خصصت اتفاقية باريس الأخيرة حول المناخ مادة مستقلة (REDD+) عن أهمية الغابات وخطورة إزالتها، وهذه إشارة واضحة إلى حتمية التوصل إلى “ذروة انبعاثات الغازات الدفيئة بأسرع ما يمكن”، و”القيام بعمليات خفض سريع إثر ذلك بهدف التوصل إلى توازن بين الانبعاثات” , التي تسببها الأنشطة البشرية والانبعاثات “التي تمتصها آبار الكربون خلال النصف الثاني من القرن”.
ذكرت مجلة “جون أفريق” في إحدى أعدادها, أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة فى أحدث تقاريرها أشارت إلى وجود تراجع حقيقي في إزالة الغابات, غير أن قارة أفريقيا لا تزال تفقد المزيد من مساحاتها الخضراء، وأنها تفقد ثلاثة ملايين هكتار من أراضى الغابات فى كل عام خلال السنوات الخمس الماضية. وجاء في التقرير ما يفيد بأن أربع دول أفريقية ضمن أكثر دول العالم فقدان لغابات أراضيها؛ وهي “نيجيريا”، “تنزانيا”، “زيمبابوى”، و “جمهورية الكونغو الديموقراطية”.
فإزالة الغابات ظاهرة عالمية معقدة, إذ جاءت في دراسة حديثة أنه خلال العقد 1980- 1990 ، انخفض عدد الغابات الاستوائية في العالم بمعدل 15.4 مليون هكتار سنويا. وتبلغ مساحة الأراضي التي تم قطع أشجارها خلال العقد ما يعادل تقريبا ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا.
في نهاية عام 1990 ، كان لأفريقيا حوالي 528 مليون هكتار، أي 30 في المئة من الغابات الاستوائية في العالم. وفي كثير من الدول الأفريقية جنوب الصحراء، تجاوز معدل إزالة الغابات السنوي العالمي من 0.8 في المئة, بسبب ارتفاع عدد السكان بعد الحرب وزيادة الطلب للأشجار للزراعة والوقود وصيد الحيوانات، مما أدى إلى وجود تغيرات ملموسة في استخدام الأراضي ونقصان أشجارها. في حين يرى بعض الباحثين أن السبب في أجزاء عالمية أخرى يكمن في قطع الأشجار لبيعها أو تربية المواشي.
وبقيادة من باحثين بجامعة أدنبرة، قام العلماء بتحليل بيانات الأقمار الصناعية لـ25 عاما, حيث اكتشفوا وجود زيادة في الغابات المغطاة لشمال حوض الكونغو، إلا أن هناك مناطق أخرى شهدت نقصا في عدد أشجار غاباتها, مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا و زيمبابوي وزامبيا و موزمبيق. ولعل من الأسباب لانخفاض قطع الأشجار في شمال الحوض الهجرةَ إلى المدن, وبالتالي انخفضت الحرائق مما أدى إلى خفّة التدمير لأشجار المنطقة.
للغابات الاستوائية دور حاسم في الحفاظ على مناخ مستقر ونظام بيئي متوازن, لأنها – كما قيل – بمثابة الرئتين وجهاز تنظيم درجة الحرارة لكوكب الأرض. فالغابات مسكن لأكثر من نصف أصناف المخلوفات الموجودة على الأرض. غير أنها في كل عام، بسبب تدمير هكتارات من الغابات يتم إطلاق 2 بليون طن من الكربون في الغلاف الجوي الذي تم تخزينه في السيقان والفروع, وهذا يؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري. إضافة إلى أن استمرار قطعها سيهدد معيشة السكان والشعوب الذين يعتبرون مناطق الغابات وطنهم.
إزالة الغابات: النشاطات البشرية ووباء الإيبولا
عندما يأتي الحديث عن وباء الإيبولا، فهذا يعني أننا أمام إحدى الفيروسات المرعبة التي ليس بالسهولة فهم كل ما تحمله أو يتعلق بها, لأنها حتى الحصول على تفاصيل الإصابات بها صعب بعض الشيء, لكن بالمقارنة مع كل الأحداث التي تتعلق بظهور الوباء؛ هناك أوجه التشابه بينها. فأول إصابة بالفيروس كثيرا ما تحدث في الأماكن النائية والمجتمعات الريفية حيث لمس السكان جيف الحيوانات للفيروس، ومن هناك ينتشر المرض بسرعة إلى أماكن أخرى.
يرى بعض محللين أنه ليس من المستبعد أن تكون إزالة الغابات التي لم تُطأ من قبل ساهمت في تفشي الإيبولا, لأن تدمير مواطن الحيوانات في هذه الغابات قد تساهم في اتصال بين الحيوانات حاملات الفيروسات النادرة وبين البشر.
وكما كتب الباحثون في مجلة أوندرستيبورت” للبحوث البيطرية: “إن الزيادة في انتشار فيروس إيبولا منذ عام 1994 دائما ما ترتبط مع تغييرات جذرية في النظم الإيكولوجية للغابات في أفريقيا الاستوائية”, فــ”التوسع في إزالة الغابات والأنشطة البشرية في عمقها قد تعزز الاتصال المباشر أو غير المباشر بين البشر والخزان الطبيعي للفيروس”.
وأشارت “عنبر رود” إلى أن “هذا التدمير للموطن الطبيعي للخفافيش آكلة الفواكه أدى بالحيوانات للاقتراب من المستوطنات البشرية للعثور على الطعام, وربما قد انتقل الفيروس خلال هذا الاتصال المتزايد الناتج عن إزالة الغابات “.
إن مثل هذا الاستنتاج قد يبدو قاسيا بالنسبة لكثرة وسرعة تفشي الوباء, لكنه أيضا قد يكون منطقيا وخصوصا إذا ما نظرنا إلى حجم الغابات المختفية في غرب إفريقيا ومدى كثافة صيد حيواناتها وبيع أخشابها, إذ كان غرب القارة ضمن أعلى معدلات في العالم لإزالة الغابات الإقليمية.
ففي غينيا, خُرّبت الغابات المطيرة عن طريق إزالتها وتقلصت إلى أقل من خمس حجمها الأصلي. وفي ليبيريا، تمّ بيع أكثر من نصف الغابات لشركات قطع الأشجار – وفقا لصحيفة الغارديان. كما أن سيراليون مهدّدة بسبب إزالة غاباتها – وفقا لبوابة “تشاتام هاوس” لرصد قطع غير قانوني للأشجار. أو بعبارة أخرى للباحث “جيم غوكوسكي” المشارك في تأليف دراسة لتتبع إزالة غابات غينيا : “لم يعد هناك أي غابات رائدة في غرب أفريقيا لينتفع بها الأجيال القادمة”.
كما أن جل بلدان أفريقيا تعتمد اعتمادا كبيرا على وقود الخشب، بل ويعتبر الخشب مصدر الطاقة الرئيسي للطبخ والتدفئة, حيث الإحصاءات تلفت النظر إلى أن نحو 90 في المئة من سكان القارة بأكملها يستخدمون الأحطاب للطهي. وفي أفريقيا جنوب الصحراء فقط، كان الحطب مصدر 52 في المئة من جميع مصادر الطاقة.
الفقر وإزالة العابات
وفقا لمنتدى الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بالغابات, يوافق المجتمع الدولي على أن الأسباب الكامنة وراء إزالة الغابات وتراجعها مترابطة وغالبا ما تكون اجتماعية واقتصادية في آن واحد. وهذه الأسباب وأساليب الحد منها في كثير من الأحيان مختلفة حسب خاصيات تلك البلدان، إلا أن الفقر من إحدى هذه الأسباب الرئيسية.
إن الفقر من المشكلات التي تواجهها القارة، وهي معضلة لم تعالج بعد، وبما أن الملايين في القارة يعانون من الجوع, فما عليهم سوى اللجوء إلى أنشطة توفر لهم الغذاء. وعلى الرغم من النمو الاقتصادي في بلدان القارة، فما زال هناك تحديات قائمة, حيث يواجه مواطنو هذه البلدان ارتفاع تكاليف الغذاء مع انخفاض أجورهم, إضافة إلى محدودية فرص الحصول على الاحتياطات الغذائية.
وإذا صعب عليهم العثور على المواد الغذائية، فما لهم إلا أن يبحثوا عن طرق أخرى لاكتساب المال لشراء احتياجاتهم الأساسية من أجل البقاء. وهذا بالفعل ما أدى ببعض سكان إلى أن يصيروا عمالا لشركات قطع الأشجار الضخمة, في حين لجأ آخرون إلى إيجاد ثروتهم من خلال قطف النباتية المهددة بالانقراض وصيد الحيوانات النادرة, فصارت إزالة الغابات حلا لمعظم شعوب القارة.
حلول مقترحة
صحيح أن هناك اتفاقا عاما على أن إزالة الغابات مشكلة يجب حلها، لكنه حتى الآن لا يوجد توافق في الاستراتيجيات والطرق المتبعة لحلها والقضاء عليها. لكن بعض الحلول المقترحة تشمل وضع قوانين ودساتير لتنظيم صناعة وقطع الأشجار، ووضع خطط لحماية الغابات، ومعالجة الأنشطة البشرية التي تشجع إزالتها.
إن قطع الأشجار التجاري يمثل فقط ربع مشكلة إزالة الغابات العالمية، مما يعني أن التركيز على ذلك فقط غير كاف لحلها. كما أن هناك اتفاقا على أن قانون حماية الغابات الذي يراه الكثيرون حلا فعالا لم ينجح في القضاء عليها أو تخفيف معدلها, وذلك لأن هذه المقترحات لا تعالج الأسباب الحقيقية في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لأن الوقود في هذه الدول هو المصدر الرئيسي للطاقة، إضافة إلى تطهيرهم للأراضي وتجهيزها للزراعة.
إن قطع الأشجار بشكل غير قانوني وإزالة الغابات قضية محلية لكن عواقبها عالمية. ولذلك، يجب على كل الجهات كالمنظمات غير الحكومية والمؤسسات وحكومات دول أفريقيا جنوب الصحراء العملَ معا لمكافحتها. كما أن للجهات الخارجية والمؤسسات التعليمية دورا هاما في توعية السكان والمواطنين على أهمية الغابات الاستوائية وتوفير المعرفة حول المشكلة والتقنيات المتاحة للتعامل معها، حتى وإن كانت المسئولية الأولية على عاتق البلدان الأفريقية نفسها وعليها تحمّلها لأن شعوبها هم الأكثر تضررا بعواقبها.