هذا المنحى ضئيلة جدّاً، لإصرار الغالب منهم على العمل في المجال الذي يحملون الشهادة فيه؛ برغم أنّ الغالب من هذه المجالات ذات صبغة أدبية، وذات طبيعة لا توفّر الكثير من المناصب في المؤسسات الخصوصية.
ولحلّ هذه المشكلة؛ لا بد أن تعمل الدول والمؤسسات التربوية والتعليمية على غرس الروح والثقافة المقاولاتية بين الشباب، والثقافة المقاولاتية هي: مجمل المهارات والمعلومات المكتسبة من فرد أو مجموعة من الأفراد ومحاولة استغلالها، وذلك بتطبيقها في الاستثمار في رؤوس الأموال بإيجاد أفكار مبتكرة.
لا شك بأنّ إفريقيا تعيش في الوقت الحاضر تحولاً رقميّاً في كلّ المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ناتجٌ عن تطوّر المشاريع الصغيرة المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (Startup)، ويأتي في صدارة هذه الدينامية الرقمية والتكنولوجية ثلاث دول؛ هي: جنوب إفريقيا، ونيجيريا، وكينيا.
وقد مكّن هذا التطور الكبير للستارت أب Startup إلى زيادة عدد المليونيرات، ففي 2013م نشرت الصحيفة الأمريكية فورب قائمة بـ 10 مليونيرات أفارقة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أولهم الشاب أباسيما إداريسيت Abasiama Idaresit من نيجيريا، المؤسس والمدير التنفيذي لولد فيوزيونWild Fusion، وهي الشركة المتخصّصة في التسويق الرقمي، وتصل إيراداتها إلى 6 ملايين دولار.
2 – نماذج ناجحة من المشاريع والتطبيقات ذات الصبغة التكنولوجية في إفريقيا:
في مجال المؤسسات الصغيرة المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (Startup)؛ قامت مجموعة كبيرة من الشباب في إفريقيا بمبادرات كبيرة في اختراع تطبيقات من أجل المشاركة في تسهيل الحياة اليومية للمواطنين، وذلك في كلّ المجالات: الزراعية، والبيئية، والاجتماعية.. وغيرها.
ونجد من أهمّ هذه التطبيقات:
– تطبيق فيرمير لين (FermerLine) في خدمة المزارعين:
في غانا، وفي غيرها من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، تشكّل المشكلات المتعلقة بالاتصالات، بالإضافة إلى سوء حالة الطرق، عوائق كبيرة في الوصول إلى المعلومات للقطاع الزراعيّ، وخصوصاً لدى صغار المزارعين، ما يجعل إدارة القطاع الزراعيّ صعبة، ويؤدي إلى خسائر كبيرة في المحاصيل الزراعية.
وللحدّ من هذا العائق؛ قام الشابان ألويسويس أتاه و ايمنويل Alloysius Attah et Emmanuel Addai باختراع: فارمر لاين FarmerLine، وهو تطبيقٌ يهدف إلى تبادل المعلومات بين صغار المزارعين، ودعمهم في تدبير إنتاجاتهم، من خلال التطبيق يتلقى المزارعون رسائل نصية قصيرة، تحتوي على معلومات عن حالات الطقس، وأسعار السوق، والسياسات الزراعية، والمشورات الفنية الحديثة لتحسين المستوى الأدائي والكفائي للعملية الزراعية.
كما يتيح FarmerLine للتنسيقيات الزراعية (coopératives agricoles) إجراء تحقيقات وإحصاءات من أجل توفير أفضل التوصيات لأصحاب المزارع الصغيرة، ويُمَكِّن التطبيق أيضاً أيّ مزارعٍ من تسجيل رسالة صوتية في بعض اللغات المحلية (12 لغة محلية)، وذلك ليستطيع المزارعون الأميون الاستفادة من الخدمة.
على المدى البعيد؛ يهدف هذا التطبيق إلى تعزيز الازدهار الاقتصاديّ وزيادة الإنتاج الزراعي؛ لأنّ القطاع الزراعيّ يمثل نحو 30٪ من الناتج المحليّ الإجمالي في غانا، وأكثر من 50٪ من فرص العمل.
– مشروع كيلاسي Qelasy، تطبيق رقمي في خدمة التعليم:
وضع الشاب تييري اندوفو (Thierry N’Doufou) مشروع كيلاسي Qelasy، ويتكوّن من ثلاث لوحات إلكترونية (Tablette) تعليمية مقاوِمة للظروف الجوية في القارة الإفريقية: حرارة عالية (تصل إلى 55 درجة)، والغبار، وهي مُقاوِمة حتى للمطر، يستفيد من هذا المشروع التلاميذ والطلبة من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية، وتشتمل هذه اللوحات الإلكترونية على: مجموعة كتب دراسية، وتطبيقات، وأشرطة فيديو، وتمارين تدريبية، وباختصار تشتمل على جميع العناصر الأساسية للنجاح الدراسي.
وبخصوص المعلمين؛ يسمح لهم مشروع Qelasy بإعداد الدروس والتمارين التدريبية، وتوزيعها على لوحات طلابهم، وبهذا يستطيع الطلاب مواصلة تعليمهم في المنزل من خلال التعلم عن بُعد، وهذا الإعداد القَبْلي للدروس يمنع إهدار الوقت، فلا حاجة لإملاء الدروس على الطلبة في الفصول الدراسية.
– تطبيق M-Pedigree لمكافحة الأدوية المزيفة:
تقود مشكلة غلاء الأدوية ملايين الأشخاص في إفريقيا إلى استخدام أدوية مغشوشة ذات خطورة على حياتهم الصحية، ما قاد الشاب الغاني Bright Simons لوضع تطبيقٍ إلكتروني، يهدف إلى استخدامٍ تكنولوجيٍّ للتمييز بين الأدوية الجيدة والأدوية المزيفة، حيث يقوم المستخدم بإرسال أرقام (12 رقماً)، يجدها مكتوبة على علب الدواء عبر التطبيق عن طريق الهواتف الذكية؛ ليتلقى الجواب على الفور: إيجابي (نعم) أو سلبي (لا)، ويُمكّن التطبيق المستخدمين كذلك من فحص صحّة أيّ دواءٍ عبر موقع Goldkeys.
ولا يتعلق هذا التطبيق بالأدوية فقط، بل تعدى ذلك إلى مجالات أخرى، كمستحضرات التجميل، وأغذية الأطفال، والبذور الزراعية، والعقاقير البيطرية، أو الكيماويات الزراعية.. وغيرها.
وبخصوص الشركات: فهي كثيرة لا يمكن حصرها، ونكتفي هنا بأهمّها:
– شركة وايلد فيوزن (Wild Fusion): أسسها الشاب أباسيما إداريسيت Abasiama Idaresit من نيجيريا، عام 2010م، وهي شركة رائدة في مجال وكالات التسويق الرقمي في إفريقيا، وموجودة في نيجيريا وغانا وكينيا، وسجلت الشركة إيرادات قدرها 6 ملايين دولار $ في عام 2012م.
– شركة ووت تهيم (woothemes): للشاب أدي بيينار (Adii Pienaar) من جنوب إفريقيا، وهي متخصّصة في إنتاج قوالب المواقع، والبرامج المساعدة، والإضافات البرمجية المتعلقة لمواقع ومنصات وورد بريس وتيمبلير، وهي تحقق عوائد تزيد على 3 ملايين دولار سنويّاً.
– شركة أفريكا أون لاين (Africa Online): أسسها الشاب أيسي ماكاتياني (Ayisi Makatiani) ، وهي شركة رائدة في تقديم خدمات الإنترنت في القارة؛ منذ عام 1994م.
خاتمة:
أمام القوة الشبابية الإفريقية الضخمة، وأمام التحدي الكبير في تلبية حاجات هذا الشباب الاجتماعية والاقتصادية، يصبح الاستثمار، سواء من قِبل الحكومات، أو الشركاء الداعمين لها أو المتبرعين، في مجال المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع المواهب الشابة في مجال تكنولوجيا المعلومات والتواصل، جزءاً من الحلول القادرة على انتشال الشباب من مستنقعات الفقر والأميّة والبطالة والهشاشة الاقتصادية، ليكونوا فاعلين اجتماعيين، ومساهمين في تنمية أوطانهم، وتأمين غدٍ أفضل لشعوب القارة الإفريقية.
الهوامش الإحالات
(*) باحث دكتوراه في القانون العام ، جامعة ليل بفرنسا.
(1) http://www.itu.int/net/pressoffice/press_releases/2014/68-fr.aspx#.WDLp0rLhDIU
(2) http://royal.pingdom.com/2012/04/19/world-internet-population-has-doubled-in-the-last-5-years/
(3) منطقة (آسيا – المحيط الهادئ): هي جزء من العالم يقع غرب المحيط الهادئ، وتختلف في الحجم حسب السياق الذي يعتبر ضمنها، ولكن بشكل أساسي: تشمل معظم شرق آسيا، جنوب آسيا، جنوب شرق آسيا، وأوقيانوسيا.
(4) KUHLEN R., 1997. «Les effets de la valeur ajoutée des marchés d’information» in: La société informationnelle, Paris : L’Harmattan, p. 177.
(5) http://www.afrik.com/article20533.html
(6) تتواجد هواوي بقوة في افريقيا من خلال 24 مكتباً في جميع أنحاء القارة، بالإضافة إلى وجودها في جميع الدول الأعضاء الـ 54، كما تساهم في توفير فرص عمل لأكثر من 7 آلاف شخص، 70% من القوى العاملة من العمالة المحلية.
(7) http://www.jeuneafrique.com/263587/societe/facebook-limmense-majorite-utilisateurs-africains-privilegie-mobile/
(8) http://www.un.org/fr/africarenewal/vol25no2-3/africa-wired.html
(9) 24-26 مايو 2016م.
(10) مؤسسة شبكة ريز التعليمية:
http://www.scidev.net/mena/education/scidev-net-at-large/ELearning-Africa-development-pillar.html
(11) المقاولاتية: مصطلح جديد نسبياً في عالمنا الإسلامي، بعيداً عن الخوض في التوجهات المتعددة للمقاولاتية؛ يمكن تعريف المقاول: بأنه هو الشخص الذي يحرّض خياله وشعوره في الحاجة المجتمعية، ليبدع أفكاراً تقوده لأخذ زمام المبادرة بالبحث عن حلٍّ جديدٍ لتلبية حاجةٍ ما في المجتمع بشكلٍ مبسط، خصوصية هذا النوع من المشروع تتسم في عنصر الإبداع والاختراع والثقة في النفس وتحمّل المخاطر.