دراسة الشخصية تُعَدّ مدخلاً مهمّاً لفهم تاريخ الإنسان وحراكه وحضاراته، ومؤشّراً لتوقّعات مستقبله، كما تُعَدّ أساس التخطيط المنهجي والعلمي لحياته في شتّى المجالات، كالتخطيط التربوي، والاستراتيجيات العامة والخاصة في القيادة والإدارة، وفنّ التفاوض، وفي التوجيه المعنوي والخطاب التعبوي.. السياسي والدعوي والإعلامي والعسكري.
برز الاهتمام بدراسة الشخصيّة Character وتحليلها قديماً منذ عهد اليونانيّين، وتطوّرت حتى أصبحت محوراً رئيساً لمجموعة من البحوث والدراسات النظرية والتطبيقية في عدد من الحقول المعرفية، كعلم الاجتماع، والتاريخ، وغيرهما.
وتبلور علم نفس الشخصية، مرتبطاً بفروع علم النفس المختلفة، ثم أصبح مادة مستقلـة, تهتم بالجوانب المختلفة للشخصية وكيفية نموّها, والعوامل المؤثرة فيها, وكيفية قياسها, والنظريات المختلفة التي وُضعت لدراستها وتفسيرها.
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة برزت اتجاهات حداثية – لا تزال موضع جدال ــ ذات منحى برمجي للشخصية وديناميكيتها، كالهندسة النفسية والعصبية اللغوية NLP، وبوصلة الشخصية The Personality Compass التي ترجع إلى فكرة السوائل الأربعة عند أبوقراطHippocrates ، ويرى دعاتها أنها طرائق مبتكرة لمعرفة أسرار النفس البشرية، وأساليب التعامل معها، وديناميكية الشخصية، وديناميكية الجماعة وتماسكها، ومن أحدث ما اتجهت الأبحاث إلى تطويره علم الفيرنولوجيا (أي علم العقل)، وهو محاولة لفهم الشخصية في ضوء قياس حجم مراكز الدماغ.
ومن الدراسات ما اتجه إلى إبراز سمات شخصيات بعض الأمم والشعوب وخصائصها، كالشخصية الإفريقية موضوع هذا المقال، وقد قام James E. Lassier بدراسة مسحية وتقويمية(1) لكتابات عدد من العلماء الأفارقة التي صدر كثير منها في أواخر الخمسينيات وفي الستينيات من القرن الماضي، وتناولت الشخصية الإفريقية وأنماطها، وقدّمت اقتراحات لإعادة دراسة الخصائص الاجتماعية والثقافية والنفسية للشخصية الإفريقية، والاستفادة من المعرفة الحاصلة في حلّ مشكلات القارة.
ويؤكد أهمية دراسة الشخصية الإفريقية ما تعرضت له على يد الاحتلال الغربي من تشويه متعمد لتاريخها، وتدمير لطاقاتها وقدراتها، وتعطيل لمسيرتها الحضارية الإسلامية، فهي في حاجة إلى إعادة استكشاف ذاتها، واستعادة ثقتها بنفسها، واستنهاض همّتها لاستئناف دورها الريادي.
وذلك يعني دراسة ما قدّمته من إنجازات تاريخية وحضارية، وتشخيص واقعها اليوم، فالشخصية الإفريقية لها تاريخ حضاري عريق، ولها حاضر هو نتاج تفاعلها بما حولها، ولا يمكن وضع مقاربة سليمة لتوقّعات مستقبلها دون تحليل شخصيتها ودراستها، وإقصاء ما كان سالباً في بنائها، ومعالجة آثاره، وانتقاء ما كان إيجابياً والإبقاء عليه وتطويره.
في هذا السياق يأتي هذا المقال بهدف تقديم رؤية منصفة للشخصية الإفريقية، وبخاصة شخصيتها العامة: طبيعتها ومورِّثاتها وخصائصها وسماتها، عبر قراءة منهجية واستقراء لأهم العوامل وما له صلة من الظواهر بحياتها وسلوكها العملي وخبراتها المتراكمة عبر سياقات الزمن، ووصفها وتحليلها ودراستها، وصولاً إلى أبلغ أنواع التواصل معها؛ لاستنهاض أمّةٍ عَمِلَ الاحتلالُ الغربي الحديث على سلب إرادتها، وإقصائها تاريخياً وحضارياً وإنسانياً.
الشخصية: المصطلح والمفاهيم:
يتعدّد مفهوم الشخصية لاختلاف العلوم، وهذا ما يدعو للأخذ بأكثر من منهج، وأكثر من مدخل، وعبر جملة من التعريفات، وبخاصة الاصطلاحية لأهميتها في البحث العلمي.
أهمية دراسة المصطلح:
تكمن أهميته في تضمّنه معرفة كليّة بشأن مدلوله، يعتمد إدراكها على تحليله ودراسته من حيث مصدره واشتقاقه وتطوّره، كما يُعَدّ تكوين المفاهيم من أهم قضايا البحث العلمي، لذا نبدأ بمفهوم الشخصية ودلالاتها المعجمية في أهم اللغات، والاصطلاحية في أهم الحقول المعرفية.
مفهوم الشخصية:
أولاً: الدلالة المعجمية:
أ – في اللغة العربية:
مادة (ش خ ص): «الشخص: جماعة شخص الإنسان، وسواد الإنسان وغيره تراه من بعيد، وكلّ شيء رأيت جسمانه فقد رأيت شخصه، والشخص كلّ جسم له ارتفاع وظهور، ورجل شخيص إذا كان سيّداً»(2)، فيقال: «… الرجل الشخيص أي السيّد عظيم الخلق، وتشخيص الشيء تعيينه»(3).
نخلص مما تقدّم إلى أن مفهوم الشخصية يدل على مكانة الفرد في المجتمع وفق معيارين أساسيين: معيار مادي يتمثل في المظهر الجسدي، ومعيار معنوي يتمثل في السيادة التي تعني الأخلاق والعلم والحسب والدين.
ب – في اللغتين الفرنسية والإنجليزية:
كلمة «الشخصية(personality) (personalité) مشتقة من الأصل اللاتيني (persona)، وتعني القناع الذي كان يلبسه الممثل في العصور القديمة، ثم شاعت في الدلالة على مظهر الشخص في وظائفه المختلفة على مسرح الحياة، وانتقلت لتدل على الدور نفسه، وفي منتصف القرن الثالث عشر الميلادي استُخدمت – كما جاء في الموسوعة الفلسفية – في الخصائص الجسمية والوجدانية والعقلية والنفسية التي تعيّن الفرد وتميّزه عن غيره»(4).
ويلاحظ مما تقدّم اتفاق الدلالة المعجمية لمفهوم الشخصية في هذه اللغات.
ثانياً: الشخصية في الاصطلاح:
يدل مفهومها في علم الاجتماع على «التكامل النفسي الاجتماعي للسلوك عند الكائن الإنساني الذي تُعبّر عنه العادات والاتجاهات والآراء، فعند غورون ألبورت هو: التنظيم الديناميكي للأنظمة السيكوفيزيولوجية التي تحدّد تكيّف الفرد مع محيطه، وعند جوزيف نوثان: يمثّل بناءً نظرياً أو نموذجاً علمياً يبنيه العالم… انطلاقاً من السلوكات الملاحظة والعلاقات المعاينة.
وفي علم النفس تجسده محدّدات دراسة طبيعة الشخصية ونموّها وتقييمها، ففي الصحة النفسية هي: «توافق الفرد مع ذاته ومع غيره»، وعند السلوكيين… هي «مجموعة العادات السلوكية للفرد التي يمارسها في أوجه النشاط المختلفة»، فيحين «يرى علماء التحليل النفسي أن الشخصية قوة داخليّة تُوجّه الفرد في كلّ تصرفاته»(5).
وأما في الفلسفة، فيركز «ديكارت» على التفكير النظري محدّداً رئيساً لفهم الشخصية، بينما يبني «كانت» تصوّره لمفهوم الشخص على أساس الوعي الأخلاقي، أما «سارتر» فالمحدّد عنده ما ينجزه الإنسان من أفعال في أثناء وجوده التاريخي والفعلي، كما يرتبط المفهوم عند «برجسون» بعنصري التغير والزمن؛ فالشخصية عبارة عن «تعاقب مستمر لمجموعة من الحالات النفسية»(6).
ويقدّم الإسلام مفهوماً أكثر دقة وعمقاً وشمولاً، يرتكز إلى فطرة الإنسان، وتتوافق فيه جميع مكوناته، فالمسلم هو الشخص الذي «ينضبط تفكيره وميوله بالعقيدة الإسلامية… فهذا المفهوم يتضمن مجموعة الصفات الاعتقادية والروحية والأخلاقية والاجتماعية والإرادية والعقلية وغيرها، وذلك حسب تصوّر الإسلام لهذه الجوانب»(7).
نخلص من جملة المفهومات السابقة إلى أن الشخصية: تكامل نفسي واجتماعي، يجسّده سلوك الإنسان الذي تحكمه قيمه وعاداته وتقاليده، ويُبرز مدى توافقه مع ذاته ومع غيره، وهو يرتبط بالتغيّر والزمن في وجوده التاريخي.
والشخصية نوعان: عامة، ووظيفية، «فالمجتمع يبلور شخصية أساسية مشتركة بين جميع أفراد المجتمع، وشخصية وظيفية مرتبطة بالأوضاع والوظائف التي يؤديها الفرد داخل المجتمع.
ويُلاحظ أنه بقدر ما يكون المجتمع منغلقاً ومتخلّفاً تذوب شخصية الأفراد في الشخصية الأساسية العامة للمجتمع، في حين تطغى السلوكات ذات النزعة الفردية في المجتمعات المتطورة والمنفتحة»(8).
الشخصية: عوامل البناء، وأبرز المكونات والخصائص والسمات:
تتعدد المكوّنات، وتختلف العوامل ما بين فطري داخلي، وبيئي خارجي، وبحسب وضعيتها وتعارضها أو توافقها من بيئة لأخرى تتأثر المكوّنات، وتبرز خصائص الشخصية وسماتها من حيث التماسك أو التفكك، والقوة أو الضعف، والانسجام أو التمزق.. إلخ، فكلما توافقت مع معيار الفطرة السليمة أسهم ذلك في قوة بناء الشخصية وتماسكها واستقامتها.
وأطلق ألبورت على العوامل المؤثّرة في سلوك الفرد: المورّثات والظواهر Genotypes andPhenotypes، وأن «المورّثات هي قوى داخلية تتحكم بعملية احتفاظ الشخص بالمعلومات وكيف يسترجعها عندما يريد التفاعل مع المحيط الخارجي، أما الظواهر فهي القوى الخارجية التي تشكّل الطريقة التي يتقبل بها الفرد البيئة التي يعيش فيها، وكيف يؤثّر الآخرون في سلوكه… وهي الأساس في خلق وبناء السمات الشخصية للأفراد»(9).
وتتم عملية بناء الشخصية «خلال فترات زمنية عن طريق وسائل الاتصال وتوريث الخبرات والتقاليد، فالمجتمع – كما يرى جي روشي Guy Rocher – يقوم ببناء الشخصية عن طريق التنشئة الاجتماعية، وذلك بواسطة مؤسسات اجتماعية تقوم بتكييف الفرد مع النظم الاجتماعية والقيم الأخلاقية المقبولة»(10)
وتتشكل الشخصية العامة للمجتمع من خلال النمطية المعبّرة عنه بالتوافق في المعارف والمعتقدات والقوانين والتقاليد والأخلاق، يقول مايرز بركز: «ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ تعبّر ﻋﻦ ﺳﻠﻮﻙ واحد ﻣﺸﺘﺮﻙ تجده عند جميع ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍلمجتمع ﺍﻟﻮﺍﺣد، ﺣﻴث ﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ إزاء مواقف معينة بطريقة نمطية قطعية، بغض النظر ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺮﻭﻕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ»(11)، إلا أن المجتمعات البسيطة اليوم – ومنها إفريقيا – لم تعد ثقافاتها التي تجسّد هوياتها وتميّز شخصياتها خالصة، وبعضها مهدّد بالتلاشي بسبب قوة الاختراق الذي ساعد عليه تطوّر تقنيات الاتصال، ووسائط المعرفة المتعدّدة، ونشر العولمة وبخاصة الثقافية منها؛ فشخصية كلّ مجتمع من المجتمعات المعاصرة هي خليط من التقاليد المتوارثة، ومن التمازج مع ثقافات الشعوب الأخرى.
وبالنسبة للمكونات الرئيسة للشخصية فأهمها بإيجاز: النواحي الجسمية والعقلية والمزاجية والخلقية.
الشخصية الإفريقية: عوامل التكوين، وأبرز الخصائص والسمات:
تعدّدت العوامل التي أثّرت سلباً أو إيجاباً في بناء الشخصية الإفريقية، كالأديان السماوية، والوثنيات المحلية، والبيئة بعناصرها الطبيعية والجغرافية، والتأثيرات الوافدة قديماً وحديثاً بسبب الهجرات والحملات وغيرها، وقد تلاشت تأثيرات بعض هذه العوامل، واكتسب الآخر عمقاً وثباتاً في الشخصية الإفريقية؛ كالإسلام الذي أصبح هوية للقارة، وشكّل معلماً حضارياً مشتركاً لمعظم شعوبها.
وفيما يلي أهم عوامل التكوين وأبرز الخصائص والسمات في الشخصية الإفريقية:
فطرية الإنسان الإفريقي:
تُعَدّ أهمّ المورثات الداخلية في التكوين النفسي والعقلي للشخصية، وفي توجيه سلوكها، واستجاباتها للعوامل الخارجية، وبخاصة الأديان ومعتقداتها وقيمها، وتتجلى فطرية الشخصية الإفريقية في قناعتها الإيمانية، وسمة التدين الغالبة عليها، والتي تجسّد رؤية وجودية شاملة، وأسلوب حياة متكامل يرتبط بمكوّنات الفرد جسماً وعقلاً وروحاً، وبكيانه الاجتماعي في جوانبه المختلفة وقيمه الأخلاقية، «إن الدين عميق، يتخلل كلّ مجالات حياتهم التي لا يمكن تمييزها عن جوانب حياة غير المتدينين، في الحياة التقليدية الإفريقية لا يوجد ملحدون»Historical evidence indicates that many colonial administrators in their dispatches to their colonial metropolis used to refer to Africans as ‘this incurably religious people.'(12). Assertions about the religiosity of the African people have led some scholars to maintain that there is a connection between religion and morality in African ethics.
العقل الإفريقي وخصائصه:
He believes that “in the same way reference is made to the Greek or Roman civilization, it must be quite appropriate and legitimate to refer to a particular strand of mind that is quite peculir to Africa and which shapes the prevailing conditions or permits itself to adapt to those conditions. … (T)here is a distinctive feature about the African mind which seems to support the claim that the mind in black Africa may not necessarily operate in the same strict pattern as minds elsewhere in the world …. (I)t is the way our mind functions and operates under certain conditions that we are able to arrogate to ourselves a peculiar status, social identification and geographical label ” (1997:51-55, emphases mine).خلافاً لما يصمه بعض الناس بأنه عقل خامل ومحدود القدرات، بسبب التأثير السلبي على جهازه العصبي بسبب الصعوبات المناخية والطبيعية للقارة، All the scholars surveyed believe there are categories and processes of thought that are unique to Africa.يؤكّد بعض الباحثين «أن هناك فئات وعمليات للتفكير تنفرد بها إفريقيا؛ African scholars also believe that the African way of organizing and cognitively engaging the world derives from a strongly restrictive indigenous sociocultural milieu, and that this approach to social life and the broader world has been negatively effected by Western cultural influences.فالطريقة الإفريقية لإدراك تنظيم العالم مستمدة من بيئة مقيدة بشدة بخصوصيتها الاجتماعية والثقافية الأصلية»(13)، ويدل ما قدّمته من حضارات، ونظم حياتية، وصناعات متعددة، وابتكارات في شتّى المجالات، على تمتّعها بقدرات ذهنية وطاقات إبداعية عالية.
اللغات والثقافات القديمة:
اللغة من «أرقى ما لدى الإنسان من مصادر القوة والتفرد»(14)، لدلالتها المباشرة على وعيه بذاته، وارتباطها بعمليات التفكير والقدرة على التعبير واكتساب العلم والمعرفة، وهيمن أهمّ عوامل بناء الشخصية وتكوينها النفسي والعقلي وأهمّ أدوات تواصلها وحضورها الفاعل في أنشطة الحياة المختلفة، وتُعَدّ أساس الحضارة، ومن أهمّ مكوّنات هويّة الأمّة ووسائل حفظ ذاكرتها التاريخية.
وفي إفريقيا أكثر من 2000 لغة، حملت معطيات ثقافتها الزنجية على اختلافها قديماً، وأبرزت تمازجها مع الثقافات والحضارات الأخرى، فهي «تمثّل ﺣﺎﻟﺔ فريدة ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕﺍﻟﺤﻴﺔ المتداولة ﺍﻟﻴﻮﻡ في تنوّعها ﻭﻋﻤﻘﻬﺎ ﻭقِدَمها… وتعبّر ﻋﻦ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺎﺕ الإفريقية ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ»(15)، كما يُعَدّ قِدَم تاريخ الكتابة واللغات دليلاً على رقي الشخصية الإفريقية، فقد ارتبطت أقدم لغاتها: الهيروغلوفية والمروية(16) باثنتين من أقدم الحضارات، هما الفرعونية في مصر والمروية في السودان.
كانت العربية ضمن مكوّنات الشخصية الإفريقية قديماً بأبعادها النفسية والعقلية والاجتماعية، وشكّلت عامل تقارب وتطوّر لغوي، وتواصل حضاري مع شعوب المنطقة العربية، بل إن بعض لغات شرق إفريقيا تُرَد إلى جنوب الجزيرة العربية.
الأعراق والأجناس:
تضم إفريقيا أطيافاً من الكيانات القبلية والعرقية، أثرى كلٌّ منها شخصيتها بعادات متمايزة وفريدة، ومن أبرز الأجناس التي يضم كلٌّ منها أعداداً كبيرة من الأنواع: الجنس الزنجي، والجنس الأوروبي الكبير، والأجناس المختلطة، وقد أفرز التعدّد القبلي والعرقي تعدّداً إثنياً، تميّزت فيه الإثنية بجملة خصائص، أهمها:
– أنها وراثية غير مكتسبة، تقوم على أساس الوعي بالذات.
– الإيمان الجمعي في كلّ إثنية بمجموعة من القيم والمعتقدات التي يتم التعبير عنها بشكل مؤسّسي.
– التمايز الواضح داخل الجماعات الإثنية، وهو ما يزيد من تعقيد ظاهرة التعدّدية الإثنية فيها، ويسوِّغ صراعاتها.
– قدرتها على التلاؤم مع المواقف والسياسات المتنوعة والمعقدة لما تنطوي عليه من ولاءات فرعية متعددة(17).
مثّلت هذه المكونات عوامل البيئة الداخلية للشخصية الإفريقية، تفاعلت فيما بينها وتأثرّت سلباً وإيجاباً بعوامل البيئة الخارجية؛ من هجرات، وأديان، واحتلال، وفتوحات، ولغات وثقافات وحضارات وافدة.
المكوّنات الخارجية للشخصية الإفريقية:
البيئة والشخصية الإفريقية:
البيئة الإفريقية تُعَدّ مسرحاً لحراك الإفريقي ونشاطه، ورجع بصره وأفق تفكيره، ومصدراً رئيساً لتنمية وجدانه وشعوره، وتكوين عقله ومكتسباته، واتجاهاته وميوله، وعاداته وتقاليده، ومجالاً لصقل خبراته وتجاربه ومهاراته، زوّدته بالوسائل والأساليب المناسبة لحياته.
عليه؛ فقد انعكست على الشخصية الحضارية للقارة الإفريقية تأثيرات عناصرها الطبيعية ومكوّناتها الإيكولوجية، وموقعها الذي ساعدها على التواصل مع شعوب الأمم وحضاراتها قديمها وحديثها، وأكسبها العديد من تجاربها وخبراتها، كما ساعدت أقاليمها المختلفة على تماسك النسيج الاجتماعي للشخصية الإفريقية، حيث شكّلت بيئات قبلية وعشائرية وثقافية ودينية، وأكسبتها من المرونة ما يتيح التداخل الاجتماعي والثقافي، وتبادل المصالح والمنافع والخبرات، الأمر الذي أوجد جملة من الخصائص المشتركة للشخصية الإفريقية.
الشخصية الإفريقية في تاريخها القديم:
لفترة خلت ظلّ الغرب ينظر إلى إفريقيا بوصفها شخصية بلا تاريخ، إلا أنه، ولقوة ما توفّر من أدلة وشواهد على الحضور التاريخي والحضاري لإفريقيا، نما مؤخّراً اتجاه علمي لردّ اعتبارها، والاعتراف بشخصيتها التاريخية العريقة، وبخاصة وسط شرق إفريقيا، وربما رجّح بعض الباحثين أنها أقدم مواطن الإنسان وحضاراته، وقد «شهدت إحدى أوائل الثورات التكنولوجية في العالم، ثورة العصر الحجري الحديث»(18).
هذا، وقد صنَّفت بعض المدارس تحليلات التاريخ الإفريقي القديم إلى عدة حضارات، كحضارة المدن، عند «… يوروبا Youruba، والأشانتي Asante، وحضارة الداهومي»(19).
كما كشفت مصادر الكتابة الصحراوية الجنوبية (فاي، بانوم، عجمى)، وشواهد علم الآثار، عن كثير من المعالم التاريخية للشخصية الإفريقية، ومعايير حضاراتها، ويدلّ كثير من النماذج المكتشفة على وجود شخصية متماسكة، وأنه كان ثمة ترابط وثيق بين شعوب قبل الإسلام (ساو) في حوض التشاد، وبين المجالات الثقافية الممتدة حتى النيل والصحراء الليبية، وتضامن تاريخي قاري بين وادي النيل والسودان حتى الغابة الغينية، وبين وادي النيل نفسه وإفريقيا.
وإن قِدَم تاريخ الكتابة واللغات دليل على الوعي المبكّر والرقي في الشخصية الإفريقية، وسبقها الحضاري الذي أثّر بدرجات متفاوتة في أساليب الشعور والتفكير والتخيّل والعمل لدى عدد من البلاد في نصف الكرة الغربي، «فمن جنوب الولايات المتحدة حتى شمال البرازيل، مروراً بمنطقة الكاريبي، وعلى ساحل المحيط الهادئ، تبدو الآثار الثقافية المنقولة عن إفريقيا واضحة في كلّ مكان، بل إنها في بعض الحالات هي الأسس الجوهرية للذاتية الثقافية لدى عدد من أهم القطاعات بين السكان»(20).
ويتجلّى كثير من القيم الحضارية القديمة للشخصية الإفريقية من خلال:
أ – مفهوم الحصافة:
هو شكل موحّد للمعرفة، ونظام للفكر يقوم على الحكمة، وتقاليد الناس، ومبادئ الحياة الجماعية لدى الشعوب الإفريقية المستمدة من الأساطير والأمثال، وتوافق الآراء الطائفية، وهي تعني حسن الخلق في الشخصية الإفريقية، وتجسّد «جوهر الافتراضات الأخلاقية»Assertions about the religiosity of the African people have led some scholars to maintain that there is a connection between religion and morality in African ethics.(21).
ب – مؤسسة الجيرونتوقراطية (فلسفة الحكم والسياسة):
من أقدم مؤسّسات الحكم في التاريخ السياسي للبشرية، وتُعَدّ إرثاً تاريخياً للسلوك الحضاري للشخصية الإفريقية؛ فقد عكست مضامين الجيرونتوقراطية الفكر الفلسفي السياسي للشخصية الإفريقية المستمد من موروثها القبلي والديني وقيمها الاجتماعية آنذاك، أسّست لمفاهيم الحكم المباشر، وقدّمت مفاهيم فلسفية وقواعد سياسية عامة مشتركة في القارة كلّها، وأثبتت نجاحاً في تقديم نموذج لكيفية صياغة الفكر السياسي في ظلّ التنوع البيئي والجغرافي والثقافي والبشري(22).
ج – الأسرة والقيم الاجتماعية والأخلاقية:
وحدة الأسرة لها أهميتها في عادات كلّ قبيلة في إفريقيا وتقاليدها، وهي مؤسسة للتكافل الاجتماعي يبرز من خلالها الكثير من القيم الاجتماعية والأخلاقية كالاتحاد، والذاتية، والصبر، والكرامة.
د – الفردية والجماعية:
يؤكد جون Mbiti أهمية الروح المجتمعية In traditional Africa, the individual does not and cannot exist alone except corporately.في إفريقيا التقليدية، فالفرد ليس وحده، ولا يمكن أن يوجد إلا على مستوى المؤسّسات، He owes existence to other people, including those of past generations and his contemporaries.وذمّته وجود لأشخاص آخرينWhatever happens to the individual is believed to happen to the whole group, and whatever happens to the whole group happens to the indiv…… The individual can only say: “I am because we are, and since we are, therefore I am. This is a cardinal point in the understanding of the African view of man” (JS Mbiti 1990; 106)ولا يمكن للفرد أن يقول: «أنا، لأننا ومنذ ذلك نحن…»(23).
تلك جملة من أبرز الخصائص والسمات التي ارتبطت بالمكوّنات الداخلية للشخصية الإفريقية التقليدية، اندثر بعضها، واستمرار ما بقي رهن بصلاحه.
الوثنية الإفريقية:
الوجه المظلم للشخصية الإفريقية، حالت دون سويتها الفطرية التي دل عليها الحديث القدسي: «وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم»(24)، وهي تعبير فاسد عن نزوع فطري إلى التألّه والتعبد، ودلالة على أَثَارة مشوّهة من علم سابق؛ إذ التوحيد أصل، والرسالة السماوية سابقة، وما عدا التوحيد من إلحاد ووثنية وشرك أمور طارئة وانحراف بشخصية الإنسان عن فطرتها.
ويلاحظ في الممارسات الوثنية تماثل لمبدأ موحّد، لا يمكن تفسيره إلا على أساس ديني وغيبي، فإنه لا توجد «مسألة أكثر غموضاً من مسألة تماثل وطبيعة ذلك المبدأ الموحّد الذي يكوّن الشخصية (أي person)، ونحن لا نستطيع أن نفسر هذه المسألة بواسطة حواسّنا فحسب، بل على العكس علينا اللجوء إلى الميتافيزيقية العميقة لكي نقدّم إجابة مقبولة»(25)، وإن أقرب ما يُفسّر به أنها انعكاس مشوّه للمعرفة الفطرية التوحيدية، فتقديس الأسلاف والطقوس الوثنية الإفريقية إن هي إلا ممارسات منحرفة لتلبية الحاجة الفطرية للعبادة حادت إلى الشرك عن جادة التوحيد، المبدأ الوجودي الذي قام عليه الخلق ابتداءً، ويمضي نحوه غاية: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات : 56).
إن سمة التدين في الشخصية الإفريقية أساسها الفطرة، ومردّها إلى ما سبق من عهد: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا…﴾ (الأعراف : 172)، إذ نلمس فيها إقراراً بالخالق المدبّر، وشعوراً بعالم الغيب، لكن تنكّب اعتقادها فيهما الوجهة السليمة، فأكبّت على وجه من الضلال في ممارساتها، وبدلاً من أن تقيم فكرة للوجود على أساس التوحيد أقامتها على فلسفة الأرواحية التقليدية، والوصل بين الأحياء والأموات في علاقة مبنيّة على الرهبة من غضب الأسلاف.
الإغريق والرومان في إفريقيا: الاحتلال القديم وجذور الاستعباد:
انتشر اليونانيون على شواطئ البحر المتوسط، وأقاموا في حوضه وحدة حضارية يونانية، شملت شواطئ شمال إفريقيا، وأكسبت شخصيتها بعض مظاهر الحضارة اليونانية، كالطابع المعماري اليوناني للمدن، مثل: كيريني 631 ق.م، ونقراطيس (نقراش) في مصر 332 ق.م، والإسكندرية، وامتد إلى آثار مملكة مروي بالسودان جنوباً.
اهتم الإغريق – لطبيعة احتلالهم الزراعية – بتطوير نُظُم الزراعة والريّ، وقاموا بالاستيلاء على الأراضي الخصبة، وطرد أهلها منها أو تسخيرهم في الزراعة.
وبالرغم من اكتساب بعض القبائل الليبية بعض عادات المحتلين، وأن اللغة اليونانية أصبحت لغة الدواوين والتجارة، فإن النظرة لأهل البلاد الأصليين كانت نظرة استعبادية، فليس لهم حق المشاركة السياسية، وهم خارج نطاق المواطنة، «فالإغريق لا يُدخلون في عداد مواطنيهم عناصر غير إغريقية»(26).
أعقب الرومانُ الإغريقَ، فاحتلوا شمال إفريقيا ومصر منذ 150 ق.م، ثم خضعت لهم ممالك البربر غرب إقليم تونس عام 200م، واهتموا بتطوير ما وجدوه من الأساليب الزراعية، فازدهرت الزراعة، وتضاعفت المدن، وازدانت بالأساليب المعمارية الرومانية، تشهد عليه آثار ما خلّفوه من هياكل وأسواق وقنوات.
إلا أن نظرتهم لإفريقيا – كسابقيهم – أنها مصدر للعبيد للعمل في مزارعهم في شمال إفريقيا، وقد أدخلوا الجمل في إفريقيا لمساعدتهم في نقل العبيد إليها.
سبق هذه الفترة دخول المسيحية مصر في سنة 100م، ثم انتشرت إلى النوبة وإثيوبيا جنوباً وغرباً، وبلغت مناطق البربر شمالاً(27)، واعتنقها المواطنون أملاً في التحرّر من الاستعباد.
الهجرات العربية إلى إفريقيا قبل الإسلام:
تُرَدُّ إلى ستة قرون قبل الميلاد، وتختلف مصادرها، ووجهتها، وأسبابها، فهناك هجرات من المعينيين والسبئيين والحميريين، والعموريين(28)، من جنوب الجزيرة، استقر بعضها في الجزر القريبة، كجزيرة دهلك والسواحل الآمنة، ووصل بعضها إلى ضفاف النيل، ومناطق النوبة في السودان والبجة في شرقه، نقل المُؤَرِّخ الأمريكي دونالد وايدنر في كتابه (إفريقيا جنوب الصحراء) أنه: «كان كثيرٌ من التُّجار والمهاجرين يَعْبُرون البحر الأحمر بصفةٍ مستمرةٍ مُتَّجهين إلى مُرتفعات الحبشة في الألف الأولى قبل ميلاد المسيح، ثمَّ انتقلت مملكة سبأ وأقامت في القرن الرابع الميلادي مملكة أكسوم»(29).
وانسابت من شمال الجزيرة هجرات عربية، «توغّل الصنهاجيون إلى أعماق الصحراء الكبرى قبل ظهور الإسلام بقرون عديدة»(30)، كما أقام الهكسوس من عرب فلسطين دولتهم في مصر بين عامي 1780 ق.م و 1560 ق.م، وجاء الأنباط الذين امتد وجودهم إلى شمال إفريقيا وبعض بطون خزاعة وقبائل نصرانية من الغساسنة(31)، كما أورد الحفناوي ما رواه ديودورس الصقلي عن «حملة أبرهة الحميري على السودان وبلاد المغرب، ثم حملة ابنه إفريقس على شمال إفريقيا»(32).
نتجت عن انصهار معظم المهاجرين العرب مع السكان المحليين شخصية إفريقية عربية في دمائها وسحنتها، وعاداتها وتقاليدها، ولغتها وثقافتها، فالحضارات: الفرعونية في مصر، ومملكة أكسوم المسيحية، وبعض الممالك الأخرى، تُرَدّ إلى الهجرات العربية القديمة، ويرى سترابو «أن البجة تكوّنوا نتيجة لمثل تلك الهجرات العربية»(33)، وقد كوّنت جماعات من الحضارمة «طبقة حاكمة خضع لها البجة… عرفوا عند العرب – الحداربة –»(34).
من الأمثلة لما مضى؛ نجد أنَّ شرق إفريقيا يزخر ببطون من قبائل اليمن، «منها قبيلة جعز، وبني حبيش، ومن قبائل وادعة بطون تُعرف بالحبش»، «ومنها أطلق الفرنجة تسمية الحبشة على إثيوبيا وإريتريا»، وقبائل بلي وقبيلة أمحر وهي القبائل الناطقة بالأمهرية، وقبيلة سِحر وهي من قبيلة الشِّحْر، وقبائل بني عامر، وقبائل الجالا وهم الأرومو (عنصر متوالد من تزاوج العنصر العربي بالعنصر الإفريقي)، وقبيلة جبرت، وعدي خبيري ومرعي، كما أن شعب الصومال يعود في أصوله العربية إلى اليمن»(35).
وتبرز بوضوح ما بين شعوب القرن الإفريقي الكثير من سمات الشخصية العربية الإفريقية المشتركة، «كما هو ملحوظ بين سكان جيبوتي وإريتريا والسودان، وبين إريتريا وإثيوبيا، وبين كينيا والسودان، وبين إثيوبيا وجيبوتي والصومال»(36)، كما «تشكّلت اللغة السواحلية، وهي مزيج من الإفريقية والعربية، وعمّت بلدان شرق إفريقيا… وبلدان القرن الإفريقي»(37)، وقد «أورد مؤلف تاريخ اللغات السامية جدولاً فيه مئات الكلمات العربية وما يقابلها من الكلمات الحبشية ولغات جنوب الجزيرة العربية، ما يدل على وحدة الأرومة وعلى أصالة عروبة معظم سكان الحبشة»(38).
هذا الامتزاج العربي الإفريقي القديم في معظم أنحاء القارة عزّزه الإسلام بعد انتشاره فيها.
الإسلام وإعادة صياغة الشخصية الإفريقية:
وجدت إفريقيا في الإسلام ما افتقدته من المعتقدات والمفهومات الصحيحة والممارسات السليمة فيما لديها من أرواحية ووثنية وكجور ونصرانية محرّفة، لذلك كانت قوة استجابتها له ورسوخه في حياتها، وأصبح الإسلام أعظم عامل في تكوينها النفسي والعقلي، والمرجعية الأولى لنظم حياتها وموجّهات سلوكها وتنظيم علاقاتها في شتّى المجالات، والسمة الرئيسة لشخصيتها، وأساس تشكيل هويتها وخصوصيتها، فكانت قوة اعتزازها بالانتماء إليه، والتزامها بقيمه الحضاريَّة والثَّقافيَّة ولغته العربية.
تنوّعت المؤثرات الإسلامية في تنمية الشخصية الإفريقية معنوياً ومادياً، ففي شرق إفريقيا تمّ «إثراء الظهير الممتد الداخلي بكامله، وذلك في شتّى ضروب الحياة الدينية والثقافية والفنية والمعمارية… في اللغة والسياسة وفن الإدارة، وفي الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، والإذكاء لروح التدين… وصبغ المنطقة بالثقافة الإسلامية… وبمطلع القرن الخامس الهجري قام ما يقرب من أربعين مدينة عربية، امتدت من خليج عدن حتى جنوب مدار الجدي… إلى تخوم أوغندا وأعالي نهر الكنغو، وعبر رواندا وبورندي والمناطق الداخلية في تنجانيقا»(39).
ومن أبرز معالم شخصية إفريقيا المسلمة(40):
– ادّعاء النسب الشريف، أو الانتساب إلى الصحابة وقبائل العرب؛ حرصاً على تعميق جذور الانتماء العضوي بالشجرة الإسلامية وتاريخها، وهو ما يبرز الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصية الإسلامية الإفريقية.
– تبنّي أسماء الأعلام الإسلامية، والتحوّل من الأسماء القبلية ودلالاتها التَّقليديَّة الضَّيِّقة المحدودة وما تحمله من قيم إلى دلالة الأسماء الإسلاميَّة الموسَّعة العميقة.
– دلالة أسماء المدن والمواقع الجغرافية، مثل «مدينة» التي حلَّت محلَّ Timbi القديمة في غينيا، ومثل حيّ «طائِفَا» في السنغال.
– تبنّي التقويم السنوي الهجري، وربط جميع أنشطة الحياة به.
– تهذيب المفهومات والقيم الأخلاقية والثقافية، فالإسلام أصبح أهمَّ مرجعيَّة أخلاقيَّة ومحدِّداً إثنيّاً (ethnic marker) عند الفولانيين، وذلك أكثر من فكر البولاكو الذي يعني في مجمله «رؤية العالم» أو «طريقة حياة الفولانيين»، وتحوّل مفهوم الإنسان الصالح في مجتمع الهوسا عن دلالاته التَّقليديَّة الضَّيِّقة المحدودة إلى الدلالة الإسلاميَّة الموسَّعة العميقة، وأصبح العدل (adalci) يعني: مخافة الله، وصارت العبادة والإيمان أهمِّ مواصفات الزَّعيم الأمثل بينهم.
– تشكيل الهويات، كهوية الطُّرودْبي التي تكوّنت تكويناً إسلاميّاً صرفاً من بقايا المحرَّرين والآبقين ببلاد السُّودان، حيث وجدوا فيه ملاذاً آمناً، بل إنَّ الطُّرودْبي وصلتْ إلى سُدَّة الحُكم بتأسيس خلافة إسلاميَّة عُرفَتْ باسم «دولة الأئمَّة» (almamy)؛ حيث كان زعماؤها مشايخ علماء أئمَّة.
اتسمت شخصية إفريقيا المسلمة بقوة تماسك بنائها الداخلي ونسيجها الاجتماعي، بانصهار أعراقها من زنج وعرب ونوبة وبربر وسواحلة وغيرها، وأصبحت في معظمها «منطقة حضارية متشابهة القسمات الثقافية، ومتشابكة العلاقات البشرية والدينية والسياسية والتجارية والاقتصادية بصفة عامة»(41)، «وتميّزت في تركيبتها الثقافية والحضارية بأن جمعت بين تثقيف العقل وتصفية الروح»(42)، واتسمت بوضعية متقدّمة، بلغت فيها درجات عالية من التحضّر في الرؤية الكونية وفي بناء النّظم والعلاقات، وتجاوزت الولاء القبلي إلى الولاء الإسلامي الأوسع، وشهدت علاقات إنسانية وأنماطاً حياتية متطوّرة، وازدهاراً علمياً متميزاً، وصارت جزءاً من كيان الأمة الإسلامية وسياقاتها التاريخية، وحملت لواء نشر الإسلام وثقافته وبناء حضارته.
الاحتلال الغربي والتنصير الكنسي:
استهدف الاحتلال الأوروبي الشخصية الإفريقية في مكوّناتها الداخلية وطاقاتها الروحية والنفسية والعقلية، وقيمها الأخلاقية، ومكوناتها الخارجية من بيئة ونظم وقوانين ومؤسسات، وما يحيط بها من العوامل المؤثرة في بنائها، وكان الهدف غير المباشر من ذلك ضمان استمرار تبعية إفريقيا الدائمة.
وشكّلت عملية استعباد الشخصية الإفريقية محوراً رئيساً في سياسات المحتل الأوروبي؛ وهي فكرة متأصلة في فلسفاته وممارساته التاريخية تجاه الإفريقي، مارسها الإغريق والرومان من قبل، وتواطأت عليها معظم دول أوروبا حديثاً، حيث اتخذت طابعاً مؤسّسياً، مخطّطاً ومنظّماً، لكي يبقى أثرها عميقاً في الشخصية الإفريقية، متجدّداً مع أجيالها.
كما تواطأت الكنيسة الغربية والتنصير والمنصّرون في جريمة استرقاق الإفريقي بإيهامه أن خلاصه في استعباده، وترسيخ ذلك بنصوص من الكتاب المقدس، والقيام بتعميد العبيد عند ترحيلهم.
وهكذا، فإنَّ عملية الاسترقاق قد أساءت للشخصية الإفريقية، وأحدثت شرخاً عميقاً في تكوينها النفسي، وتمزقاً في كيانها الاجتماعي، وأزرت بتاريخ الشعوب الإفريقية ومكانتهم.
وتم في إطار سياسات الاستعباد الشاملة ما يأتي:
1 – تدمير الشخصية الإفريقية: تمثّل ذلك في سحق آدمية مئات الملايين من الأفارقة، وانتهاك كرامتهم، وتجريدهم من كلّ قيمة إنسانية، فلم يكن الإفريقي عند المحتل سوى حيوان يتم قنصه وترويضه، أو مجرد آلة اقتصادية.
2 – تحطيم كيانها المعنوي: اتبع المحتل الكثير من الوسائل والأساليب لتحطيم معنويات الشخصية الإفريقية وطاقاتها الروحية والنفسية، وجعلها شخصية خامدة، ليس فيها من دافعية، وهو ما أعاق تنميتها وتطويرها، وولّد فيها شعوراً بالعجز وقعوداً عن العمل وضعفاً في العطاء والإنتاج.
3 – تعطيل القدرات العقلية والإبداعية: وذلك بحرمان الإفريقي من التعليم النوعي، والتطوّر التقني، وقصره على اكتساب بعض المهارات الإدارية والتنفيذية المحدودة، والحيلولة دون استفادته من التراث العلمي والإنساني، كما عمد المحتل إلى إحياء ما كاد يندثر من الخرافات والأساطير والسحر والمعتقدات الفاسدة التي حاربها الإسلام؛ ونتيجة لذلك اتسمت العقلية الإفريقية بضعف القدرات والمهارات، فخمدت الحياة العلمية والفكرية، ولم تشهد إفريقيا منذ استقلالها سوى دعاة للتغريب والعلمانية والزنجية مثل سنغور ونكروما، أو إحياء للحكم الإفريقية مثل همباتابا, أو الفرعونية مثل شيخ أنتاديوب، وثلة من الروائيين والشعراء.
4 – تحطيم إرادتها: إن سحق آدمية الشخصية الإفريقية، وتدميرها معنوياً، وشلّ قدراتها العقلية، أفقدها مقومات الاستقلالية والإرادة الذاتية، فاتسمت بالاتكالية، وعدم القدرة على اتخاذ القرار؛ ما سهّل انقيادها واستمرار تبعيتها للمحتل، فبقيت بعد خروجه بكلّ مكوناتها البشرية والمادية خاضعة لإرادته، موجهة بسياساته عبر ما صنعه من نخب ومؤسّسات.
5 – إضعاف ثقتها: الثقة بالنفس تعني الإرادة والحرية والقدرة وتقدير الذات، وهو ما عمد المحتل الأوروبي إلى تدميره في الشخصية الإفريقية، وترسيخ الشعور بالنقص فيها، فلا تزال اتكالية عاجزة عن تحمّل مسؤولياتها، تعتمد على الأوروبي، وتحيطه بهالة من التعظيم، مقابل تنكرها لأصلها وذاتها، وورِث الأبناء عن آبائهم هذا الشعور بالنقص والتبعية لأحفاد المحتل.
6 – محو الذاكرة التاريخية: لأجل استيعاب الشخصية الإفريقية ضمن مكونات المحتل، وتوجيه مسيرتها ضمن سياقاته التاريخية والحضارية، أنكر أن يكون لها جذور تاريخية، وسعى إلى محو ذاكرتها التاريخية، وطمس معالم حضارتها، ونسب ما أبدعته قديماً إلى أرومة شعوبه القديمة الإغريقية والرومانية
ولقطع معالم تاريخها الحضاري «راح يُطلق على مناطقها المختلفة تسميات جديدة للحؤول بينها وبين تذكّر الإمبراطوريات والممالك المزدهرة التي كانت تسود فيها، فلم نعد نسمع بممالك صنغي وكانم وبرنو، ولم تعد غينيا هي غينيا القديمة نفسها، ولا مالي الحالية هي مالي القديمة»(43)، كما قام بتشويه علاقة العرب بإفريقيا بتحميلهم وزر تجارة الرقيق!
بناءً على ذلك؛ فقد نشأ ضعف الحسّ التاريخي لدى الشخصية الإفريقية، وعدم اهتمامها بماضيها، وبخاصة جيل ما بعد الاحتلال، وقلّة استفادتها من تراثها التاريخي، وبخاصة الإسلام واللغة العربية، في تعزيز ثقتها بنفسها, وتأكيد هويتها، وتحقيق وحدتها، واستئناف مسيرة حضارتها الإسلامية.
7 – تفتيت الكيانات: تم تفتيت ما كان قائماً من وحدات إقليمية بشرية أو طبيعية متجانسة في إفريقيا من خلال تقسيم مناطق النفوذ وإقامة الحدود المصطنعة، وأحدث المحتل «انقطاعاً خطراً في العلاقة بين سكان هذه المناطق؛ ما أدى إلى فترة ارتباك حضاري خلال فترة الاحتلال الأوروبي»(44).
كما عمد إلى إضعاف ولائها للإسلام، وبعث الولاءات الضيقة، وأوجد «انقطاعاً معرفياً، وربما سلوكياً، حين زرع جملة من المؤسسات فضلاً عن المفاهيم المغلوطة، وجـعل من القبيلة وحـدة سـياسية ومركزاً للولاء، فيما كان الولاء السابق يميل إلى الشرعية المستمدة من تعاليم الإسلام في العديد من الديار الإفريقية المسلمة»(45).
وتعميقاً للتباينات أدخل المحتل مكوناته الاجتماعية واللغوية والثقافية وأيديولوجياته الفكرية والمذهبية على اختلاف من بلد لآخر، بل في البلد الواحد، كما حدث في الصومال، وانتشرت عمليات التنصير والتغريب والاستلاب، وتكوين الشتات، إضافة إلى تفاوت التنمية بين الأقاليم وفي داخل البلدان.
مثّلت سياسات المحتل في مجملها منظومة متكاملة من الخطط والأساليب والوسائل التي أدت إلى تدمير الشخصية الإفريقية في جوانبها المختلفة، النفسية والروحية والعقلية والفكرية والثقافية، ونُظمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفي بناها التحتية وبيئاتها المختلفة، والمباعدة بينها وبين ما أرساه الإسلام من عوامل التقارب والاندماج والوحدة، وهيأها للانقسامات والصراعات المستمرة، وظلّ حتى بعد خروجه يرعى ما غرسه من بذور الفرقة والشتات من خلال ما صنعه من نخب، وما ورَّثه من نُظم ومؤسسات تعمل بالوكالة لخدمة مصالحه.
8 – الاستيعاب: وذلك بدمج الشخصية الإفريقية ــ وبخاصة المسلمة ــ في هويّة المحتل، وإلحاق البلدان بدوله على شكل ممتلكات، وذلك من خلال سياساته، ونشاطه التنصيري، ونشر لغاته وثقافاته، وتدريس تاريخه ومناهجه، وإحلال نُظمه، وصناعة النّخب، وقد تمّت عمليات استيعاب أو دمج قسري كما حدث للجزائر وغيرها، ومن آخر ما فقدته إفريقيا جزيرة مايوت (إحدى جزر القمر الأربع) التي ضمّتها فرنسا إليها رسمياً في عام 2011م، وأصبحت إحدى مقاطعاتها فيما وراء البحار.
ومن ملامح الاستيعاب ومظاهره في الشخصية الإفريقية:
– نمط الاستهلاك والسلوك الحضاري الغربي، وخصوصاً بين شرائح النّخب والمثقفين، وعلى مستوى المؤسّسات الرسمية في كثير من دول القارة.
– إطلاق الأسماء الغربية على بعض الدول والأقاليم والمناطق والمؤسّسات، كالصومال الفرنسي، وإفريقيا البريطانية، وجزر سيشل، ومدن ليوبولدفيل، وغيرها، هذا بجانب الخارطة التنصيرية التي أصبح كلّ جزء من إفريقيا تابعاً لهوية هيئة كنسية أو أكثر.
– النّخب وملايين الشتات الذين يعدّون نماذج حية للاستيعاب في اعتزازهم بقيم الغرب، وتقمّص شخصيته، وحرصهم على تطبيق نُظمه ومناهجه وسياساته.
– العولمة التي يزيد من خطر تهديدها لخصوصيات الشخصية الإفريقية الانفتاح، وفضاءات الحرية الواسعة، والتطور المعلوماتي العظيم، ونُظم الاتصال وتعدّد وسائله وأساليبه، والتقنيات المتطورة التي تسهل نفاذها مباشرة إلى المخاطبين وتضاعف من قوة تأثيرها.
إن عملية الاستيعاب لا تزال ماضية بهدوء حتى بعد خروج المحتل، من خلال ما أقامه من مؤسّسات وقنوات وبرامج سياسية واقتصادية وثقافية للتواصل والتأثير المستمر، إضافة إلى استغلاله المؤسّسات والمنظمات الدولية في تذويب هويات الأمم والشعوب وعولمتها وبخاصة الشخصية الإسلامية.
9 – التخلّف الحضاري: من أبرز السمات التي أورثها المحتل الأوروبي للشخصية الإفريقية، بعد أن كانت متقدّمة علمياً وحضارياً في ظلّ الإسلام، فتركها وهي تعاني التخلّف الثقافي، والتخلّف العلمي، والتخلّف في مهارة أداء العمل، والبطالة والفقر، بالرغم مما في بلادها من ثروات.
صور الشخصية الإفريقية:
نخلص مما تقدّم إلى أنه توجد أكثر من شخصية إفريقية، أو صور متعدّدة لشخصية واحدة، وذلك بحسب الثابت والمتغير من المورثات والظواهر وعمق آثارها، واختلاف أدوار الشخصية وسلوكها في مواقفها المختلفة، وقابليتها للتكيف وديناميكيته، وتنوّع الأنطولوجيا الخاصة بالمجتمعات الإفريقية، فقد كان لكلٍّ منها ما يناسب من القوانين والنّظم والتقاليد وفق سياقات معينة لكي يعيش الجميع معاً بسلام.
Earlier African formations like those of Egypt in North Africa, Nubia and Axum in North East Africa, Ghana, Mali and Songhai in West Africa, and Mapungubwe and Great Zimbabwe in Southern Africa, produced different political and economic systems of governance relative to their environment of operation as well as historical circumstances of formation. (17) Because of their magnitude, they all evolved complex systems of governance that could hardly fit into a single-despot model.وقد نتج عن ذلك تشكيلات متعدّدة ذات سمات وخصائص متمايزة بحكم بيئتها وظروفها التاريخية، (مصر والنوبة) في شمال إفريقيا، وأكسوم في شمال شرق إفريقيا، وغانا ومالي وسونغاي في غربها، وزيمبابوي الكبرى في جنوبها.
إن أهم ما يحكم مرجعية التصنيف والتقييم النظر إلى الشخصية العامة وفق الإرادي من مورثاتها واتجاهها التنموي في ذلك، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (الشمس : 9 – 10)، يدخل في ذلك إرادة الإنسان ومعتقداته وتحرّره ودافعيته وتفكيره وقيمه الأخلاقية، ونُظم حياته وممارساته السلوكية الناشئة عن ذلك، وما يغلب على الشخصية في مورثاتها الداخلية التي تتأثر وتؤثّر فيما حولها من العوامل الخارجية.
ينشأ عن ذلك وضع الشخصية ضمن إطارين رئيسين: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ…﴾ (التغابن : 2)، فنكون بذلك أمام شخصيتين إفريقيتين على وجه العموم، مسلمة وغير مسلمة، مع الإقرار بوجود تزامن وتداخل بينهما بعد انتشار الإسلام، ودون الخوض في تفريعاتهما نعرض لأهم خصائص وسمات كلٍّ منهما.
الشخصية الإفريقية غير المسلمة:
– سمة التديّن، التي تُرد ابتداءً إلى الفطرة وإلى ما سبق من العهد القديم في ميثاق الذرّ.
– الوثنية والأرواحية التي أعاقت نمو فطرتها السليمة وسويتها النفسية.
– غلبة الأساطير والخرافة على رؤيتها العامة للكون في وثنيتها وفلسفتها الأرواحية.
– وجود تماثل يدل على مبدأ موحّد من خلال سلوكاتها وممارساتها الوثنية.
– تعدّد لغاتها وﺗﻨوّع ثقافاتها ﻭﻋﻤﻘﻬﺎ ﻭقدمها.
– انفرادها بفئات وعمليات للتفكير في إدراك تنظيم العالم مستمدة من خصوصيتها الاجتماعية والثقافية الأصلية.
– تمتعها بقدرات عقلية، ربما تفوّقت على عقلية الأوروبي في تاريخها القديم، وظرفها الزماني والمكاني.
– تعدّد أعراقها وجنسياتها، التي أثرى كلٌّ منها شخصيتها بعادات وتقاليد متمايزة، إلا أن هذا التعدّد شكّل عاملاً سلبياً لعدم نموها المتوازي، واستغلال المحتل الأوروبي له في سياسة «فرِّق تَسُدْ».
– قدرتها على التكيف والمرونة والقابلية للاندماج، وهو ما أوجد جملة من الخصائص المشتركة للشخصية الإفريقية.
– الملامح العربية، فالمجموعات العربية ولغتها شكّلت مكوّناً إيجابياً مهماً في الشخصية الإفريقية.
– طغيان الشخصية الجماعية وذوبان شخصية الفرد داخلها، وهي سمة للمجتمعات البسيطة، وقديماً قال شاعر القبيلة:
وهل أنا إلا من غزيّة إن غوت غويت وإن ترشد غزيّة أرشد
الشخصية الإفريقية المسلمة:
ومن أبرز سماتها وخصائصها:
– النقاء والصفاء الداخلي، وتحرّرها من الوثنية والشركية والكهنوتية، وعناصر الخوف والوهن.
– توافق معتقداتها وانسجامها مع كيانها الفطري، فالإسلام هو الفطرة.
– الشعور بالعزة والكرامة والاستعلاء الإيماني، وتقدير الذات والرضا النفسي والطمأنينة والثقة في النفس.
– قوة الإرادة والدافعية والإيجابية في الحياة، والعطاء الحضاري المتميز.
– نموّ الملكات والقدرات العقلية وتفوّقها، التي حرّرها الإسلام من الأساطير والسحر، وأرهف حسها وحواسها للإدراك السليم، وزوّدها بمنهج التفكير والمنطق والنظر الصحيح.
– تمتعها برؤية واضحة وشاملة وتصورات سليمة للكون والحياة والعلاقات القائمة بين مكوناتها كلها؛ فهي على درجة عالية من التحضّر في الرؤية الكونية والاجتماعية، وفي بناء النّظم والعلاقات، ورسوخ القيم الأخلاقية.
– وحدة كيانها وقوة تماسك بنائها الداخلي ونسيجها الاجتماعي؛ حيث وحدة الرؤية واتفاق الهدف وولاء الجميع للإسلام.
– التوازن داخل كيان الفرد، وبين الشخصية الوظيفية والشخصية العامة، وبين كيانات المجتمع، فالقواعد والأحكام الدينية توظّف نشاط الجميع وتوجهه بتوافق وانسجام.
تحقيق وضعية متقدّمة لها ثقلها ودورها الحضاري، فهي تسعى لصالح الإنسانية كلها، وذلك جوهر رسالتها.
– روح الحيوية والتجدّد والابتكار؛ ما أكسبها الريادة والتقدّم في كثير من المجالات.
– اتساق وانسجام سلوكها وفق مرجعية موثوقة ومنهجية سليمة.
– غلبة العروبة واللسان العربي، فالعربية لسان أكثر من نصف سكان القارة ولغة التواصل الأولى فيها، بل الوحيدة في بعض أنحائها، وبخاصة شمالها، تأثرت بها معظم اللغات الكبرى في إفريقيا.
– الاستقرار الداخلي والاستقرار العام لغلبة عوامل الوحدة وضعف أسباب الفرقة والشتات، وتحقّق العدالة ورعاية الحقوق.
الشخصية الإفريقية في ظلّ الاحتلال الغربي:
استهدف المحتل الشخصية الإفريقية، وبخاصة المسلمة، في وجودها كلّه: ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها.
وفيما يلي عرض لأبرز ما أورثها من سمات وخصائص:
– الشعور بالضعة لسحق المحتل آدميتها، وإهداره كرامتها، وتجريدها من كلّ قيمة إنسانية.
– ضعف القيم الأخلاقية كالمروءة والحياء والعفّة والقناعة.
– الضعف المعنوي، وهو ما أعاق تنميتها، وولّد فيها شعوراً بالعجز، وقعوداً عن العمل، وضعفاً في العطاء والإنتاج.
– الجمود والاضطراب الفكري، والتخلّف العلمي والتقني؛ ما أدى إلى تخلّفها، وبخاصة إفريقيا جنوب الصحراء.
– ضعف ثقتها بنفسها وقدراتها.
– الاتكالية، وضعف روح المبادرة، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، والميل للتقليد.
– ضعف صلتها بماضيها، وبخاصة جيل ما بعد الاحتلال.
– تفتت كياناتها، وانقطاع ما بينها معرفياً وسلوكياً، ولغويا وثقافياً.
– تعدّد ولاءاتها الضيقة؛ ما جعلها عرضة للصراعات.
– تخلّفها في جميع المجالات، ومعانتها البطالة والفقر.
– التبعية الثقافية والسياسية والاقتصادية للغرب، وغلبة النمط الاستهلاكي والسلوك الحضاري الغربي عليها.
– ومؤخراً طغيان العولمة أخطر مهدّد لخصوصيات الشخصية الإفريقية، تدعمه روح الانفتاح وفضاءات الحرية الواسعة، والتطوّر المعلوماتي المذهل، ونُظم الاتصال ووسائله وأساليبه المتنوعة، والتي تضاعف التقنيات المتطوّرة من قوة نفاذها وتأثيرها.
الشخصية الإفريقية وخطاب التنمية الشاملة:
أزرت الوثنية بالشخصية الإفريقية، واسترقه المحتل الأوروبي بدعم من الكنيسة، وأورثها اضطراباً وتخلّفاً وفرقة وشتاتاً، ولم تجد في شتات الاغتراب إلا غربة وشتاتاً، ومزيداً من التوتر ومعاناة عقد النقص واضطرب الديمومة، ولم يعد من مصدر لخطاب تنموي شامل سوى الإسلام بمبادئه القويمة، ومعاييره السليمة، ومناهجه، لتحقيق نهضتها، وقد كان لها لنجاحاتها معه سابق عهد وتجربة.
المدخل النفسي:
يخاطب الإسلام الإفريقي بوصفه بشراً، ويعامله بما يحفظ كرامته، ويُعَدّ هذا المبدأ أول المداخل النفسية وأهمها لتحقيق التواصل الفعّال عن الشخصية الإفريقية، ويتضمّن ذلك تصحيح ما كان منحازاً ضدها من دراسات وتحليلات وتفسيرات وافتراضات، وبخاصة فيما يتعلق بالأبعاد النفسية، واستعادة الثقة وتقدير الذات لدى الشعوب الإفريقية، وإن ما أصابها من علل وتشوّهات داخلية من جراء وثنيتها قديماً واسترقاقها لن يُذهبه سوى مبدأ التوحيد في الإسلام الذي يمثّل قمة النضج والتحرّر للإنسان، ومنتهى عزته وكرامته، وإنسانيته، وجماع قيمتها، وتنمية خصائصها العليا الروحية والنفسية والعقلية، وميولها واتجاهاتها الإيجابية.
إن جميع أنواع الخطاب والبيانات الأيديولوجية المحلية والوافدة كمفهوم العزة الزنجية عند حركة النجرتيود Negritude (الزنوجة الممزوجة بالاشتراكية والوحدة الإفريقية والأديان)، والأفريكانية، ومذاهب العلمانية، وغيرها، ليست سوى شعارات، لا تعبّر عن قيم أصيلة، وليس لها من تأثير في الضمير أو السلوك.
خطاب الفطرة: الميثاق والعهد القديم:
ميثاق الذرّ أقدم ما خوطب به الإنسان، يتخذ «الفطرة الزكية» معياراً لأفضليته وأساساً لتنمية شخصيته، وإقامة حضارة إنسانية راقية، تستند إلى أقيم ما في نفس الإنسان، ولئن عانت الشخصية الإفريقية الاسترقاق لسوادها، أو زنجيتها؛ ففي الخطاب الإسلامي تجد ردّ اعتبارها؛ إذ يرفض أن يكون اللون أو الجنس معياراً لأفضلية أو دونية، قال عليه الصلاة والسلام: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلاّ بالتقوى»(46)، فهي بإسلامها موضع الكرامة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات : 13)، وقد رفع الإسلام بلالاً ووضع أبا جهل وأبا لهب.
إن هذ المبدأ في الخطاب الإسلامي يُعَدّ المدخل الثاني للتواصل الحضاري مع الشخصية الإفريقية، يخرجها من ظلمات الوثنيات القديمة والحديثة، ويزيل عنها ترسبات مفاهيم التفوق العنصري للأبيض على الأسود التي سعى الغرب لترسيخها في نفسها.
شمول الرؤية واتساقها:
الشخصية الإفريقية قيمية ودينية، ضلّت طريقها في وثنيتها وأرواحيتها ونصرانيتها، والإسلام يهديها للتي هي أقوم؛ من الرؤية الواضحة الشاملة والتفسيرات السليمة لوجود الإنسان وغايته، ودوره ومسؤوليته ومآله، وعالم ما بعد الشهادة، مقارنة بما تقدّمه الوثنيات في ذلك من ضبابيات، وما تدعو إليه الأديان الأخرى من تناقضات وانحرافات، فالنسق الأيديولوجي الذي يقدّمه الإسلام واتساقه في عقائده وتصوراته ومفاهيمه عن النظام العام للوجود كلّه يولّد فيها انسجاماً فطرياً، وحالة من الرضا النفسي، وباعثاً نحو الخير.
حماية الشخصية الإفريقية:
إن تمكين أسباب القوة المعنوية الروحية والنفسية في الشخصية الإفريقية وشعورها بالعزة وتقدير الذات هو ما يحول دون هزيمتها النفسية أو إحساسها بالدونية تجاه غيرها، ومصدرها في ذلك قوة الإيمان، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون : 8)، ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران : 139).
وحدة كيانها وترابطه:
جعل الإسلام دمج الإثنيات غاية في خطابه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات : 13)، ونجح في توحيد الولاءات القبلية والإقليمية في إفريقيا تحت ولائه، وعزّز تآلفها بثقافة السلام ومبادئ العدالة وحفظ الحقوق والكرامة الإنسانية والأخوة الإسلامية، والتي أسهمت في تماسك نسيج الشخصية الإفريقية، وحالت دون الصراعات بين مكوّناتها، فهو كفيل بإعادة تحقيق ذلك واستمراره بعدما أفسده الاحتلال الغربي.
الاعتدال والعدالة (التوازن والتوازي):
الإسلام خطاب اعتدال وعدالة، وهو كفيل بأن يعيد للشخصية الإفريقية ما افتقدته من توازن بين مكوّناتها في أبعادها المختلفة على المستوى الفردي، وتوازي في تنمية كياناتها على المستوى الجماعي؛ باحترامه لكلّ الكيانات، وحفظه لحقوقها، وموازنته بين الفردية والجماعية.
لسان القوم وفحوى الخطاب:
العلاقة وثيقة بين اللغة وعمليات التفكير بكلّ مستوياتها من جانب، وبين اللغة وشعور الإنسان وعواطفه من جانب آخر، والخطاب بلسان القوم يكون أفصح في التعبير، وأبلغ في إيصال الرسالة، لقدرته على الوصول إلى العقل والعاطفة معاً، وفي التعليل القرآني دعوة إلى ذلك، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ (إبراهيم : 4)، وقوله تعالى: ﴿… وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل : 44)، والعربية هي لسان معظم شعوب إفريقيا.
واستعمركم فيها.. خطاب التنمية المستدامة الشاملة:
التأخّر أو التخلّف في إفريقيا أسهم فيه الاحتلال الأوروبي، إضافة إلى عوامل أخرى، منها البيئة الإفريقية، والمعتقدات الوثنية، والجهل والخرافة، يتطلّب الخطاب رؤية استراتيجية تحرّرية ذات هدفين، يسهمان معاً في تحرير الشخصية الإفريقية ودافعيتها؛ الهدف الأول هو تحريرها من قيودها الداخلية، وأصل ذلك وثنيتها التي أخضعتها للخوف والخضوع، وأسلمتها للضعف والوهن أمام سلطة السحر والكهانة والكجور وغير ذلك، والفهم القاصر للإسلام عند بعض المتصوّفة، والثاني تحريرها من الاستعباد الخارجي، وهيمنة الآخرين عليها، إن مفهوم الاستخلاف وعمارة الأرض ليس غريباً عن الشخصية الإفريقية، وهي صاحبة السبق الحضاري، وخصوصاً في ظلّ الإسلام.
هذه بعض مضامين الخطاب التنموي الإسلامي مقابل أنواع من الخطاب والبيانات الأيديولوجية المحلية والوافدة التي لا تعبّر عن قيم أصيلة، ولا تعدو أن تكون مجرد شعارات ليس لها من تأثير في الضمير أو السلوك.
وإن من أبرز ما يسجّله التاريخ الدور الإيجابي للإسلام في بناء الشخصية الإفريقية، وتفجير طاقاتها، وتنمية قدراتها وإبداعاتها، وعلى الجانب الآخر يسجّل التاريخ السلبية الغالبة على دور الاحتلال الأوروبي الحديث وسياساته، وما ارتبط به من عمليات تنصير وتغريب واستلاب، تواطأت جميعها على تدمير المكوّنات الداخلية للشخصية الإفريقية، وشلّ قدراتها، واستنزاف طاقاتها البشرية قبل المادية، وتخريب بيئتها من حولها.
وخلافاً لدور الإسلام في تنمية مكوّنات الشخصية الإفريقية في اتجاه التكامل والانسجام وفق مبادئه الإنسانية؛ عمل الاحتلال الغربي – وفق مبدأ «فرِّقْ تَسُد» – على جعلها عوامل فرقة وشتات؛ بتعميق الخلافات وتأجيج الصراعات فيما بينها.
وبعد؛ فلأيّ خطاب تصغي وتستجيب؟!
An African conception of personality must then begin with such an elemental notion of the perso
الاحالات والهوامش:
(1) انظر African Studies Quarterly :، African Culture And Personality
(2) أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور: لسان العرب، الطبعة دون، 2003م، بيروت دار صادر، ج 8، مادة شخص.
(3) محمد بن محمد الزبيدي: تاج العروس من جواهر القاموس، (القاهرة: المطبعة الخيرية، 1306هـ)، مادة: شخص.
(4) الشخصية ومفهومها، faculty.ksu.edu.sa/hujailan/Publishing/1.doc، ص 35.
(5) الشخصية ومفهومها، مصدر سابق، ص 36.
(6) صبري محمد خليل: دراسة منهجية للمظاهر الفكرية والسلوكية للشخصية السودانية، هيئة الخرطوم للصحافة والنشر، الطبعة التاريخ دون، ص 20 – 26.
(7) عفاف الحسيني: مفهوم الشخصية في الإسلام، http://www.ahdli.com/vb/showthread.php?t=9588
(8) صبري محمد خليل، مصدر سابق، ص 28.
(9) علم النفس في القرن العشرين، www.acofps.com/vb/archive/index.php/t-4390.html.
(10) أنظمة بناء الشخصية في الخطاب السسيولوجي، http://forum.egypt.com/arforum .
(11) انظر: مجلة ﺍﻟﻨﺒﺄ العدﺩ ٤٥ ﺫﻭ القعدﺓ ١٢٤١ﻫـ، www.fiseb.com .
(12) الأخلاق الإفريقية، Stanford Encyclopedia of Philosophy
(13) انظر: الإفريقي الثقافة والشخصية African Studies Quarterly
(14) جمعة سيد يوسف: سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، عالم المعرفة 145، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت يناير 1990م، ص 11.
(15) أحمد حبيبي: من القلب: الأساطير المؤسسة في الثقافة الإفريقية، http://www.alchourouk.com/Ar/pdf.php?code=292898
(16) المروية من اللغات القديمة المرتبطة بالحضارة المروية في السودان، ولم يكتمل حلّ رموزها حتى تاريخه.
(17) عزو محمد عبد القادر ناجي: أثر العوامل الداخلية والخارجية في عدم الاستقرار السياسي في إفريقيا، الحوار المتمدن – العدد 2376.
(18) كي – زيربو: تاريخ إفريقيا العام، اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ إفريقيا العام، اليونسكو، 1980م، المجلد الأول / ص 15.
(19) ميلاد مفتاح الحراثي: الإرث التاريخي لتجربة الحكم والسياسة في إفريقيا، السياسة الدولية.
(20) جي. كي – زيربو: تاريخ إفريقيا العام، مصدر سابق، المجلد الأول / ص 10.
(21) الأخلاق الإفريقية، Stanford Encyclopedia of Philosophy
(22) انظر: محمد العقيد: الأحزاب السياسية في إفريقيا، مجلة قراءات إفريقية، العدد الثالث.
(23) أولا كريستوفر: الديانات الإفريقية التقليدية AND THE PROMOTION OF COMMUNITY-LIVING IN AFR ، وتعزيز المعيشة المجتمعية في إفريقيا، www.afrikaworld.net/afrel/community.htm
(24) رواه مسلم في صحيحه، باب تعليم الجاهل / كتاب العلم.
(25) انظر: www.africawithin.com/akbar/rhythmic.htm, Rhythmic Patterns in African Personality,
(26) انظر: omu.edu.ly/en_mg/، الاستعمار الإغريقي في برقة، وwww.marefa.org/index.php /، أفريكا (مقاطعة رومانية).
(27) ويكييديا (الموسوعة الحرة).
(28) رضا العطار: الهجرات العربية القديمة وأسبابها، مصدر سابق.
(29) إبراهيم محمد أحمد البلولة: الهجرات والقوافل التجارية عبر الصحراء الكبرى وأثرها في نشر الإسلام والحضارة الإسلامية.
(30) آثار العرب والحضارة العربية الإسلامية في منطقة حوض نهر النيجر (مــالي)، http://hifati.yoo7.com/t6028-topic.
(31) وائل الريفي: هجرة القبائل العربية، http://v.3bir.com/184430/
(32) أحمد إلياس حسين: الهجرات العربية إلى إفريقيا قبل الإسلام (1)، سودانيل.
(33) المصدر السابق.
(34) رضا العطار: الهجرات العربية القديمة وأسبابها، مصدر سابق.
(35) أحمد محمد الأصبحي: تحديات العلاقة العربية الإفريقية، (2 – 2)، صحيفة 26 سبتمبر العدد 1448، http://ad.rawasy.com/adj/26sep.net.
(36) أحمد محمد الأصبحي، المصدر السابق.
(37) المصدر السابق.
(38) المصدر السابق.
(39) سيف الإسلام بدوي بشير: جذور التراث الثقافي ودوره بالساحل الشرقي لإفريقيا، http://www.islam4africa.net.
(40) انظر: آدم بمبا: الإسلام وتشكيل الهويات، http://www.qiraatafrican.com/view/?q=508
(41) محمد أحمد شفيع: العلاقات العريقة بين مناطق الشمال إفريقي وجنوب الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا في مجال الثقافة العربية الإسلامية، موضوع منشور ضمن حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر، العدد الثالث، ص 53.
(42) سيف الإسلام بدوي بشير: جذور التراث الثقافي، مصدر سابق.
(43) انظر: www.shahrodi.com/al-menhaj/Almen23/minha-11.htm
(44) سيف الإسلام بدوي بشير: جذور التراث الثقافي..، مصدر سابق، ص 64.
(45) انظر: www.islamweb.net/newlibrary/ummah_Chapter.php?lang…10…
(46) أخرجه أحمد (5 / 411)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: «رجاله رجال الصحيح».