روضة علي عبد الغفار
صحفية مهتمة بالشأن الإفريقي
تجري عقارب الساعة سريعًا في الأراضي النيجيرية لإعلان العدّ التنازلي على بدء الانتخابات الرئاسية المقبلة، حاملةً معها آمالًا عريضة وتحديات جسيمة ومخاوف متزايدة..
فعلى أبواب الانتخابات تتعرَّض البلاد لتهديداتٍ أمنيةٍ وصراعات حزبية وعرقية؛ تجعل دولة من أكبر اقتصادات إفريقيا أمام منعطف خطير، وتتوجه الأنظار إلى البلد الغرب إفريقي لرصد التجربة الديمقراطية القادمة.
وأمام تجربة ديمقراطية جديدة تزخر بها إفريقيا؛ نتناول معالم السباق الرئاسي القادم في نيجيريا، وأبرز التحديات التي تواجه العملية الانتخابية، وتطلعات النيجيريين للمرحلة القادمة. هذا وأكثر تتناوله “قراءات إفريقية” في هذا التحقيق.
منافسة حامية:
تستعد نيجيريا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر عقدها يوم 25 من فبراير الحالي، لتكون بذلك الانتخابات العامة السابعة على التوالي خلال 23 عامًا من الحكم الديمقراطي المستمر في البلاد، في انتخابات تُعدّ الأضخم في إفريقيا؛ حيث سيتوجّه ما يُقدّر بـ95 مليون ناخب مسجَّل إلى مراكز الاقتراع.
حيث سينتخب النيجيريون رئيسًا جديدًا ليحل محل الرئيس محمد بخاري الذي يُكمل ولايته الثانية التي تبلغ 4 سنوات متتالية، وهي الحد الأقصى المسموح به، وسيتم انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية الفيدرالية أيضًا في 25 فبراير، بينما المحافظون ومُشرّعو الولايات سيتم انتخابهم في 11 مارس القادم.
ويشتعل السباق على منصب الرئاسة بين 18 مرشحًا من أحزاب سياسية مختلفة، لكن بالنظر إلى الحملات الانتخابية يتَّضح أن المنافسة ستقتصر على 4 مترشحين رئيسيين؛ لانتمائهم للجماعات الإثنية الثلاث المهيمنة في نيجيريا، وهي: فولاني، واليوروبا، والإيبو.
من الشمال يأتي المرشح “أتيكو أبو بكر”، وهو مسلم من إثنية الفلاني، والمرشح الرئاسي للحزب المعارض “الحزب الديمقراطي الشعبي”، و”رابيو موسى كوانكواسو”، المرشح الرئاسي لـ “حزب الشعب النيجيري الجديد”.
ومن الجنوب الغربي يوجد “بولا أحمد تينوبو”، وهو من إثنية يوروبا، المرشح الرئاسي للحزب الحاكم
“مؤتمر جميع التقدميين”، و”بيتر غريغوري أوبي” من إثنية إيبو في الجنوب الشرقي، وهو المرشح الرئاسي لـ “حزب العمال”.
يرى مُنسق مجموعة أبحاث الأمن والعنف والصراع في جامعة نيجيريا، البروفيسور فريدوم أونوها، أن الانتخابات القادمة في نيجيريا ستكون انتخابات قوية؛ لوجود ما لا يقل عن أربعة أحزاب قوية، على عكس الانتخابات السابقة التي كانت بين حزبين، وأن دخول حزب العمال وحزب الشعب النيجيري الجديد، سيساهم في تغيير جذري في المشهد الانتخابي.
وقال “أونوها” في حديثه لـ“قراءات إفريقية”: إن الانتخابات ستضم الكثير من الناخبين الشباب الذين سيصوّتون لأول مرة، ومعظم هؤلاء الشباب يدعمون بيتر أوبي، مرشح حزب العمال. كما سيكون لـ”الحزب الديمقراطي الشعبي” حضور قويّ في منطقة الشمال الشرقي، وحزب “مؤتمر جميع التقدميين” يظهر في المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الغربية، وحزب “الشعب النيجيري الجديد” حاضر في المنطقة الشمالية الغربية، ومن المتوقع أن يظهر “حزب العمال” في المناطق الجنوبية الشرقية.
وأضاف أن الخريطة الانتخابية تبدو شديدة التنافس بين الأحزاب السياسية الرئيسية الأربعة، لذا قد لا يكون الفائز واضحًا في الجولة الأولى، مع إمكانية إجراء جولة ثانية.
وبحسب “أونوها”؛ فإن الانتخابات العامة لعام 2023م ستجري في بيئة من انعدام الأمن المتزايد؛ بسبب انتشار الجماعات المسلحة العنيفة والموجهة أيديولوجيًّا، والتي تُشكّل تهديدًا خطيرًا على سير الانتخابات سلميًّا.
وأكد أن الانتخابات المقبلة لها تداعيات خطيرة على مستقبل الديمقراطية والاستقرار في نيجيريا؛ حيث يعد تزايد انعدام الأمن وسوء الحكم وانتشار الفقر والإحباط المتزايد؛ من بين التحديات الرئيسية التي تجعل انتخابات 2023م قضية وجودية بالنسبة للكثير من النيجيريين.
وأضاف البروفيسور أونوها؛ أن هناك حالة يأس من جانب جيل الشباب من النُّخب السياسية، في حين نجد محاولات من السياسيين الأكبر سنًّا لمواصلة البقاء في السلطة، وهذا من شأنه أن يدفع إلى استخدام اتجاهات غير ديمقراطية؛ مثل تحريض الناخبين، واستخدام العنف لتعزيز الفرص الانتخابية. وأردف أن كل مَن سيخرج منتصرًا من هذه الانتخابات سيكون لديه جبل من التحديات؛ أبرزها: إعادة بناء العلاقات الممزقة بين الدولة والمواطنين، ومعالجة الديون الخارجية المتزايدة، وسدّ الانقسام العرقي والديني الآخذ في الاتساع، ومحاربة الفساد، وإنعاش الاقتصاد المتعثر.
بين العِرق والدّين:
منذ انتخابات 1999م، كانت هناك اتفاقية غير مكتوبة بأن السلطة الرئاسية ستتناوب كل ثماني سنوات بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد، لهذا السبب يُصِرّ العديد من الأفراد والجماعات في كلّ من الشمال والجنوب على أن الرئيس محمد بخاري يجب أن يَخلفه شخص من الجنوب.
كما يجادل بعض الأفراد والجماعات من الجنوب الشرقي بأنه نظرًا لأن المنطقة لم تنتج رئيسًا بعدُ، فيجب أن تحصل على دورها في عام 2023م. في حين يرى البعض من الشمال الشرقي -حيث يأتي أتيكو أبوبكر-، بأنه يجب أن يكون دورهم لأن المنطقة لم تُنتج رئيسًا وطنيًّا منذ تافاوا باليوا، رئيس الوزراء الأول في البلاد، في الستينيات.
وتمامًا مثل الانتماء العِرقي والإقليمي، كان الدِّين أيضًا أداة مهمة للتعبئة والخلاف في نيجيريا، فمنذ عام 1999م، كان هناك أيضًا موازنة دقيقة لضمان أن الرئيس ونائب الرئيس لا يشتركان في نفس الدين، وبينما المسلمون في الشمال هم الأغلبية، فإن الجنوب يغلب عليه المسيحية.
لذلك أدان العديد من النيجيريين، والجماعات بما في ذلك الجمعية المسيحية في نيجيريا، عندما قام المرشح “بولا تينوبو”، وهو مسلم من عرقية يوروبا، باختيار “كاشيم شيتيما”، المسلم من قبيلة الكانورية، لمنصب نائب الرئيس.
من جهته يرى أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة ولاية ناساراوا بنيجيريا، جيدوفور أديبي[1]، أن العِرْق والدِّين والانتماء الإقليمي عوامل ذات أهمية في الانتخابات النيجيرية، لكن لا نعلم أيُّها سيؤثر على نتيجة الانتخابات؛ لأن الأمر يرتبط بمتغيرات أخرى مثل شخصية المرشح وبرنامجه الانتخابي.
وقال “أديبي” في حديثه لـ“قراءات إفريقية”: إن المرشحين الرئيسيين ينتمون للمجموعات العرقية الثلاث المهيمنة في البلاد، وهو ما قد يؤثر على النتيجة، فعلى سبيل المثال يرى بعض النيجيريين أنه ليس من العدل أن يأتي رئيس مُسلم، وأن هذا لن يحترم تنوّع البلاد إذا نجح شخص مسلم من عرقية الفولاني.
وأردف أن سكان الجنوب يشعرون أن السلطة يجب أن تذهب إلى الجنوب، في حين أن مرشح الجنوب، بيتر أوبي، وهو مسيحيّ، ويرى البعض أنه ليس لديه رؤية كافية للفوز في الانتخابات؛ رغم أنه يتمتع بشعبية كبيرة، وحوله شباب يتطلعون إلى المساعدة في إنقاذ البلاد.
جديرٌ بالذِّكر أن انعدام الأمن العام في نيجيريا قد يجعل من الصعب إجراء انتخابات ذات مصداقية في بعض المناطق في البلاد، وقد يؤثر ذلك على الحظوظ الانتخابية للمرشحين الذين يَعتبرون هذه المناطق معاقلهم.
في هذا الصدد أكد “أديبي” أن التهديدات الأمنية هي مصدر قلق كبير؛ حيث تعاني المناطق المختلفة في البلاد من مستويات متفاوتة من انعدام الأمن، وخاصةً في الشمال الغربي؛ فعلى سبيل المثال هناك مشاكل مع انتشار اللصوص، وفي بعض الولايات يقوم قطّاع الطرق بعمليات اختطاف، وفي الجنوب الشرقي هناك حركات انفصالية وقتل طائش للناس.
وأضاف “أديبي” أن هناك تقارير عن أعمال العنف المتزايدة؛ حيث تعرض بعض الأشخاص للترهيب، وتعرضت جماعات المعارضة للهجوم في ولايات مختلفة، وهذه البيئة الأمنية المضطربة قد تؤثر على سير الانتخابات.
وقال أستاذ العلوم السياسية: إن هناك مخاوف من طبيعة البيئة الانتخابية التنافسية والمشاعر الحماسية الشعبية المتصاعدة؛ لأن كلاً من الأحزاب الثلاثة المهيمنة تمثل المجموعات العرقية الثلاث المهيمنة، لذلك هناك خوف شديد من وقت إعلان نتائج الانتخابات؛ لاحتمالية تولّد العنف، لهذا تحاول الحكومة الفيدرالية اتخاذ إجراءات لمنع اندلاع العنف، لكن يبقى هذا مصدر قلق حقيقيًّا.
النيجيريون.. آمال وتحديات:
تأتي الانتخابات النيجيرية في ظل جملة من التحديات التي تُواجه نيجيريا على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، والتي تجعل النيجيريين يتطلعون إلى واقعٍ أفضل بعد الانتخابات.
من جهته يعتقد الأكاديمي النيجيري والكاتب المتخصص في الشأن الإفريقي، د. حكيم نجم الدين؛ أن كثيرًا من النيجيريين يرون أن الحكومة الحالية تعاني من مشكلات إدارية وسياسية، ويشمل هذا التمثيل الشبابي الضعيف، والحرية الإعلامية، والأمن الغذائي، كما أن هناك شكاوى من انتشار الفساد، وانعدام الأمن وانتشار الحركات المسلحة؛ سواء ما يتعلق بجماعة بوكو حرام أو قُطّاع الطرق.
وأضاف “نجم الدين” لـ “قراءات إفريقية” أن هناك شكاوى مِن عدم فاعلية الإدارة الحالية بصدد
أزمة الحركات الانفصالية في جنوب شرق نيجيريا، كما يعاني النيجيريون من تضاؤل الفرص الاقتصادية في السنوات الأخيرة، وهذا أدَّى إلى زيادة نسبة الهجرة بين الشباب، الذين غادروا نيجيريا إلى الدول الأوروبية، وعلى رأسها المملكة المتحدة، لتوفُّر فُرَص العمل.
وقال: إن هناك تحديات أخرى مثل عدم توفُّر الأموال بسبب سياسات تغيير العملة، فقد تم تغيير ثلاث فئات من العملة النيجيرية، ولكنَّ العملة الجديدة لم تعد متوفرة للنيجيريين، والعملة القديمة لا تُصرف في البنوك أو غيرها، وهذا أدَّى بدوره إلى نُدرة النقود التي يحتاجها المواطنون للسفر إلى مراكز الاقتراع.
وقد أقدمت الحكومة النيجيرية على تغيير فئات من العملة الوطنية؛ لقيام بعض السياسيين بتخزين مبالغ هائلة من العُملة في بيوتهم؛ لكسب المزيد من الأصوات في الانتخابات؛ من خلال شراء الأصوات وتقديم المال للناخبين مقابل التسويق لهم، ويعتقد “نجم الدين” أنه على الرغم من أن ذلك موقف جيد من الحكومة، إلا أن هذا القرار يحتاج إلى سياسة نقدية جديدة، وقد فشل تنفيذ هذه السياسة.
وعن إمكانية إجراء انتخابات حرَّة ونزيهة، خاصة أن عملية شراء الأصوات والتلاعب ببطاقات الاقتراع كانت جزءًا من التاريخ الانتخابي لنيجيريا([2])، يرى “نجم الدين” أن إجراء انتخابات حرة ليست مستحيلًا، خاصةً أن الجمعية الوطنية وافقت العام الماضي على قانون مشروع لتعزيز العملية الانتخابية، وعليه قامت مفوضية الانتخابات بتبنّي التكنولوجيا الجديدة وشراء أجهزة حديثة لإجراء الانتخابات؛ لنقل النتائج مباشرة من مراكز الاقتراع إلى المركز الرئيسي.
وأردف الأكاديمي النيجيري أن معظم النيجيريين يتطلعون حاليًا إلى أن يتعامل الرئيس القادم بجدية؛ لأنهم يرون الرئيس الحالي ينتهج نهج اللامبالاة، وقلَّ ما يُصدِر بيانًا أو يتحدث على التلفزيون الوطني بشأن هذه الأزمات.
وختامًا.. يقول نيلسون مانديلا: “بعد تسلُّق تلة كبيرة، يجد المرء أن هناك العديد من التلال الأخرى يجب صعودها”.
وتقف نيجيريا على أعتاب انتخاباتٍ فارقة، لكنَّها تحمل وراءها الكثير من القضايا التي تشغل النيجيريين وتُؤثر على حياتهم، وتؤثر على نيجيريا ووضعها الإقليمي والدولي، باعتبارها من أكبر اقتصادات إفريقيا.. فهل تُسَجِّل نيجيريا تجربة ديمقراطية تزخر بها إفريقيا؟ أم تأتي الأحداث بما لا يُحْمَد عُقباه؟
[1] – بروفيسور جيدوفور أديبي، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة ولاية ناساراوا، نيجيريا. وزميل أول في مركز الديمقراطية والتنمية، إحدى منظمات المجتمع المدني الرائدة في نيجيريا، على الرابط التالي: https://theconversation.com/profiles/jideofor-adibe-879143