يحاول هذا التقرير تقديم رؤية لموضوعات مُتنوِّعَة حول القارة الإفريقية في الصحافة العالمية؛ بغرض رَصْد أهمّ ملامح القضايا الجارية في القارة عبر قراءة منتقاة قَدْر الإمكان.
على الحكومة البريطانية تحديد أفضل أهدافها في الساحل([1]):
مقال مهم لمدير إفريقيا بشاتام هاوس Chatham House حول السياسة البريطانية في إقليم الساحل بإفريقيا. استهله بالتأكيد على قيام المملكة المتحدة بإعادة نشر قدراتها الدبلوماسية والدفاعية والتنموية تجاه إقليم الساحل منذ العام 2018م؛ بهدف استراتيجي مهم وهو إحداث أثر تنموي واضح، ومعالجة التهديدات الأمنية بعيدة المدى على المصالح البريطانية، ودعم التحالف مع الشركاء الدوليين.
كما أن الإقليم من أفقر أقاليم إفريقيا وأكثرها هشاشةً، وشهد تصعيدًا في النشاط المسلَّح، والهجرة غير الشرعية، وتهريب البشر منذ وقوع الأزمة الأمنية في مالي في العام 2012م. وقد انتشرت الأزمة في النيجر وبوركينا فاسو، ويمكن أن تمتد إلى ساحل العاج وغانا والسنغال. ومع مواجهة نيجيريا أيضًا لتمرّد مسلح في حوض بحيرة تشاد؛ فإن جميع المراكز الأمنية والاقتصادية الإقليمية في الإقليم تُواجه التهديد، بما فيها شركاء المملكة المتحدة الرئيسون.
مراجعة نقطة ارتكاز الساحل:
نتج هذا الارتكاز بالفعل من توسُّع سفارات المملكة المتحدة في السنغال وموريتانيا ومالي، والالتزامات المعلَنة بافتتاح سفارتين جديدتين في تشاد والنيجر. أما في لندن، مرة أخرى، فإن هناك تصعيدًا واسع النطاق لأطقم العمل، بما في ذلك تكوين إدارة الساحل المشتركة بالحكومة Whitehall Joint Sahel Department في أواخر العام 2018م، ووضع خطط لإرسال مزيد من الموظفين البريطانيين للعمل مع الحكومة الفرنسية حول إقليم الساحل.
وفي ضوء الصدمات الاقتصادية الناتجة عن البريكست Brexit وكوفيد-19، فإن ثمة جدالاً حيويًّا داخل مقر الحكومة البريطانية حول جدوى توفير موارد المملكة المتحدة في منطقة من إفريقيا لا تملك صلات وطيدة مع المملكة.
ويراجع الوزراء هذا الأسبوع (الأخير من يوليو) نقطة ارتكاز الساحل، وسيقررون إن كانوا سيواصلون هذا التوجُّه أم لا، بما في ذلك حَسْم مسألة إرسال سفارات كاملة إلى النيجر وتشاد. لكنَّ هذا الجدل ليس أمرًا جديدًا. فقد افتتحت المملكة المتحدة وأغلقت بعثاتها الدبلوماسية في الساحل أكثر من مرة منذ مطلع ستينيات القرن الماضي. وفي وقت أحدث، سحب جهاز المخابرات السرية البريطاني M16 قرار إعادة فتح السفارة في باماكو في العام 2010م؛ ترقبًا لهشاشة الوضع في مالي قبل بدء الأزمة الحالية.
الشراكة مع الفرنسيين:
لكن رغم رجحان هيمنة الساحل على أجندة إفريقيا للسلم والأمن في العقود المقبلة، فإن انخراط المملكة المتحدة الجدي في الإقليم ليس بناء على وجهة استراتيجية فحسب؛ بل إنه يفي بتحقيق هدفين آخرين؛ أولهما الشراكة مع حليفين ثنائيين رئيسيين، خاصة فرنسا، وامتلاك سلطة ودافع في المحافل متعددة الجنسيات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي.
إن الشراكة مع الفرنسيين في الساحل أصبحت أكثر أهمية بسبب “البريكست”، والحاجة إلى تعزيز العلاقات مع الشركاء الأوروبيين الرئيسيين.
وفي العام 2012م توصَّل ديفيد كاميرون إلى أن الاستجابة الفرنسية السريعة لوقف تقدم المسلحين في العاصمة المالية كان “في خدمة مصالحنا”، ورخَّص بنشر 330 جنديًّا بريطانيًّا وتقديم طائرتي شحن وطائرة تجسُّس. وفي يوليو 2018م أعلنت المملكة المتحدة تقديم دعم إضافي لعملية برخان Barkhane التي تقودها فرنسا، وأرسلت ثلاث طائرات هليكوبتر من القوات الجوية الملكية (مدعومة بنحو 100 فرد)، والتي لا تزال فاعلة في الميدان حتى اليوم.
التزام الأمم المتحدة:
كما أظهر تقديم بريطانيا نحو 250 جنديًّا للمشاركة في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي لاحقًا في هذا العام التزام بريطانيا تجاه عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وتتمركز هذه القوات في جاو Gao (على مسافة 320 كم جنوب شرق العاصمة المالية تمبكتو) وستشكل قدرات مراقبة وتحسس بعيدة المدى، وتوفّر الوعي بالتهديدات، وتسهم في حماية المدنيين والمساعدة في منع انتقال الصراع إلى الدول المجاورة. ويمثل ذلك أحد أكبر مشاركات بريطانيا في عمليات حفظ السلام منذ البوسنة، كما ستكون أخطرها للقوات البريطانية منذ أفغانستان.
وتُعدّ المملكة المتحدة واحدة من أكبر مقدّمي المساعدات الإنسانية للإقليم، وأسهمت بأكثر من 500 مليون جنيه إسترليني في شكل مساعدات تنموية وإنسانية ثنائية منذ العام 2015م. ومع تفشي جائحة كوفيد-19 الآن هناك تحدٍّ إضافي في الساحل، وسيتم توجيه جزء كبير من المساعدات البريطانية المخصَّصة لدول العالم، والبالغ قيمتها 764 مليون جنيه إسترليني، لمواجهة الجائحة إلى الإقليم.
السفارات الجديدة أعمدة استراتيجية “بريطانيا العالمية”:
إن الوعي المستمر بتأثير هذه المبادرات ورعايتها يتطلب شبكة دبلوماسية بريطانية كبيرة على الأرض. وإن إقامة سفارات جديدة في الساحل يتكلف جزءًا ضئيلًا مقارنة بالإبقاء على ثلاث طائرات هليكوبتر من طراز تشينوك Chinook في الإقليم، ويوفر للحكومة رؤية حقيقية ودقيقة في ظل غياب توفر تحليل الدول المنتظم الذي كانت يوفر جهاز العمل الخارجي الأوروبي European External Action Service في مرحلة ما بعد البريكست، ويدعم العلاقات الدولية للمملكة المتحدة. كما يؤكد على التزام المملكة المتحدة تجاه عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام والدور البريطاني كدولة عضو بمجلس الأمن في ضوء المناقشات المستمرة لشؤون الساحل بين جدرانه.
إن المراجعة الوزارية الثلاثية لنقطة ارتكاز الساحل مِن قِبَل وزراء الدولة للشؤون الخارجية والتنمية الدولية والدفاع التي تتم حاليًا يجب ألا تتراجع عن فكرة افتتاح سفارتين صغيرتين في النيجر وتشاد، كما يجب على الوزراء التركيز على تعريف أفضل لماهية الأهداف المحددة للمملكة المتحدة في الساحل، وخاصة ما يتعلق بخطط المملكة المتحدة في بوركينا فاسو؛ حيث إن التدهور المتزايد للأوضاع الأمنية بها يهدد شريكة المملكة المتحدة الرئيسة في غرب إفريقيا: غانا.
الفوضى في ليبيا وأزمة سد النهضة يعكسان العالم دون قيادة الولايات المتحدة([2]):
افتتاحية للواشنطن بوست تبدأ بتساؤل حول حال العالم دون قيادة الولايات المتحدة؟ وقد بدت إجابة جيدة هذا الشهر في إفريقيا؛ حيث تشهد صراعان بهما تشابك مصالح حلفاء للولايات المتحدة ضد بعضهم البعض، بينما تراقب إدارة ترامب الوضع دون فعالية تُذْكَر.
ففي ليبيا هناك حرب بالوكالة متعددة الأطراف تثور من أجل السيطرة على البلاد واحتياطاتها البترولية الثرية، بعد تسعة أعوام من حملة قادتها الولايات المتحدة لإسقاط معمر القذافي. إذ تقف تركيا وقطر وإيطاليا وراء أحد فرقاء الصراع الليبي، بينما يدعم الفريق الليبي الآخر كل من روسيا ومصر والإمارات وفرنسا. وفي الشهور الأخيرة التحق آلاف المرتزقة من سوريا والسودان وروسيا بالقتال الدائر في ليبيا. كما أرسلت روسيا دفعة من الطائرات الحربية، ونشرت تركيا المسيرات “الدرونز”، وتتحرك مصر باتجاه إرسال قوات مصرية.
وقد أرسلت الولايات المتحدة رسائل مضطربة بخصوص مواقفها. فقد دعمت وزارة الخارجية حكومة الوفاق ومقرها طرابلس، والتي تعترف بها الأمم المتحدة؛ بينما دعم الرئيس ترامب في العام الماضي أمير الحرب خليفة حفتر، الذي يقود قوات تسيطر على الجزء الشرقي من ليبيا. ويقول المسؤولون الأمريكيون الآن: إن سياسة واشنطن (في ليبيا) تعتمد “الحياد النشط” active neutrality الذي يبدو في المحصلة أنه يعتمد عدم فعل شيء. وأكد مسؤول أمريكي بارز بوزارة الخارجية الأمريكية للواشنطن بوست أنه “أولاً وقبل أيّ شيء، تلك مشكلة أوروبية”.
وفي نفس الوقت يتصاعد التوتر بين مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد عملاق تقوم إثيوبيا بتشييده على نهر النيل الأزرق. وقالت إثيوبيا: إنها ستبدأ ملء خزان السد العملاق هذا الشهر وسط اعتراضات مصرية. بينما فشلت محاولة الولايات المتحدة الوساطة بين الأطراف؛ كما أن تحيز ترامب نحو مصر، حسبما أوردت “فورين بوليسي”Foreign Policy ، قد سبَّب “تشوشًا وخلافًا” حول السياسة الأمريكية. ويقوم الاتحاد الإفريقي الآن بالوساطة في المحادثات، وهناك تقارير هذا الأسبوع (الأخير من يوليو) عن تقدم في المحادثات.
ولا تفتقر الولايات المتحدة لوسيلة الضغط؛ فإثيوبيا ومصر حليفان تاريخيان للولايات المتحدة ومن أكثر الدول تلقيًا للمعونات الأمريكية. كما أن حلفاء للناتو على جانبي الصراع في الحرب الليبية. فكل من قطر والإمارات اللتين تدعمان الفرقاء الليبيين، تستضيفان قواعد عسكرية أمريكية في الخليج العربي.
وكان العجز الأمريكي بمثابة جائزة لنظامين هما تركيا بقياد رجب طيب أردوغان وروسيا بقيادة فلاديمير بوتين، اللذين قفزا إلى الصراع الليبي. فقد اقتفت القوات التركية أثر المرتزقة الروس في الشهر الماضي، وطردتهم بعيدًا عن طرابلس. لكنَّ السيد بوتين والسيد أردوغان ربما ينتهيا إلى تفاوض لإنهاء الحرب فيما بينهما قبل الخروج بمكاسب امتيازات البترول والغاز.
وتبدو مصر الخاسر الأكبر في مسألتي ليبيا وسد النهضة، وقد سعى رئيسها عبد الفتاح السيسي لحشد موقف الرئيس ترامب للضغط على إثيوبيا ودعم السيد حفتر، لكنَّ استجابة البيت الأبيض الحمقاء كانت ذات أثر سلبي.
روسيا تنقل حرب المعلومات مع أمريكا إلى إفريقيا([3]):
انتقدت ماريا زاخاروفا Maria Zakharova الناطقة باسم الخارجية الروسية في تقريرها الإعلامي الأسبوعي (23 يوليو) دعم الولايات المتحدة للبرامج التعليمية ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية في إفريقيا.
وأكدت أن تخصيص مِنَح تلائم جهود البيت الأبيض لتعزيز فكرة أنه ليس هناك بدائل للمفاهيم الغربية بخصوص حكم الدولة، وفرض قيم غريبة على الدول صاحبة السيادة، مما يمثل تجليًا آخر للاستعمار الجديد وعنصرًا للتشكيل المغطي للتفاوت في نظام الصلات الدولية بأكمله”.
ويبدو أن الولايات المتحدة تشجّع عمدًا المنشورات المعادية لروسيا في بعض المنافذ الإعلامية الإفريقية، وتحاول تصوير روسيا على أنها قوة زعزعة استقرار. وإننا على ثقة أن مثل هذه الطرق للمنافسة غير العادلة والمعلومات المغلوطة تظهر عدم وجود شواهد قوية على ما يسمى بالسياسة الدعائية الروسية، ويبرهن على ضعف مقاربات الولايات المتحدة في مجال الدبلوماسية العامة.
ويرى خبراء إعلاميون روس أن بلادهم لا تملك واجهة إعلامية إفريقية، كما لا توجد لإفريقيا واجهة إعلامية في روسيا. وهكذا فإنه في ظل غياب مصادر بديلة يعتمد القادة السياسيون الأفارقة ومديرو شركات الأعمال على تقارير وسائل الإعلام الغربية عن التطورات في روسيا. ومن الملفت للانتباه أن قسم الإعلام والصحافة بوزارة الخارجية الروسية اعتمد وسائل إعلام عاملة في روسيا من أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة والدول الأوروبية والآسيوية، ودولتين إفريقيتين فقط هما المغرب ومصر في شمال إفريقيا.
وأظهرت المعلومات الرسمية التي تم الكشف عنها في قمة روسيا إفريقيا في أكتوبر 2019م بوضوح عن إعطاء درجة من الأولوية لوسائل الإعلام الإفريقية.
ويعمل حاليًا نحو 300 مكتب إعلامي من ستين دولة حاليًا في روسيا، بمن فيهم نحو 800 مراسل أجنبي، ولا يوجد سوى مكتبين إعلاميين من مصر والمغرب؛ كما سبقت الإشارة. وهو ما يُعدّ تدنيًا مبالَغًا فيه في التمثيل الإعلامي الإفريقي في روسيا. بينما رأى بعض الخبراء الروس أن بلادهم تعمدت التمييز ضد دول إفريقيا جنوب الصحراء، وأن هذا التوجُّه لم يتغير بعد قمة روسيا-إفريقيا.
[1]Alex Vines, Ministers should focus on better defining British objectives in the Sahel, The Telegraph, July 22, 2020 https://www.telegraph.co.uk/news/2020/07/22/ministers-should-focus-better-defining-british-objectives-sahel/
[2] Editorial, Chaos in Libya and a dam dispute in East Africa reflect a world without U.S. leadership, The Washington Post, July 24, 2020 https://www.washingtonpost.com/opinions/global-opinions/chaos-in-libya-and-a-dam-dispute-in-east-africa-reflect-a-world-without-us-leadership/2020/07/24/d5e7c4fa-cb7a-11ea-91f1-28aca4d833a0_story.html
[3] Kester Kenn Klomegah, Russia Takes its Information War with United States to Africa, Pressenza (International Press Agency), July 28, 2020 https://www.pressenza.com/2020/07/russia-takes-its-information-war-with-united-states-to-africa/