يحاول هذا التقرير تقديم رؤية لموضوعات مُتنوِّعَة حول القارة الإفريقية في الصحافة العالمية؛ بغرض رَصْد أهمّ ملامح القضايا الجارية في القارة عبر قراءة منتقاة قَدْر الإمكان.
إفريقيا تحدَّت سيناريوهات كوفيد-19 الكابوسية، علينا ألَّا نندهش!([1])
مقال رأي مُهمّ كتبته الصحفية البارزة كارين عطية، وهي أمريكية ذات أصول إفريقية-غانية، وحقَّق تفاعلًا ملفتًا لتوجيهه النقد اللاذع لوسائل الإعلام الغربية، واستهلته الكاتبة بتجربة شخصية متقاطعة مع فكرة المقال؛ حيث لاحظتْ أنه بعد ظهور فيروس كورونا المستجد في إفريقيا نهاية فبراير الفائت قررت حكومة غانا عدم المجازفة.
وسرعان ما فرضت حظرًا على المواطنين الغانيين، وتم حظر السفر بين المدن الرئيسة. وعندها أعلن الرئيس نانا أكوفو- أدو Nana Akufo-Addo غلق حدود البلاد البرية والبحرية. وفي ذلك الوقت كان والدي في زيارة إلى غانا، وواجه احتمالَ أن يظل عالقًا حتى استئناف الرحلات الجوية التجارية.
ومع توقع الخبراء كيف أن الوباء سيكون كارثة فريدة وكاسحة في إفريقيا، هرولنا أنا وأشقائي لنجد مقعدًا لأبي على رحلات الخارجية الأمريكية لاستعادة المواطنين الأمريكيين. وتعجَّلنا إخراجه من غانا؛ اعتقادًا منّا أنه سيكون أفضل حالًا في الولايات المتحدة. لكن بعد عودته لتكساس، كان عدد الحالات هناك قد بدأ في التزايد، ومازحته أنه كان في وضع أكثر أمانًا لو ظلّ في غانا. وقال لي عندما استقبلته في المطار: “إن غانا أبلت بلاء حسنًا أكثر من أمريكا”، وسط دهشته من رشّي السيارة بأكملها قبل أن يجلس في المقعد الخلفي، بعيدًا عني.
وقد أكَّدت تقارير ومقالات رأي أن الفساد ونقص البنية الأساسية للرعاية الصحية يعني أن إفريقيا “قنبلة زمنية” تنتظر الانفجار. كما أن الفقر المستفحل والافتقار لحوكمة فعَّالة سيقود القارة السمراء للتهاوي تحت ثقل طوارئ صحية عامة. وقال الخبراء: إن على العالم الاستعداد لتقديم معونات وقروض وإعفاء من الديون للحكومات الإفريقية. بعبارة أخرى أنه على العالم الاستعداد لإنقاذ إفريقيا.
لم تكن هناك حاجة لذلك:
فيما يزال الكثير عن الفيروس وكيفية انتشاره وانتقاله غير واضح؛ فإن إفريقيا جنوب الصحراء تمكَّنت حتى الآن من تخطّي موجة قاتلة من حالات فيروس كورونا. فإنه ثمة عوامل عدة أسهمت في ذلك؛ فهناك عدد من دول غرب إفريقيا امتلكت بالفعل بنية أساسية للاستجابة للجوائح منذ تفشّي وباء إيبولا في نهاية العام 2013م حتى العام 2016م. فمنذ ستة أعوام مضت فقط فقدت ليبيريا نحو خمسة آلاف مواطن بسبب الإيبولا. وعند بداية هذا العام بدأت ليبيريا في فحوص كوفيد-19 في المطارات. وتم حجز أكثر من مائتي مسافر قادمين من الخارج إلى البلاد. وحتى اليوم هناك في ليبيريا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة: 1335 حالة إصابة ونحو 82 حالة وفاة.
وبعد جائحة إيبولا أنشأت السنغال مركزًا لعمليات الطوارئ؛ لإدارة أزمات الصحة العامة. وتم الوصول لنتائج بعض اختبارات كوفيد-19 خلال 24 ساعة فقط، كما تفرض البلاد إجراءات احترازية صارمة. ووجد كل مصاب بفيروس كورونا سريرًا في مستشفى أو مرفق آخر للرعاية الصحية. ويبلغ عدد سكان السنغال نحو 16 مليون نسمة، لكنها لم تسجل سوى 302 حالة وفاة بالفيروس.
وتوصلت دول أخرى لابتكارات لمواجهة المرض؛ وعلى سبيل المثال: فقد استجابت رواندا، التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، مبكرًا وبحسم واضح للفيروس، باستخدام معدات وبنية أساسية كانت قائمة لمواجهة مرض نقص المناعة المكتسبة. وكانت الاختبارات والعلاج من الفيروس مجانيًا. وسجلت رواندا 26 حالة وفاة فقط.
ومع اقتراب الولايات المتحدة من تسجيل 200 ألف حالة وفاة بسبب الفيروس، يبدو الغرب شبه أعمى إزاء النجاحات الإفريقية اللافتة. وفي الأسابيع الأخيرة بدا أنه من الصعوبة بمكان على كُتّاب العناوين الرئيسة بالصحف الغربية التوفيق بين الصُّوَر النمطيَّة الغربية عن إفريقيا مع واقع تدنّي حالات وفيات مرض فيروس كورونا في إفريقيا.
وتعرَّضت بي بي سي BBC للهجوم لفترة، وغيَّرت عناوينها ونشرت تغريدة مفادها “فيروس كورونا في إفريقيا: هل يمكن أن يُفسّر الفقر غموض تدنّي معدل الوفيات؟”. ونشرت نيويورك بوست New York Post مقالًا يحمل عنوان “العلماء عاجزون عن تفسير القصور الغامض في تفشي فيروس كورونا في إفريقيا”.
وبدا أنهم غير راضين عن عدم سقوط الأفارقة صرعى للجائحة، بل وعدم سقوط دول القارة الإفريقية. وفيما يحمل الأمريكيون السود كوفيد-19، ويموتون منه بنسب متفاوتة، ويظهر أداء إفريقيا، واقتبس هنا من مقولة أنثروبولوجي كيني في مايو الفائت، “كونك أسودَ في هذا العالم حقيقة لا تقتلك، لكن أن تكون أسود في أمريكا يمكن أن يقتلك بوضوح”.
وتزامنت الجائحة مع حركة عالمية تتحدَّى العنصرية المعادية للسود، والتفوق الأبيض. وكان يجب أن تكون تلك لحظة ملائمة للمنافذ الإعلامية لتحدِّي الروايات الناقصة عن إفريقيا، وفكرة أنَّ الأفارقة غير قادرين على صنع السياسة بفاعلية. ويمكن أن نتعلم من تجارب الأفارقة وحكوماتهم التي مرُّوا بها خلال الجائحات والأمراض الفيروسية، بما فيها إيبولا والإيدز.
وبدلًا من ذلك تجاهلت وسائل الإعلام بشكل كبير النجاحات السياسية الإفريقية. وبإقدامها على ذلك فإن وسائل الإعلام الغربية تعزّز الروايات الاستعمارية عن تدنّي السود وعدم قدرة الأمم السوداء على حُكم نفسها بشكل مطلقٍ، وأنه من الأفضل أن تُحْكَم مِن قِبَل أُمَم بيضاء غنية بالموارد.
لكنَّ ذلك كله لا يعني القول أنه لم تكن ثمة خطوات خاطئة وتحديات في القارة. ففي دول مثل كينيا استغل ضُبّاط الشرطة قيود فيروس كورونا كغطاء لتصعيد وحشية الشرطة ضد المواطنين؛ فقد قتلت الشرطة نحو 15 مواطنًا خلال فرض حَظْر التجوُّل. وانتشرت المعلومات الخاطئة على الإنترنت، مما زاد من مصاعب المتخصصين في مجال الرعاية الصحية.
لكن بصورة إجمالية؛ فإن الدول الإفريقية حقَّقت جهودًا عظيمة في احتواء فيروس كورونا، ونجح المواطنون حتى الآن في الفرار من التوقعات الكابوسية. وتم إنقاذ حياة الأفارقة بفضل العمل الشاقّ للكثير من عمال الرعاية الصحية والمسؤولية الجماعية للمجتمعات الإفريقية. وفي هذه الجائحة العالمية فإنّ قصص النجاح الإفريقية مهمة أكثر من ذي قبل.
العلاقات الأمريكية الإفريقية التجارية: لماذا “أجوا” أفضل من اتفاق ثنائي للتجارة الحرة؟([2])
مقال مهم يتناول العلاقات التجارية الأمريكية الإفريقية قبيل نهاية الفترة الحالية لإدارة الرئيس دونالد ترامب. يفتتح بملاحظة أنه في الشهور الأخيرة بدأت الولايات المتحدة مفاوضات لاتفاق تجارة حرة ثنائي مع كينيا. وتتسق هذه المفاوضات مع رؤية الإدارة الحالية للتبادل التجاري بدلًا من برامج التفضيل التجاري الأحادي. ورغم أنه يمكن أن تقود هذه المفاوضات إلى أول اتفاق للتجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وإحدى دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو تغيّر من اتفاقات التجارة التفضيلية الإقليمية إلى اتفاقات التجارة الحرة الثنائية يمكن أن يُحجِّم نمو الدول الأصغر حجمًا، التي قد لا تكون على نفس القدر من الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة.
وعندما وقَّع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قانون النموّ والفرص الإفريقية African Growth and Opportunity Act (AGOA) في العام 2000م مُنِحَتْ الدول الإفريقية حدًّا تنافسيًّا بتوفير إعفاء أحادي من الرسوم على الصادرات لنحو 6500 منتج من إفريقيا إلى الولايات المتحدة.
وبعد نحو عشرين عامًا من تبنّي “أجوا”؛ فإننا نلاحظ أنه قاد إلى نموّ طويل الأجل ومستدام عبر تيسير عمل القطاع الخاص، وخَلْق فرص عمل في الإقليم الذي تكافح دول كثيرة به لمواجهة البطالة المرتفعة، ومِن ثَمَّ معالجة التحديات الهيكلية التي يواجهها الإقليم. إضافةً إلى ذلك فإن اختيار مقاربة إقليمية لاتّفاق التجارة مكَّن إدارة كلينتون من دعم اللاعبين الكبار مثل جنوب إفريقيا واللاعبين الصغار مثل ليسوتو. واتَّسقت هذه المقاربة مع فكرة التجارة لا المعونات.
ورغم تمديد “أجوا” مرتين، تنتهي آخرهما في العام 2025م، فإنه تعرَّض لتهديدات خطيرة في الأعوام الأربعة الأخيرة في ظل إدارة الرئيس ترامب، مع فرض رسوم جمركية على منتجات الصلب والألومنيوم الرئيسة، وتعليق استفادة صادرات رواندا من الملابس من الإعفاء الجمركي. وقد تقود أي اضطرابات أخرى في “أجوا” إلى كارثة في الإقليم، لا سيما في المديين المتوسط والبعيد مع سَعْي اقتصادات الإقليم للتعافي من تداعيات كوفيد-19.
وفي جنوب إفريقيا أسهم “أجوا” في زيادة كبيرة في صادراتها، وأدَّى إلى خَلْق فرص عمل في قطاعات كثيرة من بينها تصنيع السيارات والزراعة (553 مليون دولار، و364 مليون دولار على الترتيب في العام 2019). وقد عزَّز “أجوا” الصادرات الزراعية الجنوب إفريقية؛ مثل الموالح.
وتوصَّل تحليل صادر عن جامعة جنوب إفريقيا إلى أن الولايات المتحدة استوردت في العام 2017م نبيذًا بقيمة 59 مليون دولار –أو 10%- من نبيذها من جنوب إفريقيا، وهي حصة كبيرة في ضوء المنافسة الدولية. وأظهرت محاكاة جزئية أن جنوب إفريقيا ستفقد في المدى القصير حال استبدال مكاسب “أجوا” بنظام جمركي الدولة الأولى بالرعاية ما قيمته 8.1 مليون دولار من صادراتها من النبيذ للولايات المتحدة؛ ممَّا سيعني فَقْدَ 14% من عائدات صادرات النبيذ، وتأثيرًا مباشرًا على الصناعة التي تُوفِّر 300 ألف فرصة عمل مباشرة.
لكنَّ الدول الصغيرة استفادت أيضًا بشكلٍ هائلٍ من “أجوا”. ورغم أن صناعة النسيج والملابس في ليسوتو قامت للمرة الأولى في نهاية ثمانينيات القرن الماضي؛ فإن صادراتها ارتفعت بشكل جنونيّ بعد تبنّي “أجوا”، وتحوّلت من قطاع صغير يقوم على عدد من المصانع إلى أكبر صاحب عمل بالقطاع الخاص (بنسبة 43%) ويقدّم 40 ألف فرصة عمل تفيد بشكل مباشر وغير مباشر 13% من سكان ليسوتو. ووصلت صادرات ليسوتو من المنسوجات للولايات المتحدة إلى 250 مليون دولار لا سيما لعلامات تجارية مثل ليفيس وولمارت وأولدنافي.
هل التدريب العسكري الأمريكي “يُفَرِّخ” الانقلابات في إفريقيا؟ لا يزال التحقيق مستمرًّا([3]).
أسقط ضباط عسكريون حكومة مالي في انقلاب في 18 أغسطس 2020م. وكان من بين أكثر جوانب الانقلاب إثارةً للقلق حقيقةُ أنَّ عددًا من الضباط المتورطين فيه كانوا قد حصلوا على تدريب خارجيّ لا سيما مِن قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الواقع؛ فإن تلك هي المرة الثانية في ثمانية أعوام يقوم ضباط ماليون تلقوا تدريبًا أمريكيًّا بانقلاب في بلادهم. واقتباسًا من أوسكار وايلد؛ فإن خسارة حكومة مدنية واحدة لصالح انقلاب قام به ضبّاط تلقوا تدريبًا في الخارج يُعدّ سُوء حظّ؛ لكنَّ خسارة حكومتين يبدو عدم اكتراث. وبالنسبة للكثير من المعلّقين الذين لديهم شعور قويّ مسبَق فإن الأحداث في مالي تُعزّز الشكّ في الصِّلة بين التدريب الأمريكي والانقلابات.
لكن هل التدريب العسكري الأمريكي يُحَفِّز الانقلاب؟ الإجابة المختصرة أننا لا نعرف. وحتى نعرف أكثر علينا أن نتشكَّك في ذلك حتى يثبت العكس.
وهناك شواهد أولية، اقتبسها مرارًا صحفيون، تشير إلى صلةٍ ما. ووجد الباحثان جيسي ديلون سافاج Jesse Dillon Savage وجوناثان كافيرلي Jonathan Caverley أن التدريب العسكري الأجنبي الأمريكي يضاعف من خطر وقوع الانقلابات في الدول المتلقية لهذا التدريب. ويؤكدان أن التدريب الأجنبي يمنح الحاصلين عليه المصداقية والسلطة داخل فِرَق الضُّبّاط، وهو ما يُمكِّنهم من حَشْد الضّبّاط ضد الحكومات المدنية المهتزَّة. ونادرًا ما يلحظ المعلِّقون أن هذا التحليل يتعلّق فحسب ببرنامجين تدريبيين أمريكيين. وتقدم الولايات المتحدة نحو 34 برنامجًا مختلفًا للتدريب العسكري الخارجي يلتحق بها شركاء من جميع دول العالم تقريبًا.
ولم يتوصّل بحثنا لعلاقة بين التدريب العسكري الأمريكي والانقلابات، حتى عندما ننظر في البرامج “الأكثر تشابهًا” مع البرنامج التعليمي والتدريب العسكري الدولي International Military Education and Training programme. كما حلّل باحثون في راند كوربوريشين RAND Corporation، وهو مركز تفكير أمريكي، الصلة بين التدريب الأمريكي والانقلابات العسكرية في إفريقيا. وتشكّكوا في وجود صلة بين المسألتين.
وفي دراسة حديثة يتوصل رينانه مايلز جويس Renanah Miles Joyce، زميل ما بعد الدكتوراه، أنه في المتوسط يقلل التدريب العسكري الأمريكي في إفريقيا التورط العسكري في السياسة وانتهاكات حقوق الإنسان.
التدريب والانقلابات:
وهناك أسباب أخرى للتشكك في فرضية أن التدريب العسكري الخارجي يؤدي إلى الانقلابات: أولًا يجب ألا يكون مباغتًا أن القائمين بانقلاب مالي تلقوا تدريبًا أمريكيًّا. ففي الفترة بين 1999 و2016م شارك في البرامج التدريبية العسكرية الأمريكية نحو 2.4 مليون متدرِّب في برامج تكلفت أكثر من 20 بليون دولار.
ويسعى الضباط في كثير من الدول إلى السفر في رحلات لنيل فرص التدريب الدولية من خلال دائرة عالمية للأكاديميات، والتدريبات والمناورات. ويكون هذا التدريب في الغالب هو المفتاح الرئيس لبناء شخصية عملية ناجحة.
وللنظر إلى السِّير الذاتية للقائمين بانقلاب مالي؛ فإن التقارير الأولية تشير إلى أن عاصمي جويتا، رئيس المجلس العسكري المالي، قضى سنوات من التدريب في صفوف القوات الخاصة الأمريكية، وشارك بانتظام في تدريبات فلينتلوك Flintlock متعددة الجنسيات التي تقوم بها قيادة إفريقيا الأمريكية “أفريكوم” US Africa Command وحضر حلقة نقاشية لمدة 18 يومًا في فلوريدا، ودرس بمركز مارشال الأمريكي الألماني American-German Marshall Centre. فيما تلقى زميلاه العقيد مالك دياو والعقيد ساديو كامارا، مهندسا الانقلاب على الأرجح، تدريبًا في الكلية العسكرية العليا Higher Military College في موسكو قبيل العودة إلى مالي بأيام قبل الانقلاب.
وقد أقر مسؤولون ألمان، من جهتهم، بأنَّ عددًا من القائمين بالانقلاب قد تلقّوا تدريبات في فرنسا وألمانيا. ويمكن أن يشير ذلك، من الوهلة الأولى، إلى صلة بين التدريب العسكري والانقلابات. لكنَّ ذلك يشير في رأينا إلى ubiquity التدريب العسكري في الكثير من الجيوش الحديثة. إضافة إلى ذلك؛ فإنه نظرًا لأن التدريب يسعى لتقوية العلاقات المدنية العسكرية، فإنه يرجّح وقوعه في دولة عُرْضَة للانقلابات مثل مالي. فالتاريخ يشير إلى أن الانقلابات تقود إلى انقلابات.
الاعتبارات السياسية:
إن لم يكن بمقدورنا طرح مقولة عامَّة عن الصلة بين التدريب والانقلابات؛ فإنه يمكن أن توجد صلة ما في أوضاع معينة. وعلى سبيل المثال فإن أنواع التدريب التي يتم القيام بها، وكيفية التدريب تتداخل مع الظروف السياسية المحلية. ويؤكّد البعض أن التدريب يركّز أكثر من اللازم على الخبرة الفنية والتكتيكية، بدلًا من تفادي إلحاق الضرر بالقِيَم الديمقراطية والمهنية العسكرية. ونظرًا لأن تحسين السيطرة المدنية على الجيش هدف رئيس (للولايات المتحدة والغرب)؛ فإن هذه القِيَم الديمقراطية تُطرح بشكل كبير في المناهج الدراسية. لا سيما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بذلوا جهدًا استغرق سنوات وتكلَّف عشرات الملايين من الدولارات في محاولة إصلاح القطاع الأمني في مالي.
وبحثًا عن شركاء أمنيين أكثر فعالية؛ فإن الولايات المتحدة وحلفاءها ركَّزا بشكل متزايد على وحدات النُّخْبَة، بما فيها وحدة القوات الخاصَّة التي قادها العقيد جويتا. وبينما يمكن لهذا التدريب المكثَّف وطويل الأجل نَقْل المهارات اللازمة، فإنه يجازف بتشجيع تكوين “حرس إمبراطوري” يُهدّد الحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطيًّا. وبالفعل فإن مثل هذا التدريب يمكن أن يكون نواةً خطيرة للكفاءة والسلطة في مركز دولة قاصرة وظيفيًّا.
وفي حالات أخرى، كما في تشاد المجاورة لمالي؛ فإن التدريب الأجنبي لقوات النخبة للنظام السلطوي يمكن أن يساعد في الدفاع عن النظام ضد الانقلابات.
وفي ملاحظة ختامية وموحية تمامًا بإعادة قراءة المقال من زاوية أخرى، يلاحظ الكاتبان: لقد سمعنا الكثير عن المتدربين خارجيًّا في الانقلابات. ونحتاج لمعرفة الكثر عن التدريب في الانقلابات التي لم تتم.
[1] Karen Attiah, Africa has defied the covid-19 nightmare scenarios. We shouldn’t be surprised, the Washington Post, September 22, 2020 https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/09/22/africa-has-defied-covid-19-nightmare-scenarios-we-shouldnt-be-surprised/
[2] Gracelin Baskaran, US-Africa trade relations: Why is AGOA better than a bilateral free trade agreement? Brookings, September 24, 2020 https://www.brookings.edu/blog/future-development/2020/09/24/us-africa-trade-relations-why-is-agoa-better-than-a-bilateral-free-trade-agreement/