د. محمد عبد الكريم أحمد
معهد الدراسات المستقبلية – بيروت
يحاول هذا التقرير تقديم رؤية لموضوعات متنوعة حول القارة الإفريقية في الصحافة العالمية خلال الفترة الماضية ؛ بغرض رَصْد أهمّ ملامح القضايا الجارية في القارة عبر قراءة منتقاة قدر الإمكان.
اتفاق التجارة الحرة التجارية الإفريقية: فائزون وخاسرون([1]):
تناولت مجلة “أفريكان بيزنس” اتفاق التجارة الحرة التجارية الإفريقية من زاوية المكاسب والخسائر؛ فبينما يُمثّل الاتفاق فرصة فريدة لنموّ التجارة البينية الإفريقية، وزيادة حصتها في إجمالي التجارة الخارجية الإفريقية، وتنويع صادرات القارة لبقية العالم؛ إلا أنه يوجد –بطبيعة الحال- فائزون وخاسرون في هذا الاتفاق؛ إذ إن الزيادة المتوقعة في التجارة البينية الإفريقية -بحسب محلِّلين- وحتى تصل إلى 119.6 بليون دولار بحلول العام 2022 تتطلب نحو 40 بليون دولار لتمويل التجارة وحدها. وهو ما يُمثِّل تحديًا كبيرًا أمام البنوك الإفريقية. خاصة أن هناك بالفعل عجزًا في التمويل التجاري لا يقل عن 90 بليون دولار في إفريقيا في العام 2018م، وفقًا لتقديرات بنك التنمية الإفريقي.
وعلى سبيل المثال؛ ستحتاج البنوك الإفريقية، ولا سيما بنوك مثل مجموعة Absa (وهي مجموعة مصرفية رائدة حملت سابقًا اسم باركليز إفريقيا جروب ليميتد)، وستاندارد بنك وإيكوبنك، إلى تبنِّي طرق جديدة لتقييم مخاطر التجارة مقابل دعم الهيئات والشركات التي تعول على فترة جديدة من النمو والفرص التجارية.
وفي ضوء النمو الاقتصادي الهزيل في جنوب إفريقيا في العقد الفائت، وارتفاع نسبة البطالة بشكل مستمرّ؛ فإن التوقيت مثالي تمامًا لفتح الأسواق أمام المصدِّرين من جنوب إفريقيا؛ بسبب تقدُّم اقتصادها ووجود قاعدة صناعية قوية مقارنة ببقية دول القارة، ومن ثَمَّ فإن جنوب إفريقيا ستكون في وضع فريد ومتميز للنموّ وتنويع صادراتها لبقية إفريقيا مع تخفيف الرسوم الجمركية أو رفعها تمامًا.
وهكذا تبرز جنوب إفريقيا كأبرز الفائزين في الاتفاق؛ خاصة أن دول إفريقيا تمثل –مجتمعة- ثاني أكبر مُتَلَقٍّ للصادرات الجنوب إفريقية بعد آسيا، وتبلغ نسبتها 26.2% (في العام 2017م). وبينما لا تستقبل جنوب إفريقيا من دول القارة مجتمعة سوى 9.9% من وارداتها من الخارج. وتُمثّل صادرات جنوب إفريقيا من السلع المصنّعة لإفريقيا نسبة 84% من إجمالي الصادرات، بينما أغلب صادراتها لآسيا من المعادن (بنسبة 59%). أما فيما يخص واردات جنوب إفريقيا من بقية دول القارة فإنها تتمثل في 51% من المعادن، معظمها بترول خام من نيجيريا وأنجولا.
وليس هناك شك في أن بعض عناصر الاتفاق سوف تَحُدّ من صلاحيات حكومات الدول الأعضاء وقدراتها على تصميم وتطبيق السياسات الوطنية في عملية ستخفّض صلاحيات السياسيين في التأثير على النتائج الانتخابية في بلادهم. ولا بد أن تتوفر هناك إرادة لقبول الخسارة على المدى القصير حتى تستفيد القارة عبر زيادة التجارة البينية وأسواق أكبر في المدى المتوسط والبعيد.
كما على القارة، إن كانت تريد تفادي حدوث “بريكست” Brexit مِن قِبَل بعض الدول الأعضاء مع تطبيق الاتفاق، التأكد من أن المكاسب لن تستقطب في الاقتصادات الكبيرة مثل جنوب إفريقيا، ونيجيريا ومصر وأنجولا وكينيا؛ وهو ما يتطلب توازنًا حذرًا بين السوق المنفتحة وحماية الأعضاء الأصغر حجمًا.
تمكين الفلاحات في إفريقيا([2]):
تنخرط أكثر من 60% من قوة العمل النسائية في إفريقيا جنوب الصحراء في قطاع الزراعة. غير أنهن لا يستفدن بالقدر المناسب أو المتوقع من هذا العمل. ويتطلب جَسْر الهوية الجندرية في قطاع الزراعة التحرُّك على ثلاث جبهات؛ حسب مقال روث ماينزن-ديك، أولها حقوق الأراضي؛ حيث يلاحظ ندرة امتلاك النساء للأرض في أغلب أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء، وتستخدم النساء الأراضي عادة عبر قرابة ما لذكور، على الأرجح زوج أو أخ أو أب. وهو ما يتركهن في حالة بالغة الهشاشة في حالات وفاة الذكر أو الطلاق أو مجرد تغيير الرجل لرأيه؛ ما يؤدِّي لحرمان المرأة في نهاية المطاف من الأرض.
وتؤثر حالة عدم الأمن الناشئة هذه على طريقة زراعة النساء أو الإسهام في تحسينها طالما يشعرن أنه سيأتي شخص آخر ويطالب بالأرض وما طرأ عليها من عمل بمجرد الانتهاء منه؟
وطوال العقدين الفائتين أخذت دول عديدة خطوات مهمة نحو تعزيز حقوق المرأة في الأراضي وحمايتها. مثل إثيوبيا التي أصدرت تسجيلاً مشتركًا للأراضي؛ حيث يتضمن التوثيق اسما وصورتا الزوج والزوجة، ومن ثم التأكيد الرسمي على حقوق المرأة في الأرض، وهو ما قاد إلى تحسُّن استثمار النساء في الزراعة.
أما الجبهة الثانية؛ فهي افتقار النساء لوصول عادل لمدخلات الإنتاج الزراعي بما فيها الأسمدة والبذور والمعدات الميكانيكية، وخدمات التوسع الزراعي التي تربطهن بالمعلومات عن أفضل الممارسات الزراعية. وعلى سبيل المثال؛ فقد أظهرت دراسات في كينيا ومالاوي وسيراليون وزامبيا وزيمبابوي أن النساء أقل استفادة من الخدمات المالية في قطاع الزراعة.
وقد بدأت وكالات التنمية والمنظمات غير الحكومية في العمل على تصميم خدمات وبرامج مالية مستهدفة للنساء؛ من أجل تحسين وصولهن للمدخلات الزراعية، كما ارتفع عدد مجموعات التمويل متناهي الصغر العاملة على تحسين الوصول للخدمات المالية والتقنيات الجديدة والمعلومات.
أما الجبهة الثالثة فتتمثل في سلطة صنع القرار؛ ففي سياقات كثيرة تفتقر المزارعات لسلطة إدارة المحاصيل اللاتي ينتجنها أو الدخل اللائي يحققنه، وهو أمرٌ له نتائج بالغة على التنمية. وفي سياق تعزيز التطوّر في هذه الجبهات قام المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء International Food Policy Research Institute بتصميم ما عُرِفَ بمؤشر تمكين المرأة في الزراعة Women’s Empowerment in Agriculture Index الذي يقيس سلطة صنع القرار، والوصول للموارد (بما فيها الائتمان)، والتحكم في الدخل، والأعباء الزمنية، والعضوية في المجموعات.
سيرك ترامب يسرق الأضواء من مواجهة إفريقيا للتغير المناخي في قمة الأمم المتحدة([3]):
أما جون ستريملاو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ويتووترزراند الجنوب إفريقية فقد تناول أثر الأحداث التي جرت في واشنطن بخصوص بدء إجراءات “عزل” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوة على القضايا العالمية، وكذلك الإفريقية.
وأرجع ستريملاو هذا التأثير لسببين؛ أولهما أنها هددت بسرقة الأضواء عن العمل المهم لتجديد الدعم الدولي للعمل الجماعي إزاء مسائل مهمة لإفريقيا، ومنها التغير المناخي وأهداف التنمية المستدامة. وثانيهما أن هذه الأحداث أثارت قضايا سياسية مهمة للغاية لدى “ديمقراطيي إفريقيا”، وضاعف من تأثيرات هذه التطورات تزامنها مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعين؛ حيث كان الكثير من قادة العالم في نيويورك لحضور أعمالها.
وبالنسبة لإفريقيا فقد جذب التركيز على ترامب اهتمامًا كبيرًا من قضاياها كان مطلوبًا لقمة التحرك المناخي العالمي بالأمم المتحدة UN Global Climate Action Summit التي انعقدت في 23 سبتمبر؛ وكان تركيزها منصبًّا على حشد دعم وتعاون دولي أكبر. وكانت الدول الإفريقية تعتمد بقوة على هذا الدعم؛ لافتقارها للموارد الكافية للتكيف مع الاحترار العالمي؛ مما ضاعف من معاناة إفريقيا، إضافة لما تشعر به بالفعل من تجاهل إدارة ترامب لمسألة التغير المناخي منذ أن ألغت قبل عامين الدعم الأمريكي لصندوق المناخ الأخضر Green Climate Fund مما أدى إلى خفض المخصَّصات في البحوث وإلغاء المِنَح للصندوق البيئي متعدِّد الجنسيات؛ ما دفَع باحثين آخرين للتحذير من اقتفاء دول أخرى نهج الولايات المتحدة مما يضرّ الدول الفقيرة.
أما على صعيد الديمقراطية؛ فإن كثيرًا من الأفارقة يعتبرون رؤية ترامب للعالم متَّسقة مع نزعة وطنية بيضاء خبيثة تثير وَلَع مؤيديه. وهي ما وصفها الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا “بالنزعة الوطنية البدائية” Primitive Nationalism.
ولا يمكن لأحد توقع كيفية نهاية رئاسة ترامب، لكنَّ السيناريوهين القائمين يمكن أن يكون لهما مردودات سياسية في العالم وإفريقيا. فإذا أُجبر ترامب مِن قِبَل الكونجرس الأمريكي –أو بعدم التصويت له في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020- على ترك منصب الرئيس؛ فإن ذلك يمكن أن يكون له آثار إيجابية تلهم الديمقراطيات الليبرالية في الخارج. كما ستصبح أمريكا، في نظرهم، شريكًا يعتمد عليه وأكثر قدرة بالنسبة للدول الإفريقية.
أما إن تجاوز ترامب هذا المأزق وفاز في الانتخابات المقبلة؛ فإن ذلك سيعزز النظم السلطوية في أنحاء إفريقيا والعالم؛ بحسب هؤلاء المحللين.
الطلب الأمريكي على حيوانات أليفة يهدِّد بانقراض بعضها في إفريقيا([4]):
يعرض المقال المنشور بمجلة “ناشيونال جيوجرافيك” الشهيرة لتقرير صادر مطلع أكتوبر الجاري عن قائمة من الحيوانات التي يتم تصديرها خارج إفريقيا بشكل كبير يهدد بانقراضها.
وتناول التقرير الصادر عن World Animation Protection (WAP) (وهي منظمة دولية غير هادفة للربح تعزّز رفاهية الحيوانات البرية) أهم خمسة حيوانات مهددة بالانقراض جراء تصديرها بشكل مبالغ فيه، وجميعها مدرجة على اتفاقية التجارة الدولية للكائنات الحيوانية والنباتية البرية المهددة Convention on International Trade of Endangered Species of Wild Fauna and Flora (CITES)، وهي معاهدة دولية تنظّم التجارة في الحياة البرية.
\والحيوانات الخمسة هي: ثعبان الكرة أو الأفعى الملكية ball python، والببغاء الرمادي الإفريقي، والعقرب الإمبراطور، والسلحفاة النمرية البرية leopard tortoise، وورل السافانا savanna monitor lizard. وعلى سبيل المثال فقد صدَّرت كلّ من غانا وبنين وتوجو وحدها نحو 99.9% من صادرات إفريقيا من ثعبان الكرة في الفترة 2011-2015م، وبلغ عدد الأفاعي المُصَدَّرَة 592 ألف ثعبان حيّ، استحوذت الولايات المتحدة وحدها منها على 322 ألف ثعبان بنسبة (54%).
وأكَّدت نتائج التقرير على أهمية وضرورة التحرك الآن، وخاصة في ضوء تقرير أخير للأمم المتحدة أدرج الاستغلال المباشر للكائنات الحية على أنه السبب الثاني في الأهمية لحدوث التغيير في الطبيعة بعد التغيرات في استخدام الأراضي والبحار.
وتوقَّع مراقبون أنه بعد نحو 30 عامًا -وبالمعدل الحالي- فإن تجارة الحياة البرية الإفريقية لن تصبح مستدامة، وقد تتوقف تمامًا. ويبدو أن مواصلة تصدير الكثير من الحيوانات مثل صبّ الماء في جرَّة لا قاع لها.
ورأى نشطاء أن “العالم بأكمله يحتاج إلى النظر للحياة البرية بوصفها حياة برية، وليس كسلع مصنَّعة يمكنك دخول أيّ متجر وشرائها منه”.
لكن جانب من المشكلة يتمثّل في اعتماد عددٍ كبيرٍ من الأفارقة في تلك المناطق على التجارة في الحياة البرية؛ لتوفير معيشتهم، وهو أمرٌ بحاجة إلى تغيير، خاصةً أن التنوع البيئي في إفريقيا أصبح على المحك بشكل متزايد.
إفريقيا تدخل عصر “الأموال المحمولة” 2.0([5]):
تُمثل إفريقيا جنوب الصحراء المنطقة الأكثر نموًّا في مجال تحويل الأموال عبر الهواتف المحمولة؛ حيث يمثل نصيب الإقليم من السوق العالمي في هذا النشاط نحو 45.6%، أو ما لا يقل عن 26.8 بليون دولار في قيمة العمليات في العام 2018م وحده، مع استبعاد الحلول التي تقدّمها البنوك. كما يملك مشغِّلو “الأموال المحمولة”، مثل إم. تي. إن، شبكة محمول خاصة بها تفرض رسومًا على عمليات التحويل وخدماتها الرقمية تتراوح بين 0.5% إلى 3%، وهي نسبة ضئيلة للغاية.
وتستعد السوق الإفريقية لتجاوز الجيل الأول من “الأموال المحمولة”، والتي يمكن وصفها بمرحلة المحافظ المالية التي تعمل عبر واجهة تفاعل نصيّ مدعومة بتكنولوجيا التولكيت (صندوق الأدوات) tooklit عبر بيانات الخدمة المكملة متعددة الوظائفUSSD أو بطاقات SIM– الموجودة في جميع الأجهزة كجزء من معيار النظام العالمي لاتصالات المحمول GSM، لكنها ليست بديهية للغاية.
وفي مقابل ذلك نرى الآن وللمرة الأولى اتجاهًا صناعيًّا موسعًا مع تدشين تطبيقات بنكية لمست تحديات جديدة، يشار لها لدى متخصصون بالبنوك الرقمية، وتمثل هذه التطبيقات أول تكرارات الأموال المحمولة 2.0.
وتقدم البنوك الرقمية خبرة أكثر دقة وتميزًا للمستخدم، مع توفير سمات محددة تلائم المستخدم الأكثر تطورًا؛ والذي يحتاج ما وراء الاستغناء عن مكان لتلقّي الأموال أو حفظها أو إرسالها. ويتمثل أهم الفاعلين في الجيل الأول من “البنوك الرقمية” في أوروبا في تطبيقات مثل مونزو Monzo، و N26، والتي نالت نصيبًا معتبرًا في سوق التجزئة المصرفية. بينما كان من أول الفاعلين إفريقيا كل من زازو Zazu، وكودا Kuda، وكاربون Carbon وغيرها التي تستعد من هذا العام لخوض غمار هذه الحرب الرقمية؛ مع ملاحظة أن أكثر من نصف الاستثمارات في الأعمال التكنولوجية في إفريقيا كانت موجهة للابتكارات في التقنية المالية.
وعلى سبيل المثال؛ فإنه قبل أسابيع قليلة من أكتوبر الجاري قامت شينزين ترانسشن هولدنجز، مالكة هواتف تكنو، وإنفينيكس، وiTel، وأوريامو بالإعلان عن إطلاق أول جهاز من طراز تكنو Tecno يعمل بنظام KaiOS -وهو نظام تشغيل يتحدى النظم القائمة-، ويأتي ثالثًا بعد نظامي أندرويد لجوجل، وiOS لأبل، ومزود بقدرة على تشغيل تطبيقات كانت مقصورة سابقًا على نظامي التشغيل العملاقين السابقين، وتأتي أهمية هذه الخطوة في أن تكلفة مثل هذه الأجهزة تقل عن 25 دولارًا أمريكيًّا فقط؛ مما يجعلها متاحة أمام مستخدمي الإنترنت الذين يرغبون في تخطِّي تكاليف استخدام وسائط التواصل النصي (مثل واتساب).
وحقَّق نظام KaiOS نجاحًا لافتًا مع إطلاق هواتف ريليانس جيو بالهند؛ مما حول عشرات الملايين من المستخدمين من استخدام هواتف الجيل الثاني إلى كونهم مستخدمين لهواتف ملائمة للجيل الرابع، والتي هيمنت بدورها في الربع الثاني من العام الجاري على 37.4% من شحنات الهواتف الذكية لإفريقيا، وتلتها سامسونج (27.4%)، ثم هواوي (8.7%)، وهو ما يوفّر بيئة مناسبة للغاية لنموّ البنوك الرقمية؛ خاصةً مع دعم استثمارات من Orange Digital Ventures لنظام KaiOS، ووجود شراكة مع MTN بالفعل في السوق. ويعني ذلك أن اثنين من أكبر مشغلي الشبكات في إفريقيا قد استخدما KaiOS بالفعل.
لكن يظل هناك تحدٍّ قائم يتمثل في مكون رئيس لأية خدمات مالية عبر الهاتف المحمول، وهو توفّر الأماكن المتعدِّدة التي يمكن للمستخدمين من خلالها تحويل النقد واستلامه. وقد حلَّت شركات الاتصالات تلك المسألة بشكل رائع عبر إقامة شبكات وكلاء، وهو نظام فروع موزعة بانتظام وتعمل من قبل فروع تجزئة retailers غير رسمية. وعلى سبيل المثال فإن سفاريكوم Safaricom M-PESA لديها أكثر من 160 ألف وكيل، وقادرة على تشغيل خدماتهم المالية عبر الهاتف المحمول من طرف إلى طرف دون الاعتماد على طرف ثالث.
كما اعتمدت بعض البنوك الرقمية على بعض الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول القائمة بالفعل، كما توجه البعض الآخر إلى وسيلة شحن المستخدِم للبطاقات الدائنة والمدينة لتمويل محافظهم، وهو خيار قد يبدو أفضل لكنه محدود الحجم؛ لأن نظام البطاقات لا ينتشر بشكل مميز إلا في دول جنوب إفريقيا ونيجيريا ومصر ولم تتبناه إلا دول قليلة في إفريقيا.
إفريقيا آخر ساحات معركة حرية فلسطين([6]):
مقال رأي هام للبروفيسور رمزي بارود المعني بالشأن الفلسطيني، والذي يبدأه بملاحظة أساسية، وهي نجاح إسرائيل في شقّ صف الدول الإفريقية التي كانت في مرحلة ما موحَّدة في دعمها غير المشروط للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ثم يستعرض زيارته لجنوب إفريقيا منتصف سبتمبر الماضي وتقاطعاتها مع النضال الفلسطيني.
وينطلق من خبرة كبيرة وعلاقات ممتدة مع مفكرين ونشطاء ومواطنين عاديين في جنوب إفريقيا؛ بما يجعله لا يميل لإضفاء سمة رومانسية على النضال الجنوب إفريقي، وهو ما يَعتبره درسًا مهمًّا لمن يناضلون لإنهاء الأبارتهيد الإسرائيلي في فلسطين.
ولمس بارود خلال زيارته ما اعتبره تضامنًا جنوب إفريقيا حقيقيًّا مع فلسطين واعتبار أنفسهم شركاء في النضال الفلسطيني من أجل العدل والمساواة.
ورغم ذلك فإن هناك شعورًا عامًّا بأن الإقدام على خطوات سياسية حاسمة قد يكون مكلفًا للغاية لجنوب إفريقيا. وفي واقع الأمر فإن حكومة جنوب إفريقيا كانت قد أخذت في العام 2018م عدة خطوات في الاتجاه الصحيح.
ففي 14 مايو 2018م استدعت بريتوريا سفيرها في إسرائيل سيسا نجومبين احتجاجًا على مقتل مئات المحتجين غير المسلحين خلال مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة المحاصر.
وفي 5 أبريل 2019م بدأت جنوب إفريقيا في خفض كبير لعلاقاتها مع إسرائيل؛ استجابةً لدعوة من قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي. ويرى بارود أنه بينما تكتسب هذه الخطوات أهمية فإن جنوب إفريقيا لم تُقْدِم فعليًّا على خطوات أخرى يمكن أن تقود مع دول أخرى إلى دفع إسرائيل لتفكيك نظام الأبارتهيد في فلسطين.
وأكد بارود أن قياديًّا بارزًا بالمؤتمر الوطني الإفريقي أخبره أن سياسة جنوب إفريقيا تجاه فلسطين تحكمها أجندتا جامعة الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأن استخدام (جنوب إفريقيا) أجندات منظمات غير فعَّالة كإطار قانوني ومعنوي يضرّ بفرص جنوب إفريقيا في تحويل تضامنها مع فلسطين إلى أصول سياسية ملموسة.
كما أنَّ ثمةَ مأزقًا آخر وهو أن القارة الإفريقية نفسها لم تَعُدْ موحَّدة إزاء قضية فلسطين. وكان نجاح إسرائيل في إفريقيا، لا سيما عبر التوغُّل داخل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، قد جعل تل أبيب لاعبًا سياسيًّا في القارة الإفريقية، وكانت على وشك النجاح في تنظيم قمة إسرائيل-إفريقيا في أكتوبر 2017م لولا جهود دول مثل جنوب إفريقيا والجزائر التي نجحت في إرجاء المؤتمر لأجل غير مسمّى.
ويرى بارود أن إفريقيا، التي أصدرت منظمتها القارية في أغسطس 1975م قرارًا يدين الصلة العضوية بين النظام العنصري في فلسطين المحتلة والنظام العنصري في زيمبابوي وفي جنوب إفريقيا، وكان إطارًا مناسبًا استندت له الأمم المتحدة في قرارها في نوفمبر من نفس العام الذي اعتبر الصهيونية أحد أشكال العنصرية والتمييز العنصري؛ يجب أن تستعيد موقعها كقائد عالمي في محاربة العنصرية والأبارتهيد، وأن جنوب إفريقيا مؤهَّلة بقوَّة كي تكون رأس حربة في هذه الجهود.
[1] The winners and losers of Africa’s new trade zone, African Business, September 30, 2019 https://africanbusinessmagazine.com/opinion/the-winners-and-losers-of-africas-new-trade-zone/
[2] Ruth Meinzen-Dick, Empowering Africa’s Women Farmers, Project Syndicate, October 2, 2019 https://www.project-syndicate.org/commentary/women-farmers-africa-gender-equality-agriculture-by-ruth-meinzen-dick-2019-10
[3] John J Stremlau, The Trump circus was a distraction from Africa’s climate change fight at the UN summit, Quartz Africa, October 3, 2019 https://qz.com/africa/1720716/trump-circus-distracts-from-africas-climate-change-fight-at-un/
[4] Rachel Fobar, U.S. demand for pets and skins threatens some African animals, National Geographic, October 3, 2019 https://www.nationalgeographic.com/animals/2019/10/most-exported-animals-from-africa-destined-for-us/
[5] Wiza Jalakasi, After years of rapid growth in Africa we’re about to enter the age of Mobile Money 2.0, Africa Quartz, October 4, 2019 https://qz.com/africa/1721818/africa-mobile-money-industry-is-entering-its-next-stage-of-growth/
[6] Ramzy Baroud, Africa is Becoming the Latest Battleground in the Struggle for Palestinian Freedom, MPN News, October 4, 2019 https://www.mintpressnews.com/africa-battleground-struggle-palestinian-freedom/262198/