تناولت تحليلات عدة أدوار المرأة الإفريقية على هامش الاحتفال الدولي بيوم المرأة (8 مارس الجاري)؛ وتباينت هذه الأدوار بشكل كبير في ضوء مكانة المرأة في إفريقيا ومعاناتها المستمرة (في مناطق واسعة من القارة) من الأزمات التي تمسّ أدقّ تفاصيل الحياة اليومية، كما تسعى المرأة الإفريقية إلى تعظيم الاستفادة من الفرص السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتوفرة أمامها بفضل جهود محلية أو دولية، على النحو الذي يرد في القراءات التالية:
بروز المرأة في برلمانات إفريقيا جنوب الصحراء في العام 2021-2022م([1]) :
فازت النساء في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 48 دولة في العالم في العام الماضي (2021م) بنحو 28.6% من المقاعد الجديدة. وقد حلَّت إفريقيا ثالثة خلف الأمريكيتين وأوروبا في نسبة تمثيل المرأة في البرلمان في نفس العام، وفقًا لتقرير جديد أصدره الاتحاد البرلماني الدولي Inter-Parliamentary Union (IPU) (المنظمة العالمية للبرلمانات الوطنية).
وتمثل المرأة ما نسبته 25.9% من البرلمانيين في إفريقيا جنوب الصحراء في 1 يناير 2022م. وزادت النسبة العالمية للبرلمانيات بنحو 0.6% وفقًا للتقرير الذي صدر بعنوان : Women in Parliament in 2021. ويمكن إرجاع الزيادة بشكل كبير إلى الدور الحيوي الذي لعبته أنظمة الحصص المخصَّصة للمرأة.
وانتخبت الدول التي بها شكل ما من أشكال “المحاصصة” 31.9% من النساء في المتوسط في مجلس النواب، فيما انتخبت الدول التي لا تُطبّق نوعًا من المحاصصة 19.5% فقط من النساء من إجمالي المقاعد.
وفي عام 1999م أصبحت كيب فيردي واحدة من أوائل الدول في العالم التي أدخلت نظام محاصصة لتحسين تمثيل المرأة في سياستها. وكانت بوروندي بين أوائل الدول القليلة في العالم التي تبنَّت محاصصة جندرية في مجلسها التشريعي من أجل تعزيز شمول المرأة ومشاركتها في العملية السياسية.
وفي ثماني وأربعين دولة حول العالم جرت بها انتخابات برلمانية في العام 2021م؛ فازت المرشحات البرلمانيات بنسبة 28.6% من المقاعد الجديدة؛ مما مثَّل تحسنًا تراكميًّا بنسبة 2.1% مقارنة بالانتخابات السابقة. وقد تحسَّن تمثيل المرأة في البرلمان في 7 من عشر دولة إفريقية، بينما شهدت ثلاث دُول (إثيوبيا وأوغندا وزامبيا) تراجعات. وسجلت كل من كيب فيردي وتشاد تحسنًا مرتفعًا، وفقًا للتقرير. وفي كيب فيردي مثلت المرأة 37.5% من عدد المنتخبين في البرلمان في العام الماضي. ومثّلت تلك النسبة الأعلى بين الدول الإفريقية العشرة. أما في تشاد فقد ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في البرلمان على نحو كبير ووصلت 19.5%.
القائدات الإفريقيات:
كما ارتقت النساء للأدوار القيادية العليا للمرة الأولى في العديد من الدول حول العالم في العام الماضي. فقد وصلت ثماني شخصيات نسائية لقيادة بلادهن للمرة الأولى في منصب رئاسة الدولة أو الحكومة، وفقًا لمنظمة UN Women، التابع للأمم المتحدة.
وكان لدى باربادوس وإستونيا ومولدوفا نساء في مناصب الرئاسة ورئاسة الوزراء لفترة ما في العام 2021م. فقد شهد العام تولي كاجا كالاس Kaja Kallas منصب رئيس الوزراء كأول امرأة تتقلده في البلاد (يناير 2021م)، وانتُخبت سامية حسن أول رئيسة لتنزانيا في مارس، وتولت نجلاء رمضان منصب أول رئيسة وزراء في تونس في سبتمبر لتصبح أول امرأة تتقلد هذا المنصب في العالم العربي. وتقلدت تشيومارا كاسترو Xiomara Castro رئاسة هندوراس في 27 يناير 2022م لتصبح الرئيسة رقم 56 للبلاد.
مستقبل النمو الإفريقي في الشمول المالي للمرأة([2]):
إن سمعتم خلفيات قصة نجاح كل رائدة أعمال في إفريقيا تقريبًا سيدهشكم كم العقبات التي كان عليهن تجاوزها للوصول إلى ما هن عليه الآن. وعلى سبيل المثال فقد بدأت ابوكونولوا أبيدون أووسيكام Ibukunoluwa Abiodun Awosikam، رئيس بنك فيرست ليميتد First Bank Limited بنيجيريا مشروعها المعروف باسم Chair Centre Limited دون رأسمال تقريبًا وخبرة صفرية، لكنْ عبر مقاربة استراتيجية والدأب استطاعت تطويره طوال 27 عامًا ليدرّ عائدات سنوية تتجاوز 12 مليون دولار.
وينطبق نفس الأمر في على جوليان أدييري أومالا Julian Adyeri Omala التي شيَّدت أكبر مصنع لتصنيع العصير في أوغندا (ديلايت ليميتد Delight Limited)، ولديها اليوم أكثر من خمسة ملايين مستهلك. وكذلك حالات رائدة الأعمال الزيمبابوية ميليسا موالي Melissa Mwale، والكينية جينا دين-كاروكي Gina Din-Kariuki الرائدة الإعلامية، والمالية ميمونة كوليبالي المتخصصة في إنتاج البذور الزراعية.
ولا تعد جميع هذه القصص بمعزل عن بعضها البعض؛ وهناك الكثير غيرها في أرجاء إفريقيا؛ حيث بدأت نساء وتوسعت في أعمالهن لبناء أعمال أكبر توظف الكثير من الأفارقة. وتم ذلك في قارة تشكل النساء بها 60% من قوة عمل أصحاب المهن الحرة.
وفيما قد يعتقد المرء أن رائدات الأعمال، باعتبار عملهن في أكبر قطاع لخلق فرص العمل في القارة، يتلقين الدعم التام فإنه قد يبعث على القلق معرفة أنهن يواجهن العقبات الأكبر في نموّ الأعمال، بدءًا من خيارات التمويل المحدودة.
وبالفعل فإن بنك التنمية الإفريقي يلاحظ معاناة رائدات الأعمال مما يقدر بفجوة تمويل تصل إلى 42 بليون دولار، والتي حدثت جزئيًّا بسبب التصور الخاطئ بأن النساء عملاء أكثر مجازفة، وقدرة محدودة مِن قِبَل مؤسسات التمويل في فَهْم حاجات رائدات الأعمال والاستجابة الملائمة لها.
وعلى نفس القدر؛ فإن السياسة والبيئة التنظيمية في الإقليم تفشل في الاعتراف بحاجة النساء لدعم أعمال إضافي؛ لأنهم يستثمرن نمطيًّا نحو 90% من دخلهن في التعليم والصحة وتغذية أسرهن ومجتمعهن؛ مقارنةً بنسبة 40% لدى الرجال. وتفسر المشكلات البنيوية لماذا تحتاج النساء لرعاية إضافية خلال هذه الفترة غير المسبوقة (التي تتسم بانتشار جائحة كوفيد-19؛ حيث تعاني النساء من مصاعب اقتصادية واجتماعية أكثر حدة لأسباب متنوعة مثل زيادة الرعاية بأسرهن، وفقد الوظائف، وزيادة الاستغلال المنزلي).
لكننا نشهد الآن نقطة تغيير؛ حيث نكتشف، كقارة، أن الخطوة التالية لتحوّلنا الاقتصادي تتطلب المشاركة المخطَّط لها للمرأة لا سيما رائدات الأعمال منهن. وفي هذا المسار فإنَّه من الأهمية بمكان تطوير آليات التمويل التي تساعد الأعمال المملوكة للنساء أو التي تقودها النساء على الإسراع بنموّها في السوق.
ويمكن أن يشمل ذلك تخفيف متطلبات الضمانات البنكية لتأخذ في الاعتبار القيود المجتمعية التي تَحُول دون وصول النساء لأغلب هذه المتطلبات (ملكية أرض، رُخَص سيارات، وكشوف حسابات مصرفية). ويمكن استخدام التكنولوجيا المتطورة لمواجهة مثل هذه التحديات؛ لأن أدوات مثل تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول تحدد المعاملات اليومية لرائدات الأعمال الصغيرة، ومِن ثَمَّ فإن البيانات الخارجة منها يجب أن تكون كافية لتوضيح القدرة على تسديد القروض.
كما أنه ثمة حاجة مُلِحَّة لتعليم رائدات الأعمال بخصوص الحفاظ على قوائم مالية، والتي يمكنهن الآن عملها بسهولة عبر تطبيقات شائعة بالهواتف المحمولة، وكذلك عبر عليات تحويل في محافظ الهواتف المحمولة المنتشرة. ويمكن تحقيق مثل هذا التدريب كجزء من أنشطة مبرمجة مِن قِبَل العديد من منظمات العمل الخيري التي تركز على دعم النساء وجزء من أنشطة المسؤولية الاجتماعية المؤسسية للشركات.
لكن ربما يكون العامل المؤثر الأكبر محققًا عبر التدخلات السياسية؛ حيث يدعم المنظم الوطني ووكالات الإشراف على نحو مباشر الشمول المالي عبر حزمة من الإجراءات التي تستهدف تقوية وصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقيادة النساء للتمويل. ويمكن أن يشمل ذلك، كما ورد في أجندة عمل أديس أبابا 2015 Addis Ababa Action Agenda استغلال بنوك التنمية وأدوات الإبداع التي تقر بأهمية وجود إطار تنظيمي قويّ قائم على المجازفة لجميع الوسطاء الماليين. وعلى الرغم من أن الرحلة إلى تحقيق الشمول المالي شاقة إلا أنها رحلة ضرورية؛ لأن مُخرجاتها ستحدد مستقبلنا.
نحتاج المرأة لإنهاء الحروب([3]):
مع استحواذ غزو روسيا لأوكرانيا على اهتمام العالم؛ لا تزال الصراعات في إفريقيا وغيرها منسية على نحو واضح. ففي الأزمة الجارية في إثيوبيا على سبيل المثال، والتي تؤثر على أكثر من 6 ملايين نسمة، تواجه النساء والفتيات مخاطر التشرد والاستغلال والاسترقاق وتفشي “الإيدز”.
وفي دول عبر إقليم الساحل خلّفت الأزمات الإنسانية الكثيرات ممن تواجهن الجوع ونقص الوصول للرعاية الصحية بما فيها خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. وفي جنوب السودان والكاميرون و(إقليم) كابو ديلجادو (شمالي موزمبيق) وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال تتأثر النساء والفتيات على نحو مماثل بالصراع. وفي جميع هذه الأماكن تزاد المواقف تعقيدًا بسبب قضايا جائحة كوفيد-19 والتغيُّر المناخي، وعدم الأمن الغذائي التي تزيد من رجحان تعرّض النساء والفتيات لمخاطر أكبر.
ورغم أن التأثير السلبي للصراعات بشكل أكبر على المرأة أمر معروف؛ فإنه تندر مناقشة أوجه القصور هذه، وتظل النساء مستبعدات بشكل كبير من غرف صنع القرارات المعنية بأمورهن.
وتشير دراسات إلى أن اتفاقات السلام يتم التوصل لها على نحو أسرع وأن الصفقات تستمر لفترات أطول عندما تشارك النساء في عمليات السلام. لكن نادرًا ما يتم ذلك بالفعل. إن موضوع اليوم العالمي للمرأة هذا العام يدعونا “لكسر التحيُّز” Break the Bias ومن الأمور الجوهرية أن نقوم بذلك في أوقات الصراع، أيضًا وأن تتضمن أصوات النساء وخبراتهن في المناقشات والقرارات المتعلقة بالحرب. أما على الورق فقد كان حريًّا بنا القيام بذلك قبل 22 عامًا مضت عندما تبنّى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1325 الذي يقر بأن النساء والأطفال “يمثلون الغالبية العظمى الأكثر تضررًا بالصراع المسلح”.ويُقِرّ القرار، من بين أمور أخرى، بالحاجة الملحة إلى دمج وجهة نظر نسائية في عمليات حفظ السلام”.
وبعد هذا القرار بثلاثة أعوام تبنَّى الاتحاد الإفريقي ميثاقًا يُشار له على نحو شائع ببروتوكول مابوتو Maputo Protocol، وتضمن هذه الوسيلة القانونية الشاملة حقوقَ المرأة، وتقدم المادة 10 على وجه الخصوص الحق في السلام، ومشاركة المرأة في تعزيز السلم وصيانته. وقامت العديد من الدول بالتطبيق المحلي للقرار 1325 عبر خطط عمل وطنية. كما أخذت العديد من الدول الإفريقية خطوات لتحويل “بروتوكول مابوتو” إلى قانون محلي، وطُلِبَ منها رفع تقرير عن تقدم هذا المسار.
ورغم ذلك تواجه المرأة تهميشًا مستمرًّا في جهود السلام. بأيّ حال فإن هناك بعض الأمثلة الإيجابية التي يمكن أن تُعدّ أمثلة نموذجية. يرجع أحدها للعام 2015م عندما عملت مجموعة عمل تضمّ أكثر من 500 امرأة في بوروندي كوسطاء مجتمعيين بعد انزلاق البلاد في الفوضى. ومن خلال عملهن في 129 بلدية محلية قامت هذه المجموعة المُدرَّبة من النساء بمعالجة أكثر من خمسة آلاف صراع على المستوى المحلي، وبادرت بإجراء حوار في 17 إقليمًا بالبلاد.
إن الدفع بالنساء إلى قلب عملية صُنْع القرار خلال الصراعات سوف يتطلب جهودًا مركزة مِن قِبَل الفاعلين بالدولة أو خارجها non-state actors، وعلى هذه المجموعات أن تأخذ في اعتبارها بدقة الأبعاد النسائية للحرب من أجل حماية النساء والفتيات. كما يجب على مجموعات المجتمع المدني أن تدمج النساء في صلب عملهم حول الصراع، بينما يجب على الحكومة الوفاء بالتزاماتها وفق القانون الدولي. وفي الوقت نفسه على المنظمات الحكومية الدولية أن تكون مستعدَّة بكفاءة للقيام بمهامها في محاسبة الدول الأعضاء.
تمكين المرأة الإفريقية لتشكيل مستقبل القارة([4]):
لطالما كان مفهومًا أنه عندما تُبْدِي النساء آراءهن في خيارتهن الاجتماعية والاقتصادية فإن رفاهيتهن وأُسَرهن ومجتمعاتهن يشهدون تحسنًا. لكن ما هي البرامج الأكثر أهمية في تمكين المرأة، وكيف يمكن للنساء الوصول لها؟ ومع توفُّر الفرص الملائمة يمكن للمرأة أن تلعب دورًا حاسمًا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا.
وعلى سبيل المثال فإن دراسة أجراها كونسرتيوم البحوث الاقتصادية الإفريقية African Economic Research Consortium في كينيا تناولت أثر سياسات تمكين المرأة على مخرجات تغذية الأسر الكينية؛ وتوصلت إلى أن النسبة المئوية للأطفال دون الوزن المثالي في عمر أقل من خمسة أعوام قد انخفضت من 19% إلى 12% في الفترة من العام 2003م حتى العام 2014م. وفي نيجيريا كشفت دراسة مسحية للأسر المزارعة أن المساواة قد خفَّضت حالة عدم الأمن الغذائي بين الأُسَر. وربط تحليل لبيانات من تسع دول إفريقية بين تمكين المرأة والتحسن في النمو المعرفي للأطفال، ونموهم، وتغذيتهم.
ويقدم نموذج Empowerment and Livelihood for Adolescents (ELA) للنساء صغيرات السن مجموعة من مهارات الحياة والتدريب المهني. ويستخدم نظراء في العمر لتقديم معلومات حول مسائل عدة مثل المعرفة المالية وإدارة الأعمال والصحة العامة. وحتى الآن وصل عدد المستفيدات من النموذج أكثر من 200 ألف فتاة وامرأة شابة في أوغندا وسيراليون وجنوب السودان وليبيريا وتنزانيا، وكذلك نيبال من خارج القارة الإفريقية.
وهناك نموذج آخر يحمل اسم Graduation؛ والذي يتولى مقاربة متعددة الجوانب لمواجهة الفقر المدقع. ويلبّي البرنامج حاجات المشاركات الأساسية في الأغلب عبر ربطهن بمشروعات شبكات السلامة، ثم تقديم أصول تسهم في تحقيق دخل مادي لهن، وإرشادهن حول كيفية إدارتها.
[1] Madhumita Paul, International Women’s Day: Why 2021 shines bright for gender parity at parliaments in Sub-Saharan Africa, Down To Earth, March 7, 2022 https://www.downtoearth.org.in/news/africa/international-women-s-day-why-2021-shines-bright-for-gender-parity-at-parliaments-in-sub-saharan-africa-81841
[2] Chioma Okotcha, Africa’s next stage of growth will be achieved through women’s financial inclusion, CNBC Africa, March 8, 2022 https://www.cnbcafrica.com/2022/africas-next-stage-of-growth-will-be-achieved-through-womens-financial-inclusion/
[3] Stephanie Musho, We need women to end wars, African Arguments, March 8, 2022 https://africanarguments.org/2022/03/we-need-women-to-end-wars/
[4] Ruth Okowa and Munshi Suliman, Empowering African Women to Shape the Continent’s Future, Project Syndicate, March 8, 2022 https://www.project-syndicate.org/commentary/which-programs-to-empower-african-women-work-by-ruth-okowa-and-munshi-sulaiman-2022-03