د. محمد عبدالكريم أحمد
باحث بمعهد الدراسات المستقبلية – بيروت
يحاول هذا التقرير تقديم رؤية لموضوعات متنوعة حول القارة الإفريقية في الصحافة العالمية؛ بغرض رَصْد أهمّ ملامح القضايا الجارية في القارة عبر قراءة منتقاة قدر الإمكان.
الاستعمار وصعود السلطوية الهشَّة في إفريقيا([1]):
نشرت كوارتز أفريكا مطلع نوفمبر الجاري مقالاً حول كيفية تأثير الحكم الاستعماري على نشوء النُّظُم السلطوية الهشَّة في إفريقيا، يقدّم فيه الكاتبان؛ نيك تشيزمان وجوناثان فيشر، رؤية لكتابهما بعنوان “إفريقيا السلطوية: القمع والمقاومة وسلطة الأفكار”.
وينقض المقال فكرة تتكرر كثيرًا في الفضاء الإعلامي في بريطانيا والغرب، وهي أن الاستعمار أفاد من ناحية أو أخرى الدول المستعمَرَة. كما يقدّم الكتاب صورة مختلفة للغاية عن هذا التنميط عبر إعادة تقييم الإرث السياسي للاستعمار؛ وتوصَّل إلى أنه كان ذا أثر عميق على النظم السياسية الإفريقية.
فقد عززت فترة الاستعمار قوة “الرجال الكبار” -القادة المحليين الأقوياء- إزاء مجتمعاتهم. كما حجَّمت تلك السياسات القيود التي كانت قائمة سلفًا عليهم داخل سياقاتهم المجتمعية. وعلى هذا النحو فإن الفترة الاستعمارية ساعدت على مأسسة أشكال حُكم قمعيَّة. كما ضمن الحكم الاستعماري، في نفس الوقت، أن قادة فترة ما بعد الاستعمار سيواجهون بالضرورة صراعًا قويًّا لضمان سلطتهم. وقد فعل الاستعمار ذلك عن طريق تكوين دول ذات قدرة محدودة على تقديم الخدمات وحكم المناطق التي تخضع لحكمها.
ولم يكن الطريق للحكم السلطوي غير المستقِرّ الذي اتبعته دول كثيرة بعد الحكم الاستعماري أمرًا مصادفًا. فقد تيسَّر المسار نحوه عبر الطرق التي حجمت بها الإمبراطوريات الأوروبية العناصر الديمقراطية داخل المجتمعات الإفريقية. ومن ثَمَّ، فإن فَهْم الأثر الأعمق للحكم الاستعماري أمرٌ مهمّ؛ إذ لا يقتصر على مساعدتنا في فهم سياق تطور السياسة الإفريقية منذ ذلك الوقت.
حكم الرجل الكبير:
شهدت إفريقيا قبل الحكم الاستعماري وجود تجمُّعات صغيرة من المجتمعات الإفريقية أصغر من الوضع الحالي، وكذا وجود دول مركزية. وفي بعض الحالات فإن هذه المجتمعات لم تعترف بشخصية سلطة مركزية قويَّة على الإطلاق. مما وضَع قيودًا على مدى استغلال السلطة في المحصِّلة. وعنت الكثافة السكانية المتدنية إمكان تنقل التجمعات لمنطقة أخرى؛ إن أساء الحاكم استخدام سلطته تمامًا.
ولم تكن هذه النُّظُم بالضرورة ديمقراطيَّة؛ فقد كان الشيوخ والأكثر ثراءً هم المهيمنون على السلطة، لكن كان نظام السلطة أبعد ما يكون عن نُظُم سياسية مركزية قادرة على القمع الجماعي. وقد غيَّر الحكم الاستعماري هذه الصورة –وفق الكاتبين- من ناحيتين؛ أولهما أنه كوَّن حدودًا وطنية واضحة للغاية، وأسهم في بناء سلطة مركزية، مع بيروقراطية أكثر امتدادًا تعتمد على قوات الأمن. كما أن الحكم الاستعماري وضَع أُسُس السياسة في العديد من الدول الإفريقية؛ كي تكون خاضعة لهيمنة الصراع على السلطة بين زعماء جماعات مختلفة.
مولد تزوير الانتخابات:
لم تبذل الحكومات الاستعمارية جهدًا يُذْكَر لخلق ظروفٍ تُهيّئ لسياسة ديمقراطية (حقيقية) يمكنها الاستمرار، ورفضت في بعض الأحوال عقد انتخابات حتى حلول فترة ما قبيل الاستقلال. وبدلاً من ذلك فإن الحكومات الاستعمارية سعت بانتظام لإنكار الحقوق السياسية والاقتصادية للأفارقة، وأعاقت ظهور الأحزاب الوطنية الشعبية. وارتبط ذلك بطبيعة الحال بقوانين بالغة القمع، ممَّا مكَّن الحكومات من فرض رقابة على وسائل الإعلام، وحظر الاجتماعات العامة، واعتقال القادة السياسيين بتُهَمٍ غامضة وفضفاضة.
وعندما كان يحيط التهديد بالنُّظُم العسكرية؛ فإن استجابتها كانت تتأرجح بين العداء والعنف. وحاولت حكومات الاستعمار في بعض الحالات –كما في نيجيريا وكينيا- المماطلة في إجراء الانتخابات؛ لضمان انتصار حلفائها. وقد نظَّمت بريطانيا وفرنسا أول انتخابات مزورة في القارة.
صعود النزعة السلطوية الهشَّة:
وقد أتاح هذا الإرث الاستعماري المعقَّد الفرصة لصعود مجموعة من الحكومات التي تتَّسم بالسلطوية الهشَّة. في المقابل عملت الأنظمة السلطوية التي تعزَّزت في ظل الاستعمار على تحجيم الدساتير الديمقراطية عقب الاستقلال بوقت قصير.
ومن جهة أخرى؛ فإن الأثر الاجتماعي والسياسي للحكم الاستعماري قد زاد من صعوبة فرض الحكومات لسيطرتها. وأدَّى هذا التوتر إلى ظهور مجموعة من النُّظُم السياسية التي صارعت من أجل إرساء بديل مستدام للحكم الديمقراطي.
وكانت التحديات التي واجهها قادة مرحلة ما بعد الاستعمار ذات صعوبة خاصة؛ لأنها كانت متعددة الجوانب؛ فقد كانت هناك تهديدات مفروضة عليهم مِن قِبَل كبار المناطق والوجهاء المنافسين. كما لا نغفل حقيقة أن هؤلاء القادة قد ورثوا دولاً افتقرت إلى بنية أساسية فعَّالة أو خدمات عامة. كما ورثوا اقتصادات كانت مُعَدَّة بالأساس -ومنذ البداية- لاستنزاف القيمة وليس لخَلْق فُرَص عمل للجماهير. كما افتقرت أغلب الحكومات الإفريقية للمخصَّصات المطلوبة لتعويض هذا العجز.
ماضي الحاضر:
وهكذا، وفي تلخيص لأفكار الكتاب بشكل مكثّف؛ فإن دول ما بعد الاستعمار أعادت إنتاج ملمح جوهري للحكم الاستعماري، وهو غياب دولة قوية، والحفاظ على الاستقرار السياسي القائم على الجمع بين أسلوبي القَسْر والاستمالة. وتمكَّن القادة الذين فهموا أهمية هذا التوازن من البقاء في السلطة لعقودٍ. أما مَن لم يتمكَّنوا من فَهم ذلك؛ فقد تم إسقاطهم من الحكم في غضون أسابيع من توليهم.
لماذا ستحدّد إفريقيا مستقبل بقية العالم؟([2]):
مقال لهوارد و. فرنش يتناول الأهمية المطلقة لمسألة تُعادِل إنْ لم تَفُقْ –في رأيه- مسألة التغيُّر المناخي في مستقبل البشرية، وتتضاءل دونها قضايا مصير القوة الأمريكية والبريكسيت وتأثيرها على الاتحاد الأوروبي، والتخوفات التي تحيط بنمو الصين.
ألا وهي النمو الهائل في عدد السكان الأفارقة؛ فاعتمادًا على التوقعات الحالية فإن سكان القارة الإفريقية الذين يبلغون 1.2 بليون نسمة سيصلون في منتصف القرن الجاري إلى 2.5 بليون نسمة أي أكثر من الصين والهند مجتمعتين، كما يتوقع أن يصل هذا العدد في مطلع القرن المقبل إلى 4 بلايين نسمة؛ أي: أكثر من ثلث سكان العالم في ذلك الوقت.
ويتوقع أن تتأثر أوروبا أكثر من غيرها بالتطورات في إفريقيا، ويضرب مثالاً بإسرائيل التي حاولت دفع أموال لآلاف المهاجرين الأفارقة لمغادرة البلاد، وعرضت تذاكر طيران ومبلغ لكل فرد بقيمة 3500 دولار. وكذلك أمريكا اللاتينية، التي أضحت مسارًا مباغتًا للهجرة الإفريقية؛ أملاً في الانتقال لاحقًا إلى الولايات المتحدة. وفي الصين حيث يتركز مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة في مدينة واحدة هي جوانجزهو Guangzhou، وستشهد جميع هذه المقاصد مزيدًا من الهجرات الإفريقية.
كما سيقود نمو السكان الأفارقة على هذا النحو الهائل إلى دعوات مقلقة من الخارج (خارج إفريقيا) لتحجيم هذه الفقاعة السكانية؛ بينما لا يتوقع أن يفكّر الأفارقة في هذه المشكلة كأزمة –خاصة بعد تجربة تجارة العبيد التي استنزفت موارد بشرية مهمة للقارة عبر قرون من الزمن-؛ بل إن الاتجاه الغالب هو التفكير في السكان كموارد بشرية، في حين تواجه أوروبا مثلاً نزيفًا سكانيًّا مع تراجع مُعدّل المواليد، وهو ما يقود إلى نقص حادّ في سوق العمل الأوروبي، فضلاً عن مشكلات اقتصادية أخرى.
وعلى النقيض من التيار الشعبوي المعادي للمهاجرين؛ فإن القادة الأوروبيين يجب أن تتوفر لديهم الشجاعة لمواجهة الهجرة الإفريقية بشكل أكثر فعالية. ونظرًا لأن المهاجرين الأفارقة سيفدون إلى أوروبا بصورة أو بأخرى؛ فإن أفضل مقاربة يجب أن تَتَّخِذ شكل مصلحة ذاتية مستنيرة تزيد بالتدريج مستويات الهجرة، وتعمل على الترحيب بمزيد من العمال الأفارقة وذوي المهارات في سوق العمل الأوروبية. ومن أجل النجاح في ذلك؛ فإن الحكومات والمجتمع المدني سيكونون بحاجة إلى توعية الأوروبيين وإرشادهم إلى مصلحتهم في ذلك؛ من خلال جعل الاندماج ليس حتميًّا وإنما إيجابيًّا.
لكن كل ذلك سيأتي على خلفية مسألة توفير الوظائف؛ حيث إن فُرَص العمل في أوروبا وأمريكا الشمالية وغيرهما لن تكون كافية لتلبية طلب السكان الأفارقة المتزايدين بشكل كبير. وإن التوظيف في إفريقيا هو التحدي الأكثر أهمية؛ لكنه الأمر الذي تتجاهله أغلب دول العالم. وبدلاً من ذلك فإن المراقبين وصُنَّاع القرار في أوروبا والولايات المتحدة قَلِقُون من تقارير التقدم الاقتصادي للصين في إفريقيا، وكذلك الحال -وإن بمستوى أقل يتناسب مع حجم اقتصادها- فيما يتعلق بروسيا.
ويتظاهر بعض المعلّقين بأنَّ الصين في سبيلها إلى إحداث تحوُّل صناعيّ لإفريقيا. وذلك محض خيال، وخيال مريض في واقع الأمر؛ لأنه يُتيح مجالاً أمام تفكير خرافي عن مشكلات القارة، ومن ثَم تفادي التركيز على التحديات الحقيقية التي يمكن أن تكون في المتناول. بل إن الصين -حسب فرنش- تُمثّل في الغالب عقبة أمام التحوُّل الصناعي الإفريقي.
ويمكن تفسير ذلك بأن الصين التي مرَّت بالتصنيع منذ عقود، وتهيمن الآن على قطاعات مهمة في الاقتصادات حديثة التصنيع، كما في إفريقيا؛ ستسعى للدخول في السوق الإفريقي للاستفادة من حداثته. وتواجه الاقتصادات الإفريقية التي تحاول تكرار تجربة الصين تحديات غير مألوفة تاريخيًّا، إضافة إلى تحدٍّ آخر وهو بلقنة القارة إلى 54 دولة أغلبها دول صغيرة، ومن ثَمَّ تصبح توقعات التحوُّل الصناعي العميق أو المنتشر أمرًا غير مرجَّح على نحو متزايد.
الديمقراطية الغربية وأجندة النيوليبرالية في إفريقيا([3]):
تناول مقال في Open Democracy معضلة “الديمقراطية” الغربية في إفريقيا بوصفها مجرد وسيلة لدفع أجندة الليبرالية الجديدة، وينطلق الكاتب من فكرة أن هناك طلبًا متزايدًا من قبل الأفارقة لتحقيق الديمقراطية؛ بسبب التاريخ الممتد للحكم العسكري، والانتخابات غير النزيهة، والقادة الذين لم يتعرضوا لمساءلات خلال حكمهم، وعدم كفاية الخدمات، والفساد المتفشيّ.
وأكد عددٌ من العلماء على أن الافتقار للديمقراطية هو السبب الرئيس للفقر في إفريقيا. علاوة على ذلك فإن موجة التحول الديمقراطي التي اجتاحت إفريقيا في تسعينيات القرن الماضي أفسحت الطريق أمام انتخابات تعددية حزبية دون تحسين معيشة الجموع الإفريقية الفقيرة التي وقفت طوابير لساعات طويلة للتصويت. كما اتسم تطبيق الديمقراطية الليبرالية الغربية في إفريقيا بالعنف وتزوير الانتخابات.
ووصف البعض هذا النظام الانتخابي وفساد الحكم “بالديمقراطية الإفريقية” African style democracy، بينما أرجع بعض الباحثين فشل نُظُم الحكم في إفريقيا للقِيَم الثقافية الإفريقية التي تحقّر من شأن الديمقراطية. ولسوء الحظ فإنَّ مَن توصلوا إلى أن فساد الحكم ناتج عن الثقافة الإفريقية يتجاهلون بوضوح الآثار المدمّرة والدائمة طوال نحو خمسة عقود من إخضاع النُّظُم الثقافية الإفريقية مِن قِبَل الغرب، وهو وضعٌ قادَ إلى انحرافٍ في جوانب عديدة من الحياة الإفريقية بما فيها نُظُم الحكم.
وفي الواقع؛ فإن الديمقراطية جزء أصيل من الثقافة الإفريقية. فقد واجَه الأوروبيون الذين غزوا إفريقيا ممالك ديمقراطية كان عليهم أولاً تدميرها قبل نجاح مشروعهم الاستعماري. بأيّ حال، فإن المركزية الأوروبية تنكر التاريخ السياسي الديمقراطي لإفريقيا، وتُصوّر ثقافة إفريقيا على أنها ثقافة استبدادية كلية وضدّ التطور. وكان فرض القيم والأخلاقيات الغربية، بما فيها الديمقراطية الغربية Western-style democracy على إفريقيا قد أسفر –في الواقع- عن اختلالات بسبب ثقافة وتاريخ وقِيَم المجتمع المحلي التي تُشَكِّل عوامل مهمة في أيّ إطار للتنمية والحكم. كما أسهم المانحون الغربيون في هذا الفشل الديمقراطي المتكرر في إفريقيا؛ بسبب رؤيتهم لأية دولة إفريقية تُجرِي انتخابات على أنها ديمقراطية حتى لو فاز فيها رؤساء غير ديمقراطيين.
وهكذا تحدث مساواة بين الديمقراطية والانتخابات الحزبية التعددية، حتى لو لم يُؤخَذ في الحسبان التصويت الشعبي الحقيقي في الانتخابات. والأسوأ من ذلك أن تعزيز الديمقراطية من قبل البنك الدولي وغيره من المانحين الغربيين لا يُغيِّر علاقاتهم الاستبدادية مع الدول الفقيرة. ويسهم تصميمهم على إصلاحات نيوليبرالية في فقر إفريقيا، وكذا السماح للدول المتقدمة بمواصلة استغلال إفريقيا.
وبالرغم من مناداة المانحين الدوليين بالديمقراطية مرارًا وتكرارًا؛ فإن قيمة الانتخابات في إفريقيا لا تتجاوز منح المواطنين شعورًا بالانخراط في عملية ديمقراطية؛ حتى لو لم تُؤخَذ آراؤهم بالمرة في الحسبان، مع إخضاعهم للإصلاحات النيوليبرالية الغربية.
ومن اللافت للانتباه أنه رغم هذا الفشل الديمقراطي المتكرر؛ فإن الدول الإفريقية لا تزال تُبْلِي بلاءً حسنًا في تلبية غرض الاستغلال الذي أرساه الأوروبيون في مؤتمر برلين في العام 1884م. إنني أعرف الديمقراطية الليبرالية الغربية في السياق الإفريقي كترتيب سياسي يضمن مصالح الدول الرأسمالية الإمبريالية، وخاصة استغلالها غير المحدود للموارد والأسواق الإفريقية.
إفريقيا مستقبل المدن العملاقة([4]):
بينما لا يتوارد إلى الذهن عند الحديث عن المدن العملاقة سوى تلك المنتشرة في أوروبا والولايات المتحدة، وعلى نحو متزايد في الصين وجنوب شرق آسيا، فإن تصورنا المسبق عن مشكلات وفرص التمدن في “الشمال العالمي” Global North والابتكارات المعمارية التي تترتب عليها فإنه مع نهاية القرن الحالي لن توجد أيّ من كبريات المدن العشرين في العالم أجمع في الصين أو أوروبا أو الأمريكيتين، بينما ستستضيف إفريقيا وحدها 13 مدينة من قائمة المدن العشرين الأكبر في العالم، بينها أكبر ثلاث مدن.
ويوقن البنك الدولي أن التنمية العمرانية ستكون “التحوُّل الأهم الذي ستشهده القارة الإفريقية في هذا القرن”، مع وجود نحو نصف سكانها في المدن بحلول العام 2040. وهذا أمر مهم في ضوء مغادرة نحو 40 ألف إفريقي يوميًّا للريف إلى المدن للعيش بها طوال العشرين عامًا المقبلة. وستكون نتيجة ذلك تكوين تسع مدن عملاقة Megacities يقطن كل منها أكثر من عشرة ملايين نسمة، وستكون أكبرها كينشاسا (35 مليون نسمة)، ولاجوس (32 مليون نسمة)، والقاهرة (24 مليون نسمة).
ومع نمو المدن الإفريقية، وتجاوزها لمنافسيها على مستوى العالم؛ فإن المعماريين ومصممي المناطق العمرانية، والمخططين الذين يشرفون على هذه التنمية سيضطرون إلى مواجهة تحديات اجتماعية وبيئية؛ مثل التغير المناخي، وقصور البنية الأساسية. وذلك دون الأخذ في الاعتبار أن 60% من سكان الحضر في إفريقيا يعيشون في عشوائيات.
وقد تصدت دراسات عدة لمثل هذه التحديات؛ مثل دراسة Future Proofing City لشركة Arup والتي تعمل في تسع مدن في أربع دول هي إثيوبيا وغانا وموزمبيق وأوغندا. وقدمت الشركة مقترحًا لإدارة نمو المدن في هذه الدول تختلف وفقًا للظروف المحلية من “رؤية أوغندا 2040” والتي تهدف إلى تفعيل خمس مدن ثانوية إقليمية واستراتيجية في عملٍ يهدف إلى تفكيك المركزية، بينما يتمحور النموذج الموزمبيقي على تطوير “ممرات نُمُوّ” growth corridors لتشمل النقل واللوجستيات والتجارة والاقتصاد والتنمية البشرية.
منتدى الاستثمار الإفريقي الثاني بجوهانسبرج- نوفمبر 2019([5]):
يتجه كثير من المستثمرين والباحثين عن الصفقات الأسبوع المقبل إلى جوهانسبرج؛ لحضور منتدى الاستثمار الإفريقي الثاني الذي يستهدف رفع رأس المال، وضخ مشروعات بقيمة عدة بلايين من الدولارات في إفريقيا بشكل ملموس.
وكان تدشين المنتدى للمرة الأولى في العام 2018م دالاً على حدث اقتصادي مُهِمّ في إفريقيا. وهو بمثابة منصة مصمَّمة لمساعدة مشروعات هيكلية والوساطة في اتفاقات، وسرعان ما أرسى نفسه كأكبر تجمُّع للمستثمرين من العالم وإفريقيا، ووضع تأكيدًا على الإسراع بتدفق الصفقات إلى القارة.
كما يمثل المنتدى منصة لصُنْع الصفقات بكلّ ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات، مع منصة رقمية لاستطلاع فرص المشروعات والتمويل. وخلال القمة يتم تقديم المشروعات والتعاملات وفق تقسيمات القطاعات المختلفة.
وشهد المنتدى في العام الماضي التوصل لثلاثة وستين مشروعًا بقيمة إجمالية 47 بليون دولار في قطاعات الطاقة والنقل واللوجستيات والزراعة. وكان انعقاد المنتدى برعاية وإشراف بنك التنمية الإفريقي، ومؤسسات مثل: أفريكيسمبنك ِAfreximbank، ومؤسسة التمويل الإفريقية، وبنك التجارة والتنمية، وبنك التنمية الإسلامي، وإفريقيا 50، وبنك تنمية إفريقيا الجنوبية، وبنك الاستثمار الأوروبي، مما أرسل رسالةً واضحةً بوجود الطلب على المشروعات القابلة للتمويل المصرفي bankable projects إلى جانب رأس المال المتوفر لتمويلها.
ومن أجل تلبية أهداف التنمية المستدامة؛ فإن القارة ستحتاج إلى استثمارات بقيمة 400-600 بليون دولار، منها مشروعات بقيمة 130 بليون دولار مخصَّصة لمشروعات البنية الأساسية فقط. ويهدف منتدى الاستثمار الإفريقي إلى علاج هذا القصور عبر تسريع فُرَص الاستثمار، وزيادة تدفق الصفقات، وخفض فترات الإغلاق.
ويرى ألن إيبوبيسي ِAlain Ebobissee الرئيس التنفيذي لـ”إفريقيا 50″ أن المنتدى يؤكّد على أن دول إفريقيا متى حققت مشروعات بنية أساسية جيدة الهيكلة؛ فإن ذلك سيثير شهية صُنَّاع الصفقات. وكان بندكت أوراما B. Oramah رئيس أفريكسيمبنك قد كشف أن منتدى العام الماضي قد شهد عَقْد 60 اجتماعًا، وتم تطوير خطّ مشروعات بقيمة 15 بليون دولار.
وباعتباره سوقًا كبيرًا؛ فإن المنتدى يهدف إلى معالجة بعض القيود التي تعوق الاستثمار، وتساعد صُنَّاع السياسة في تطوير إطار سياسيّ ملائم، ومساعدتها على الدخول في إصلاحات ضرورية لجَذْب الاستثمار وإطلاقه.
كما جذب منتدى العام الماضي 8 رؤساء دول. وأكد رئيس بنك التنمية الإفريقي أكينومي أديسينا Akinwumi Adesina أن المواقف تتغير بين رؤساء الحكومات، الذين يشجِّعُون الآن النمو عبر الحوافز المالية، ومشاركة القطاع الخاص كشريكٍ رئيسٍ.
[1] Nic Cheeseman and Jonathan Fisher, How colonial rule committed Africa to fragile authoritarianism, Quartz Africa, November 2, 2019 https://qz.com/africa/1741033/how-colonial-rule-committed-africa-to-fragile-authoritarianism-2/
[2]Howard French, Why Africa’s Future Will Determine the Rest of the World’s, World Politics Review, November 6, 2019 https://www.worldpoliticsreview.com/articles/28323/why-africa-s-future-will-determine-the-rest-of-the-world-s
[3] Damola Adejumo-Ayibiowu, Western style ‘democracy’ in Africa is just a way of pushing the neoliberal agenda, Open Democracy, November 6, 2019 https://www.opendemocracy.net/en/oureconomy/western-style-democracy-in-africa-is-just-a-way-of-pushing-the-neoliberal-agenda/
[4] Niall Patrick Walsh, Why Africa is the Future of Megacities, Arch Daily, November 6, 2019 https://www.archdaily.com/927842/why-africa-is-the-future-of-megacities
[5] The Africa Investment Forum – catalysing investment flows, African Business, November 7, 2019 https://africanbusinessmagazine.com/sectors/development/the-africa-investment-forum-catalysing-investment-flows/