يحاول هذا التقرير تقديم رؤية لموضوعات متنوعة حول القارة الإفريقية في الصحافة العالمية؛ بغرض رَصْد أهمّ ملامح القضايا الجارية في القارة عبر قراءة منتقاة قدر الإمكان.
ألمانيا تضخّ بليون يورو في إفريقيا([1]):
مقال مهم استبق قمة العشرون G-20 ببرلين، وتناول تصاعُد دور ألمانيا في إفريقيا في العام الحالي. ولَمَّحَ المقال إلى العامل الأول وراء هذا التصاعُد، وهو أزمة الهجرة التي ضربت أوروبا في الأعوام الخمسة الأخيرة.
وبينما اتفقت حكومة المستشارة ميركل الائتلافية على حاجة ألمانيا لسياسة تنموية تساعد على وقف الهجرة من الدول الإفريقية إلى أوروبا؛ فإنها واجهت مصاعب في الاتفاق على شكل هذه السياسة.
وفي العام الجاري، ومع بدء الحكومة في تحريك برامجها وفق “صندوق الاستثمار التنموي لإفريقيا” بقيمة بليون يورو (1.1 بليون دولار)؛ وصلت استراتيجية ألمانيا التنموية تجاه القارة لهدفها المحدد: وهو نمو القطاع الخاص. ويخصّص أغلب الصندوق لتيسير دخول الشركات الألمانية في الأسواق الإفريقية، أو مساعدة الشركات الإفريقية على النمو.
وعند الإعلان عن أول برامج الصندوق في يونيو 2019م، وهو مبادرة “ربط إفريقيا” AfricaConnect، المخصَّصة لتقديم قروض وتسهيلات للشركات الألمانية التي توسِّع أنشطتها في الأسواق الإفريقية؛ أوضح وزير التنمية الألماني جيرد موللر أن مساعي تحقيق الحكم الرشيد، وتقوية الاستثمار الخاص والتجارة النزيهة هي الأعمدة الثلاثة للتعاون التنموي الجديد مع الدول الإفريقية.
ولم تتبلور هذه السياسية قبل ثلاثة أعوام من الآن، إلا قبيل قمة العشرين بهامبورج في العام 2017م عندما كانت المستشارة الألمانية ميركل متحمِّسة لإكساب علاقة ألمانيا بإفريقيا أولوية، ووضع الأخيرة على أجندة سياستها الخارجية بشكل واضح.
وقدم ثلاثة وزراء ألمان ثلاث سياسات مختلفة بما عكس وقتها مقاربات مختلفة في الانخراط في القارة الإفريقية.
وبينما تداعت مبادرة الوزارة الفيدرالية للشؤون الاقتصادية والطاقة التي حملت عنوان برو أفريكا Pro-Africa بشكل سريع للغاية؛ فإن البرامج المخطَّط لها مِن قِبَل الوزارة الفيدرالية للتعاون الاقتصادي والتنمية، أو وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية BMZ أو وزارة المالية؛ حققت دفعة للأمام.
ووضعت وزارة التعاون الاقتصادي -عبر “خطة مارشال مع إفريقيا”- أولوية لخلق فرص العمل، وريادة أعمال الشباب، لكنها دعت أيضًا إلى إعادة التفكير في التعاون الألماني في مجالات مثل الزراعة والبيئة، والتأكيد المستمر على أنشطة مكافحة الفساد.
ولا تزال التفاصيل حول أفريكاجرو AfricaGrow محدودة للغاية، وهي المبادرة التي سيديرها بنك التنمية الرئيس بألمانيا Kreditanstalt für Wiederaufbau (معهد الائتمان للتعمير Credit Institute for Reconstruction)، والتي يُتوقع إطلاقها قبل نهاية شهر نوفمبر 2019 بحيث تُرَكِّز على تمويل المبادرات ذات احتمالية النمو المرتفع والموجّهة للتصدير، ولن تكون هناك أولوية لصناعات بعينها.
أما “ربط إفريقيا” AfricaConnect فإنه يُدَار مِن قِبَل “مؤسَّسَة الاستثمار الألمانية” Deutsche Investitions und Entwicklungsgesellschaft التي تركّز على مساعدة الشركات الألمانية متوسطة الحجم للانتقال إلى إفريقيا.
وسيقدم المسؤولون الإداريون قروضًا لمستثمري ريادة الأعمال تتراوح بين 750 ألف يورو إلى 4 ملايين يورو لفترات تتراوح بين ثلاثة وسبعة أعوام. وأعلن مسؤولون بالبنك عن تقديم نحو مائة شركة ألمانية طلبات لمساعدتها على العمل في إفريقيا، وأنه سيتم الإعلان عن حجم التمويل للمرحلة الأولى في نهاية العام الجاري.
وعلى الجانب الآخر؛ فإن أوتمار فون هولتز Ottmar von Holtz، وهو سياسي من حزب الخضر، ويملك مقعدًا في لجنة التنمية بالبرلمان الألماني، وصف جهود مثل أفريكاجرو وربط إفريقيا بأنها خطوات جيدة؛ بسبب وجود مزيد من الشركات الأوروبية المستثمرة في إفريقيا، وبدء التعاون مع الشركات الإفريقية، “لكننا نحتاج أيضًا إلى إرساء الأسواق الإفريقية”؛ وعبَّر عن قلقه من قلة التركيز على أنشطة تنموية تقليدية أخرى؛ مثل تعزيز السِّلْم والاستقرار، أو تحسين فُرَص التعليم، أو الدفع نحو المساواة الجندرية، وتجاهل السياق في الدول الأكثر فقرًا؛ حيث تَنْدُر الفرص أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة، حتى عندما تتوفّر مساعدات خارجية.
بينما رأى آخرون أن المقاربات الألمانية، لا سيما Compact with Africa، بها بعض مؤشرات الاستعمار الجديد؛ حيث ستُستخدم أموال التنمية الألمانية على نحو متصاعد في شراء المستثمرين لتحيز السلطة لصالحهم؛ إن انتقلوا إلى الأسواق الإفريقية، بدلاً من وضع أولوية للاستثمارات بحيث تُحقِّق نموًّا مستدامًا في هذه الدول.
استراتيجيَّة إفريقيَّة للتحوُّل الصناعيّ الأخضر([2]):
يبدأ المقال من فرضية حاسمة بعدم قدرة الدول الإفريقية على التخلّي عن الصناعات القائمة على البترول والغاز والمعادن، وتكوين اقتصاد أخضر بين عشية وضحاها؛ لكن بمقدور هذه الدول استخدام هذه الصناعات كأداة لتحقيق اقتصاد نظيف مستدام.
ورغم أن إفريقيا أقل قارات العالم تسبُّبًا في الأزمة المناخية؛ فإنها ستعاني أكثر العواقب سوءًا. ففي هذا العام وحده قُتِلَ أكثر من ستمائة شخص في موزمبيق بسبب عاصفة Cyclone Idai، وخلَّفت موجات الجفاف في جنوبي القارة وشرقها أكثر من 45 مليون نسمة دون غذاء كافٍ، ليثور سؤال مهم: كيف يمكن لإفريقيا تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية دون الإسهام في تعميق الاحترار العالمي؟
وتملك إفريقيا عدَّة محفِّزات للتحوُّل الصناعي: كونها القارة الأكثر نموًّا في السكان ومعدل تحوُّل حضري يبلغ ضعف المعدَّل العالمي تقريبًا. وكي تتمكَّن إفريقيا من خلق وظائف لقرابة 450 مليون شابّ يتوقع أن يدخلوا سوق العمل في العقدين المقبلين؛ فإن عليها تسريع النمو الاقتصادي أو مواجهة خطر متنامٍ بوقوع اضطراب اجتماعي حادّ. لكنَّ التحوُّل الصناعي يتطلب –تاريخيًّا- حرق كميات هائلة من الوقود الإحفوري، علاوةً على ذلك فإن الموارد الطبيعية مثل الهيدروكربونات تُمَثِّل مصدرًا مهمًّا للنقد الأجنبي وعائدات الموازنة لأغلب الدول الإفريقية. ولتحقيق التوازن فإن على الحكومات الإفريقية وضع الصناعات الثقيلة في مركز خُطَط التحول التصنيعي الأخضر.
ولا يزال الطلب الدولي على البترول قويًّا نسبيًّا اليوم، لكن يُتوقع تراجعه بشكل كبير في العقد المقبل. ويقدّر متخصِّصون أنه إذا تم تبنِّي الحافلات الكهربائية على نطاق واسع فإن الطلب على البترول للنقل البريّ سيتراجع جذريًّا، بينما يتوقع بلوغ الطلب الإجمالي على البترول ذروته قبل العام 2025. ويمكن أن يراكم ذلك لدى منتجي البترول الأفارقة وَفْرَة في العرض بسعر أقل من قيمته الحقيقية.
لكن يظل أمام هذه الدول المنتجة خيارات؛ مثل الاستثمار في صناعة البتروكيماويات المحلية التي يمكنها استيعاب فائض إمدادات البترول الخام، ومِن ثَمَّ وضع أساس لتصنيع السِّلَع الضرورية للاقتصاد الأخضر مستقبلاً؛ مثل الألواح الشمسية، وشفرات توربينات الرياح. وتملك الدول الإفريقية الغنية بالبترول، مثل نيجيريا وأنجولا والجزائر، فرصة محدودة للمبادرة بهذا التحوُّل، اقتداءً بخطوات السعودية في هذا المجال، التي تحاول تقعيد جهودها للتنوع الاقتصادي على صناعة بتروكيماويات قوية.
وفيما يتماثل مع ذلك؛ فإن الاستثمار في الغاز الطبيعي يمكن أن يساعد في تطوير قطاع النقل في إفريقيا نحو مستقبل أخضر. ويأتي جزء كبير من التلوث في صناعة الهيدروكربونات من انبعاث الغاز؛ إذ يقدم منتجو البترول على حرق الغاز المتصاعد مع البترول بسبب الافتقار إلى البنية الأساسية اللازمة لتخزين الغاز ووضعه للاستخدام الإنتاجي. ويدفع انبعاث الغاز بكميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، ويحدث خسائر اقتصادية على مستوى العالم تقدر بنحو 20 بليون دولار كل عام.
وهناك عنصر ثالث مهم في أيّ انتقال أخضر لإفريقيا، وهو حصولها على قيمة أكبر في سوق إمدادات الحافلات الكهربائية. ويتوقع أن يكون قطاع الحافلات الكهربائية مسئولاً عن 80% من الطلب العالمي على البطاريات بحلول العام 2030، وتملك إفريقيا نصف الإنتاج العالمي من الكوبالت، وحصة كبيرة من المعادن النادرة؛ والتي تُمثّل عناصر مهمة في مدخلات صناعة البطاريات. كما تستخدم الصين -التي تُصنّع أغلب الحافلات الكهربائية ومكونات البطاريات- سلعًا مستوردة من إفريقيا في أغلب الأحوال.
وتخلص كاتبة المقال إلى أن تأخر إفريقيا في التحوُّل الصناعي يمكن أن يكون أعظم أصولها في الانتقال نحو مستقبل أخضر. وأنه مع تراجع البنية الأساسية في إفريقيا فإن الشركات والمستهلكين الأفارقة كانوا من بين أوائل مستخدمي الطاقة المتجدِّدة والتقنيات الرقمية؛ حيث تستضيف القارة، على سبيل المثال، عددًا من أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم.
حرب الولايات المتحدة على داعش في إفريقيا([3]):
تسعى الولايات المتحدة لعقد اجتماع موسَّع لما يُعرَف بالتحالف العالمي ضد داعش Global coalition Against ISIS في مطلع العام 2020 يركّز على التهديدات الإرهابية في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل.
وأكدت الولايات المتحدة -عقب مؤتمر وزاري عُقِدَ في منتصف نوفمبر الجاري- تحقيقها نجاحات ضد داعش في سوريا والعراق، لكنَّ فروع داعش في مناطق أخرى من العالم لا تزال تُمثّل تهديدًا، وأنه لا تزال هناك حاجة لمواصلة الضغط المكثّف على فروع داعش وشبكاتها خارج المركز، مع ملاحظة أن هذه المرحلة تستلزم إكمال القدرات العسكرية بأدوات مدنية لمواجهة الإرهاب؛ بما في ذلك فرض القانون، وأمن الحدود، ومشاركة المعلومات، وتشديد العقوبات؛ مما دفع واشنطن إلى البدء في تنظيم اجتماع للتحالف في مطلع العام 2020م بحيث يركز على تهديد داعش في غرب إفريقيا وإقليم الساحل.
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد أكَّد التوصُّل بالفعل إلى اتفاق حول التحالف مؤخرًا، وسيكون هناك تركيز على مستوى العمليات على هذه المنطقة؛ خاصة أنها شهدت مقتل عشرات الآلاف، وتشريد الملايين؛ بسبب العنف طوال العقد الفائت.
وينشط تنظيم الجماعة الإسلامية في الصحراء الكبرى (فرع داعش في الساحل) في مالي وبوركينا فاسو، لكن منذ مايو الماضي أرجعت داعش أنشطة فرعها في منطقة الحدود الثلاثية بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى تنظيمها في إقليم غرب إفريقيا ISWAP (Islamic State in West Africa Province). والتي تعد تابعة لبوكو حرام، وتركز عملياتها بشكل أساسي في إقليم بحيرة تشاد في نيجريا والنيجر وتشاد والكاميرون، لكنها كثَّفت هجماتها في الشهور الأخيرة غربًا على مواقع عسكرية.
وتأتي الجهود الأمريكية وسط خطط فرنسية جديدة لتكوين قوة مهام عمليات خاصة دولية بالساحل أعلن عنها للمرة الأولى في أكتوبر 2019م، وفي الخامس من نوفمبر توقعت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي نشر القوة الجديدة “تاكوبا” Takuba في مالي في النصف الثاني من العام 2020.
وقد عبَّرت عدة دول أوروبية عن اهتمامها بالمشاركة في هذه المبادرة. وأعلنت استونيا تأكيد نَشْر قوات خاصة تابعة لها ضمن العملية. وأكدت الولايات المتحدة استمرار دعم القيادة الأمريكية في إفريقيا AFRICOM للشركاء الفرنسيين وغيرهم في غرب إفريقيا.
برلين 1884: في ذكرى المؤتمر الذي قسَّم إفريقيا ([4]):
مقال تسترجع فيه ماتيلدا كولمان وقائع مؤتمر برلين الشهير الذي انعقد في ظهيرة يوم السبت الخامس عشر من نوفمبر 1884م، أي قبل 135 عامًا من الآن، وافتُتح بكلمة من مستشار الإمبراطورية الألمانية حديثة النشأة في مقر إقامته الرسمي في ويلمسترس Wilhelmatrasse ببرلين بحضور ممثلين من جميع الدول الأوروبية (باستثناء سويسرا)، ومن الولايات المتحدة والإمبراطورية العثمانية، بغرض مناقشة أمر متعلّق بخريطة إفريقيا الكبيرة المعلَّقة في قاعة الاجتماع، والتي بدت -على حد وصف المؤرخ النيجيري بروفيسور جودفري أوزويجوي G. Uzoigwe– كعلامة استفهام؛ إذ كانت مائدة الاجتماع على شكل حدوة حصان.
واستمر المؤتمر، مع إجازة كريسماس وعام جديد وجيزة، لمدة 104 أيام حتى نهاية يوم 26 فبراير 1885م. ومثَّل المؤتمر، الثورة الأوروبية، وتقسيم القارة الإفريقية في المخيلة الشعبية، مع وقوف الوفود أمام خريطة إفريقيا، مسلَّحين بمساطر وأقلام رصاص، ويرسمون الحدود الوطنية على القارة دون أدنى فكرة لما هو موجود على الأرض التي يوزعونها. على أيَّة حال فإن ذلك تصور خاطئ؛ إذ لم يدشّن مؤتمر برلين القتال. بل إنه كان حادثًا بالفعل. كما أنه لم يُقسّم القارة؛ إذ لم يَنْتُج عن المؤتمر سوى تكوين دولة واحدة لم تَعِش طويلاً، وهي دولة الكونغو الحرَّة، رغم أن البعض يَعتبر أن هذه الدولة لم تكن على وجه الدِّقة من نتائج المؤتمر.
لكنَّ مؤتمر برلين قام بما هو أسوأ، مع نتائج مجلجلة طوال السنوات التالية، ولا تزال محسوسة إلى اليوم. كما أرسى المؤتمر القواعد لغزو إفريقيا وتقسيمها، في عملية شرعنة أفكار إفريقيا كفناء خلفي للأجانب، ولثروتها المعدنية كمصدر للعالم الخارجي، وليس للأفارقة، ومصيرهم كأمر لا يجب أن يُتْرَك للأفارقة.
ورغم تأكيد بسمارك في تعليقاته الافتتاحية على أن الوفود الحاضرة لم تلتقِ لمناقشة مسائل سيادة الدول الإفريقية، أو نفوذ القوى الأوروبية في إفريقيا؛ إلا أنه لم يكن من قبيل المصادفة ألا يكون هناك إفريقي واحد على مائدة المؤتمر، وحتى جهود سلطان زنجبار ليحصل على بطاقة دعوة قد قُوبِلَتْ بخديعة بريطانية سريعة.
ووصف الصحفي الأمريكي دانيال دوليون D. De Leon المؤتمر بأنه “حدث فريد في تاريخ العلوم السياسية.. وبينما كان دبلوماسيًّا في شكله، فإنه كان اقتصاديًّا في الواقع”. كما أنه حدثٌ بدا كقمة إنسانية للنظر في تحسين معيشة الأهالي (المحليين)، غير أن أجندته كانت اقتصادية (استغلالية) صِرْفَة.
وكانت نتيجة المؤتمر صدور القانون العام General Law الذي وقَّعته الدول الأربعة عشر المجتمعة، وصادقت عليه، باستثناء الولايات المتحدة. وكان أحد سماته الرئيسة تكوين نظام للتجارة الحرة يمتد عبر وسط إفريقيا، والذي أصبح تطويره سببًا للاعتراف بدولة الكونغو الحرة التي استمرت 13 عامًا جُلّها في حالة عنف، وإلغاء تجارة العبيد برًّا، وكذلك مبدأ “الاحتلال الفعلي” effective occupation الذي كرَّس الاستيلاء على الأراضي المكتشفة حديثًا، والتي لا توجد بها سيادة.
ورغم محاولة تكوين منطقة تجارة حرة في إفريقيا، ومن ثَمَّ منع تحوُّل القارَّة إلى مسرح للصراع بين القوى الأوروبية؛ فإن مبدأ الاحتلال الفعلي أصبح تجسيدًا للاحتلال العسكري للقارة الإفريقية بنتائج بعيدة المدى على سكانها. فقد كان 80% من القارة وقت عقد المؤتمر خاضعة لسيطرة تقليدية ومحلية، وكان للأوروبيين سلطة على الساحل فحسب، وبعده بدأت القوى الأوروبية في ضم مساحات من الأراضي من الداخل، ووضع الحدود الهندسية التي تجاوزت الثقافات والأقاليم الأصلية في إفريقيا.
والآن، وبعد مرور 135 عامًا على مؤتمر برلين، ربما يكون قد حان وقت التفكر مجددًا في مؤتمر برلين. وبينما من المستحيل العودة بالزمن إلى الوراء، فإنه يجب على الأفارقة التدبر فيما حدث منذ ذلك الوقت. إن تدريس التاريخ الحقيقي لإخضاع القارة سيساعد على مواجهة أساطير “العداءات القديمة” التي قيل: إنها غذَّت الصراعات على القارة.
على هامش مؤتمر السكان الإفريقي الثامن بعنتيبي: ما الذي يقود نمو السكان أو يغيِّره؟([5])
تواصل معدلات نُمُوّ السكان في إفريقيا في فرض تحديات معوِّقَة لجهود التنمية في القارة. ويتوقّع أن يتضاعف سكان إفريقيا تقريبًا بحلول العام 2050م؛ مما سيعني إضافة 1.2 بليون نسمة لسكان إفريقيا البالغ عددهم في العام 2019 نحو 1.3 بليون نسمة.
وسيتناول مؤتمر السكان الإفريقي الثامن بعنتيبي-أوغندا هذا الأسبوع دوافع النمو السكاني في القارة، وما الذي يمكن القيام به لإبطاء هذا المسار. وسيكون في بؤرة النقاش دور الدوافع والمحفّزات السلوكية، لا سيما التدخلات المستهدِفة تغيير سلوك السكان، لتحقيق الانتقال الديموغرافي في إفريقيا.
وستُثار مسألة على مائدة المؤتمر: هل يمكن استخدام الحوافز والدوافع لإحداث تغييرات في أنماط الخصوبة في القارة؟ وتشمل قائمة الأمور التي ستتم مناقشتها في المؤتمر: المضامين الأخلاقية للسلوك التحفيزي، وما هي الحوافز والدوافع المجدية، وفي ظل أية ظروف؟ وما الحوافز والدوافع التي يُوصَى بها؟ وما الحوافز التي يجب استهدافها؟
ويمكن الإجابة عن هذه الأسئلة بالنظر في الدوافع الرئيسة للنمو السكاني في إفريقيا. وأهمها الخصوبة المرتفعة المدفوعة بعدة عوامل؛ منها الرغبة في عائلة كبيرة، وتدّني مستويات استخدام موانع الحمل الحديثة، وارتفاع مستويات حمل المراهقات.
ويبلغ متوسط نصيب المرأة الإفريقية من الأطفال 4.7 طفل، ويتباين ذلك بشكل كبير من 2.5 في إفريقيا إلى ما بين 5.5 و5.8 في وسط إفريقيا وغربها. ويصل المتوسط في أجزاء أخرى من العالم إلى 2.2 أو أقل؛ مع متوسط عالمي 2.5 طفل للمرأة الواحدة. وأحد أسباب ذلك هو حمل المرأة الإفريقية مبكرًا ففي الغالب يكون لديها طفل قبل أربعة أعوام من المتوسط العالمي في عمر 26 عامًا. كما أن معدلات ولادة المراهقات مرتفعة للغاية، وتبلغ في وسط إفريقيا وغربها على سبيل المثال ثلاثة أمثال المعدل العالمي.
ويرى كاتبا المقال أن استخدام الحوافز والدوافع المالية لإحداث تغييرات في المسار الحالي للنمو السكاني أمرٌ يثير بعض التخوّفات، منها على سبيل المثال المسألة المرتبطة بالأخلاق. والحقيقة أن سلوكيات الخصوبة المرتفعة متجذِّرة للغاية في المعتقدات الدينية والثقافية، وهو أمرٌ يجب على السلطات المعنية أخذه في الاعتبار.
وهناك مسألة أخلاقية أخرى متعلقة بالحوافز الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر بشكل مختلف على تكوين الأُسَر الفقيرة والغنية؛ ومن ثَمَّ فإنه من الأهمية بمكان عدم فرض تدخلات تجبر الناس على أوضاع مستحيلة كما كان الحال في الهند؛ التي مرَّت بتجربة “تعقيم قسري” للرجال.
وتواجه الحكومات الإفريقية مآزق أخلاقية؛ بسبب التناقض بين ضمان حماية حقوق الأفراد في قرار عدد أطفالهم، وحماية رفاهية الجماعة الأكبر، وتحقيق أهداف التنمية البشرية التي قد تتطلب معدلات نُمُوّ سكانية أكثر بطئًا.
[1] Andrew Green, Germany’s €1B push into Africa, Devex, November 13, 2019 https://www.devex.com/news/germany-s-1b-push-into-africa-96023
[2] Tariye Isoun Gbadegesin, A Green Industrialization Strategy for Africa, Project Syndicate, November 14, 2019 https://www.project-syndicate.org/commentary/africa-path-to-green-industrialization-by-tariye-isoun-gbadegesin-2019-11
[3] Fergus Kelly, US seeks Coalition meeting on ISIS threat in West Africa and the Sahel, The Defence Post, November 15, 2019 https://thedefensepost.com/2019/11/15/us-coalition-isis-west-africa-sahel-2020/
[4] Matilda Coleman, Berlin 1884: Remembering the conference that divided Africa , November 15, 2019 https://upnewsinfo.com/2019/11/15/berlin-1884-remembering-the-conference-that-divided-africa-colonialism/
[5] Alex Ezeh and Garumma Tolu Feyissa, What’s driving Africa’s population growth. And what can change it, the Conversation, November 17, 2019 https://theconversation.com/whats-driving-africas-population-growth-and-what-can-change-it-126362