بينما يقترب العام 2021م من نهايته شهدت القارة الإفريقية تفاعلات دولية متصاعدة للتدخل في العديد من ملفّاتها؛ فقد بادرت روسيا –على سبيل المثال- بتكثيف جهودها عبر أدوات مختلفة لامتلاك مجالات نفوذ أكبر في إقليم الساحل الإفريقي، سيما في مالي وتشاد.
وتبنَّت موسكو -التي تواجه حربًا إعلامية كبيرة لتوظيفها شركة واجنر للأمن الخاص في العديد من الأزمات الإفريقية- خطابًا “تحرريًّا” يحظى باستساغة كبيرة لدى المواطن الإفريقي في الوقت الراهن في ظل مواقف عدائية متصاعدة تجاه الوجود العسكري الفرنسي في الإقليم، وعدم نجاعته في حلّ مشكلات تعهَّد سلفًا بحسمها، عوضًا عن تفاقم الأزمات في شمالي مالي بسبب السياسات الأمنية الفرنسية القاصرة.
وعقب انتهاء جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في إفريقيا، ووضع بند الديمقراطية على قمَّة أولويات أجندة الزيارة، كما اتضح من خطاب بلينكن في أبوجا؛ عقدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن “قمة افتراضية” للديمقراطية، وصفها مراقبون بأنها “على الطريقة الأمريكية” شهدت حضورًا إفريقيًّا محدودًا، وإن ظل محل انتقاد لعدم اتساق المعايير الأمريكية في اختيار الدول التي حضرت القمة بشكلٍ عامّ.
أما رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي فقد واجها بشكل مستمر ومتصاعد منذ منتصف العام الجاري انتقادات إعلامية غير مسبوقة تراكمت في تحقيق صحفي حول موضوع بالغ الأهمية لصحيفة نيويورك تايمز بخصوص أدلة وشهادات لمسؤولين إثيوبيين كانوا في حكومة آبي أحمد نفسها تؤكد الإعداد للحرب في إقليم التيجراي قبل وقوعها بشهور طويلة؛ مما يُعزِّز صورة رئيس الوزراء الإثيوبي في “الميديا” الغربية كرجل حرب وليس رجل سلام مكَّنته جائزة نوبل للسلام من المضي قُدمًا في واحدة من أكثر الحروب الإفريقية دمويةً وأشدها خطورةً في تداعياتها السَّلبية منذ حرب التطهير العرقي في رواندا وبوروندي في تسعينيات القرن الماضي.
وتختتم دولة جنوب إفريقيا العام الحالي بتوقعات اقتصادية سلبية وتراجعات عن توقعات سابقة بتحقيق معدلات نموّ معقولة على خلفية أزمة كوفيد-19 وتحولاتها التي ضربت الاقتصاد الجنوب إفريقي (لا سيما قطاع السياحة) ضربات عنيفة للغاية، مع قطع نحو مائة دولة رحلاتها الجوية إلى جنوب إفريقيا رغم مؤشرات العودة البطيئة حاليًا ومع قرب نهاية موسم الصيف السياحي في البلاد.
روسيا تشق طريقها إلى إقليم الساحل الإفريقي([1])
مع تجدُّد الاهتمام باقتلاع الهيمنة الفرنسية، بدأت روسيا مؤخرًا في شقّ طريقها إلى إقليم الساحل. وبينما لا يزال هذا الإقليم متخلّفًا بشكلٍ كبيرٍ، ويعاني أغلب سكانه من الفقر وشظف العيش؛ فإن الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي “أقيم” AQIM تنشط به.
وتعوّل روسيا على الفراغ الكبير في الإقليم، وتستهدف بشكل خاص كلاً من تشاد ومالي؛ باعتبارهما أبرز دول الإقليم للتوغل فيه. واستضافت موسكو بشكل منتظم وزراء خارجية إقليم الساحل، وكانت أحدث زيارة “عمل” قد قام بها شريف زين محمد وزير الشئون الخارجية بتشاد في الفترة 6-8 ديسمبر الجاري، وقبلها وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب (نوفمبر 2021). وناقشت الخارجية الروسية معهما سُبُل تقديمها مساعدات عسكرية موسَّعة لمحاربة الإرهاب المتصاعد في الإقليم، ومراجعة جهود تقوية الحوار السياسي وتعزيز نوع الشراكة الروسية مع دول الإقليم.
وفي منتصف نوفمبر 2021م اتفق رئيس الاتحاد الإفريقي موسى فقيه محمد ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على شروط المساعدة الروسية بالمعدات والأسلحة والذخيرة المناسبة في إقليم الساحل. وأشار لافروف إلى هذا الدعم باعتباره “تعاونًا عسكريًّا وفنيًّا”. وفي 7 ديسمبر عقد لافروف اجتماعًا دبلوماسيًّا مع وزير خارجية تشاد الشريف محمد، وناقش معه مطولًا الشؤون الإفريقية، والوضع الصعب في منطقة الساحل “التي تزعزع استقرارها بعد عدوان حلف الناتو على ليبيا”.
ويرى الروس أنه من الضروري –في سبيل مكافحة الأوضاع المتردية في الإقليم- حشد جميع موارد الأفارقة والمجتمع الدولي للحفاظ على القوات المشتركة لدول الساحل الخمسة، وفق لافروف. وطمأن ضيفه قائلًا: إن بلاده ستظل تدعم هذه الدول بالسلاح والمعدات وتدريب الأفراد، بما في ذلك قوات حفظ السلام؛ “لأنه أمر مُهمّ للغاية للمساعدة في وضع نهاية لهذا الشر والتحديات والتهديدات الأخرى بما فيها تهريب المخدرات والصور الأخرى من الجريمة المنظمة.
ووفق العديد من التقارير فإن روسيا ترى أنها تعمل على مكافحة “الاستعمار الجديد” في إقليم الساحل، كاستكمال لركن رئيس من سياسات الاتحاد السوفييتي السابق في إفريقيا. كما سعت روسيا إلى إقناع الأفارقة في الأعوام السابقة بالأخطار المرجّحة لتوجهات الاستعمار الجديد التي تقوم عليها الدول الاستعمارية السابقة والتكالب على موارد القارة.
ومن جهة أخرى؛ فإن مثل هذه المقولات الروسية قد تجد آذانًا صماء؛ لأن القادة الأفارقة اختاروا بالفعل شركاء التنمية الذين تتوفر لديهم مخصّصات للاستثمار في اقتصادياتهم. ومن الضروري معرفة أنه لا يمكن لفرنسا ولا روسيا ولا الولايات المتحدة “أو أيّ قوة استعمارية أخرى” أن تحل جدية المشكلات التي تواجه القارة الإفريقية. وقد وقع العديد من القادة الأفارقة اتفاقيات “غير شفافة” تتجاهل بشكل منتظم القرارات التنفيذية والتشريعية في بلدانهم بخصوص المشروعات الوطنية والموارد الطبيعية في بلادهم.
إفريقيا وقمة الديمقراطية “على الطريقة الأمريكية”([2])
دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى قمة افتراضية حول الديمقراطية (9-10 ديسمبر 2021م)، لكنه لم يَدْعُ سوى “ديمقراطيات” بعينها. ومنذ بدايتها فإن فكرة دعوة الدول المشابهة للديمقراطية الأمريكية كانت دليلًا حقيقيًّا على الأهداف السيئة للقمة. وبعدم دعوة بايدن دولًا معينة فقد كشفت القمة على الفور عن الهدف من ورائها، وتعميق السياسة الأمريكية المثالية “فَرِّق تَسُد”.
ورغم أن الهدف المعلن من وراء القمة -حسب بيان الخارجية الأمريكية- هو توفير منصة للقادة لإعلان التزاماتهم الفردية والجماعية وإصلاحاتهم، ومبادراتهم للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الداخل والخارج. ولم تقدّم الإدارة الأمريكية التبريرات الملائمة لكيفية مشاركة دول (إفريقية غالبًا)، وهي أبعد ما تكون عن تبنّي الديمقراطية.
وتصنف أكثر من 30% من الدول المدعوة (البالغ إجمالي عددها 110 دولة) من قبل “فريدوم هاوس” Freedom House (بالولايات المتحدة) على أنها دول “حرة جزئيًّا”. وهناك ثلاث دول منها (أبرزها أنجولا والكونغو الديمقراطية) تصنّف على أنها دول غير حرة بشكل كليّ. كما جاءت “كينيا” في تصنيف معهد فيديم V-Dem Institute بالسويد ضمن قائمة الدول التي تُمثّل نُظمًا انتخابية استبدادية electoral autocracies.
كما لا تختلف الولايات المتحدة كثيرًا حاليًا عن دول العالم النامي فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، والتمييز، والتفاوت. فقد شهدت اضطرابًا أهليًّا وحادث الكابيتول هول، السياسات العرقية ضد السود وغيرهم داخل الولايات المتحدة؛ أمثلة على أسوأ أشكال الديمقراطية. ولا غرابة أن نحو 85% من المواطنين الأمريكيين يرون الآن أن نظامهم السياسي “يحتاج إلى التغيير”.
ويرى الأمريكيون حاليًا أن أبنية حكمهم غير شفافة، ولا ترجع تلك الرؤية إلى أن الصين وروسيا –على سبيل المثال- يقدما بديلًا أفضل أو أنهما نجحتا في إحداث تآكل في الثقة في الديمقراطية، لكن يعود السبب الرئيس لما أحدثته الديمقراطية الأمريكية –حسب كاتب المقال- لمواطنيها.
جائزة نوبل للسلام التي مهَّدت الطريق للحرب([3])
برزت أدلة جديدة على اجتماعات سرية مع ديكتاتور، وتحركات سرية لقوات عسكرية، وشهور من الإعداد الصامت لحرب كان يتوقع أن تكون سريعة وغير دموية. كما أكَّدت الأدلة على تخطيط رئيس الوزراء آبي أحمد للحملة العسكرية في إقليم التيجراي الشمالي قبل وقوعها (في نوفمبر 2020) بشهور ولم تُؤدِّ إلا إلى الدمار والعنف الإثني الذي أحدق بإثيوبيا ثاني أكبر دولة إفريقية عددًا في السكان.
وشُوهِدَ السيد آبي أحمد الحاصل على جائزة نوبل للسلام مؤخرًا في قيادة بائسة للقوات في ساحة المعركة، مؤكدًا أن الحرب فُرِضَت عليه، وأن مقاتلي إثنية التيجراي قد أطلقوا أولى طلقات حرب نوفمبر 2020م عندما هاجموا قاعدة عسكرية فيدرالية في إقليم تيجراي، وذبحوا جنودًا وهم في أَسِرّتهم. وأصبحت تلك الرواية سائدة للغاية لدى آبي أحمد وأنصاره. وفي الواقع فإن الحرب كانت خيار آبي أحمد، وهي حرب أعدَّ لها حتى قبل فوزه بجائزة نوبل للسلام في العام 2019م، وهو فوز حوَّله، لفترة ما، لأيقونة عالمية لعدم العنف.
ومنحت جائزة نوبل للسلام بشكل أساسي بسبب اتفاق سلام صكَّه آبي أحمد مع أسياس أفورقي، القائد الإريتري المستبدّ، بعد شهور من وصوله للسلطة. وأنهى الاتفاق عقدين من العداء والحرب بين الجارتين المتنافستين، وأثار آمال بحدوث تحوّل إقليميّ. وبدلًا من ذلك تآمر آبي وأفورقي سرًّا لشنّ حرب ضد عدوهما المشترك في تيجراي، ووفقًا لمسؤولين إثيوبيين سابقين وحاليين “الذين تحدثوا بشرط السرية لتفادي أيّ أعمال انتقامية أو لحماية أفراد عائلاتهم داخل إثيوبيا”. وتضمنت معلوماتهم أنه قبل شهور من اندلاع القتال في نوفمبر 2020م حرّك آبي أحمد قواته نحو إقليم التيجراي وأرسل طائرات شحن عسكرية إلى إريتريا. ووراء الأبواب المغلقة ثار جدل بين مستشاريه وجنرالات جيشه حول مزايا حدوث صراع. وأُقِيل مَن اختلفوا مع آبي أحمد، وتم التحقيق مع بعضهم أو أُجْبِرُوا على ترك الخدمة.
ومع استمرار الهوس بفوز آبي أحمد بجائزة نوبل تجاهل الغرب هذه الإشارات التحذيرية حسبما أكد المسؤولون الإثيوبيون. لكن ساعد هذا التجاهل في النهاية على تمهيد الطريق أمام الحرب. “ومنذ فوز آبي أحمد بجائزة نوبل فإنه شعر أنه واحد من أكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم” حسب تأكيد جبريمسكل كاسا Gebremeskel Kassa، وهو مسؤول كبير سابق في إدارة آبي أحمد، ويوجد في منفى اختياري في أوروبا. وشعر أنه يحظى بقدر كبير من الدعم الدولي، وأنه إن مضى في حرب في التيجراي فإنه لن يحدث شيء. ولقد كان محقًّا في ذلك.
وداخليًّا كانت إصلاحات آبي أحمد العاجلة هشَّة وسهل التراجع عنها، بينما ارتكز السلام مع إريتريا حول علاقاته بالسيد أسياس الذي وصفه آبي أحمد في أوسلو خلال تسلمه جائزة نوبل بأنه “شريكي ورفيقي في السلام”.
وقد التقى آبي أحمد والسيد أسياس ما لا يقل عن 14 مرة منذ توقيعهما اتفاق السلام حتى اندلاع الحرب حسب ما تظهره السجلات العامة والتقارير الإخبارية. وكان أغلب هذه الاجتماعات لقاءات ثنائية منفردة دون حضور معاونين أم حتى مدونو ملاحظات. كما عقد الزعيمان ما لا يقل عن ثلاث قِمَم سرية في العامين 2019-2020م دون أيّ إعلان من أسمرا أو أديس أبابا. وفي هذا التوقيت زار مسؤولون إريتريون بانتظام إقليم الأمهرا، وحظيت زيارة أسياس لمدينة قندر الأمهرية التاريخية في نوفمبر 2018م بترحيب كبير للغاية.
التضخم في جنوب إفريقيا يصل 5.5%، الأعلى منذ خمسة أعوام([4])
قفزت نسبة التضخم في جنوب إفريقيا لأعلى مستوياتها في غضون خمسة أعوام تقريبًا في نوفمبر 2021م، مما كشف عن الخيار الصعب الذي يواجهه البنك المركزي في الحفاظ على توازن بين ترويض نمو الأسعار ودعم اقتصاد يعاني تحت وطأة الموجة الرابعة لإصابات فيروس كورونا.
وقد ارتفعت أسعار المستهلكين 5.5% مقارنة بالعام السابق، ومقارنة بنسبة 5% في أكتوبر، حسبما أكدت “إحصاءات جنوب إفريقيا” 15 ديسمبر الجاري في بيان منشور على موقعها الإلكتروني. ويعتبر أعلى مستوى للتضخم منذ مارس 2017م. وقد ارتفعت أسعار السلع المصنعة النهائية برقم قياسي 9.6% في نوفمبر مقارنة بنسبة 8.1% في أكتوبر، حسبما قالت وكالة الإحصاءات في بيان منفصل. وهو أعلى معدل منذ العام 2013م، عندما فصلت الوكالة مؤشرها لسعر المنتج وبدأت في تقديم خمسة قياسات مختلفة للأسعار عن باب المصنع بما في ذلك الزراعة والتعدين والكهرباء والمياه والسلع متوسطة الصنع.
وقد رفع بنك الاحتياط الجنوب إفريقي في نوفمبر الفائت نسبة الفائدة إلى زيادات جديدة. وربما يضطر صُنّاع السياسات (المصرفية) إلى إعادة التفكير في هذه الاستراتيجية مع تهديد إعلانات حظر السفر إلى جنوب إفريقيا بعد اكتشاف متحور أوميكرون في البلاد، مما يحول دون تعافيها الاقتصادي.
ويتوقع اقتصاديون عدم قدرة جنوب إفريقيا على تحقيق توقعات البنك المركزي للنمو في البلاد عند 5.2% للعام 2021م بعد تراجع الناتج على نحو أكبر من المتوقع في الربع الثالث من العام الجاري، وقطع أكثر من 90 دولة صلاتها الجوية مع جنوب إفريقيا قبل انتهاء موسم إجازاتها الصيفية على خلفية تخوُّفات بخصوص “أوميكرون”.
[1] Kester Kenn Klomegah, Russia Makes Inroads Into Africa’s Sahel Region – OpEd, Eurasia Review, December 12, 2021 https://www.eurasiareview.com/12122021-russia-makes-inroads-into-africas-sahel-region-oped/
[2] Zamir Ahmed Awan, Summit for U.S. styled Democracy, Modern Diplomacy, December 14, 2021 https://moderndiplomacy.eu/2021/12/14/summit-for-u-s-styled-democracy/
[3] Declan Walsh, The Nobel Peace Prize That Paved the Way for War, The New York Times, December 15, 2021 https://www.nytimes.com/2021/12/15/world/africa/ethiopia-abiy-ahmed-nobel-war.html
[4] Prinesha Naidoo, South Africa Inflation Reaches 5.5%, Highest in Almost Five Years, Bloomberg, December 15, 2021 https://www.bloomberg.com/news/articles/2021-12-15/s-africa-inflation-data-underscores-central-bank-balancing-act