كان العام 2021م عام الأدب الإفريقي بامتياز؛ حيث استحوذ أدباء أفارقة من شتى أرجاء القارة على أهم الجوائز الأدبية العالمية المرموقة في ظاهرةٍ هي الأولى من نوعها طوال العقود الفائتة؛ وقادت هذه الظاهرة إلى إعادة الاهتمام الدولي بأهم القضايا التي أثارها هؤلاء الأدباء مثل الذاكرة الاستعمارية، ومسائل الهوية الإفريقية، والعلاقات مع “الآخر”.
واستهلت إفريقيا العام 2022م بزيارة “روتينية” لوزير الخارجية الصيني لثلاث من دول القارة (إريتريا وكينيا وجزر القمر)، شهدت نتائج ملموسة أبرزها إعلان الصين عزمها استحداث منصب مبعوث صيني لشؤون القرن الإفريقي وسط أنباء عن استقالة المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان، مما يؤشر إلى جدية الصين الكاملة في زعزعة النفوذ الأمريكي التقليدي في الإقليم.
وفي اتساق مع المقاربة الإفريقية غير المكتملة لمواجهة ظاهرة الإرهاب يناقش مقال مهم دوافع أوغندا لإرسال قوات لها داخل أراضي جارتها الكونغو الديمقراطية؛ لمواجهة جماعات إرهابية في أراضي الأخيرة، لكن يفنّد كاتب المقال دوافع ضمنية أخرى تكشف عن وجود أسباب غير معلنة ومصالح أخرى في مسألة الحرب على الإرهاب، دون أن يستبعد المقال إدانة الغرب في استمرار الأزمة دون مواجهة جادة.
أما المقال الأخير فإنه يتناول بنظرة متفائلة للغاية مساعي السنغال لإنتاج لقاحات عدة لمختلف الأمراض والأوبئة التي تضرب القارة الإفريقية عبر معهد باستور الذي يحظى بدعم دولي كبير، وتصل الاستثمارات به إلى 200 مليون دولار ليكون واحدًا من أهم وأكبر المؤسسات العلمية في القارة الإفريقية من حيث الحجم والخطط المستهدفة.
عام الأدب الإفريقي “2021م”([1])
يُجْمِع كثيرون على أن العام 2021م كان عام الأدب الإفريقي بامتياز، فقد اقتنص كُتّاب من القارة جوائز نوبل، بوكر، جونكورت، وكامويس Camoes (البرتغالية)، وهي أرقى جوائز أدبية في العالم. كما ذهبت جائزة نوستاد Neustadt (أو نوبل الأمريكية) والبوكر الدولية إلى كاتبين سنغاليين، كما ذهبت جائزة السلام German Book Trade إلى كاتب من زيمبابوي. وفي ضوء هذا الاكتساح الإفريقي فإنه يجدر التساؤل عن المشترك بين الكُتّاب المُحْتَفَى بهم والشعوب الغربية. والإجابة الأفضل بسيطة للغاية وقليلة جدًّا؛ فالروايات التي كُرِّمت في العام الماضي تستعرض مجموعة متسعة للغاية من حيث الموضوع والأسلوب والنظرة السياسية، وأمورًا أكثر وضوحًا مثل الأمة والعِرْق والإثنية.
وعلى سبيل المثال أعمال عبد الفتاح جرنه، الحائز جائزة نوبل في حدثٍ فاجأ كثيرًا من المتابعين، لا سيما أنهم لم يقرؤوا “الجنة” التي تتقصى طرق التجارة منذ قرون بين تنزانيا ووسط إفريقيا. أو روايته “بجوار البحر” التي تتنقل بين رواة متعددين لكشف كيف تضطرب الفردانية، تحت وطأة ضغط الهجرة، وتفقد وضوحها. وعبر تتبعه الأثر النفسي الدائم للحياة الزنزبارية على من يقضون بقية حياتهم بعيدًا عن الوطن، يتتبع جرنه البارع تاريخ الاستعمار الغربي الذي يألفه أغلب القراء، ويقدم عملًا موحيًا ومضبوطًا.
لكن لم تكن جميع الأعمال المحتفى بها في العام الماضي تدور حول نفس الموضوع، فقد ركَّز العديد منها بشكل أو بآخر على الإرث العنيف للاستعمار الأوروبي. لكن الرؤى والمقاربات كانت أبعد ما يكون عن المتعارف عليه. وعلى سبيل المثال فإن ديفيد ديوب D. Diop الحائز على جائزة البوكر الدولية عن روايته At Night All Blood Is Black، يطرح سردًا عن التاريخ المنسي بشكل كبير للجنود الأفارقة الفرنسيين في الحرب العالمية الأولى.
وجمع عدد كبير من الروايات الإفريقية البارزة في العام 2021م بين الاسترداد الثقافي والثراء الإبداعي بصياغات ومفردات جديدة من جذورها العميقة. وتقدم رواية The Wanderers للكاتب الجنوب إفريقي مفوتومي نتابيني Mphuthumi Ntabeni مثالًا جيدًا على ذلك؛ إذ تنتقل بمهارة بين المعرفة العميقة بانقسامات القرن التاسع عشر بين شعب الاكسوزا Xhosa وتدبُّر كيف أن شخصيتها الرئيسة، التي فقدت أباها الذي لم تره قط، تجد أشكالًا جديدة من العداء العابر للأجيال.
كان عام الأدب الإفريقي عامًا مشهودًا، ولفترة طويلة جدًّا تجاهلت الجوائز الأدبية الغربية الكبرى الأعمال التي تُنتجها القارة الإفريقية، كما أن الفائزين بجوائز أدبية يواجهون عالم نشر ضاغط عليهم. لكن هذه الجوائز تمثل دعوة للقراء للانفتاح على العديد من تنويعات القصّ الإفريقية.
جولة “وانج يي” الإفريقية “لمحاربة الجائحة، وبناء السلام”([2])
واصلت الخارجية الصينية مطلع العام الجاري تقليدها المستمر منذ 32 عامًا بتوجه وزير الخارجية الصيني في أولى جولاته الخارجية إلى إفريقيا، وقال محللون: إن الزيارة ستعمّق صلات الصين مع القارة عبر تعزيز التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، واستهدفت قضايا مُلِحَّة مثل محاربة جائحة كوفيد-19، ومعالجة الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب الأهلية في إثيوبيا.
ووفقًا لوزارة الخارجية الصينية (4 يناير)؛ فقد شملت زيارة وزير الخارجية المقررة (4-7 يناير) كلاً من إريتريا وكينيا وجزر القمر؛ سيقوم بعدها بزيارة المالديف وسريلانكا.
وحسب ليو قينغاي Liu Qinghai، الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة زيجيانج نورمال، فإن الدول الإفريقية الثلاث تتمتع بعلاقات ودية تقليدية مع الصين، وإن إريتريا أقامت صلاتها الدبلوماسية مع الصين في اليوم الأول من استقلالها في 24 مايو 1993م، ونفّذ البلدان سلسلة من التعاون العملي في العقود الفائتة. وتوقع “ليو” إسهام زيارة وزير الخارجية الصيني لإريتريا في بناء السلام والوساطة في الصراع في الإقليم على ضوء أزمة إقليم التيجراي، ومساعدة الدول المتأثرة بالحرب في حل مشكلاتها الملحة.
وقال محللون: إن الصراع أثَّر على العديد من الدول في الإقليم، وأنه من أجل استعادة السلام والاستقرار، ومن ثَم فإن مساعدات قوة رئيسة خارج الإقليم تظل أمرًا مهمًّا.
أما المحطة الثانية لوانج في إفريقيا فهي كينيا “وهي شريك رئيس للصين في شرق إفريقيا، ومثال أيضًا لتعاون الصين- إفريقيا من أجل البناء المشترك للحزام والطريق”، كما أن كينيا تشارك بفاعلية في وساطة الصراع في إثيوبيا.
أما وانج يويي Wang Yiwei، مدير معهد العلاقات الدولية بجامعة رينمين Renmin ببكين، فقد أكَّد أن مبادرة الحزام والطريق أفادت العديد من الدول الإفريقية. وفي كينيا فإن خط سكة حديد ممباسا- نيروبي يلعب دورًا رئيسًا في تعزيز الترابط الإقليمي البيني، ويمكن مد التجارب الناجحة لدول أخرى في الإقليم.
وقد زار وانج يي كينيا في يناير 2020م، وقال وقتها: “إن الصين تنظر لكينيا كشريك وصديق موثوق ومخلص، وإنها نظرت دومًا للعلاقات وطورتها بين البلدين من وجهة نظر استراتيجية وبعيدة المدى”.
وستركز جولة وزير خارجية الصين لكينيا هذا العام على بعض المسائل المُلِحَّة، منها التعاون مع كينيا حول كيفية حلّ الأزمة في إثيوبيا.
أما جزر القمر فإن وزير خارجية الصين لم يقم بأيّ زيارة لها منذ أكثر من عشرة أعوام؛ لذا فإن الزيارة ترتيب طبيعي للجانبين من أجل تعميق العلاقات القائمة، وإظهار مبدأ الصين الدبلوماسي بمعاملة جميع الدول، الكبيرة أو الصغيرة، على قَدْر المساواة.
وإلى جانب تعزيز التعاون الاقتصادي ومشروعات البنية الأساسية والمساعدة في بناء السلام؛ فإن جائحة كوفيد-19 ستكون موضوعًا رئيسًا في تعاون الصين- إفريقيا، كما أن الصين تعلن أنها ستنفذ وعدها بمساعدة الدول الإفريقية.
لماذا أرسلت أوغندا قوات إلى الكونغو؟([3])
مضى، عند مطلع العام الجاري (2022م)، شهر كامل على توجيه أوغندا ضربات جوية ومدفعية في شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثم إرسالها قوات هناك في عملية تستهدف جماعة “القوات المتحالفة الديمقراطية” بالقيام بسلسلة من الهجمات القاتلة في العاصمة الأوغندية كمبالا.
وتُعد جماعة القوات المتحالفة أشد الجماعات المسلحة عنفًا في الإقليم، وصنفت جماعة إرهابية في العام 2021م مِن قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية. وتأمل أوغندا من وراء هجومها في طرد الجماعة الإرهابية من قواعدها في الكونغو. لكن الهجوم الأوغندي أثار مخاوف عديدة بين بعض المدنيين والمراقبين. ويتخوف عدد كبير من تكرار سلوك أوغندا عند تدخلها في الكونغو في الفترة (1998-2003م)، عندما اتهمت قواتها بقتل المدنيين وتعذيبهم ونهب الموارد الطبيعية وتدمير القرى. ويقول المحللون: إن المهمة الأخيرة يمكن أن تقود لتوتر أمني إقليمي، لا سيما مع رواندا المجاورة، وأعمال انتقامية ضد المدنيين كما تم في الماضي.
كما يمكن أن يستخدم الرئيس الأوغندي يوري موسيفني -الذي يمتلك علاقات أمنية ممتدة مع الغرب- هذه الاختراقات لتحسين صورته خارجيًّا حتى لو واصل الانتهاكات ضد المعارضة في الداخل. ويرى البعض أن العملية محاولة بائسة للتوصل لحل عسكري لسلسلة من المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على الكونغو، ثاني أكبر دول إفريقيا مساحة.
أما فيما يتعلق بأسباب دخول القوات الأوغندية الكونغو؛ فإن السبب المباشر يكمن في أحداث عنف خطيرة وقعت في 16 نوفمبر في العاصمة الأوغندية ضد مركز شرطة وشارع قرب مقر البرلمان الأوغندي، تلاها تعهد السيد موسيفني بملاحقة المعتدين بقوله: إنهم “دعونا وإننا سنأتي لهم”.
وبالنسبة لرئيس الكونغو فيليكس تشيسيكيدي؛ فإن العملية تعزّز جهوده لتحقيق الاستقرار في أقاليم شرق الكونغو المضطربة. وفي مايو الماضي أعلن “حالة الحصار” في شمال كيفو North Kivu وفي إيتوري Ituri مع تنقل المجموعات المسلحة بين الإقليمين. لكن هذه الجهود لم تحقق إلا تقدّمًا بسيطًا، ويواجه تشيسيكيدي، الذي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة في العام المقبل (2023)، ضغطًا متزايدًا من نخب الإقليم ومشرّعيه إزاء عجزه عن معالجة عقود من عدم الاستقرار.
وفي 30 نوفمبر شنَّت أوغندا غارات جوية ومدفعية ضد القوات المتحالفة الديمقراطية، وفي 3 ديسمبر أرسلت قوات عبر الحدود في عملية حملت اسمًا كوديًّا “شجاعة” Shujaa، ويرى تشيسيكيدي أن وجود القوات الأوغندية هو وجود مؤقت، بينما قالت أوغندا: إن تقدُّم المهمة سيتم تقييمه “بعد شهرين”.
لكنَّ المشرعين في أوغندا يتساءلون عن كيفية بَدْء التحرك العسكري دون حصول موسيفني على موافقتهم.
ويرى خبراء إقليميون أن موسيفني لطالما استغل المخاوف الغربية من الإرهاب –بما فيها المبالغة في صلة القوات المتحالفة الديمقراطية مع الحركات “المسلحة الدينية”- لتحقيق التقدم في مصالحه. وفي الماضي أكَّد متهمون أوغنديون بحالات مرتبطة بالقوات الديمقراطية المتحالفة بأنهم عُذِّبُوا لانتزاع اعترافات منهم.
وربما يهدف نشر القوات الأوغندية إلى تأمين حقول النفط الأوغندية القريبة من الكونغو، وفق هيلين إيبشتين H. Epstein، مؤلفة كتاب Another Fine Mess: America, Uganda, and the War on Terror:” (لا سيما مع) بناء خط أنابيب بتكلفة بلايين الدولارات سيحمل البترول الخام من غربي أوغندا إلى المحيط الهندي من المقرَّر أن يعمل في العام الجاري 2022م”.
إفريقيا تستهدف الاعتماد على الذات في اللقاحات([4])
يدخل معهد باستور Institut Pasteur في داكار في شراكة مع شركات منها بيوتيك BioTech في مشروع لتصنيع اللقاحات التي يمكن أن تساعد إفريقيا على تعويض الاستجابة غير الملائمة لإفريقيا تجاه كوفيد-19.
وقد تركّز تصنيع اللقاح خلال الجائحة في يد عدد محدود من الدول، وأمَّنت الحكومات الغنية لمواطنيها أغلب الجرعات، متقدّمة بفارق كبير عن إفريقيا وأقاليم أخرى. ومن بين 8 بلايين جرعة قدّمت حول العالم ذهبت 3% منها فقط لإفريقيا، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية في ديسمبر 2022م.
ويعد مصنع داكار، المتوقع أن يبدأ الإنتاج في وقت لاحق من العام الجاري، جزء من جهد أكبر لتقوية دفاعات إفريقيا ليس ضد كوفيد-19 فحسب، ولكن ضد الملاريا ومجموعة من الأوبئة القاتلة. وتستورد القارة نحو 99% من جميع اللقاحات التي تحتاجها؛ وتستهدف خفض هذه النسبة إلى 40% في غضون العقدين القادمين.
وتقوم الخطة على إنتاج جرعات باستخدام أنواع مختلفة من التكنولوجيا حال إن لم تنجح إحداها، بحسب أحمد صال A. Sall، مدير معهد “باستور”. ويمكن للمعهد أن يحقّق مكاسب عدة، وأن يجذب استثمارات ويبني الثقة في النظم الصحية، ويترك الأجيال القادمة في مكان أفضل.
ويحظى المشروع الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار بدعم كل من البنك الدولي والولايات المتحدة ودول أوروبية وغيرهم، ويستهدف إنتاج 300 مليون جرعة سنويًّا تستهدف كوفيد-19، وغيره من الأمراض، والمساعدة في ضمان أن تكون إفريقيا أكثر جاهزية عند وقوع جائحة جديدة.
وبحسب متخصصين؛ فإن الانتشار السريع للمتحور أوميكرون omicron والفوضى العالمية التي سبَّبها تؤكّد على أهمية توزيع الإمدادات والتكنولوجيات بشكل أكثر توسعًا في أرجاء إفريقيا. ومع استمرار ضرب الفيروس فإنه ثمة خطر متزايد بوقوع مخاوف متجددة ونزع الحماية من اللقاحات.
[1] Jeanne-Marie Jackson, These Novels Are Asking You to Read More, and Read Better, The New York Times, January 2, 2021 https://www.nytimes.com/2022/01/02/opinion/africa-fiction-nobel-booker.html
[2] Yang Sheng, Wang Yi’s new year visit to Africa follows diplomatic tradition, eyes ‘fighting pandemic, peace building’, Global Times, January 4, 2022 https://www.globaltimes.cn/page/202201/1245107.shtml
[3] Abdi Latif Dahir, Why Did Uganda Send Troops Into Congo? The New York Times, January 6, 2022 https://www.nytimes.com/2021/12/31/world/africa/uganda-congo-rebels-adf.html
[4] James Paton, Africa Aims for Vaccine Self-Reliance, Bloomberg, January 6, 2022 https://www.bloomberg.com/news/newsletters/2022-01-06/africa-aims-for-vaccine-self-reliance