في يناير عام 2016, أعلنت وزارة التربية والتعليم في ليبيريا أنها ستستعين بمصادر ومؤسسات خارجية لتمويل وإدارة مدارسها الابتدائية..الأمر الذي فجّر قنبلة من الغضب بين خبراء التعليم المحليين والدوليين, وردود أفعال ثائرة من المعلمين والمراقبين. وكان البيان الرسمى على موقع الوزارة الليبيرية يحدد المشكلة، وهي أن ” 42 في المئة من الأطفال في سن الدراسة الابتدائية ما زالوا خارج المدرسة. ومعظم الذين التحقوا بالمدرسة لا يتلقون نوعية التعليم الذي يستحقونه ويحتاجونه” (1 ).
ليبيريا, الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والتي تحاول جاهدة للتعافي من الصراعات التي شهدتها, وما زالت تبذل حكومتها مجهودات طويلة لإعادة بناء البلاد التي عوقتها نتائج الحرب الأهلية في التسعينات إلى بداية عام 2003، إضافة إلى تلك الآثار التي خلفها وباء الإيبولا مؤخرا.
مع كل التحديات التي تواجهها ليبيريا, فما زال قطاع التربية والتعليم أحد القطاعات التي لم تشهد تطورا مناسبا, وقد أرجع الخبراء سبب ذلك إلى عدم وجود إرادة حكومية وتحرّك فعال. وفي عام 2013 ، يعدّ عدد طلاب المدارس الثانوية الذين جلسوا لامتحانات القبول بالجامعة حوالي 25،000 طالب, ولكن كل هؤلاء الطلاب رسبوا جميعا في الامتحانات (2)، مما جعل رئيسة ليبيريا “إيلين جونسون سيرليف” تعترف بأن نظام تعليم البلاد كان “فوضى” ، داعية إلى إصلاح شامل( 3).
وقبل الخوض في تفاصيل آخر ما توصلت إليه ليبيريا حول التعليم, من الأفضل التطرّق ولو قليلا إلى نظام تعليم البلاد.
نظام التعليم في ليبيريا:
واجه النظام التعليمي الليبيري انخفاضا مطردا طوال أكثر من عقد للحرب الأهلية، حيث تم تدمير بعض المدارس أثناءها، وشهدت الأخرى انخفاضا حادا في معدلات الحضور. وحينها لم يكن أكثر أمانا للطلاب سوى البقاء في المنزل بدلا من تعريض أنفسهم لطلقات نارية. ومنذ انتهاء الحرب، بدأت المدارس الليبيرية تستعيد مكانتها بسبب المساعي الحكومية في فتح مدارس جديدة ومحاولة تحسين مستوى التعليم في البلاد.
كان هناك تشابه في نظام التعليم الليبيري ونظام التعليم في غالبية دول غرب إفريقيا, حتى وإن كان كل من هذه الدول تختلف عن غيرها في التطبيق والتفصيل للمراحل والمستويات. فنظام التعليم في ليبيريا يشمل؛ التعليم الابتدائي, والمستوى التعليمي المتوسط أو ما يعرف بالتعليم الإعدادي, والتعليم الثانوي, وأيضا التعليم التكويني المهني, والتعليم العالي.
ومع كون المدارس الحكومية توجد أساسا في عاصمة البلاد “مونروفيا”. فإن مدارس الحكومة الابتدائية تعاني من قلة الاهتمام والموارد المخصصة لها وسوء الإدارة, كما أن رسوم المدارس الخاصة غالية وليس بإمكان البسطاء في البلاد تحملها. ففي رياض الأطفال يتم تعلّم معرفة الحروف وشيء من القراءة. وبعد ذلك ينتقل الطفل إلى المدرسة الابتدائية التي مدتها 6 سنوات حيث يتابع دروسه في علم الحساب والعلوم العامة، والدراسات الانجليزية والدينية.
هذا, وتوجد المدارس الإعدادية بشكل رئيسي في مونروفيا، وفي بعض الأمكنة المعزولة في الريف. وكلها يتم إدارتها من قبل وزارة التعليم, وكان من مناهجها تعلّم الجبر والكيمياء والجغرافيا والهندسة والعلوم الفيزيائية. وفي نهاية هذه الفترة التي مدتها ثلاث سنوات يجلس الطالب لامتحانات مجلس غرب أفريقيا أو ما يعرف بـ (WAEC).
أما المدارس الثانوية, فهي لإكمال التعليم الإعدادي لمدة ثلاث سنوات, حيث يدرس فيها الطلاب مستويات أكثر تقدما من المواد الدراسية الإعدادية وذلك لإعدادهم للمرحلة الجامعية. إلا أن 98٪ من مدارس هذا المستوى تتمركز في عاصمة البلاد، بل بإمعان النظر في مدارس هذا المستوى وأماكن وجودها والوصول إليها, يتضح أنه نظام وُضع للأغنياء فقط وليس للفقراء.
وبخصوص التعليم التكويني المهني, فإنه يشمل المدارس المهنية وكليات التقنية بمدة سنتين, وكليات تدريب المعلمين (للمدرسة الابتدائية) بمدة ثلاث سنوات. ومع ما وضعته الوزارة التعليمية لهذا المستوى, إلا أنه ليس له أي تأتير, اللهم إلا تلك المجهودات التي تبذلها المؤسسات الأجنية في التدريبات والدورات, إذ دمرته عقود من الصراعات التي شهدتها البلاد.
يتم توفير التعليم العالي من خلال عدد من الجامعات العامة والخاصة, كجامعة ليبيريا التي هي أكبر وأقدم جامعة في البلاد والتي تقع في مونروفيا. وقد فتحت الجامعة في عام 1862 ولديها ست كليات، بما في ذلك كلية التربية وكلية الإدارة وكلية الحقوق الوحيدة في ليبيريا؛ كلية لويس آرثر غرايمز للقانون. في حين تضيف جامعة كوتنغتون قسم الصحة العامة وإدارة الأعمال. وكانت مدة المستوى الجامعي لعدد من الكليات والأقسام أربع سنوات, وسنتان لمرحلة الماجستير, وثلاث سنوات لمرحلة الدكتوراه.
تحديات التعليم في ليبيريا:
في يومنا هذا, صارت خصخصة وتسويق التعليم العام اتجاها عالميا، وكما هو ظاهر في مجريات الأمور, من الممكن أن تكون ليبيريا الدولة التالية، لوجود اتفاق ينتظر التوقيع النهائي بين القطاعين العام والخاص في وزارة التربية والتعليم.
وقد دعت نقابة المعلمين الليبيرية حكومتها – في بيان مكتوب – للتشاور مع ضرورة وجود جميع الأطراف المعنية قبل الموافقة على الخصخصة والاستعانة بمصادر خارجية على مدارس البلاد(4).
بعد إعلان الحكومة عن خطتها واصفة إياها بأنها محاولة لتحسين النظام التعليمي, إلا أنها لم تذكر حقيقة المؤسسات التي تنوي الشراكة معها, فقد كُشف في نهاية المطاف أنها “أكاديميات بريدج الدولية” (5).
فما هي أكاديمية بريدج؟
هي شركة ربحية، تأسست في عام 2008 ولديها أكثر من 400 مدرسة ابتدائية وقبل الابتدائي في كينيا وأوغندا بتكاليف منخفضة نسبيا. وتقول الشركة بأن هدفها: “جلب بعض التعليم القيم والتفكير التربوي من العالم إلى كل الفصول الدراسية في كل قرية وأحياء فقيرة في العالم” , أو بكل اختصار: “المعرفة للجميع” (6 ).
تعمل أكاديميات بريدج مع المعلمين الذين لا يملكون المعايير الكافية ولم يتدربوا تدريبا أساسيا مقارنة بمعلمي المدارس الحكومية الذين يلزمهم القيام بذلك قبل الشروع في عملية التدريس. ولعلّ السبب أن المؤسسة ترى أن المعلمين غير محتاجين لأي تدريب، لأن ما يجب على المعلمين الموظفين لدى المؤسسة هو قراءة النص الكتوب و “المنهج المبرمج” في الأجهزة اللوحية التي توزع للطلاب، وإعطاء الإشارات.
وبدلا من أن تدفع الأكاديمية لمعلمين أكثر تعليما وخبرة وتأهّلا، فإنها توظف أشخاصا عديمي الخبرة من المجتمعات المحلية وتدفع لهم حوالي 90 دولار في الشهر. تقوم بتدربهم لبضعة أسابيع وتوزع لهم أجهزة الكمبيوتر اللوحية محملّة فيها الدروس التي صممها خبراء التعليم للمؤسسة. وبعد ذلك تقدّمهم للتدريس في الفصول الدراسية لتقديم المحتوى المكتوب في الأجهزة للطلاب.
وعندما يقال النصوص الكاوبة و “الدروس المبرمجة” ، فهذا يعني أنه تم تصميم الدروس وليس لدى المعلم أي إبداع أو مهمة سوى متابعة ما في الأجهزة. وبعبارة الكاتبة الصحفية “كاترينا ستيوارت”, “اُدخل في أي فصل دراسي في أكاديمية بريدج ومن المحتمل أن يكرر المعلم بالضبط نفس الكلمات التي يُكرر وبتلفظ بها في كل مدارس بريدج”( 7).
إن طريقة عمل هذه المؤسسة تقلل من مجهودات نقابات المعلمين بأسلوب غير مناسب. ففي مايو من العام الماضي، قامت مجموعة من 30 منظمة من كينيا وأوغندا بإصدار بيان مشترك أيده 116 منظمات أخرى، إلى البنك الدولي الذي يقدم تمويلا لمدارس أكاديمية بريدج واستثمر فيها بحوالي 10 مليون دولار. جاء فيه ما يلي:
“إذا كان البنك الدولي جادا لتحسين التعليم في كينيا وأوغندا، فعليه دعم حكوماتنا لتوسيع وتحسين نظمنا للتعليم العام، وتوفير التعليم الجيد لجميع الأطفال بالمجان، ومعالجة العوائق المالية الأخرى للوصول إليها” ( 8).
كما أن الأسلوب والترتيب الذي تنوي مؤسسة بريدج أن تسير عليه في ليبيريا يعتبر نموذجا جديدا للشركة. فبدلا من دخولها إلى البلاد وتأسيس مدارسها الخاصة مقابل أرباح، فستقوم بريدج – بموجب اتفاقها مع الحكومة – بتطبيق نموذجها للتدريس في 50 من المدارس الحكومية القائمة في نظام التعليم الليبيري للعام الدراسي 2016-2017.
ولذلك, كان من السهل إدراك خطورة الشراكة, بل بعد ما طالت الحكومة الليبيرية وابلا من الانتقادات والعديد من ردود أفعال من اتحادات وهيئات دولية, لجأ “جورج فيرنر” وزير تعليم ليبيريا إلى التقليل من حدة الخطوة، إذ قال: “ستبقي المدارس داخل القطاع العام، مملوكة، ممولّة, منظمة وبجودة مضمونة من قبل الحكومة، وبدعم من الجهات المانحة الخارجية.”
الواقع المرير:
في الحقيقة, كان مثل هذه الخطة التي تَقدم ليبيريا إليها لحل مشاكلها التعليمية خطوة لم يسبق أن قام بها أي دولة في أفريقيا، غير أن بعض الدول الغربية لجأت إلى ما يشبه الأسلوب الليبيري كالنموذج الذي نتج عنه المدارس المستأجرة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة .فبعض الحكومات لا تستطيع أن توفر كل شيء لمواطنيها، حتى الخدمات الأساسية مثل التعليم الابتدائي, وفي هذه الحالات تتعاقد مع المؤسسات لتوفير هذه الخدمات نيابة عنها.
ويبقى السؤال: هل مثل هذا التعاقد سيكون حلا فعالا لليبيريا؟
صحيح أن خطوة ليبيريا للتعاقد مع مؤسسات مثل بريدج قد تكون حلا سريعا لمشكلة التعليم الصعبة، ولكن خطورتها تكمن في أن الحكومة بدلا من أن تبني خبرتها ومهارتها في إدارة نظام تعليمها ومدارسها، فهي تعتمد على خبرة أشخاص آخرين.
فشركة بريدج هي الحل الفوري ولكنها ليس بإمكانها أن تحل مشكلة أكثر عمقا ودائمة، التي تتمثل في عجز حكومة ليبيريا لإدارة نظامها التعليمي العام.
ألن يكون حلّا فعالا ومستداما إذا قامت الحكومة مثلا بتخصيص – على الأقل – حوالي 10-15% من ميزانياتها للقطاع التعليمي، حيث ستتمكن به من إعطاء المعلمين أجورا متوسطة وجيدة, وتخطط به أيضا لأساليب جديدة لتجديد المباني الدراسية وتدريب المعلمين مما يجذب انتباه الناس إلى قطاع التربية والتعليم؟! وكأنها تتهرب من مسئوليتها في بناء خدمة مدنية أساسية لمواطنيها بالاستعانة بمؤسسة خارجية كبريدج كي تنوب منابها بسبب بخسها وقلة تكلفتها.
وكما أشار المقرر الخاص للأمم المتحدة “كيشور سينغ” في خطاب موجه إلى حكومة ليبيريا ( 9) :
“مثل هذه الترتيبات هي انتهاك صارخ لالتزامات ليبيريا الدولية في إطار الحق في التعليم، وليس لها أي مبرر في ظل الدستور الليبيري”. إن “توفير التعليم العام بجودة جيدة هو الوظيفة الأساسية للدولة. والتخلي عنه لمصلحة تجارية لشركة خاصة يشكل انتهاكا صارخا للحق في التعليم”.
وتابع قائلا: “سيكون من الأفضل بكثير إذا كانت هذه المبالغ أنفقت على تحسين النظام الحالي للتعليم العام ودعم الاحتياجات التعليمية للفقراء والمهمشين”.
وأضاف, “قبل الدخول في أي شراكة، يجب على حكومة ليبيريا أولا وضع التشريعات والسياسات المتعلقة بشراكات القطاعين العام والخاص في مجال التعليم، والتي من بين أمور أخرى، ستحمي حق كل طفل في التعليم”. و “هناك حاجة أيضا إلى تأسيس هيئة مستقلة لتلقي الشكاوى المتعلقة بانتهاكات محتملة لحق التعليم التي قد تنجم عن هذا التطور”.
وكما أكد المقرر الخاص, فإن “التعليم خدمة أساسية عامة وبدلا من دعم التجارة في التعليم، ينبغي على الحكومات أن تزيد في الأموال التي تنفق على الخدمات التعليمية العامة لتكون أفضل”.
الاحالات والهوامش:
(1) Partnership Schools for Liberia: Building a Better Future for our Children:
http://moe.gov.lr/site/pages3.php?pgID=137
(2) 25 ألف طالب تقدموا لدخول الجامعة في ليبيريا لم ينجح أي واحد منهم
http://www.france24.com/ar/20130827-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D9%89-%D9%82%D8%A8%D9%88%D9%84-%D8%B6%D8%B9%D9%81-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AA
(3) Liberia’s education system ‘a mess’ – President Sirleaf:
http://www.reuters.com/article/us-liberia-education-idUSBRE97S0TO20130829
(4) http://download.ei-ie.org/Docs/WebDepot/NTAL_Response.pdf
(5)An Africa first! Liberia outsources entire education system to a private American firm. Why all should pay attention:
http://mgafrica.com/article/2016-03-31-liberia-plans-to-outsource-its-entire-education-system-to-a-private-company-why-this-is-a-very-big-deal-and-africa-should-pay-attention
(6) Bridge International Academies | Mission :
http://www.bridgeinternationalacademies.com/company/mission/
(7) Bridge International Academies: Scripted schooling for $6 a month is an audacious answer to educating the poorest children across Africa and Asia:
http://www.independent.co.uk/news/world/africa/bridge-international-academies-scripted-schooling-for-6-a-month-is-an-audacious-answer-to-educating-10420028.html
(8) رابط تحميل البيان هنا:
http://globalinitiative-escr.org/wp-content/uploads/2015/05/May-2015-Join-statement-reaction-to-WB-statement-on-Bridge-14.05.2015.pdf
(9) UN rights expert urges Liberia not to hand public education over to a private company:
http://www.ohchr.org/EN/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=18506