أ. سيدة محمود محمد (*)
نفذت (الحركة النسوية) إلى المجتمعات العربية والإسلامية وصارت واقعاً مرّاً، وبدأ العالم الإسلامي يدخل طوراً جديداً من أطوار التحوّل الاجتماعي، تؤدي فيه تلك الحركة دوراً بارزاً في التأثير في القيم الأساسية له؛ إلى حدّ تقنين مطالباتها دستوريّاً
وآن لنا أن نبحث في مدى تمكّنها من المجتمعات الإفريقية، وتحديداً إفريقيا جنوب الصحراء، خصوصاً أنّ هذه المنطقة هُضم حقّها كثيراً في البحث والدراسة بوجهٍ عام، والمرأة فيها بوجهٍ خاص، كما أنها تفتقر إلى اهتمام العالم العربي والإسلامي، الأمر الذي جعلها فريسة سهلة ولقمة سائغة للأفكار والتيارات، ولا سيما مَن تسربل بلباس الإسلام مؤخّراً ليسهل له النفاذ إليها.
«المسلمون يشكّلون حوالي ٢٧% من بين سكان البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، والبالغ عددهم حوالي ١٢٩ مليون نسمة(1)، وهم يشكّلون أغلبية السكان في ٩ دول، فإذا كانت النساء يشكّلن نصف مجموع السكان وفقاً للتقديرات المحافظة؛ فإنّ عدد النساء المسلمات اللاتي يعشن في هذه البلدان يبلغ حوالي ٦٥ مليون إمرأة»(2)، وعلى الرغم من ذلك؛ فإنّ مستويات التعليم وتوقّعات الحياة ومستويات الدخل في هذه البلدان من أقلّ المستويات في العالم عموماً.
دول جنوب الصحراء:
إفريقيا جنوب الصحراء وهو المصطلح المستخدم لوصف تلك المنطقة من القارة الإفريقية، تُعدّ جغرافيّاً الحدّ الفاصل من الحافة الجنوبية من الصحراء الكبرى، حيث تتكون من 42 بلداً تقع على البرّ الرئيس للقارة، بالإضافة إلى ستٍّ من الدول الجزرية.
شرق إفريقيا: إثيوبيا، جيبوتي، إريتريا، كينيا، الصومال، جنوب السودان، تنزانيا، أوغندا.
غرب إفريقيا: غينيا الاستوائية، بنين، بوركينافاسو، الغابون، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، الكاميرون، ليبيريا، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، السنغال، سيراليون، توغو، تشاد، الكوت ديفوار (ساحل العاج قديماً).
إفريقيا الوسطى: جمهورية الكنغو الديمقراطية، الكونغو (زائير قديماً)، جمهورية إفريقيا، بوروندي، رواندا.
إفريقيا الجنوبية: أنجولا، بتسوانا، ليسوتو، ملاوي، موزمبيق، زيمبابوي، جنوب إفريقيا، سوازيلاند.
دول جزرية إفريقية: الرأس الأخضر، جزر القمر، مدغشقر، موريشيوس، ساوتوميه وبرينسيب، سيشل(3).
الحركة النسوية بوجهٍ عام:
يعرّف معجم ويبستر (النسوية) فيقول: «النسوية هي النظرية التي تنادي بمساواة الجنسين سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وتسعى – كحركة سياسية – إلى تحقيق حقوق المرأة واهتماماتها، وإلى إزالة التمييز الجنسي الذي تعاني منه المرأة»(4).
وتقول سارة جامبل: يشير مصطلح (النسوية) إلى: «أي محاولة لتحدي النظام الأبوي في أي صوَره»(5)، حيث تنطلق (النسوية) من فكرة: (اضطهاد المرأة، والعداء للرجل؛ بوصفه مسؤولاً عن كلّ معاناتها).
وتُعَدّ الفرنسية (هوبرتين أوكلير) أول مَن أطلقت على نفسها مصطلح: (نسوية Feminist) عام 1882م، في نشرتها الدورية، حينما تحدثت عن مصطلح: (المواطن المرأة La Citoy-enne)؛ واصفةً به نفسها وشريكتها(6).
وزعمت (النسوية) أنّ الرجل اختلق فكرة: (الأدوار الطبيعية) – أطلقوا عليها مسمّى: (النمطية) – كي يزيّف وعي المرأة، ويقنعها بأنّ دورها هو: (إعادة إنتاج العنصر البشري)؛ أي الحمل والإنجاب؛ كي تقنع بالمجال الخاص؛ بدعوى أنها مؤهلة له؛ لأنه يتفق مع تكوينها البيولوجي، وينطلق هو للعمل في الخارج بما ضمن له السيطرة على المجال العام (التحكّم في الموارد الاقتصادية بالخارج)، وعلى المجال الخاص (الأسرة) نتيجة إنفاقه عليها، الأمر الذي نتج عنه – في زعمهنّ – إبقاء المرأة في مكانةٍ غير متساوية مع الرجل سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، حيث سحبوا المكانة الاجتماعية إلى الدور العام، فالرجل – في ظنهم- يحظى بمكانةٍ عالية لأنه يعمل في الخارج، بينما المرأة مهمّشة، وفي وضع دوني لارتباطها الخاص بـ (الأسرة).
وتطرّف (الفكر النسوي) وانتقل من عدائه للرجل إلى عدائه للأديان، وأطلقوا عليها اسم: (أديان ذكورية)؛ لأنّ الأديان – وفقاً لمقولاتهم- رسّخت هذا التقسيم، ورأوا أنّ الأنظمة الحاكمة هي أيضاً ذكورية، والتاريخ ذكوري، واللغة ذكورية، و…(7)
لهذا يطالب (الفكر النسوي) بضرورة إلغاء مفهومي (الذكورة، والأنوثة)؛ لأنهما يعكسان اختلافاً بيولوجيّاً قائماً على الجنس، أما الكائن الهلامي الجديد (الجندر) فلا تحدده هوية بيولوجية، فتصرح إحداهنّ: «إنه لا يوجد ما يُسمّى بالكائن المذكر أو المؤنث، فبعد التطورات التكنولوجية الكبيرة في عصر ما بعد الحداثة أصبح من الضروري إعادة النظر في هوية الذات الإنسانية، وعدم اللجوء إلى التقسيمات الثنائية (مذكر / مؤنث، رجل / امرأة، ذكر / أنثى)، بل لا بد من اللجوء إلى كائن يمزّق هذه الثنائية التي تمثّل حواجز إنسانية تقليدية، ومحو الاختلافات القائمة على الجنس»(8).
ويخطئ مَن يظن أنّ (الأنثوية) نظرية واحدة أو حركة واحدة، فهي عدة تيارات، كلٌّ منها له رؤيته لقضايا اضطهاد المرأة؛ محلّلاً بها أسبابها ومحدّداً نتائجها، فمنها(9):
1 – النسوية الليبرالية liberal feminism :
وتُعَدّ أول صيحة للمناداة بحقوق المرأة، طالبت بتحسين وضع المرأة، وتوسيع فرصها، دون الحديث عن تغييرات جذرية في بنية المجتمع، واقتصرت على قضايا الحقوق السياسية والاقتصادية والمدنية، ولا تستخدم في أدبياتها مصطلحات مثل الاضطهاد النسوي exploitation، التحيز الذكوري malebias، التبعية subordination.
2 – النسوية الماركسية Marxist feminism :
يرى هذا الاتجاه أنه من المستحيل لأيٍّ كان – لا سيما النساء- أن يحصلوا على فرص متعادلة حقيقية في مجتمع طبقي، حيث توفّر الموارد من قِبَل الكمّ المستضعف وتنتهي إلى يد القلة القوية، ولذلك يرى هذا الاتجاه أنّ اضطهاد المرأة ممثّل ومتأصل في (قانون الملكية الفردية)، تلك المؤسسة التي تطمس أيّ نوع من المساواة حقّـقها المجتمع الإنساني.
3 – النسوية الراديكالية Radical feminism :
ترى الأنثويات الراديكاليات أنّ الأنثويات الليبراليات والماركسيات لم يصلن في تنظيرهنّ إلى ما فيه الكفاية، فالنظام الأبوي الذي يقمع المرأة نظام لا يمكن تعديله؛ بل يجب القضاء عليه من جذوره، فلا يكفي – حسب رأيهنّ- قلب أبوية النظام القانوني أو المؤسسات السياسية، ولكن أيضاً قلب أبوية المؤسسات الاجتماعية والثقافية، وبخاصة الأسرة التي يجب القضاء عليها كذلك.
4 – النسوية الاشتراكية socialist feminism :
يرون أنّ ما تعانيه النساء على أيدي الرجال لا يُقارن بما تعانيه الطبقة العاملة على أيدي أصحاب الأعمال، وأنه على الرغم من دخول النساء إلى سوق العمل في الكثير من الدول الشيوعية، كالصين وكوبا والاتحاد السوفييتي قبل انهياره، ظلت النساء في هذه المجتمعات تماماً كما هو الحال في المجتمعات الرأسمالية تحت قبضة البطرياركية، وهذا الاتجاه اختزل قضايا المرأة في عمل وعامل.
5 – النسوية الوجودية existialist feminism :
تُعَدّ (سيمون ديبوفوار) ممثلة التيار الأنثوي الوجودي، وهي ترى أنّ الرجل منذ القدم سمّى نفسه باسم (الذات) والمرأة بـ (الآخر)، فالمرأة هي الآخر لأنها ليست رجلاً، كما أنها الآخر الذي يتقرر مصيره من قِبَل غيره (الآخر)، وإذا أرادت أن تتجاوز وجودها كآخر لتصبح ذاتاً (موجوداً لذاته) فلا بد لها من تجاوز الحدود والصفات والأدوار التي تقيّد وجودها من قِبَل الآخر، وقد كانت هذه الأفكار مقدّمة لـ (النسوية الجندرية)، والتي انطلقت من مقولة الجندر التي تقول: (لا تولد المرأة امرأة، ولكن المجتمع هو الذي يعلمها أن تكون امرأة).
6 – النسوية السوداء(10)Black feminism :
«نشأ هذا التيار في أوساط المناضلين السود، ما أضاف البعد العنصري إلى معادلة (الجنسي، والطبقي)، ووضع التشابهات بين آليات التمييز العنصري وآليات التمييز الجنسي، فبالنسبة إلى النسويات السوداوات؛ وصل التمييز (الجنسي) إلى ذروته مع دخول النساء الحيّز العام ومشاركتهنّ الرجل في العمل، فقد انتقلن عندها من نظام سيطرة ذكورية واستغلال تقليدي إلى كائنات لها حقوقها ومسؤولياتها المدنية، تنافس الرجال وتولّد عندهم العدائية والتمييز الجنسي العنيف، على نحو يشبه تماماً التمييز العنصري الذي تعرّض له السود بُعيد تحرّرهم»(11).
7 – النسوية الإسلامية Islamic feminism :
ظهر مؤخّراً ما يسمّى: (النسوية الإسلامية)، تحديداً في أوائل التسعينيات، في العالم الإسلامي في تركيا، مع كتاب نوليفير غول (الحداثة الممنوعة) عام 1991م، ثم ظهرت بوصفها مسمًّى على يد كاتبات إسلاميات في إيران عام 1992م؛ من خلال صحيفة إيرانية تصدر في طهران بعنوان: (زانان Zanan)(12).
وفي حين تعلن النسوية الغربية عداءها للدين بشكل مباشر، وتعتبره معوِّقاً وقيداً على المرأة، نجد أنّ (النسوية الإسلامية) لا ترفض الدين بشكل مباشر، وإنما تطالب بإعادة قراءته وتفسيره «تفسيراً نسويّاً»! مقابل – ما أطلقت عليه -: «التفسير الذكوري» الذي ترى أنه ساد لقرون طويلة!
وأيّاً كان الاختلاف بين تلك التيارات؛ فلا يستطيع مجادلٌ أن ينكر امتداد تأثيرها إلى ما وراء العالم الغربي؛ ليصل إلى مختلف بقاع العالم التي تتفاوت في درجة فهمها واستيعابها للأفكار النسوية.
الحركة النسوية في إفريقيا جنوب الصحراء:
تضيق الفروق التي تفصل بين التيارات السابق ذكرها في النسوية الغربية؛ لتشكّل كلها في إفريقيا جنوب الصحراء:
(النسوية العلمانية): وهي ترفض الدين قلباً وقالباً.
وتضاف إليها (نسوية) يُطلق عليها:
(النسوية التبشيرية): وهي تمثّل نوعاً جديداً من المشاركة في المشروع الاستعماري الذي كان – تقليديّاً- مجالاً حكراً على الرجال، وعن طريق استخدام جنسهنّ – أي كونهنّ نساء؛ كاستراتيجية لوضعهنّ الفريد- حملت النساء الغربيات على أكتافهنّ «عبء المرأة البيضاء» الخاص بهنّ، وذلك طبقاً للتعبير الذي استخدمته (أنطوانيت بيرتون)، وذلك بمحاولتهنّ إحضار (نور المسيح) إلى النساء في العالم المسلم اللاتي رأين أنهنّ خاضعات لطغيان الإسلام(13)!
النساء المسلمات في إفريقيا جنوب الصحراء: النساء المسلمات في هذه المنطقة ذوات خلفيات متعددة كقريناتهنّ في أي مكانٍ آخر، وتتجلّى في الخلافات الأيديولوجية وسط الحركة النسائية هناك.
وينبغي لنا أن نميز بين ثلاث فئات:
1 – النسائية المسلمة Womanism Muslim :
وهي فئة لا ترحّب بمصطلح (النسوية الإسلامية) كوصفٍ لهنّ، سوى بعض الجماعات النسائية في جنوب إفريقيا ونيجيريا والسنغال، حيث انتقلت التأثيرات الإسلامية من شمال إفريقيا إلى هذه البلدان بشكل أكبر من غيرها، مما ترك أثراً فيها، وهي تطالب بتحسين وضعية النساء كما الرجال، فالكلّ يعاني الفقر والتهميش في مواجهة فسادٍ واستبدادٍ في الداخل، ورغبةً في استعادة الهيمنة من قِبَل الخارج.
2 – النسوية المسلمة Muslim feminism :
وهي التي تتبنّى لغة علمانية، ولكنها تقدّر ما للدين من أثر في تشكيل حياة الناس، لكنهنّ يرونه غير قادر على مسايرة التحولات الاجتماعية، وفي أحسن الأحوال يرون أن يظلّ منتجاً ثقافيّاً يقبع في المجال الخاصّ لا العامّ.
وفي رأيي الشخصي أرى أنّ هذه مجرد مرحلة؛ لأنّ (النسوية) في شمال إفريقيا بدأت بهذا النهج؛ بأن دعت إلى: «ما لقيصر لقيصر، ومالله لله»، ثم انتهى بها الأمر إلى سحب كلّ ما كان «لله» ووضعوه تحت يد «القيصر»، فالآن يطلقون حملات شعواء لتغيير قوانين الأسرة؛ بما يقضي على النزر اليسير مما تبقّى من أحكام الشريعة.
3 – النسوية الإسلامية Islamic feminism :
وهي تحرص على استمداد كلّ مقولاتها من الروايات الإسلامية، لكن يعتقدنّ في أنّ «عليهنّ أن يناضلن لاسترداد حقوق النساء التي كفلها لهنّ الإسلام من قبضة التفسيرات السائدة للعقيدة، وهي تفسيرات متحيّزة للرجال»(14).
هذه الحركة إذن لا ترفض الدين بشكل مباشر، وإنما تطالب – كجزء من النضال- بإعادة قراءته وتفسيره «تفسيراً نسوياً»؛ مقابل – ما أطلقت عليه -: «التفسير الذكوري» الذي ترى أنه ساد لقرون طويلة.
كما تحرص على الاستعانة بالروايات الإسلامية والتاريخية، وإدماج الدين في خطابها، لتتمايز عن (النسوية الراديكالية) الرافضة للدين، ومحاولة الالتفاف حول بعض الأحكام الإسلامية الصريحة، وإعادة تفسيرها بما يُطلَق عليه: «التفسير الحَدَاثيّ»، والادعاء بأنّ التفسير – الحالي- الذي وضعه علماء التفسير الشرعيون- ما هو إلا نتاج ما أطلقوا عليه: «النظام الذكوري الأبوي».
وتثير تلك الدعوات الهدّامة – لإعادة التفسير- الكثير من المخاوف، وذلك من حيث «الخوف من عواقب انقسام التفسير للقرآن الكريم إلى تفسيرين؛ أحدهما تفسير رجالي، والآخر نسائي، فقد تقتحم هذا المجال غير الجديرة بهذا العمل العظيم؛ لما قد تحمله بعض المُفسّرات من الانحياز للمرأة؛ فيفسرن القرآن باتباع أهوائهنّ، فلماذا نفترض الانحياز في الرجل ولا نفترضه في النساء؟! كما أنهن يحاولن تحوير المصطلحات، وبالتالي تحريف الواقع، حينما سعين لاستبدال مفهوم (قوامة الرجل) بسيطرة الرجل على المرأة – كما ذكرن-؛ مما يستميل حفيظة الكثير، ويدفعهم للتعاون مع قضيتهنّ على اعتبار أنها حقّ»(15).
بالإضافة إلى «عدم جواز انقسام الفقه إلى «فقه ذكوري» وآخر «أنثوي»، فهما لا يصلحان كنموذجين للتفسير والمعرفة في سياق العلوم الشرعية، وإنما ذلك ناتج عن إسقاط لفكرة: (النوع) على التاريخ الإسلامي»(16).
وقد ندّدت هذه الحركة بقانون الأسرة وأحكام القضاء فقالت: «حالة الأحوال القضائية فظيعة في بلدان، مثل تنزانيا وأوغندا وأجزاء معينة من وسط إفريقيا وأرياف موزمبيق، فكثيراً ما يطبّق قانون الأسرة للمسلمين.. وفي محافظات شمال نيجيريا ذات الأغلبية من المسلمين بالغت حكومات الدولة في الأخذ بقانون الأسرة، وشرعت عقوبات إسلامية لذنوب جنائية، مثل: السرقة، وتعاطي الكحوليات، وممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، وحيث إنّ المسلمين يطبّقون الشريعة دون تعديلات – حسب النظام الأبوي-، فلا عجب إذا صارت النساء المسلمات في نيجيريا ضحايا للقوانين الجنائية المعتمدة على الشريعة، مثلما حُكم على امرأة بالرجم حتى الموت بتهمة الخيانة الزوجية»(17).
كما ترفض تلك (النسويات) ما هو ثابت من الدين بالضرورة؛ استناداً إلى خلفية فلسفية غربية، فهنّ يعتبرن الحجاب اختيارياً، وفرضه على النساء هو شكل من أشكال التمييز ضدهنّ، وعلى النساء وحدهنّ اختيار ارتدائه أو لا.
وفي مؤتمر أوروبي عُقد للنساء المسلمات، برعاية المجلس الثقافي البريطاني والحكومة الإسبانية والمعهد الأوروبي لحوض المتوسط، تقول (فاتو سو) – وهي مناصرة لحقوق المرأة من السنغال-: إنّ أي نقاش مهمٍّ حول إبطال تعدّد الزوجات يحبطه التأثير السياسي للمجموعات الدينية المتطرفة والتقاليد المحلية القوية(18).
إطلالة على بعض المنظمات النسائية في إفريقيا جنوب الصحراء:
حاول الغرب التعتيم على أي حضارة سابقة في إفريقيا جنوب الصحراء؛ برغم أنّ هناك بعض الدراسات المتناثرة – والتي بدأ الأفارقة بأنفسهم تدوينها- توضح سيراً ذاتية لبعض النساء اللواتي قدّمن أدواراً مهمّة في التعليم والحياة العامّة في نهايات القرن التاسع عشر، وهذه الأدوار امتدت بشكلٍ أو بآخر إلى القرن العشرين.
وأهمّ الأدوار التي قامت النساء بها: المعلمات، والقائدات في الجمعيات الأخوية الروحية المعروفة في غرب إفريقيا باسم (الطريقات)، واللواتي نشطن في عمل جمعيات لها تأثيرها؛ وإن كانت خاصة بتعليم الدين فقط.
وفي شرق إفريقيا – مثلاً – كانت هناك: بيبي زوادي بنت حمد بن سعيد، والتي كان لها دور بارز في تعليم عبدالله صالح الفارسي؛ المشهور بترجمته للقرآن إلى اللغة السواحلية
ونساء شمال نيجيريا استطعن من خلال الالتحاق بالطرق الصوفية، مثل (الطريقة الصوفية التيجانية) و (الطريقة الصوفية القادرية)(19)، الوصول إلى رتبة الإجازة التي تمنح صاحبها صلاحية إدخال الآخرين في الطريقة، كما استمرت الأخريات في عقد حلقات الدرس في المنازل(20).
ومن التقاليد الموجودة في الجزء الجنوبي من قارة إفريقيا، لا سيما جنوب إفريقيا، أن تعطي النساء غيرهنّ من النساء دروساً خصوصية في الموضوعات الدينية، ومن الحقائق التاريخية المهمة أنّ أول مسجد بُني في مدينة (كيب تاون) بجنوب إفريقيا كان منحةً من امرأة.
وفي منتصف القرن العشرين، واجتياح المدّ التحرّري في البلاد، ظهر شكلٌ جديد لمشاركة النساء في العمل العام، وحيث صار للنساء أجنحة داخل الأحزاب السياسية، وهذه الأجنحة النسائية اندمجت عبر الزمن في الأحزاب، أو استمرت في الضغط بوصفها (منظمات نسائية) علمانية؛ تطالب بالمساواة بين الرجال والنساء، مثل: (جمعية النساء النيجيريات) التي أُنشئت عام ١٩٧٥م بالنيجر، وهذه الهيئة هي التي دعت إلى إصلاح قوانين الأسرة للمسلمين.
وفي المناطق التي شهدت نشاط الإحياء الإسلامي والتمسك بالهوية، والتي كانت تميل بحكم تقاليدها إلى طُرق الإخوان الصوفيين، تمّ إدخال النساء في رتب (اتحاد الجمعيات الإسلامية) الموالي للإصلاح الذي نهض في السنغال.
وفي عام ١٩٨٥م شهدت نيجيريا مولد (اتحاد جمعيات النساء المسلمات)، وهي تطالب بتحكيم الشريعة الإسلامية، مما أوجد توتّراً واضحاً حول قضايا الإرث بينها وبين المجلس القومي للجمعيات النسائية – وهو مجلس علماني-، حيث عارض (اتحاد جمعيات النساء المسلمات) التشريعات التي لا تتماشى مع الشريعة، وقدّم لبعض المشكلات الاجتماعية المزمنة حلولاً قائمة على تعاليم الإسلام، ودعا هذا الاتحاد بقوة إلى إنشاء محاكم شرعية في الولايات الجنوبية لخدمة المسلمين الذين يعيشون هناك(21).
مأسسة الفكر النسوي في إفريقيا جنوب الصحراء:
المقصود بذلك إدماج (الفكر النسوي) في كلّ الأنشطة، والسياسات، والبرامج، والمشروعات، والتشريعات على المستويات كافة.
وقد سارت (الحركة النسوية) في إفريقيا جنوب الصحراء بخطى ثابتة نحو استقواء (تمكين) المرأة Woman Empowerment، وما كان عقد مؤتمر المرأة العالمي بشعار: (المساواة والتنمية والسلم) في نيروبي / كينيا عام 1985م عبثاً، حيث لعب على وتر إظهار معاناة النساء الإفريقيات ونضالهنّ، ورفع الوعي باحتياجاتهنّ، وضرورة استهداف النساء في المعونات الدولية من خلال زيادة تمويل البرامج التنموية التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية، والجمعيات الدينية الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني.
كما وضع سلسلة من الجداول الزمنية للدول الأعضاء، يتم بموجبها حذف التمييز بين الجنسين من القوانين المحلية بحلول عام 2000م.
وجاء الميثاق الإفريقي لينصّ على مبدأ المساواة التامّة بين الرجل والمرأة في كلّ الميادين، وكذلك عند صياغة بروتوكول المرأة الإفريقية، وكذلك على مستوى الدساتير الوطنية.
أولاً: الوثائق العالمية:
حصلت أغلب الدول الإفريقية جنوب الصحراء على استقلالها في وقت متأخّر نسبياً، فلم تشارك في كتابة الوثائق العالمية لما يُطلق عليه (حقوق إنسان)، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية الحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ويرى الكثيرون من الأفارقة أنّ هذه الوثائق لا تمثّل هذا الجزء من العالم، وأنها تعالج القضايا التي تهم الشمال فقط، فهي تصوّر الأفارقة بأنهم: (منتهكو حقوق الإنسان) (المتوحشون) (الذين يحتاجون للإرشاد الغربي)، بينما تتجاهل الوثائق تماماً الانتهاكات الشنيعة التي تقوم بها الدول الغربية نفسها، سواء في حقّ نسائها أو في حقّ الآخرين، والمشكلة لا تكمن هنا في ازدواج المعايير في الثقافة الغربية، بل في كون هذه الثقافة هي المرجع الرئيس لتلك الوثائق أيضاً(22).
وبالرغم من هذه الاعتراضات وصدقها؛ فإنه على الصعيد العملي سارعت الغالبية العظمى من دول إفريقيا جنوب الصحراء في الإقرار بتلك الوثائق، ما عدا ليسوتو، فهي الدولة الوحيدة التي أبدت تحفظات بشأن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، تلك الوثيقة التي تجسّد الفكر النسوي الراديكالي بحذافيره.
وتفسير هذا التناقض بين القول والفعل أنّ التصديق على هذه الاتفاقيات يكون أحد الشروط الأساسية لتلقّي دولة معينة للمعونات؛ لذا تقوم العديد من الدول بالتصديق لأجل هذا وليس بسبب قناعتها بالمبادئ التي تنصّ عليها.
ثانياً: الميثاق الإفريقي:
برغم أنّ الوثائق الصادرة في إفريقيا تجعل الثقافة الإفريقية نقطة الانطلاق؛ فإنّ المبادئ التي تنصّ عليها هذه الوثائق لا تختلف كثيراً عن تلك التي صدرت من الأمم المتحدة.
وتفسير ذلك أنّ كتابة هذه الوثائق صدرت متأخرة نسبياً بعد الوثائق العالمية، فقد تمّت كتابة الميثاق الإفريقي بعد صدور (اتفاقية سيداو) التي صدّقت عليها جميع الدول الإفريقية؛ فيما عدا اثنتين (السودان والصومال)، بما انعكس على بنود الميثاق، فجاء (بند 3/18) لينصّ على: «تضمن الدولة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وحصول المرأة والطفل على كامل حقوقهما كما وردت في الاتفاقيات والمواثيق الدولية»(23).
وفي الوثيقة المؤسِّسة للاتحاد الإفريقي؛ يطالب الاتحاد بتمكين المرأة من المشاركة على جميع المستويات، وبأعداد الرجال نفسها في أعمال الاتحاد ومنظماته المختلفة.
وعُينت (جرترود مونجيلا) من تنزانيا أول رئيسة لاتحاد المجالس النيابية بالاتحاد الإفريقي.
ثالثاً: بروتوكول المرأة الإفريقية(24):
تبنّى الاتحاد الإفريقي (بروتوكول المرأة الإفريقية) في يوليو 2003م بالعاصمة الموزمبيقية (مابوتو)، ويُعَدّ هذا البروتوكول أخطر الوثائق جميعها، فهو يُحدث تغييراً أكبر من ذلك الناتج عن (اتفاقية سيداو)، وهو يحوي ديباجة تشبه إلى حدٍّ كبير ديباجة (اتفاقية سيداو) والتي تمحورت حول عدم الاكتفاء بمواثيق حقوق الإنسان، وضرورة تخصيص وثيقة منفصلة للمرأة.
وبالرغم من أنّ بروتوكول المرأة الإفريقية اتخذ من (السيداو) مرجعية له فإنه فاقها؛ إذ أُضيفت بنود أخرى؛ بما فيها تعريف العنف ضد المرأة، والذي أصبح يشمل: «الحرمان من الحريات الأساسية في الحياة العامّة والخاصّة؛ في كلٍّ من أوقات السلم والحرب».
كما تضمّن – ضمن الحقوق الإنجابية – أول اعتراف بالحقّ في (الإجهاض)، كما يساوي البروتوكول أيضاً في الميراث بين الأطفال الذكور والإناث!
كما يحتوي البروتوكول أيضاً على بنود من شأنها إحداث تغييرات مباشرة في الثقافة، كما ورد في (بند 2/2): «تلتزم الدول الموقّعة بتعديل السلوكيات الاجتماعية والثقافية للرجال والنساء، من خلال التعليم الحكومي والمعلومات واستراتيجيات التعليم والاتصال، بهدف القضاء على جميع الممارسات التقليدية التي تميّز بين الجنسين أو تقولب دور كلٍّ منهما».
رابعاً: (إعلان الجندر والإنماء):
صدر (إعلان الجندر والإنماء) عام 1997م عن (الجماعة الإنمائية للجنوب إفريقي)، وهي مجموعة تتضمّن 13 دولة، هي: (أنجولا، بتسوانا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليسوتو، مالاوي، موريشيوس، موزمبيق، ناميبيا، جنوب إفريقيا، سوازيلاند، تنزانيا، زامبيا، زيمبابوي).
وقد شدّد هذا الإعلان على أهمية تدخّل الدولة لمنع العنف ضدّ النساء، وقد تلاه ملحق صدر عام 1998م، جاء أكثر شمولاً من (اتفاقية السيداو)، حيث أضاف (العنف الاقتصادي) إلى أنواع العنف المذكورة سابقاً، وهي: (العنف: الجسدي، والنفسي، والجنسي)(25).
خامساً: الدساتير الوطنية:
تمّت كتابة معظم الدساتير في بلاد إفريقيا جنوب الصحراء بعد عام 1990م، وجاء محتواها نتاجاً لسلسلة من المفاوضات قامت فيها (النسويات) بدورٍ أساسيٍّ بمساندةٍ وضغطٍ دوليين، فحرصت أغلب الدساتير على ذكر المرأة في الديباجة، والاعتراف بدورها في النضال ضدّ الاستعمار والحصول على الاستقلال، فدستور موزمبيق – على سبيل المثال- يذكر دور المرأة في الصراع ضدّ الاحتلال البرتغالي.
وقد حظرت معظم هذه الدساتير التمييز:
وأوضح بعضها: أنه في حالة وجود تعارض بين بعض قوانين الأحوال الشخصية ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة تكون الأولوية للمساواة وليس للأعراف، مثل دستور كلٍّ من: (ناميبيا، ملاوي، جنوب إفريقيا).
النوع الثاني من الدساتير، مثل دستور تنزانيا، يتضمّن بنداً عن المساواة؛ لكنه لا يحدّد الإجراءات التي يجب اتباعها في حالة تعارض هذه القوانين مع الحقوق التي يكفلها الدستور.
النوع الثالث دساتير كلٍّ من: (بوتسوانا، ليسوتو، زامبيا، زيمبابوي)، لا تخضع القوانين المشتقة من الأعراف لرقابة الدستور(26).
السؤال الآن: ما مستقبل (النسوية) في إفريقيا جنوب الصحراء؟
هل ستتمكن (الحركات النسوية) من التغلغل في النسيج الإفريقي، أو أنها – كما تذكر التقارير الرسمية التي تقدّمها حكومات الدول الإفريقية للجنة السيداو – أنّ (المقاومة الثقافية) هي أحد أسباب عدم تطبيق اتفاقية جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
الأمر الذي لا مراء فيه أنّ هناك مدّاً إسلاميّاً واضحاً في إفريقيا جنوب الصحراء، خصوصاً بين النساء، لكن في المقابل هناك حشد رهيب أيضاً لكلّ القوى التي اتفقت مصالحها من أجل استمرار مسلسل استنزاف القارة، وأقواها الحركة النسوية الغربية، والتي تحاول إيهامنا بشعار (المجتمع المدني عابر القوميات)، بينما هو في حقيقة الأمر عبارة عن منظمات غربية بالأساس، وجدت لها وكلاء محليين، ارتضوا أن يقوموا بهذا الدور مقابل مصالح شخصية.
في ظني، وأجد من التفاؤل ما يدفعني للقول بهذا، أنها لن تفلح؛ لأسباب عديدة:
أولاً: محاولات (النسوية) المحلية والإقليمية والعالمية، وإن تكالبت على المرأة الإفريقية، ليست قوية، فإنّ ما يطفو على السطح من مؤيديهم مجرد قلّة وإن كان بيدها صنع القرار، كما أنّ (الحركة النسوية) ما زالت ظاهرة تنحصر في المدن إلى حدٍّ بعيد، أما في المناطق الريفية، فما زالت قواعد عرف البناء الاجتماعي الإسلامي سائدة.
كنتُ مؤخّراً في زيارة إلى جمهورية جزر القمر المتحدة، وعاينت جمهور الإفريقيات في الواقع المعيشي، فوجدتهن لا يعبأن بالصراع ضد الرجل، وإنما على العكس تماماً يقفن جنباً إلى جنب الرجل في صراعه مع الظروف المعيشية الصعبة الناجمة عن استغلال الرأسماليين القدامى والجدد، والانقلابات العسكرية، وما ينتج عنها من تشرّد، ولا يفهمون من التمييز إلا التمييز العنصري، ومن ثمّ فإنّ عدَاءهن بالأساس ليس للرجل الأسود، فهو يتحدّ معها في لون البشرة، وإنما عدَاءهن للمرأة البيضاء التي تعامل الإفريقيات بصلف واستعلاء.
ثانياً: فشل الدولة الوطنية التي نشأت بعد رحيل الاستعمار فشلاً ذريعاً في إعادة الحرية للشعوب الإفريقية، لتحالف النّخب الحاكمة مع الاستعمار بصورتيه (التقليدية، والحديثة) على حساب الفقراء الذين ازدادوا فقراً، بما يشكّك العموم في الأفكار الجديدة ذات الأصل الغربي، بل اعتبر معظم الأفارقة (النسائية، والنسوية) جزءاً من المكائد التي تستخدمها القوى الغربية للتحكم في المجتمعات الإفريقية.
ثالثاً: تركت ذكرى الاستعمار ظناًّ قويّاً في أنّ الحركة العلمانية المتحالفة مع الحركة الرأسمالية الليبرالية ما زالت تخطّط لترسيخ سلطتها وتحكّمها في المجتمعات الإفريقية، وأنّ الأمر لا يعدو منافسة بين القوى الاستعمارية الجديدة والاستعمار القديم، والذي يحاول بدوره أن يستعيد نفوذه.
رابعاً: الحرب التي أعلنتها أمريكا لتأديب مَن يرفض الدوران في فلكها تحت مسمّى الحرب على الإرهاب، والتي «استهدفت فيها المؤسسات الخيرية بأعمالها الإغاثية، وبرامجها الدعوية، بالرغم من حداثة عهدها ومحدودية مواردها وأعمالها، بالنسبة لواقع التنصير الذي استغل الحرب لإزالة المعوقات، وفتح الطرق أمام برامجه ومنصّريه»(27)، غلق هذه المؤسسات مع ما كانت تقدّمه من مشروعات إغاثية لمناطق تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة من حفر آبار وبناء أكواخ… إلخ؛ شكّك شعوب هذه المجتمعات في كلّ ما يأتي من الغرب.
خامساً: الإكثار في الدراسات الغربية من ترديد الأسطورة الشائعة التي تقول بأنّ الأفارقة ليس لهم تاريخ سابق على الاستعمار الأوروبي، والترويج لنموذج «(النسوية المخلّصة) الذي تتقدم به الغربيات، والذي يرسل إشارة مفادها أنّ هنالك مجموعة من النساء أكثر تقدّماً واستنارة على الدوام من مجموعة أخرى، والذي يزعم أنّ قهر النساء مسألة عالمية؛ في الوقت الذي يضع اختلافات تراتبية بين النساء المنتميات إلى أمم وديانات مختلفة»(28)؛ يناقض نفسه.
سادساً: إخفاق (الفكر النسوي) في حلّ مشكلات النساء في بيئته الأمّ، أي في الغرب ومن دار في فلكه، بل جلب لهن مزيداً من الشقاء برغم مرور ما يربو على قرن على تبنّي هذا الفكر دون إحراز نجاح ملموس، بل زادت معاناة المرأة على الصعيدين الأسري والعامّ، ووجدت نفسها تسعى إلى سراب دفعت ثمنه غالياً من صحتها النفسية والجسدية واستقرارها الأسري.
سابعاً: أنّ الوثائق التي تُعرض على المرأة الإفريقية، وتسعى النسويات سعياً حثيثاً من أجل تبنّي نساء العالم لها، غير منصفة، سواء في المعايير التي تستند إليها في تقويم الظواهر، أو في نموذج المعالجة الذي تطلب من شعوب العالم تبنّيه، فنظرة سريعة لأي وثيقة أو تقرير صادر عن الهيئة الدولية، أو واحدة من وكالاتها عن أوضاع المرأة، تبيّن أنه يجعل من إفريقيا مهد الشرّ في العالم كلّه، من العنف، والاغتصاب، وبتر الأعضاء، والانتهاكات ضد المرأة، وتهميشها، وانتشار التقاليد الفاسدة، والخرافة، وتفشي الجهل والأمّية، وشدة الفقر(29).
والإشكالية أنه لا يشير إلى تسبّب الغرب في ذلك عبر استنزاف ثرواته بسبب الاحتلال، بل إنّ الوثائق تسعى في اتجاهين: إلى مزيد من تكريس هذا الاستنزاف من الجنوب لصالح الشمال، واتجاه آخر بأن تضرب في قلب المنظومة الثقافية البقية الباقية التي ما زالت تحمي هذا الجنوب، فالفقر – وفقاً للوثائق – مرجعه إلى الأمّية والجهل عند المرأة اللذين يصرفانها عن العمل والإنتاج، ويشغلانها بالإنجاب والاهتمام بأمور البيت والزوج والأولاد، والظلم الاجتماعي – وفقاً للوثائق- يعود إلى عدم مساواة المرأة في الحقوق، والتمييز بينها وبين الرجل في الأعراف والتقاليد والتشريعات الدينية.
ثامناً: أنّ الوثائق الدولية – فضلاً عن تحيّزها – لا تعبأ بالجنوب أساساً، ومنه الجنوب إفريقي، ففي أول مؤتمر عالمي برعاية الأمم المتحدة عن النساء في عام 1975م، والذي عُقد في مدينة مكسيكو سيتي، كان هناك تباينٌ شاسع في المطالبات، حيث طالبت نساء الشمال بالمساواة القانونية والاستقلال الجنسي، بينما احتلت المسائل الاقتصادية والاستعمار والإمبريالية الأولوية لدى نساء الجنوب.
في النهاية:
لا يكفي أن نعترض على الأيديولوجية النسوية الجديدة، والتي يُراد للعالم أن يتوحد خلفها ويدين بها، لكن ينبغي لنا أن نكشف زيف تلك الادعاءات التي تنشرها تلك الحركات النسوية باسم حقوق النساء وواجباتهن.
الإحالات والهوامش:
(*) مسؤول قسم البحوث باللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل.
(1) هناك إحصائية أخرى لوكالة (فيدس بروما) تذكر أنّ عدد المسلمين في إفريقيا جنوب الصحراء بلغ 234 مليون نسمة في 2010م. http://www.fides.org
(2)إبراهيم موسى: البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن، ترجمة سهام عبد السلام، sjoseph.ucdavis.edu/ewic/ewic
(3) http://ar.wikipedia.org
(4) http://www.merriam-webster.com/dictionary/feminism?show=0&t=1287389553
(5) سارة جامبل: النسوية وما بعد النسوية، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، سنة 2000م، ص 22.
(6) ريان فوت: النسوية والمواطنة، ترجمة أيمن بكر، سمر الشيشكلي، مكتبة الأسرة، 2005م، ص 29.
(7)لمزيد من التفاصيل حول المقولات التي ترددها رائدات الفكر النسوي الغربي انظر:
– صوفيا فوكا: ريبيكا رايت، ما بعد الحركة النسوية، ترجمة إمام عبدالفتاح إمام، المركز القومي للترجمة، ط1، 2010م.
– سوزان مولر أوكين: النساء في الفكر السياسي الغربي، ترجمة إمام عبدالفتاح إمام، مكتبة الأسرة، 2009م.
(8) Haraway.D. “Mainfsto For CYBORGS :Scie, Technology,and Socialist Feminism In The1980’s Socialist Review :80, 1995 pp. 65-108.
(9)لمزيد من التفاصيل حول تيارات وموجات الحركة النسوية، انظر: مثنى أمين الكردستاني: حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر، دار القلم، القاهرة، 2004م.
(10)لمزيد من التفاصيل حول (النسوية السوداء) انظر: ستيوارت سيم، بورين فان لوون: النظرية النقدية، ترجمة جمال الجزيري، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 2005م.
(11)الموجات النسوية في الفكر النسوي الغربي، http://www.startimes.com/
(12) Margo Badran, “Islamic Feminism: What Is In a Name”? Al Ahram Weekly, Cairo, Iusse.No. 569, 17/1/2002.
(13) نيما ناغيبي (Nima Naghibi): الدراسات النسائية / دراسات الجندر، ترجمة: هالة كمال.
sjoseph.ucdavis.edu/ewic/ewic-arabic
(14) وردت هذه التصنيفات الثلاثة في: إبراهيم موسى: البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن، مرجع سبق ذكره.
(15)إيمان عبد الرحمن محمد عبداللاه: التطبيقات التربوية للفكر النسوي المعاصر في مصر: دراسة تقويمية، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة سوهاج، 2008م، ص 96.
(16) معتز الخطيب: النسوية الإسلامية والتحيزات الذكورية، الحياة، العدد 15421، بتاريخ 21/6/2005م.
(17) إبراهيم موسى، مرجع سبق ذكره.
(18) http://www.awomensenews.org/article.cfm?aid=3268
(19)لمزيد من التفاصيل حول هذه الطرق وغيرها من الطرق الصوفية انظر: مجموعة مؤلفين: أوضاع المسلمين في إفريقيا جنوب الصحراء، معهد مبارك قسم الله للبحوث والتدريب، 2010م.
(20)إبراهيم موسى، مرجع سبق ذكره.
(21) إبراهيم موسى، مرجع سبق ذكره.
(22) فريدا باندا: النساء والقانون وحقوق الإنسان في الجنوب الإفريقي، ترجمة سونيا فريد، مجلة طيبة، مركز دراسات المرأة الجديدة العدد السابع عشر، يناير 2013م.
(23) WWW.africa.unioon.org
(24) Protocol to the African on Human and People`s Rights on the Rights of Women in Africa (2003).
(25) فريدا باندا: النساء والقانون وحقوق الإنسان في الجنوب الإفريقي، مرجع سبق ذكره.
(26) المرجع السابق.
(27) http:/www.akhbar-libya.com/modules.php?name=news file=article sid=1943
(28) نيما ناغيبي: الدراسات النسائية / دراسات الجندر، مرجع سبق ذكره.
(29) لمزيد من التفاصيل حول الصورة المسيئة لإفريقيا، انظر: تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2010م؛ بدءاً من الغلاف الخارجي للتقرير، والذي جاء بعنوان: حالة سكان العالم من النزاعات والأزمات إلى مرحلة التجديد، صندوق الأمم المتحدة للسكان 2010م