تنعقد قمة الاتحاد الإفريقي 5 فبراير الجاري ليكمل الاتحاد 20 عامًا من العمل الجماعي منذ قيامه ومساعيه في ملفات عديدة لإنجاز تقارب إفريقي- إفريقي بقدر من النجاحات وقدر آخر من الإخفاقات البارزة، ربَّما تجسَّدت في ملف قبول عضوية إسرائيل مراقبًا بالاتحاد في عملية اعتبرتها دول كبيرة تحايلًا على أداء الاتحاد واختراقًا لشفافية مفترضة به، بينما رآها مراقبون محصّلة طبيعية “لفساد بنيوي” في مؤسسات الاتحاد الإفريقي لا سيما المفوضية بقيادة رئيسها محمد فقي، وهو الأمر الذي تبلور في أكتوبر 2021م بوقف “مرحلي” لقبول عضوية إسرائيل، وترك المسألة لحسم رؤساء الدول الإفريقية في قمة الاتحاد.
وفي سياق موازٍ نشرت “فاينانشيال تايمز” مقالًا لوزيرة الخارجية الغانية شيرلي بوتشواي تستعرض فيه ضرورة إسهام دول العالم المتقدّم في مواجهة التهديدات التي تواجهها دول غرب إفريقيا، وتحديدًا في خليج غينيا، دون أن تقدّم في حقيقة الأمر توضيحات واقعية لدور غانا المرتقب في مجلس الأمن الدولي في العامين المقبلين في ظلّ عجز دول الإقليم عن مواجهة موجة “الانقلابات” الأخيرة مواجهة واضحة.
كما توجه روسيا أنظارها بقوة نحو إفريقيا ترقبًا للقمة الروسية الإفريقية المرتقبة واعتمادًا، كما كشف مقال نشرته وكالة تاس الروسية الرسمية، على دور رئيس لموسكو في صيانة أمن الدول الإفريقية “بناء على طلبات متكررة من قادة بها”.
وفي بلورة “للتكالب” الدولي على إفريقيا يناقش مقال مهم نشرته “بلومبيرج” محاولات الاتحاد الأوروبي صياغة سياسة “إفريقية” موحدة بهدف رئيس وهو “مواجهة النفوذ الصيني”، وليس من منطلق تفهم أسس أي شراكات دولية، أو تفهم شمولي لمآزق القارة الإفريقية وإمكانات المساهمة الأوروبية الناجعة في حلها.
الاتحاد الإفريقي يتأهب لصدام حول “وضع إسرائيل”([1])
يبدو أن الاتحاد الإفريقي يتأهب لصدام داخلي حول علاقته بإسرائيل؛ بالتزامن مع انعقاد قمته في عطلة نهاية الأسبوع المقبلة، فيما يمثّل نقطة نادرة بالنسبة لكتلة تُثّمن الإجماع بين أعضائها.
وقد اندلع الصراع في يوليو الماضي عندما قبل موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، أوراق اعتماد إسرائيل في المنظمة التي تضم 55 عضوًا ومقرها أديس أبابا- مما منح الدبلوماسيين الإسرائيليين انتصارًا سعوا إليه طيلة نحو عقدين. وبادرت دول الاتحاد القوية، لا سيما جنوب إفريقيا، بالاحتجاج السريع على هذه الخطوة معتبرة أنه لم يتم التشاور معها بشكل ملائم وأنها تتناقض مع العديد من بيانات ومواقف الاتحاد الإفريقي -بما فيها تصريحات لفقي نفسه- بدعم “الأراضي الفلسطينية”، حسب المقال.
وقد فشل وزراء خارجية الاتحاد في حل المسألة خلال اجتماعهم في أكتوبر الفائت ووضعتها جنوب إفريقيا والجزائر على أجندة قمة رؤساء دول الاتحاد التي ستنطلق السبت (5 فبراير) وفقًا لوثيقة اطلعت عليها وكالة الأنباء الفرنسية.
ورغم لائحة مطولة من القضايا الإفريقية الملحَّة بما فيها جائحة كوفيد-19، وسلسلة الانقلابات الأخيرة؛ فإن محليين يتوقعون أن تحظى مسألة وضع إسرائيل بمداولات مطولة في القمة، التي تأتي في مناسبة الذكرى العشرين لتأسيس الاتحاد الإفريقي. ويمكن أن يكون هناك تصويت بخصوص دعم أو رفض قرار فقي. ويرى بعض الخبراء أنه بعد عشرين عامًا من تكوين الاتحاد الإفريقي فإن أول قضية ستحظى بالاهتمام يمكن أن تحدث انقسامًا حقيقيًّا داخل الكتلة، وبغض النظر عن كيفية صياغة القرار بين رؤساء الدول الإفريقي في القمة فإن الاتحاد يتوجّه نحو الانقسام “بطريقة غير مسبوقة”، مع ملاحظة قبول الاتحاد عضوية مراقب لسبع وعشرين دولة وكتلة إقليمية ومنظمة بما فيها كوريا الشمالية والاتحاد الأوروبي، حسب موقع الاتحاد الإفريقي.
ولاحظ خبراء أن الظروف التي تأسَّس فيها الاتحاد الإفريقي تغاير تلك التي تكونت فيها منظمة الوحدة الإفريقية، فقد دخلت القارة في مرحلة ما بعد الاستعمار بجدية، وانتهت العنصرية في جنوب إفريقيا، لكن ليس معنى أن إسرائيل قُبِلَت عضوًا مراقبًا في السابق أن يتم تمرير ذلك بسهولة الآن.
وقد كانت جنوب إفريقيا من أبرز منتقدي إسرائيل وقرار قبولها الأخير. ووصفت وزيرة الخارجية الجنوب إفريقية ناليدي باندور Naledi Pandor (ديسمبر 2021م) قرار فقي بأنه “لا يمكن تفسيره” inexplicable. وجاء القرار كصدمة أخذًا في الاعتبار اتخاذه في وقت يعاني فيه الشعب الفلسطيني المقهور من القصف التدميري، واستمرار تشييد المستوطنات غير الشرعية على أراضيهم.
ويرى محللون ودبلوماسيون أن التصويت بشأن “وضع إسرائيل” لا يزال غامضًا. وتشمل قائمة أكبر داعمي إسرائيل رواندا والمغرب، بينما لم تُعبّر دول كثيرة عن موقفها بعد، بينما يحتاج أي قرار حول إسرائيل لدعم ثلثي الدول الأعضاء.
لا يمكن أن يظل العالم عاجزًا إزاء التحديات الأمنية في غرب إفريقيا([2])
مقال مهم من ناحية المضمون والتوقيت كتبته وزيرة الخارجية الغانية شيرلي أيوكور بوتشواي Shirley Ayorkor Botchway ونشرته “فينانشيال تايمز” يتناول الموقف الدولي من التحديات الأمنية المتصاعدة في إقليم غرب إفريقيا. تفتتحه برسم صورة للحياة اليومية في شوارع العاصمة الغانية أكرا ووجود مهاجرين من إقليم الساحل “خرجوا من بلادهم على يد الإرهاب الذي غذَّته الأسلحة القادمة من ليبيا”.
إنَّ تلك المشكلة واحدة من ثلاث مشكلات رئيسة تأمل حكومة غانا في معالجتها خلال فترة مجلس الأمن بالأمم المتحدة العامين القادمين، التي بدأت من 1 يناير الفائت. إلى جانب التغير المناخي والقرصنة في خليج غينيا. وبعد هزيمة الجماعات الإرهابية في أماكن أخرى توجهت هذه الجماعات إلى إقليم الساحل، ويزداد العنف الذي تثيره من ناحية التكرار والوحشية. وقد ارتفعت الهجمات التي استهدفت مدنيين في الإقليم من 381 في العام 2015م إلى 7108 هجمة في العام 2021م وخسائر بشرية 12519 نسمة، من 1394 نسمة في نفس الفترة، وفقًا لبيانات من Armed Conflict Location and Event Data Project. وفي العام 2020م كانت سبعة من أكبر 10 دول في العالم تُمثّل تهديدًا إرهابيًّا لدول إفريقية. وقد قادت هذه الظاهرة الدموية إلى الهجرة الإجبارية الماثلة في أكرا، وكذلك تهريب البشر بما في ذلك حشرهم في قوارب صغيرة في البحر المتوسط نحو أوروبا.
لكن ثمة دافع آخر في هذه المأساة وهو التغير المناخي، وتلخص (الأوضاع في) بحيرة تشاد المسألة: فقد انكمش أكبر مسطح مائي في الإقليم بنحو 90% في غضون الستين عامًا السابقة. وترتفع درجات الحرارة في حوض بحيرة تشاد بنحو 1.5 درجة أسرع من المتوسط العالمي. ومع الأسف تشمل التهديدات الأمنية في غرب إفريقيا الآن القرصنة في خليج غينيا.
ففي العام 2020م حدثت جميع عمليات الخطف في العالم (28 حادثًا) باستثناء حادث واحد في هذه المياه الإقليمية. وعلى نحو مشابه، في العام 2018م، وقعت جميع حوادث الاختطاف في البحر الستة في العالم، و13 من 18 حادثًا لإطلاق النار على سفن في خليج غينيا. ومن بين 141 أسيرًا تم أسرهم في البحر كان منهم 130 أسيرًا مِن قِبَل القراصنة في خليج غينيا.
وتشكّل حالة عدم الأمن في تلك المنطقة البحرية تهديدًا لحركة التجارة الدولية في وقت الاضطرابات الناشئة في سلاسل التوريد العالمية المتعلقة بجائحة كوفيد-19. لكن رغم الأثر العالمي الواضح والإضرار بالاستثمارات الأجنبية وحياة المجتمعات الساحلية (على خليج غينيا)، فإن دول الخليج الغيني تتحمَّل عبء نشر قوات بحرية وشرطية أغلبها غير فعَّال.
وقد نشرت قوات حرس حدود بحرية دولية لمواجهة قراصنة خليج عدن؛ لذا ما المانع من تكرار الأمر في خليج غينيا؟
إن التغلب على الإرهاب والتغير المناخي والقرصنة في إفريقيا لا يمكن ترك مهمته لدول غرب إفريقيا، بينما نتائج القصور عالمية. إن هذه المشكلات تتطلب اهتمامًا من مجلس الأمن الدولي وإقرارًا بأن الاستجابة لتهديدات السلام العالمي اليوم ومستقبلًا يجب أن تختلف عن مقاربات حفظ السلام التقليدية المطبَّقة في الكونغو ولبنان. إننا بحاجة إلى سياسات مبتكرة وذكية، مع دعم فنيّ وماليّ، لتمكيننا نحن الأفارقة من قيادة أنفسنا.
إن غانا تتطلع بحماس للعمل مع مجلس الأمن الدولي لإنهاء التطرف العنيف والإرهاب الذي يهدّد بلادنا. لقد وقف الأفارقة مع بقية العالم في خوض حروب القرن الماضي. لقد ضحينا بحياتنا من أجل استقرار النظام العالمي الذي غذَّى الازدهار الذي تتمتع به أغلب دول العالم الصناعي اليوم.
يقول أصدقائي الأوغنديون: “إن مَن يحصلون على محصول جيد من اليقطين يَنْسون أولئك الذين أعطوهم البذور.” قد لا يمكن قول ذلك عن الأمم الصناعية العالمية عندما تحتاجهم إفريقيا. على أي حال، فإن العجز الآن لا يؤدي إلا إلى زيادة تكلفة العمل حال التأخر.
عدم الاستقرار في إفريقيا لن يحبط خطط قمة روسيا إفريقيا([3])
نشرت وكالة “تاس” الروسية مقالًا موجزًا تضمن خلاصات للخبير الروسي أندريه كورتونوف Andrey Kortunov بالمجلس الروسي للشؤون الإفريقية Russian International Affairs Council بخصوص العلاقات الروسية الإفريقية، ومن بينها أن حالة عدم الاستقرار الحالية في إفريقيا لن تعوق عقد قمة روسيا- إفريقيا المقررة في العام الجاري. وأن روسيا ستلعب دورًا موفرًا رئيس للاستقرار في إفريقيا، مع عودة القادة الأفارقة باستمرار لروسيا طلبًا للمساعدات في صيانة أمن بلادهم.
وإن هذا التوجه –حسب كورتونوف- سيمثل حافزًا إضافيًّا، وليس عائقًا، لتمتين العلاقات الروسية الإفريقية. مع ضرورة الأخذ في الاعتبار تحديات جائحة كوفيد-19. ورأى كورتونوف أن أكثر ما يُهدّد مسار علاقات بلاده مع إفريقيا هي تداعيات الجائحة التي قادت إلى انكماش الطلب على إنتاج إفريقيا من البترول والغاز، ومِن ثَمَّ فإن بعض المشروعات التي تعمل فيها شركات طاقة روسية تم تنحية عملها جانبًا (مرحليًّا)، والآن فإنها تعود للواجهة مرة أخرى لكن “الجدول الزمني تغيَّر”. ويرى أنه ثمة خيارات متنوعة في عقد القمة اعتمادًا على حالة الجائحة.
وجاءت تعليقات “كورتونوف” بعد ساعات من تأكيدات ميخائيل بوجدانوف M. Bogdanov gdanovف” بعد ساعات من تأكيدات الممثل الرئاسي الخاص لروسيا لدول الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوجدانوف ترول الممثل الرئاسي الخاص لروسيا لدول الشرق الأوسط وإفريقيا ونائب وزير الخارجية (مطلع فبراير الجاري) عدم تحديد موسكو موعد ومكانة قمة روسيا إفريقيا الثانية.
تمزق خطة أوروبا لتحدّي الصين بسبب التمويل([4])
مقال مهم نُشِرَ قبل أسابيع من القمَّة الأوروبية الإفريقية يتناول تخبُّط السياسات الأوروبية في إفريقيا؛ لا سيما خطتها لتحدّي الصين في القارة التي خضعت بالكامل للاستعمار الأوروبي في فترات متعاقبة. استهله “جورجي فاليرو” بالإشارة إلى رفض عدد من الدول الإفريقية التوقيع على “استراتيجية الاتحاد الأوروبي” للاستجابة لسيطرة الصين في إفريقيا قبل القمة رفيعة المستوى في فبراير الجاري وفقًا لمسئولين بالاتحاد الأوروبي مطلعون على الملف.
وبدعم من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي بالتناوب حتى يونيو، فإن المفوضية الأوروبية تحاول حثّ الدول الأعضاء على تنسيق تخصيص 20 بليون يورو (22.3 بليون دولار) من الاتحاد الأوروبي والاستثمار العام للدول الأعضاء التي يتم تمريرها لإفريقيا كل عام. ويهدف ذراع الاتحاد الأوروبي التنفيذي إلى وضع اتفاق عند موعد انعقاد التجمع مع القادة الأفارقة المقرر في 17 فبراير الجاري في بروكسل. ورأت ألمانيا أن بعض المشروعات التي يريد الاتحاد الأوروبي اقتراحها للقمة غير جاهزة بعدُ؛ بحسب مسئولين طلبوا عدم ذِكْر أسمائهم.
بينما قالت حكومات أخرى من بينها المجر والبرتغال وفنلندا: إنه ليس بمقدورها تقديم التزامات محددة “في هذه المرحلة”؛ لأنهم لا يزالون يعملون على موازناتهم القومية للعام المقبل. وبينما تجددت التوترات مع روسيا بخصوص المسألة الأوكرانية، وقادت إلى مزيد من الانقسامات الأوروبية حول السياسة الخارجية (للاتحاد الأوروبي)، فإن ماكرون كان يحاول لسنوات حثّ دول الاتحاد الـ27 على تنسيق نشاطهم الخارجي للاستجابة للبيئة العالمية المتغيرة التي طغا عليها تزايد النفوذ الصيني.
وحذَّرت المفوضية الدول الأعضاء من أنها تهدّد بإضعاف أثر استثماراتها إن واصلت هذه الدول تجزئتها ومتابعة مصالحها الوطنية بدلًا من الالتزام باستراتيجية أشمل للاتحاد الأوروبي. إضافة إلى ذلك فإنَّ الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي يضغط على الحكومات الوطنية لتلقي بثقلها وراء بعض المبادرات في إفريقيا لضمان نجاحها. كما تتباين مواقف الدول الأعضاء إزاء القائمة المقترحة من المشروعات ذات الأولوية. وقد أشارت إسبانيا -على سبيل المثال- إلى أن مبادرات شمال إفريقيا أقل تمثيلًا بشكل واضح مقارنةً بمشروعات إفريقيا جنوب الصحراء، حسب تأكيدات مسؤولين.
وقال الناطق باسم الرئاسة الفرنسية في الاتحاد الأوروبي: إنهم ينفقون وقتًا مطولًا في التشاور مع الدول الأعضاء لإطلاق هذه المقاربة الجديدة للشراكة مع إفريقيا. كما كثفت المفوضية جهودها في الأسابيع الماضية لإتمام حزمة الاستثمارات، حسب تأكيد ناطقة باسم الاتحاد في مقره في بروكسل.
ويعمل تشارلز ميتشل، رئيس المجلس الأوروبي، مع ماكرون للفوز بدعم الخطة. وأكد أن حزمة الاستثمارات ستساعد على تأمين تعاون الدول الإفريقية بخصوص قضايا الهجرة، بما في ذلك الحرب ضد الهجرة غير القانونية والمهربين. ويُنْظَر للقمة على أنها حجر أساس لإطلاق شراكة جديدة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا؛ رغم أن بعض المسؤولين قالوا: إن نجاحها يعتمد على كرم الكتلة الأوروبية.
[1] African Union girds for fight over Israel’s status, France 24, February 1, 2022 https://www.france24.com/en/live-news/20220201-african-union-girds-for-fight-over-israel-s-status
[2] Shirley Ayorkor Botchway, The world cannot afford inaction on the security challenges facing West Africa, Financial Times, February 1, 2022 https://www.ft.com/content/1b8be084-9afb-40cc-928b-f0d3bef3d6c3
[3] Instability in Africa will not upset plans for Russia-Africa summit — expert, TASS, February 1, 2022 https://tass.com/politics/1396041
[4] Jorge Valero, Europe’s Plan to Challenge China in Africa Snagged Over Funding, Bloomberg, February 2, 2022 https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-02-02/europe-s-plan-to-challenge-china-in-africa-snagged-over-funding