روضة علي عبد الغفار
صحفية مهتمة بالشأن الإفريقي
“حان دَوْري”.. هكذا قال العرَّاب السياسي بولا تينوبو، وهكذا صدقت النبوءة، وفي أكبر اقتصاد في إفريقيا تُسجّل نيجيريا تجربة ديمقراطية فريدة، في أقوى انتخاباتٍ تنافسية تشهدها البلاد منذ الاستقلال، لكن رغم ذلك تبقى البلاد أمام تحديات جسيمة وقضايا تنتظر حلها.
ويأتي الزعيم بولا تينوبو رئيسًا لنيجيريا وسط مخاوف من الصراعات العِرْقية والدينية، واتهاماتٍ بتزوير الانتخابات. في هذا التحقيق تناقش “قراءات إفريقية” العملية الانتخابية الأخيرة في نيجيريا، والمخاطر التي تهدّد التجربة الديمقراطية، وأهم الملفات التي تنتظر الرئيس النيجيري المنتخب.
فوز الديمقراطية.. ولكن!
أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في نيجيريا، في الأول من مارس الحالي عن فوز مرشح الحزب الحاكم “مؤتمر جميع التقدميين”، بولا أحمد تينوبو، بالسباق الرئاسي، ليخلف الرئيس محمد بخاري لرئاسة البلاد، بعدما حصل على 8.8 مليون صوت.
وفاز تينوبو على منافسيه الرئيسيين أتيكو أبو بكر، مرشح حزب الشعب الديمقراطي الذي حصل على 6,9 مليون صوت، وبيتر أوبي، مرشح حزب العمال الذي حصد 6,1 مليون صوت، في جولةٍ وُصفت بالأصعب في تاريخ البلاد منذ استقلالها.
وكان إقبال الناخبين منخفضًا؛ حيث كانت نسبة المشاركة 29٪ فقط، بمعدل أقل من 25 مليون ناخب، من بين 87 مليون شخص لهم الحق في التصويت في الانتخابات.
ودعا تينوبو في خطاب ألقاه في العاصمة أبوجا، فَوْر إعلان فوزه، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الجميع، وذلك للتغلُّب على مخاوف الاستقطاب الديني والعِرْقي، في حين هنَّأ الرئيس النيجيري السابق، محمد بخاري، تينوبو متعهدًا بالعمل معه ومع فريقه لضمان تسليم مُنظَّم للسلطة.
فيما سادت مخاوف من استقطاب ديني وعِرقي، في ظل الاتهامات التي وجَّهها المرشحان أتيكو أبوبكر، وبيتر أوبي بالتلاعب بالنتائج.
يقول مُنسق مجموعة أبحاث الأمن والعنف والصراع في جامعة نيجيريا، البروفيسور فريدوم أونوها: إن انتخابات 25 فبراير أُجريت في جوّ من المخاوف المتزايدة؛ حيث كان من المتوقع إلى حدّ كبير انعدام الأمن واحتمالات تعبئة العنف وشراء الأصوات للتأثير على نتيجة الانتخابات، كما توقع الكثيرون مفاجآت محتملة في ضوء حماس الشباب
الذين كانوا حريصين على التصويت، ووعود الشفافية والمساءلة الذي كان يضمنه اعتماد
التكنولوجيا الحديثة . وأضاف “أونوها” لـ“قراءات إفريقية” أن الانتخابات قد شَابَها أعمال عنف وترهيب وقمع للناخبين في عدة أماكن، خاصةً ولايات لاغوس، ريفرز، دلتا، وإيمو، ومع ذلك كان أكبر عَجْز وخيبة أمل هو فشل اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في تحميل نتائج وحدات الاقتراع إلى بوابة عرض النتائج، على النحو المنصوص عليه في قانون الانتخابات واللوائح والإرشادات.
ويرى “أونوها” أنَّ الإخفاق في تحميل النتائج جعل الناس يعتقدون أن النتائج التي جمعتها اللجنة الانتخابية المستقلة كانت مزورة؛ حيث أظهرت النتيجة فوز بولا أحمد تينوبو من حزب “مؤتمر جميع التقدميين”، بينما يعتقد معظم الناس أن بيتر أوبي من “حزب العمال” هو الفائز في الانتخابات، وأردف أن عدم وجود احتفال ملحوظ في المدن الرئيسية في نيجيريا يشير إلى حالة مزاجية قاتمة في أنحاء البلاد.
على صفيح ساخن:
تجري تساؤلات عما إذا كانت الانتخابات نزيهة حقًّا، وعما إذا كان النيجيريون راضين عن هذه النتيجة، خاصةً أنه تم رفض فوز تينوبو مِن قِبَل نسبة كبيرة من الشباب النيجيري على وسائل التواصل الاجتماعي الذين وصفوا الانتخابات بأنها مزيفة.([1])
وتُظهر النتائج أن تينوبو حصل على أقل نسبة من الأصوات لمرشح رئاسي فائز منذ عودة الديمقراطية في عام 1999م. ويرى مراقبون أن طريق تينوبو إلى النصر كان ضعيفًا؛ لأنه مسلم من الجنوب الغربي، واختار نائبًا مسلمًا أيضًا من الشمال، وبالتالي ضحَّى بأصوات المسيحيين.
وقد سعى أتيكو أبو بكر وهو مسلم من الشمال، إلى الاستفادة من ذلك من خلال كسب أصوات في الشمال المسلم وأصوات من الأجزاء المسيحية في الجنوب، والتي كانت قاعدة التصويت التقليدية لحزبه، كما أن دخول “بيتر أوبي” من حزب العمال أدَّى إلى جعل المنافسة أشد.
وكانت لجنة الانتخابات الوطنية المستقلة قد أعدَّت بوابة إلكترونية لعرض النتائج؛ التي تظهر النتائج عليها بعد لحظات فقط من التصويت، إلا أنه بعد 24 ساعة من إجراء الانتخابات، أخفقت اللجنة الوطنية في تحميل النتائج من معظم وحدات الاقتراع، مما تسبَّب في مخاوف من العبث بالنتائج.
وقد نفى الرئيس محمد بخاري شكاوى المعارضة عن المشاكل الفنية في الإرسال الإلكتروني للنتائج، وأن هذا لا يطعن في حرية الانتخابات ونزاهتها، كما وصف الانتخابات بأنها إضافة لإفريقيا؛ التي شهدت في الآونة الأخيرة سلسلة من الانقلابات العسكرية في عدة مناطق.
في هذا الصدد يرى البروفيسور فريدوم أونوها؛ أن النتيجة ليست مُرضية للعديد من النيجيريين؛ لأن المفوضية القومية المستقلة للانتخابات فشلت بشكلٍ مُؤسف في اتّباع قواعدها الخاصة التي كانت تضمن الشفافية في تجميع النتائج، وعليه فإنَّ النتيجة مشكوك بها في أعين الكثيرين، وليس من العجيب أن يرى المراقبون المحليون والدوليون أن الانتخابات جاءت دون المعايير التي وضعتها نيجيريا، والمعايير الدولية كذلك.
ويعتقد “أونوها” أنه سيتم الطعن في النتيجة أمام المحكمة، بعدما طالبت أحزاب المعارضة بإلغاء النتيجة الرئاسية، قائلًا: بصفتي مراقبًا وثيقًا للمشهد السياسي والانتخابي في نيجيريا أرى أن النتيجة المُعلَنة لا تعكس حقًّا واقع التصويت في معظم أنحاء نيجيريا، وفشل المفوضية القومية المستقلة للانتخابات في تحميل النتائج يطعن في الشفافية المؤسسية في إدارة الانتخابات.
حان وقت العرَّاب!
“أنتم أيضًا ستشيخون وتصبحون رؤساء، لكنني سأكون الرئيس أولًا”، هكذا قال بولا تينوبو في حملته الانتخابية عندما خاطب الشباب؛ حيث يُنظر إلى تينوبو أنه من الطبقة السياسية القديمة..
وهو السياسي المحنّك، والرجل الذي يقف وراء جميع التعيينات السياسية في مسقط رأسه، لاغوس، وحتى في مناطق أخرى في البلاد، وقد ساهم نفوذه في ايصال محمد بخاري إلى الرئاسة في عام 2015م، وسمح بإعادة انتخابه في عام 2019م، ومن هنا جاء لقبه “صانع الملوك”.
وقد حكم “تينوبو” ولاية لاغوس، الرئة الاقتصادية لنيجيريا، ثماني سنوات (1999م- 2007م)، وحافظ على نفوذ كبير فيها، لذلك دائمًا ما يُسلّط الضوء على نجاحاته في لاغوس، وينسب إلى نفسه التحول المذهل في المدينة الكبرى؛ التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة.
كما عمل على تعزيز نفوذ الولاية على مستوى نيجيريا، وقام خلال فترة حُكمه بإصلاحات أدَّت إلى تحسين كفاءة الخدمة المدنية، وتعزيز مشاريع البنية التحتية.
وعلى الرغم من اتّهام “تينوبو” بجمع أموال هائلة نتيجة نفوذه في لاغوس، وحصوله على ثروات الولاية وشركاتها؛ إلا أن جهوده في لاغوس أكسبته فرصة كبيرة لتوسيع نفوذه، وأصبح يُوصَف بـ”العرّاب”، و”الأب الروحي” للعديد من السياسيين البارزين في ولاية لاغوس وولايات نيجيرية أخرى.([2]) كما أدى دورًا بارزًا في المفاوضات لتوحيد أحزاب المعارضة النيجيرية من الشمال والجنوب والشرق تحت مظلة “مؤتمر جميع التقدميين” الذي تأسس عام 2013م، ويحكم نيجيريا منذ عام 2015م بقيادة الرئيس محمد بخاري.([3])
العرَّاب وعملاق إفريقيا:
تنتظر الرئيس الجديد تحديات جسيمة؛ حيث تعد نيجيريا أكبر اقتصاد في القارة وتُلقّب بـ”عملاق إفريقيا”، ويُقدّر عدد سكانها بما لا يقل عن 216 مليون نسمة، ومع ذلك كان إهدار إمكانات نيجيريا وعدم استغلال مكانتها الاستراتيجية على المستويين الإفريقي والدولي أكسبها وصف “العملاق النائم”، وخاصةً أن أبناءها يتصدّرون مشاريع ريادة أعمال كبيرة في دول مختلفة خارج أراضيهم.
وقد تعهَّد الرئيس النيجيري المنتخب، بولا تينوبو، بمعالجة مجموعة من المشكلات، من بينها العنف المتصاعد والتضخم وسرقة النفط، والعمل على برنامج لتطوير البنية التحتية العامة، وخَلق فرص عمل.
وأوضح تينوبو أنه سيخفّض ضريبة الشركات لجذب الاستثمار، وسدّ الثغرات الضريبية لزيادة الإيرادات، كما سيتم إلغاء دعم الوقود الشعبي، الذي كلف 10 مليارات دولار العام الماضي، وتوجيه الأموال إلى البنية التحتية وبرامج الرعاية الاجتماعية والزراعية.
يقول المحاضر بقسم العلوم السياسية بالجامعة الفيدرالية أوي-إيكيتي بنيجيريا، د. صموئيل أويول: إن
الرئيس المنتخب سيحتاج إلى إعطاء أولوية لتعزيز قبوله في جميع أنحاء البلاد؛ نظرًا لأن نتيجة الانتخابات لا تزال موضع نزاع شديد، والنقاش حول نزاهة العملية الانتخابية مستمر، لذلك فإن الرئيس بحاجة إلى معالجة المخاوف المتعلقة بجيل الطبقة الحاكمة، والمظالم الاجتماعية والدينية.
أما فيما يتعلق بكون الرئيس ونائبه من نفس الديانة؛ فقد أشار “صموئيل” إلى أن بطاقة مسلم- مسلم قضية حساسة، ويمكن أن تؤدي إلى التنميط العرقي والديني، وتُولّد بدَوْرها التوتر والصراع إذا لم يتم إدارتها بشكل صحيح.
وعن أبرز الملفات أمام الرئيس المنتخب، أكد “صموئيل” لـ “قراءات إفريقية” أن الرئيس سيحتاج إلى العمل على ترسيخ الشرعية، والوحدة الوطنية، والاستقرار الاقتصادي، وتخفيف حدة الفقر، وحل أزمة تراجع الإيرادات الحكومية، وتصاعد الديون، ومعالجة المشكلات الأمنية المتزايدة.
وأضاف أنه يجب إعطاء الأولوية للاستقرار الاقتصادي، بعد العواقب الوخيمة لإعادة تصميم فئات من العملة النيجيرية؛ ونقص العُملة الذي دفع الكثيرين إلى المزيد من الفقر، وأنه من الضروري إيجاد مصادر جديدة للتمويل لمواجهة التحول الاقتصادي، وتقليل تكلفة الحوكمة، ومعالجة ديون البلاد المتزايدة.
وقال “صموئيل”: إن الرئيس الجديد سيرث تحديات أمنية مختلفة، بما في ذلك الجماعات المسلحة، وحوادث الاختطاف، والصراعات بين المزارعين، والتمرد، والعنف والإرهاب، وانعدام الأمن البحري، والتعدين غير القانوني، والجرائم الإلكترونية، وأكد أن مبادرات التنمية لن تتحقق بدون تدابير سياسية فعَّالة لتقليل هذه التهديدات.
وعن تطبيق “نموذج لاغوس” على نيجيريا يرى مُحاضر العلوم السياسية أن ولاية لاغوس سجَّلت تقدمًا كبيرًا، لا سيما في مجال زيادة الإيرادات الحكومية وتطوير البنية التحتية، لكن يجب ملاحظة أن نيجيريا أكثر تعقيدًا من ولاية لاغوس، وستكون هناك حاجة إلى نموذج مختلف.
وبحسب “صموئيل” فإن الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لنيجيريا هو التمويل الضخم لتطوير البنية التحتية ودفع عجلة التنمية البشرية، ومن المقرَّر تقدير استراتيجية جيدة لزيادة الإيرادات وخفض الديون.
وختامًا.. وسط التوترات التي أعقبت الانتخابات النيجيرية، والتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه نيجيريا، هل يستطيع العرَّاب السياسي توحيد البلاد على اختلافاتها العرقية والدينية كما وحَّد صفوف المعارضة قديمًا؟ وهل ينهض الأب الروحي بنيجيريا كما فعل في لاغوس؟ أم أن للسياسة رأيًا آخر؟