يحاول هذا التقرير تقديم رؤية لموضوعات مُتنوِّعَة حول القارَّة الإفريقية في الصحافة العالمية؛ بغرض رَصْد أهمّ ملامح القضايا الجارية في القارة عبر قراءة منتقاة قَدْر الإمكان.
عقد على الربيع العربي: إفريقيا جنوب الصحراء([1])
مقالٌ مهمّ يحتفي بمرور عقد على إرهاصات “الربيع العربي”، وحدوثه من زاوية عدم تكرار هذه الحالة، حسب المقال، في إفريقيا جنوب الصحراء على الإطلاق، على وَقْع نجاح هذه الموجة في إسقاط عددٍ من الرؤساء في شمال إفريقيا بعد اندلاع الاحتجاجات في تونس عقب إحراق البائع محمد بوعزيزي نفسه حتى الموت في سيدي بوزيد؛ جرَّاء سُوء معاملة عناصر من قوّات الأمن له، وما تلا تلك الأحداث من تمكُّن المتظاهرين في تونس من عزل الرئيس زين العابدين بن علي الذي ظل في الحكم لعقودٍ، وتُوفي في منفاه في السعودية في العام الماضي (2019م)، بعد أن ظلّ على قمة السلطة في تونس طوال 23 عامًا.
ورغم الاحتفاء به مبكّرًا؛ لتحقيقه الاستقرار وبعض الرخاء الاقتصادي؛ فإنه واجَه انتقادات عريضة لقمعه الحريات السياسيَّة، وتفشّي الفساد في أركان الدولة. الأمر الذي تكرَّر في حالات الرئيس المصري حسني مبارك، ورئيس اليمن علي عبد الله صالح، والقائد الليبي معمر القذافي.
لكن بعد مضي عشرة أعوام، لم يَبْدُ إلا أمل ضئيل في بداية جديدة. فقد شاعت في بعض دول الربيع العربي أزمة أنظمة قمعيَّة، وحروب أهلية، وتفشّي أنشطة جماعات مسلحة لتطغى على الحياة اليومية له. ورغم ذلك فقد ألهَمَ الربيع العربي دولًا أخرى في العالم، ومن بينها دول في القارة الإفريقية.
الاحتجاجات ضد المستبدين الأفارقة:
احتجَّ الآلاف في بوركينا فاسو، على سبيل المثال، في العام 2014م ضد فترة رئاسة جديدة لرئيس البلاد بليز كومبور Blaise Compaore الذي وصلت سنوات حكمه في ذلك العام إلى 27 عامًا.
أمَّا في السنغال فقد نجحت حركة شباب حملت اسم “Y’en a marre، في مواجهة قرار المحكمة الدستورية في العام 2012م للسماح للرئيس عبد الله وادي بخوض الانتخابات لتولّي فترة رئاسة ثالثة.
وفي السودان تمكَّن الشعب السوداني من خَلْع الرئيس عمر البشير في العام 2019م بعد شهور من الاحتجاجات.
ويرى المحلل روبرت كابل R. Kappel المتخصص في الشئون الألمانية- الإفريقية أن الكثير من الحركات الإفريقية التي تدافع عن الديمقراطية ومزيد من الانفتاح كانت تستلهم حراكها ممَّا حدث بالفعل في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وكان للربيع العربي تأثيرٌ واضحٌ على الدول الإفريقية للابتعاد عن عقود من نُظُم الحكم السلطوية نحو مزيدٍ من الحرية.
إفريقيا قبل الشرق الأوسط:
لكنَّ الحركات الاحتجاجية كتلك التي نشطت في بوركينا فاسو والسنغال والسودان مجرد استثناءات. فقد كانت هناك بالفعل موجة كبرى من التحوُّل الديمقراطي في إفريقيا جنوب الصحراء إلى حدّ أنه لم تكن ثمة حاجة لكسر النزعة الاستبدادية المتفشية في الإقليم، حسب ماتياس باسيدو Matthias Basedau، مدير معهد جيجا للدراسات الإفريقية GIGA Institute for African Studies.
وتم في كثير من الدول الإفريقية إسقاط الكثير من الحُكّام المستبدّين بالفعل مع نهاية الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي. كما أنه فيما يتعلق بالحريات، فإن إفريقيا جنوب الصحراء كانت أكثر سبقًا بكثير من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إلى جانب ذلك فإنه لم يوجد إلا تشابه ثقافي بالغ البساطة، وفي إقليم إفريقيا الجنوبية فإنه يمكن ربطه أكثر بدول الجوار أو الدول الأوروبية. ويرى باسيدو أن الثورة في السودان (التي ترصد على نحو متكرّر في قطاع لا يُستهان به من الأدبيات الغربية على أنها جزء من الحراك في إفريقيا جنوب الصحراء) تُمثّل استثناء: لغويًّا وثقافيًّا، فإن السودان ينتمي أكثر للإقليم العربي وليس إفريقيا جنوب الصحراء.
الجانب المظلم للربيع العربي:
ورغم ذلك هناك بعض الحكومات المستبدَّة خشيت من تأثيرات “ربيع عربي” في بلدانها: ففي العام 2012م اتُّهِمَ عضو مجلس نُوّاب سابق في زيمبابوي وخمسة آخرون بالتآمر للتخريب بعد حضورهم اجتماعًا شاهدوا خلاله فيديوهات للاحتجاجات في تونس ومصر. وأشارت عمليات الاعتقال إلى قَلَق السلطات الزيمبابوية من رياح التغيير التي تجتاح شمال إفريقيا وإمكانية إلهامها للزيمبابويين.
وفي مالاوي تم استجواب أستاذ جامعي لإشارته للانتفاضة المصرية بعد قتل الشرطة للعديد من المحتجّين على ارتفاع الأسعار. ومن جهة أخرى لحقت ببعض الدول الإفريقية على نحو غير مباشر نتائج سلبية للربيع العربي. كما في إقليم الساحل حيث قاد سقوط معمر القذافي في ليبيا إلى دَفْع الإقليم إلى أزمة لا تزال قائمة إلى اليوم.
ويرى باسيدو أن التمرُّد في شمالي مالي أصبح أكثر خطورة بعد سقوط القذفي، كما دافع مرتزقة نيجريون عن نظام القذافي، بحكم موقع بلادهم الجغرافي من ليبيا، ومنذ ذلك الوقت حاربوا إلى جانب مسلحين ضد حكومتهم.
لا ربيع إفريقي:
يفتقر “الربيع الإفريقي” إلى جميع الاشتراطات والمقوّمات الأساسية للربيع العربي، حسب جيلبرت أشقر G. Achcar أستاذ العلاقات الدولية بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS) بجامعة لندن؛ حيث لا تعاني الدول في إفريقيا جنوب الصحراء من نفس الأزمة الهيكلية، بل إنه يوجد تنافس (سياسيّ ومستدام) في الدول الإفريقية على السياسة والانتخابات، وتلك حالة تختلف عن الحراك من أجل إسقاط النظام بأكمله. إلى جانب أن البطالة بين الشباب تبلغ أقصاها عالميًّا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طوال أكثر من 25 عامًا حسب تقديرات مركز بروكينجز Brookings الأمريكي، ووصلت في هذين الإقليمين في العام 2017م إلى 30%.
ويحذّر كابل Kappel من توجّه خطير سيجعل “ربيعًا إفريقيًّا” مسألة مرجّحة وإن كانت على مستوى أقل. وكان تلخيصه الصارم للوضع يتمثّل في أنَّ التسليح الضخم للشرطة والسلوك السلطوي، والتراجع (المنهجي) عن الحقوق الدستورية، كما هو الحال في ساحل العاج ورواندا يُحفّز الحركات الديمقراطية والناشطين. على أيّ حال فإنه يُوقن أنه رغم وجود عددٍ من الدول الإفريقية التي حُكِمَتْ بنُظُم استبدادية لعقودٍ، فإن شرارة المقاومة بها لا تزال خامدة، بينما تناضل دولٌ أخرى للحصول على مزيد من الحرية وتحقيق “ربيعها العربي”.
إفريقيا في قائمة انتظار مطولة للقاحات كوفيد- 19([2]):
في الأيام الأولى من الجائحة، كان العلماء في أرجاء القارة الإفريقية واضحين في عدم رغبتهم في الاعتماد على اللقاحات القادمة من الخارج. ورؤيتهم أن الدول الغنية سيكون بمقدورها توفير الإمدادات الطبية تاركة الدول صاحبة الموازنات الأقل على البحث العلمي متخلفة وراءها.
ويرى بعض العلماء الأفارقة أن الدول الثرية ليس لديها نفس القَدْر من الاهتمام الذي يبديه أبناء القارة الذين يسعون لاستكمال اللقاحات التي يعملون عليها. ويُلاحظ الباحث النيجيري كريستيان هابي C. Happi، الذي يعمل ضمن معمل تطوير لقاحات في جنوب غربي نيجيريا، أن فريقه يشعر بأهمية التعجّل في الوصول للقاحات مع بدء توزيع تحصينات من كوفيد-19 في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى. ويحذر مسؤولون حكوميون من أن ذلك سيثير مسألة التفاوت بين الدول الغنية التي أمَّنَتْ جرعات كافية للغاية لمواطنيها، والدول الفقيرة التي لم تُؤَمِّن بعدُ إلا كميات محدودة.
وعلى سبيل المثال؛ فإن الدول الغنية تمكَّنت في منتصف نوفمبر 2020م من حجز 51% من جرعات اللقاح المتنوعة -المتوفرة عالميًّا حتى ذلك الوقت- رغم أنها لا تضم سوى 14% فقط من سُكَّان العام، وفقًا لدراسة جديدة نشرتها الجمعية الطبية البريطانية British Medical Association.
إنَّ القضاء على تفشّي الوباء في المناطق المحرومة من الموارد أمرٌ مهمّ للغاية للقضاء على فيروس كورونا، أو حسب مسؤولين بقطاع الصحة فإنه طالما ظلت الجائحة قائمة في مكان ما من القارة، فإنها يمكن أن تستمر في الانتشار. ولا يُتوقّع أن تبدأ حملات توزيع اللقاح في إفريقيا (جنوب الصحراء؟) قبل أبريل 2021م، حسب تقدير رئيس المركز الإفريقي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها Africa Centers for Disease Control and Prevention. وحتى بحلول ذلك الوقت فإن الكميات التي ستُرْسَل لإفريقيا مجرد جرعات أقل بكثير ممَّا يتمّ شحنه حاليًا للولايات المتحدة وأوروبا. وحسب تأكيد مدير المركز الإفريقي للسيطرة على الأمراض جون نكينجاسونج J. Nkengasong فإنه سيكون مفزعًا للغاية رؤية ذلك.
وتستعدّ أغلب دول إفريقيا الأربعة والخمسين للاستفادة من “مرفق إتاحة لقاحات كوفيد-19” Covid-19 Vaccines Global Asses Facility أو كوفاكس COVAX، وهو البرنامج الذي تدعمه منظمة الصحة العالمية لتوزيع بلايين الجرعات على 92 دولة من دول الدخل المنخفض والمتوسط في العام 2021م. لكنَّ لا تزال هناك حاجة إلى 5 بلايين دولار لتغطية السكان المعرَّضين للخطر في الدول المستهدَفة مع نهاية العام 2021م، وفقًا لجافي Gavi، أو “التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع” Global Alliance for Vaccines and Immunisation الذي يجمع المخصصات لكوفاكس.
ولا توجد شواهد على صفقات بين شركات مثل “فايزر” وأفقر دول في العالم، حسبما ذكر باحثون من جامعة دوك Duke University مطلع ديسمبر الجاري، مما دفعهم للاعتقاد بأن أعدادًا كبيرة من الناس ستكون “معتمدة كلية” على كوفاكس.
وقد حجزت الولايات المتحدة 800 مليون جرعة، وهو عدد يفوق حاجة سكانها جميعًا، وفقًا لدراسة منشورة في BMJ. وحجزت الدول منخفضة الدخل مجتمعة أقل من هذا الرقم بمائة مليون جرعة. بينما أمَّنَتْ دول الدخل المرتفع إمداداتها المستقبلية من لقاحات كوفيد-19، لكنَّ وصول بقية دول العالم لمثل هذه اللقاحات على نحو كامل يظل أمرًا غير مؤكّد. وإن لم تتغير الأحوال الحالية فإن 67 دولة لن تكون قادرة إلا على تطعيم مواطن واحدٍ من كلِّ عشرة مواطنين من سُكّانها في العام المقبل، وفقًا لتقرير صادر هذا الشهر من People’s Vaccine Alliance، وهو تحالف غير هادف للربح يشمل منظمة العفو الدولية وأوكسفام الدولية Oxfam International.
ودعا قادة في أرجاء إفريقيا، طوال الشهور الأخيرة، إلى اتباع مسار تطعيم أكثر مساواة بين دول العالم. وصرّح الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوسا في مايو 2020م بأنه “يجب ألّا يُحْرَم أيُّ فرد في العالم من اللقاح بسبب مكانه أو مهنته”. وقال الرئيس النيجيري محمد بخاري في أكتوبر: “إنه لا يمكن الانتظار أكثر من ذلك للتوصل لاتفاق دولي حول هذه المسألة”.
وشهدت إفريقيا نسبة بالغة الضآلة من مصابي فيروس كورونا في العالم (3.4% فقط. ويُرْجِع باحثون ذلك إلى عدة عوامل عديدة؛ مثل: خبرة الأطباء وهيئة التمريض بالجائحات، والإغلاق المبكّر للتجمعات، وارتفاع نسبة الشباب في القارة -حيث يقل 60% من سكان القارة عن عمر 25 عامًا- والبيئة الفريدة (بينما ترتفع معدلات الإصابة في جنوب إفريقيا والجزائر ومصر وتونس؛ حيث ترتفع نسبة السكان الأكبر سنًّا). وهناك المئات من تجارب اللقاحات في مراحل مختلفة من التطوير في أرجاء العالم، حسبما تظهر قاعدة بيانات منظّمة الصحة العالمية، ولم تصل أيٌّ من التجارب على اللقاحات الإفريقية للتجارب السريرية بعدُ.
ويُمثّل التمويل عائقًا رئيسًا أمام هابي، مدير مركز الامتياز الإفريقي لجينات الأمراض المعدية في إدي African Center of Excellence for Genomics of Infectious Diseases in Ede، وكانت تركيبته فعَّالة بنسبة 90% في التجارب التي تمَّت على حيوانات، حسبما أكَّد، لكنَّ المعمل لم يتوفر له المال المطلوب للمضي قدمًا في التجارب على البشر. وكان بنك نيجيريا المركزي قد خصَّص تمويلًا نقديًّا لتطوير المصل، لكن لم يتوفر سوى 1.3 مليون دولار لاستكمال العملية، ويتطلب إكمال الوصول للعقار مئات ملايين الدولارات.
كما توجد مشكلات أخرى لاحقًا تتمثل في الافتقار لغرف تبريد أو مبردات عالية التقنية للعقاقير التي سيتم استيرادها. وعلى سبيل المثال؛ فإن لقاح فايزر يجب أن يُحْفَظ في درجة حرارة -94 فهرنهايت (070 درجة مئوية)، وتلك مهمة بالغة الصعوبة في مناطق تفتقر لكهرباء يُعتمد عليها بشكل دائم. وتتوفر لدى بعض خطوط الطيران تكنولوجيا النقل المجمَّد. وأعلنت الخطوط الجوية الإثيوبية خططها لنقل لقاحات فيروس كورونا إلى أرجاء القارة الإفريقية.
وغذَّت المعلومات المغلوطة الشكوك حول العلاجات القادمة من الخارج. فقد تداعى الغضب عبر وسائل التواصل الاجتماعي في صيف العام الحالي عندما اقترح طبيب فرنسي في مقابلة متلفزة وجوب اختبار العقاقير الجديدة في الدول الإفريقية.
ويواصل مسؤولو الصحة التأكيد على أهمية التجارب السريرية في إفريقيا، ويجب اختبار اللقاحات وسط سكان متباينين لضمان كفاءتها للجميع.
“إن أغلب موادّ بنائنا واحدة، لكنَّ الاختلافات يمكن أن تُؤثّر على كيفية تأثير الأشياء فينا”، حسبما أكد موسى بوكاري M. Bockarie الرئيس لشرفي بمجلس البحوث الطبية الجنوب إفريقي South African Medical Research Council.
وقد أجرت جنوب إفريقيا ومصر وكينيا تجارب سريرية على مواطنين بها على اللقاحات المصنوعة في دول غربية. ويرجّح أن يكون اللقاح الذي طوَّرته أسترازينيكا AstraZeneca وجامعة أكسفورد المرشّح الأقرب لأغلب الدول الإفريقية؛ لأنه يمكن نَقْله بدرجة حرارة المبردات، حسبما يؤكد شابير ماذي Shabir Madhi، وهو أستاذ علم اللقاحات بجامعة ويتووترزراند Witwatersrand بجنوب إفريقيا، الذي أجرى مراجعة للدراسات المعنيَّة بالتجارب السريرية.
ويتطلّع هابي لرؤية مزيدٍ من الحلول المحلية؛ وأيّ شيء يمكن أن يدفع الناس للثقة بها بشكل أكبر. وقد توصَّل فريقه لمصلٍ يعتمد على المادة الوراثية DNA-based vaccine استنادًا لمعرفة (جيّدة وسابقة) بالفيروسات الشائعة في القارة، وكذلك التكوين الجيني لنُظُم المناعة هناك.
[1] Silja Fröhlich, Why the Arab Spring never engulfed sub-Saharan Africa, DW, December 16, 2020 https://www.dw.com/en/why-the-arab-spring-never-engulfed-sub-saharan-africa/a-55961345
[2] Danielle Paquette and Max Bearak, Coronavirus vaccinations have started. But people in Africa face a much longer wait, the Washington Post, December 17, 2020 https://www.washingtonpost.com/world/africa/africa-coronavirus-vaccines/2020/12/16/9696e228-3bc2-11eb-8328-a36a109900c2_story.html