يقصد بالشباب ـ غالباً ـ الفئة العمرية التي تبدأ من عمر 15 ـ 40 سنة، وهي مرحلة تتميّز ببعض الخصائص عن المراحل السابقة واللاحقة في حياة الإنسان، و يكون في خلالها النضج البيولوجي والنفسي والاجتماعي، وقدرة الإنسان على تقبل القيم والمعتقدات؛ لإشباع حاجات اجتماعية محلية يتطلب إشباعها عادة إعادة صياغة النظام الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي بكامله؛ وهي بذلك (أي فئة الشباب) تعكس اتجاهات المجتمع وقيمه في سلوكها والتزامها. والتعريفات المتعلقة بمفهوم الشباب من الناحية الاصطلاحية تنصب في مجملها على قضية أساسية، هي اعتبار مرحلة الشباب مرحلة النضج العقلي والبناء الفكري لدى الإنسان، واعتناقه التصورات والمفاهيم سواء أكانت عقدية أم فكرية، إضافة إلى قدرته على التفاعل مع ما حوله، والتأثير في محيطه الاجتماعي، يصف الأستاذ أنور الجندي الشباب بأنه: ” … الطور الحاسم في حياة الإنسان، والدور الذي تنبني فيه كل العقائد والمثل، وتشكل فيه النفس الإنسانية والعقل البشري، بحيث تكون متأهبة لأداء دورها في حمل أمانة الحياة ومسؤولية المجتمع، وقد تتحول إلى طاقات مبعثرة تُبدد في فراغ، وتُستهلك في غير المواقع الصحيحة، وتنتهي إلى الحيرة والقلق والتمزق والعدمية، … يعيش فيها الشاب حالة من الضياع، تسهل على الأعداء احتلال نفسه وعقله وروحه وأرضه، وإذا فَقد الالتزام والانضباط للمثل التي يؤمن بها انقلب إلى شرٍّ محض يدمر نفسه وأمته “
وفي هذا الصدد ورد عن عياض بن حمار رضي الله عنه، عن الرسول r قوله: ( يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللتُ لهم ) .
يشتد الانبعاث الذاتي للمرء في هذه المرحلة نحو الالتزام القوي بمنهج وفكر يسير عليه، فيقوى تمسكه بإسلامه منهجاً شاملاً لحياته، وقد تجتاله الشياطين عن دينه فيكون شيوعياً ملحداً، أو كافراً مشركاً بربه وخالقه، جاحداً لأنعمه؛ لذا كان التوجيه النبوي r في غاية الدقة: “… وشاب نشأ في عبادة الله… ” في الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.
من الأمور التي يحرص عليها الإسلام في بناء الإنسان أن يعرف المهمّة التي خُلق لأجلها، وهي عبادة الله وحده، وحمل رسالة الإسلام وتبليغها كما أُنزلت على رسول الله r إلى الناس كافَّة، هذه الرسالة العظيمة هي التي ينبغي أن يكون بها انبعاث الشباب الذاتي، والمنهج الذي يلتزمه بقوة ويوجه همته وطاقته للدعوة إليه؛ ولذلك يحرص أعداء الإسلام على صرف الشباب المسلم وإلهائه عن التمسك بدينه، وإن من أَخطر الوسائل والأساليب التي يتبعونها في ذلك: إشاعة الإباحية الجنسية، و شرب الخمور، و نشر الأفكار العلمانية تحت شعارات الحرية والديمقراطية والعولمة، والجهر بذلك في مختلف وسائل الإعلام.
الاهتمام العالمي بالشباب :
وفي السنوات الأخيرة ازداد الاهتمام العالمي بالشباب؛ فهم يشكلون نسبة عالية من سكان العالم، وبصفة خاصة في العالم النامي؛ حيث يبلغ عدد من تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 24 سنة اليوم أكثر من مليار نسمة، كما أن 40 في المائة تقريباً من سكان العالم تقل أعمارهم عن 20 سنة، ويعيش 85 في المائة من هؤلاء في البلدان النامية، يعانى معظمهم الفقر الشديد، ويتأثرون بصورة كبيرة بمشاكل التنمية في مجتمعاتهم، ويشكل الأطفال والشباب نسبة عالية جداً من سكان الحضر في البلدان النامية. وفى كثير من البلدان الأفريقية تبلغ نسبة عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 19 سنة أكثر من 50 في المائة. إن اجتماع الفقر والبطالة، والمشاكل البيئية والصحية، وفقدان الفرص التعليمية يؤدي غالباً إلى تفاقم النزاعات العنيفة، وإيجاد مخاطر أمام أعداد متزايدة من الشباب في الدول المختلفة.
جاء في التقرير العالمي عن الشباب عام 2003 م أن معظم الحروب تقع في البلدان النامية وبصفة خاصة في أفريقيا؛ حيث تتعرض حياة ما يقرب من 300000 من الجنود الشباب فيما بين 10 إلى 24 سنة للخطر في غمرة المنازعات المسلحة التي يتسبب فيها الكبار، وحتى في البلدان التي لم تُبتلَ بالمنازعات المسلحة، غالباً ما يغيب الشباب عن الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومع أن طاقة الشباب وحماسه يمثلان أدوات قوية في تنشيط القضايا الاجتماعية والسياسية وغيرهما، فهم عرضة أيضاً للتضليل وسوء الاستخدام اللذين غالباً ما يكون لهما عواقب وخيمة على المجتمع الإفريقي.
يصف بعض المختصين ” التنشئة السياسية للشباب، ودورها في تقليل المشاكل الاجتماعية والسياسة في كثير من البلدان التي تأخذ بها، بأنها: ” إحدى العمليات الاجتماعية التي يكسب الأفراد من خلالها المعلومات والأفكار والقيم والاتجاهات التي تتعلق بالنسق السياسي لمجتمعهم “.
فالتنشئة السياسية عملية مستمرة، ويمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في الوعي السياسي في المجتمعات التي تتناحر فيما بينها، وتشكل دعامة من الدعامات الأساسية في بناء مجتمع مسالم، يدرك كل مسؤوليته السياسية تجاه الآخر، وتجاه الحكومة، وفد ركزت التربية في الإسلام على تنمية روح المسؤولية الفردية والجماعية، والدور الإيجابي في المحافظة على سلامة المجتمع، وأمنه واستقراره.
عانى الشباب في أفريقيا طول العشرين عاماً الماضية من جراء تزايد الفقر والبطالة، ونمو الاتجار بالأطفال والشباب وخاصة الشابات، والاستغلال الجنسي للشباب، وبصفة خاصة الفتيات صغيرات السن، وارتفاع مستويات البطالة، ونمو ظاهرة أطفال الشوارع، وانتشار الجريمة المنظمة وأعمال العنف التي يقوم بها الشباب، والعصابات الشبابية، وتجنيد الأطفال في أعمال الجندية، وتفكك الأسرة، وظهور الأمراض الخطيرة وازدياد المصابين بوباء نقص المناعة ” الإيدز” في عدد من دول القارة، وخاصة في دول الجنوب الإفريقي، لقد أدت هذه المشكلات إلى تفاقم الحروب في القارة، وزيادة معدل الوفيات بين الشباب في هذه الحروب.
السياسات الموجهة نحو الشباب:
لأهمية الشباب ودورهم في المجتمع، ومعالجة مشكلاتهم في عدد من الدول، كان الاهتمام المتزايد بهم في السنوات الأخيرة، وما شهدته أروقة كثير من المنظمات الإقليمية والعالمية من مؤتمرات تعنى بقضايا الشباب ودورهم في نهضة مجتمعاتهم، ووضع الاستراتيجيات المعينة على ذلك، ومن ذلك (استراتيجية الشباب)، التي وضعتها الأمم المتحدة في أيار/مايو2003م، حيث اعتمدت إدارة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية القرار 19/13، وقد طالب القرار بوضع استراتيجية تعمل على تعزيز إشراك الشباب والمنظمات الشبابية في أعمال الأمم المتحدة، وقد استلزم وضع الاستراتيجية إجراء مشاورات على نطاق واسع مع الشباب ومنظمات المجتمع المدني في خلال الفترة من أبريل إلى سبتمبر عام 2004م، وقد شارك في هذا الجهد كثير من المنظمات الشبابية والجهات المتعاونة مع تلك المنظمات منمؤسسات المجتمع المدني. لقد أجريت اللقاءات داخل أروقة الأمم المتحدة للتأكيد على الاستراتيجيات والبرامج الحالية المتعلقة بالشباب، وفرص تعزيز إشراك الشباب، كما تم أيضا إجراء بحوث لتقدير فرص التعاون مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى، وتم عرض الإستراتيجية ومناقشتها في عدد من المنتديات منها: اجتماع فريق الخبراء المعني بوضع استراتيجيات لإتاحة فرص عمل لشباب الحضر في أفريقيا، يونيو 2004م، واليوم الدولي للشباب في نيروبي في 12 أغسطس 2004م، والمنتدى الحضري العالمي الثاني ببرشلونة 13-17 سبتمبر 2004م. من المؤسف أن هذا القرن العشرين تميز بصفة (قرن النزاعات المسلحة)، وقد اتخذت أشكالاً متعددة من بينها الحروب الأهلية والحروب الإثنية بين القبائل، وقد أدى ذلك إلى تعريض حياة المدنيين للخطر في مناطق الحروب والنزاعات، وإن مأساة الحروب في القارة الإفريقية في تزايد مستمر، ومأساة الشاب الإفريقي، وخاصة المسلم في تزايد أكبر. كشفت بعض الدراسات المتعلقة بالأطفال الجنود ومشاركتهم في الحروب: أن عدد هؤلاء الأطفال الجنود يقدرون بـ 000ر250 ألف طفل في العالم بناءً على التقارير الواردة عن عدد الأطفال الجنود المشاركين في النزاعات المسلحة في العالم.
العوامل الداعية لانضمام الشباب إلى النزاعات المسلحة:
هناك عوامل عدة تجعل بعض الشباب، وخاصة من هم في سن الثامنة عشرة أكثر الفئات انضماماً إلى الحركات المسلحة والمشاركة في حمل السلاح، وهذه العوامل هي:
· الجهل والأمية المنتشرة في معظم الدول الإفريقية.
· العصبيات القبلية والإثنية.
· حب التصدر والزعامة.
· الفقر المدقع، فمثلاً في ليبيريا كما يقول أحد المقاتلين السابقين: “يحتاج الكبار لسبب مقنع لحمل السلاح، أما الأطفال فإنه من السهل إقناعهم بأن يقاتلوا من أجل لا شيء، وكل ما يلزم لإقناعهم هو بعض الوعود الصغيرة ببعض المال والغنائم… إنهم فريسة سهلة الاصطياد” .
· الظلم الواقع على الأسرة والتفكك الأسري.
· وجود هذه الفئة في أماكن النزاعات والحروب.
· التجنيد القسري للأطفال في بعض الدول والمجتمعات.
· وفرة السلاح بشكل متزايد، وتطور الأسلحة المستعملة في القتال تطوراً سهل استعمالها حتى من قبل الأطفال، كالبنادق الأوتوماتيكية. …، وهذه الأسلحة رخيصة وسهلة الصيانة، وهو ما سهل انتشار استعمالها في النزاعات المسلحة وخصوصاً في إفريقيا.
البطالة: حيث تلعب دوراً كبيراً في مشاركة عدد لا بأس به من الشباب في هذه النزاعات والحروب في القارة الإفريقية وفي غيرها.
الغرب وتأجيج الأزمات والحروب:
إن الدور الغربي في تأجيج بعض الأزمات في القارة قد بدأ واضحاً منذ مؤتمر برلين 1884 – 1885م، الذي تمَّ فيه تمزيق الممالك الإسلامية الحديثة في القارة إلى دويلات صغيرة، كل دويلة تتبع إحدى الدول الغربية و تدور في فلكها. هذه الدويلات التي تم تقسيمها في مؤتمر برلين تم تقسيمها عمداً، ووفقاً لقاعدتهم المشهورة ” فرق تسد “، ففرًّقوا وسادوا، وما زالت تعاني القارة آثار هذا التقسيم إلى يومنا هذا!، كما أن السياسة الاستعمارية تغيرت وأخذت شكلاً آخر من أشكال الاستعمار في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين عبر أطروحات العولمة والديمقراطية والشركات العابرة للقارات، وأصبح أمثال بوب دينار، والمخابرات الفرنسية والبريطانية والبلجيكية وغيرها من الجهات الغربية، تقيم دولاً وتزيل أخرى، وتشعل حروباً وتوقف أخرى، وصور ذلك كثيرة في طول القارة وعرضها!.
فالدول الغربية هي السبب الرئيس فيما آلت إليه الأحوال في القارة، فعلى مدار ستين عاماً شهدت القارة حروباً متتالية تنتقل من دولة إلى أخرى، والدولة التي لم تعانِ حروباً عسكرية عانت حروباً اقتصادية وأزمات صحية؛ حيث شهدت القارة منذ عام 1966م حتى أواخر القرن الماضي أكثر من ستين حرباً، و شهد عام 1996م أكثر من عشرين نزاعاً شاركت فيه أكثر من خمسة عشر بلداً، تسبب في وفاة أكثر من نصف جميع الوفيات المتعلقة بالحروب على نطاق العالم؛ حيث شهدت الكونغو وحدها أشرس تلك الحروب، التي يمكن أن تصنف ضمن الحروب العالمية؛ حيث شاركت معظم دول القارة ودول من خارجها في هذه الحرب. إن الأسلحة بشتى أنواعها تدخل القارة من الدول الغربية والشرقية، ويمكن أن تحصل على سلاح في أقل من ساعة في بعض المناطق، بينما لا يمكن أن تجد ما تسد به رمق الجائع بسهولة!
تُعد المعاناة الناجمة عن النزاعات المسلحة تجربة من أقسى التجارب التاريخية المشتركة في المجتمع الإنساني، ويعتقد كثيرون أن القرن العشرين شهد ارتفاعاً في عدد النزاعات المسلحة على امتداد العالم, كما شهد في الوقت نفسه تغيراً ملحوظاً في طبيعة هذه النزاعات؛ حيث شهد النصف الثاني من القرن العشرين تفشياً للنزاعات الداخلية التي ارتبطت في غالب الأحيان بقيام دول وطنية، أو تدعيمها، أو انهيارها ، كما حدث في ساحل العاج والصومال، وما أفرزته الانتخابات في كينيا وزيمبابوي، والدعوات الانفصالية في جزر القمر، وأحداث دارفور وما صاحبتها من تداعيات. إن ما يقارب 85% من إصابات الحروب اليوم هي بين المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء والشيوخ. أشارت إحدى الإحصائيات عن النزاعات المسلحة إلى أن عشرة من النزاعات المسلحة الآن على الأقل قد استمرت أكثر من عشر سنين متواصلة. وهناك أجيال في هذه الدول لا تعرف شيئاً عن ماهية الحياة الطبيعية الخالية من الحرب، وهي غير مؤهلة لتعيش حياة طبيعية، ولا تعرف إلاّ أن تعيش حياة المحاربين .
ولعل هذا الجدول يعطينا نموذجاً عن واقع الحروب في القارة منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا:
الحروب الأهلية والشباب في تشاد :
إن تشاد لم تكن بعيدة عن هذه الصراعات العلنية أو السرية، وهي الآن على أبواب مرحلة جديدة من الصراع بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستنتية، كل واحدة تسعى للهيمنة على ثروات الدولة لاستثمار العائدات لدفع عجلة التنصير في القارة، كما صرّح بذلك أكثر من مسؤول. وتعد المعارك التي حدثت في 31/1/، و1-3/2/2008م حلقة من سلسة من المعارك المستمرة في البلاد. إن أطماع المنظمات النصرانية ومصالح القوى الغربية تقتضي أن يدفع الشباب التشادي فاتورة هذه الحروب التي تدار بالوكالة في تشاد. وما شهدته العاصمة التشادية في خميس 31/1/2008م إنما هو استمرار لتاريخ التحالفات الدولية لإدارة دفة الصراع في منطقة وسط إفريقيا عامة، وتشاد على وجه الخصوص، فخلال أربعين عاماً لم يذق التشاديون الطمأنينة والسلام والاستقرار في بلدهم، وهو حال معظم شعوب القارة الأفريقية، التي تعاني أزمة عدم الاستقرار وفقدان الأمن، سواء كان ذلك بعوامل داخلية أم عوامل خارجية. كلما جاءت حكومة اتخذت رداء القبيلة في الغالب لتنفيذ سياساتها في الهيمنة على مقدرات البلاد ، وتتلقى القبائل الأخرى تلك السياسة بالرفض والعداء، الذي سرعان ما يتحول إلى عمل عسكري، وقد يتم الاستقرار المبني على المصالح، والذي يكون قابلاً للانفجار في أيّة لحظة. بدأت الصراعات بالانتفاضة الأولى ضد الحكومة المعيّنة من قبل فرنسا في عام 1958م، ثم قامت أول ثورة في تشاد عام1962م ضد أول رئيس لها( فرانسوا تمبلباي )، ومنذ ذلك التاريخ تفجرت سلسلة من الحروب المتواصلة، كانت أشرسها حرب تسعة الأشهر بين الرئيسين السابقين: ( قوكوني عويدي، وحسين هبري )، والتي راح ضحيّتها أكثر من عشرة آلاف شخص ما بين عسكري ومدني، معظمهم من الشباب، وذلك في الفترة ما بين مارس إلى ديسمبر من عام 1980م . ومنذ وصول الحكومة الحالية إلى الحكم ووتيرة الحرب وملامحها تظهر بين الفينة والأخرى، سواء في الشمال أم في الغرب أم الشرق، وهي الجبهات الرئيسة التي غالباً ما يتمركز فيها بعض الثوار المناوئين للحكومة .
هذه الوضعية التي تمر بها تشاد الآن ليست غريبة على هذه الدولة التي عانت الحروب منذ تاريخ استقلالها عن فرنسا، فقد أوجدت فرنسا كل الأسباب المعينة على عدم استقرار تشاد، حتى يسهل لفرنسا استغلال ما تبقى من ثرواتها كحال معظم الدول الأفريقية، وإن كانت تشاد على رأس القائمة، وقد هاجر بسبب هذه الحروب أكثر من خمسة ملايين تشادي إلى الدول المجاورة جلهم من الشباب وذوي الكفاءات المقتدرة، سواء كانوا من ذوي الثقافة الفرنسية أم العربية. هذه الأحداث كلها تنبئ أن الأطراف الخارجية، وعلى رأسها فرنسا وبعضاً من عملائها، وكذلك الشركات المتعددة الجنسيات ـ والتي لعبت دوراً قذراً في كثير من الحروب التي نشبت في أفريقيا ـ، هذه الأطراف تبدأ بتحريك خيوط اللعبة كلما وصلت البلاد إلى حالة من الاستقرار، لتتواصل تلك الدوامة المقيتة. إن ما تردده فرنسا من حين لآخر بأن أيَّ محاولة للاستيلاء على السلطة بالطرق غير الديمقراطية، ولا سيما استخدام القوة أمر مرفوض من قبلها، مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي؛ فما تفعله في أرض الواقع غير ما تبثه عبر وسائل الإعلام. وقد تكررت مثل هذه التصريحات سابقاً، ولكن النتيجة أنها دائماً مع شعار: ” نحن مع القبيلة الأقوى المنتصرة “!
لقد بدأ النظام الاقتصادي الرأسمالي في العالم ينهار شيئاً فشيئاً بعد أحداث 11/ سبتمبر 2001م، وأصبح يُعاني أزمات اقتصادية متتالية، ظهر ذلك جليّاً في إفلاس شركات عديدة في عدد من الدول الرأسمالية الكبرى، وتسريح أعداد هائلة من العمال مع الأزمة المالية، وفي نفس الوقت زاد الطلب على الطاقة في تلك البلدان، الأمر الذي حدا بها إلى مراجعة أماكن نفوذها السابقة في العالم الإسلامي، والسعي إلى إيجاد أماكن احتياطية تغذّي اقتصادها، وتساهم في انتعاشه، فكان الصراع الأمريكي الفرنسي الظاهري على المستعمرات الفرنسية السابقة، والتي تسعى فرنسا لجعل ثرواتها مدخرات مستقبلية لها، بحيث تنتقل من دولة إلى أخرى. وقد تكون بعض الدول الإفريقية هي محور الصراع بين القوى الغربية لتعيد لنا ذكريات احتلالها، كلما زاد الضغط الشعبي على الحكومات الغربية بسبب الأزمة المالية العالمية، أخذت تبحث عن موارد جديدة، لحل أزماتها وتوظيف العاطلين عن العمل، وإفريقيا هي الأفضل لكثير من هذه الشركات العابرة للقارات وكذلك الدول الغربية.
أثر الشباب التشادي في نهضة المجتمع في ظل الأزمات المتلاحقة.:
جهود الشباب في مجال التعليم :
كان لبعض الإسهامات الشبابية في الحروب المتتالية، دور في النهضة التي يعيشها المجتمع التشادي اليوم، سواء ما تعلق منها بالنهضة التعليمية، وما تشهده الدولة من تطور في هذا الجانب في السنين الأخيرة ـ رغم ما تعانيه من أزمات متتالية ـ، أم ما يتعلق بالزيادة المطردة في المدارس وخاصة الأهلية، أم بإنشاء كليات وجامعات أهلية تساهم في هذا التطور العلمي بعد أن كان التعليم العربي الإسلامي وخريجوه لا يقارنون بأي حال مع التعليم الحكومي الفرنسي. فالمؤسسات التعليمية الإسلامية يزداد عددها يوماً بعد يوم في كل المحافظات التشادية، و تساهم هذه المؤسسات التعليمية مساهمة فعالة في نشر الإسلام وتوعية المسلمين وتزويدهم بالزاد الضروري لهم لمواجهة انتشار ثقافة العلمنة والعولمة في المجتمع التشادي، مع ما تعانيه هذه المؤسسات من نقص في الكوادر المؤهلة والمنهج الموحد، والكتاب المفيد، والمدرسة المتكاملة. إن جوانب النقص كثيرة، لكنها لم تثن عزم الشباب عن المضي قدماً، والسعي لإيجاد الحلول الممكنة بكل السبل المواتية لهم.
جهود الشباب الدعوية:
كذلك كان أثر الشباب الدعوي بارزاً في أثناء الحروب الأهلية سواء أكان هذا الأثر بشكل مباشر أم غير مباشر في القرى البعيدة، أم في المدن الرئيسة، كما انتشرت بحمد الله في الآونة الأخيرة المساجد و المصليات في كثير من المدن والقرى، وزاد عدد مساجد العاصمة ” أنجمينا ” و ضواحيها إلى أكثر من 200 مسجد، كما ازدادت في المدن الأخرى الرئيسة، وازداد الإقبال على المساجد والمصليات من الكهول و الشباب لأداء الصلوات، و تلقي الدروس والمحاضرات العلمية، و تعلم القرآن الكريم في بعض منها، و إشهار عدد كبير من الجنوبيين الإسلام فيها. لعبت خطبة الجمعة التي يلقيها كثير من شباب الدعوة دوراً بارزاً في لفت أنظار المجتمع إلى قضاياهم الأساسية، بدلاً من الاهتمام بسفاسف الأمور، ناهيك عن المحرمات، وخاصة قتل المسلم لأخيه المسلم دون مسوغ شرعي.
جهود الشباب في مجال الإعلام:
وفي الجانب الإعلامي قدم الشباب عبر عدد من المنابر الإعلامية، بدءاً بمنبر الجمعة إلى الإذاعة والتلفاز والصحافة، صورة مشرقة أخرى بتوجيه المجتمع إلى الخروج من الأزمات التي يعانيها اليوم، والبعد عن المفاهيم الجاهلية في الممارسة والسلوك، وتربية النشء من خلال الرسائل القصيرة عبر تلك المنابر والوسائل المتاحة إلى التربية الإسلامية الصحيحة، ومن أكبر الأمثلة على ذلك الدور المشرق الذي تقدمه إذاعة البيان اليوم في تشاد، والتي حازت على شهادات وتزكيات داخلية وعالمية؛ لدورها المميز ومساهمتها الفاعلة في توعية المجتمع التشادي، بوصفها تجربة ناجحة من تجارب الشباب الدعوي في تشاد، وخاصة أن تشاد تشهد الآن هجمة علمانية ضد الإسلام، تظهر من خلال الإذاعات التي أنشأتها المنظمات النصرانية، لتبث من خلالها السم الزعاف من أغان هابطة، وبرامج تافهة، ونشر للمجون والعهر في مجتمع ما زال والحمد لله يحتفظ بالإسلام في كثير من سلوك أفراده، كما تظهر تلك لهجمة في التعليم، وفي كافة مناحي الحياة، خاصة وأن الدستور في مادته الأولى نص على علمنة الدولة:” وأن تشاد دولة ذات سيادة ، مستقلة، علمانية، اجتماعية واحدة وغير قابلة للتجزئة، قائمة على مبادئ الديمقراطية، وعلى سيادة القانون والعدالة، وهي تؤكد على فصل الأديان عن الدولة “، فاتخذ السفهاء من هذه المادة مدخلاً لصبغ المجتمع صبغة علمانية، ووجدوا ضالتهم في المادة 39 من الدستور الحالي بأن: ” التعليم العام علماني “، لتحويل المجتمع كافة إلى مجتمع علماني، بالتركيز على هذه المواد وصبغ القوانين العامة والخاصة بالعلمنة، كما في محاولة العلمانيين وبعض ضعاف النفوس من خلال ما طرح من مشروع مدونة الأحوال الشخصية. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
جهود الشاب في الجوانب الاقتصادية والسياسية في المجتمع:
من صور إسهامات الشباب في تخفيف أثر الحروب على المجتمع التشادي ما يقومون به في بعض الجوانب الاقتصادية من إسهامات بسيطة بإنشاء مراكز ومؤسسات تجارية خاصة بهم، وفي الجانب السياسي التطور الذي أحدثه بعض الشباب من خلال إنشاء أحزاب سياسية جل أعضائها من الشباب المستنير وتحقيق نقلة نوعية في هذا الجانب، هذا إلى غير ذلك من الآثار الحميدة التي ينتهجها الشباب اليوم في تشاد، وخاصة في البرامج الدعوية والإرشادية، ـ التي سبقت الإشارة إليها ـ، وإنشاء جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وتحويل السجال السياسي إلى برامج عمل يتم تنفيذها من خلال منظماتهم وجمعياتهم، ليكون سجالاً فكرياً يفضي إلى نهوض البلاد وتطورها، بدلاً من الحراك العسكري الذي حول البلاد إلى خراب ودمار. بالرغم من أن الشباب يواجه تحديات في هذا المجال، وخاصة بعد حل أكثر من (100) منظمة و جمعية إسلامية كانت تسهم في توعية المجتمع بوجه أو آخر، وذلك بموجب القرار 22/ الصادر من وزارة الداخلية والأمن بتاريخ 30/7/1996م، واستهدف القرار حينها بشكل أساسي الجمعيات والمنظمات الشبابية التي يديرها شباب الدعوة.
(*) باحث في الدراسات الإفريقية والقانونية – تشاد