روضة علي عبد الغفار
صحفية مهتمة بالشأن الإفريقي
وسط ترقُّب وحفاوة بالتجربة الديمقراطية الأهم في شرق إفريقيا؛ تسجّل كينيا خطوة أخرى نحو مزيد من الاستقرار وتعزيز الديمقراطية؛ ليس في كينيا فقط، ولكن في المنطقة بأكملها، والذي اعتُبِرَ درسًا لبلدان شرق إفريقيا عن التداول السلمي للسلطة والحرية السياسية.
لكنَّ هذه التجربة لا تزال تحفّها مخاطر عديدة وتحديات فارقة، بداية من استلام الرئيس الجديد لمهامه وسط احتجاجات المعارضين، إلى الأوضاع الاقتصادية والأمنية الحرجة التي تمرّ بها البلاد والملفات المصيرية أمام الرئيس المنتخب..
في هذا التحقيق نناقش العملية الانتخابية الأخيرة في كينيا، والمخاطر التي تُهدِّد التجربة الديمقراطية، وأهم الملفّات التي تواجه الرئيس الكيني المنتخب.
روتو وأودينجا.. المنافسة لم تنته!
أعلنت لجنة الانتخابات في كينيا يوم الاثنين الماضي، فوز وليام روتو برئاسة البلاد بحصوله على 50.49% من أصوات الناخبين، في حين حصل منافسه رايلا أودينجا على 48.85%.
لقد كان فوز نائب الرئيس الكيني وليام روتو في الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها بشدة في الدولة الواقعة في شرق إفريقيا، مثيرًا للجدل؛ حيث رفض النتائج أربعة من أصل سبعة من أعضاء لجنة الانتخابات، وسط مزاعم بتزوير الأصوات.
فقد زعم أعضاء مفوضية الانتخابات الأربعة؛ أن النتائج غير صحيحة؛ لأن النسبة الإجمالية المعطاة تتجاوز 100%، وهو ادّعاء تم نشره على الإنترنت مِن قِبَل أنصار زعيم المعارضة أودينجا، وقال أودينجا في أول خطاب له بعد إعلان النتائج: “نحن نرفض بشكل كامل النتائج الرئاسية التي أعلنها رئيس اللجنة الانتخابية المستقلة”.
يقول الأكاديمي والباحث المتخصص في الدبلوماسية الإفريقية، د. ويستن شيلاهو([1]): إن الهيئة الانتخابية أجرت الانتخابات بنزاهة وشفافية غير مسبوقتين، وعكست النتيجة إرادة الكينيين، كما هنَّأ المراقبون المحليون والدوليون، في تقاريرهم الأولية، الشعب الكيني على مصداقية الانتخابات، وأشادوا بالأداء الاستثنائي للهيئة الانتخابية.
ويرى د. ويستن أن العملية الانتخابية كانت ذات مصداقية، بالرغم من الفوضى التي حدثت أثناء إعلان النتائج، ومحاولات أنصار رايلا أودينجا عرقلة عملية الإعلان، واستنكار بعض أعضاء الهيئة الانتخابية النتائج المعلنة بحجة “الغموض”.
واستبعد د. ويستن في حديثه لـ “قراءات إفريقية” وقوع أعمال عنف مِن قِبَل أنصار أودينجا؛ حيث خفَّف خطاب حملة الرئيس المنتخب ويليام روتو من التعبئة العِرْقية بشكل كبير، وتناول الرفاهية الاقتصادية للمهمّشين، من خلال نموذجه الاقتصادي التصاعدي الذي يسعى إلى تمكين الفقراء اقتصاديًّا.
وأضاف أن رسائل روتو تتماشى مع تطلعات الكينيين، بما في ذلك أنصار أودينجا، وأن الناخبين لم ينقسموا على أُسُس عرقية، ولكن على أساس البرامج الانتخابية، ويرى د. ويستن أن أنصار “أودينجا” على استعداد لإعطاء “روتو” فرصة لتنفيذ وعوده، بدلاً من معارضته بعنفٍ.
لقد خسر أودينجا في الانتخابات الأربعة السابقة، وكان ينظر إلى الانتخابات الحالية على أنها أفضل فرصة له للفوز، فقد قام الرئيس كينياتا بحملة مكثّفة من أجله، وحثّ الناخبين على عدم التصويت لصالح روتو.
ليس من الواضح ما إذا كان السيد أودينجا سيرشّح نفسه للرئاسة للمرة السادسة في انتخابات 2027م المقبلة، بينما نجد أن روتو قد فاز بأول محاولة له في الرئاسة، وسيصبح ثاني أصغر رئيس لكينيا بعد الرئيس كينياتا عندما تولَّى المنصب في عام 2013م، عن عمرٍ يناهز الخمسين.
تُظهر النتائج الرسمية أن ويليام روتو عزز شعبيته في المناطق التي تزداد فيها شعبية منافسه رايلا أودينجا، فقد فاز بأغلبية ساحقة في جبل كينيا؛ المَعقل السياسي لـ أودينجا، كما أنه اجتذب حشودًا كبيرة خلال الحملة الانتخابية، وتمكن من الحصول على أصوات في المناطق الساحلية والغربية والشمالية الشرقية من البلاد، وشكّل قاعدة دعم كبيرة من الشباب، كما حصل حزب روتو على معظم المقاعد في الانتخابات البرلمانية ومجلس الشيوخ، مما أدَّى إلى الإطاحة بحزب اليوبيل الذي يتزعمه كينياتا.
رئيس لجميع الكينيين:
في خطابه الأول بعد الفوز؛ قال روتو: “إنه يشكر الله على وصوله إلى هذه المرحلة”، مضيفًا: “أعلم أن بعض الناس تنبأوا بأننا لن نصل إلى هنا، ولكن بمعونة الله وصلنا، شكري لجميع الكينيين”.
وأضاف روتو أنه يريد أن يكون رئيسًا للجميع؛ حتى تتمكن الأمة من الاستمرار في التركيز على المستقبل، وقال: “بالنسبة لأولئك الذين ظلمونا، لا يوجد ما يخشون منه، ولن ننتقم، وليس لدينا وقت للنظر إلى الوراء”.
ومع كون العِرْق عاملًا رئيسيًا في السياسة الكينية، سيتعين على الرئيس روتو التأكد من أن حكومته تمثل المجموعات العِرْقية الرئيسية في كينيا، وهو ما أكَّد عليه في خطاب النصر قائلًا: “إنه سيعمل مع جميع القادة، وسيسعى جاهدًا لكي تكون الأمة مُوحَّدة ومزدهرة”.
يعتقد د. ويستن شيلاهو أن خطاب الرئيس المنتخب كان تصالحيًّا وشاملًا وموحدًا، كما أنه عزا فوزه إلى التوفيق الإلهي، مؤكدًا انتمائه الكنسي، وشكر حلفاءه في تحالف “كينيا كوانزا” وكل من ساهم في نجاحه؛ مما أبرز روح التعاون والزمالة، كما أشاد بالهيئة الانتخابية، ووصف أعضاءها بـ”الأبطال”.
وإدراكًا منه للانقسامات الناجمة عن الانتخابات المتنازع عليها بشدة، دعا روتو إلى الوحدة الوطنية، وتحلى بروح رياضية وهنّأ خَصْمه أودينجا كمنافس قوي، ودعا إلى تضافر الجهود بين النخبة السياسية لتلبية الاحتياجات المُلحة للكينيين، وأردف د. ويستن قائلًا: لقد كان روتو تصالحيًّا، وعارض الانقسام بين الفائز والخاسر، ورفض الانتقام، وكرَّس انتصاره للشعب الكيني.
كما أوضح د. ويستن أن الانتخابات الكينية تُسبّب الانقسام غالبًا، ورغم ذلك فقد تم قبول النتائج على نطاق واسع من خلال وسائل الإعلام الرئيسية ووسائل التواصل الاجتماعي، ودعا الكينيون بعضهم بعضًا إلى السلام وقبول نتائج الانتخابات، ونصحوا المتضررين باللجوء إلى المحكمة العليا؛ كما نص القانون.
المُهمة الصعبة:
يواجه الرئيس الكيني المنتخب العديد من الملفات المصيرية، أبرزها الركود الاقتصادي؛ حيث بلغ النمو الاقتصادي في كينيا 5.5٪ في عام 2022م، ومن المتوقع أن يصل إلى 5.2٪ في المتوسط بين عامي 2023 و2024م.
كما ارتفع الدَّين العام، ووصل إلى أعلى مستوى عند 8.56 تريليون شلن في مايو الماضي، أي ما يعادل 72 مليار دولار، بعد ما كان 1.9 تريليون شلن في عام 2013م، عندما تولت إدارة الرئيس كينياتا السلطة، ووفقًا لخبراء اقتصاديين فإن هذا الوضع يجعل هذا البلد مدرجًا ضمن الدول المعرَّضة لخطر رفض الائتمان مِن قِبَل صندوق النقد الدولي.
فضلًا عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما جعل من الصعب على الكينيين مواصلة حياتهم كالمعتاد، وهو الوضع الذي أجبر الحكومة على تقديم دعم للغذاء والوقود، كما أن حوالي 30% إلى 50% من دقيق القمح الكيني يأتي من روسيا وأوكرانيا، وهو ما تسبَّب في ارتفاع سعر القمح ومنتجاته مثل الخبز؛ بسبب الحرب الأوكرانية.
كما يعد ارتفاع معدل البطالة بين الشباب في كينيا من التحديات الفارقة؛ حيث بلغ معدل البطالة 16.3% في الفئة العمرية بين 20 و24 سنة، بينما تتزايد القوى العاملة بمقدار مليون شخص كل عام وفقًا لتقرير البنك الدولي.
يرى د. وسيتن شيلاهو أن الانتعاش الاقتصادي على رأس مهام الرئيس المنتخب؛ لمعالجة ارتفاع تكاليف المعيشة، وتحسين أحوال الفقراء، ويجب وضع خطة للتعافي، والتخفيف من محنة غالبية الكينيين الذين يتحملون وطأة الحكم السيئ والفساد المستشري وعبء الديون.
وأضاف أن الرئيس روتو يجب أن يكون رمزًا للوحدة الوطنية، ويدعم التنوع في كينيا؛ حيث كان منصب الرئيس منذ استقلال كينيا في عام 1963م، مصدرًا للانقسامات والنهب والإفلات من العقاب والتعبئة العرقية وسوء الإدارة الاقتصادية، وهذا لا يجب أن يستمر لأنه لا يبشر بالخير لاستقرار البلاد.
وعن إمكانية نجاح روتو في تنفيذ الوعود التي قدمها، قال د. وستين: إن خطاب حملة روتو الانتخابية نتج عن عملية تشاور كبيرة، فقد عقد اجتماعات في جميع أنحاء البلاد واستمع من خلالها إلى فئات مختلفة، من الشباب والنساء وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة والمزارعين والمدرسين والفقراء في المناطق الحضرية والريفية.
وأوضح د. وستين خلال حديثه أن التوقعات كبيرة بسبب ضخامة التحديات الاجتماعية والاقتصادية السائدة والوعود الجيدة التي قطعها روتو، كما أن كينيا واحدة من أكثر المجتمعات غير المتكافئة في العالم؛ لذلك لا يستطيع روتو أن يخيّب الآمال، فلديه الفطنة والقدرة على التحمُّل، ومعه فريق من الحلفاء قادر على الوفاء بهذه التعهدات.
وختامًا.. فإن كينيا سجّلت تجربة ديمقراطية فريدة على الرغم من الخلافات، لكنَّ الأهم هو تتويج هذا العُرس الديمقراطي بالإنجازات والتكاتف الوطني، ودفع البلاد نحو مزيد من الاستقرار والتقدم، فهل سيحقّق روتو ما وعد الكينيين به؟
[1] د. ويستن شيلاهو، أكاديمي وباحث أول متخصص في الدبلوماسية الإفريقية والسياسة الخارجية، بجامعة جوهانسبرج- جنوب إفريقيا
https://theconversation.com/profiles/westen-k-shilaho-1100821