أجرى الحوار: حامد فتحي
شهد النصف الثاني من شهر يونيو الفائت عنفًا أهليًّا واسع النطاق في قرى تول، التابعة لمنطقة جنوب غرب شيوا في إقليم أوروميا، وراح ضحية الهجوم على عدة قرى تقطنها أقليات من العرقية الأمهرية المئات ما بين قتيل ومصاب، وتكرر الهجوم الدموي على الأقلية الأمهرية بحسب بيانات للحكومة الفيدرالية.
ومن جانبها حمَّلت الحكومة جيش تحرير أورومو (OLA) المسؤولية عن الهجمات التي راح ضحيتها المئات، بينما نفى جيش تحرير أورومو مسؤوليته عن ذلك، واتّهم السلطات المحلية في إقليم أوروميا بتدبير الهجمات لتشويه سُمعتهم، بعد النجاحات العسكرية المتزايدة التي يتم تحقيقها على حساب قوات الإقليم والقوات الفيدرالية، وطالَب بتحقيق مستقلّ في الحادث، وهو الأمر الذي طالبت به الأمم المتحدة والولايات المتحدة ومنظمات دولية.
وفي ظل تصاعد الصراع السياسي والتمرد العسكري في إقليم أوروميا، وهو الإقليم الأكبر من حيث المساحة والسكان في البلاد، والذي كان للاحتجاجات التي شهدها الفضل في صعود آبي أحمد إلى السلطة؛ حاور موقع “قراءات إفريقية” المتحدث الدولي باسم جيش تحرير أورومو، أوودا تاربي، للوقوف على رؤيتهم للأحداث التي يشهدها الإقليم.
نصّ الحوار
نفى جيش تحرير أورومو مسؤوليته عن مذبحة تول والهجمات على الأقلية الأمهرية، وحمّلتم الحكومة المسؤولية المباشرة، فما هي أدلتكم على ذلك؟
في اليوم الذي وقعت فيه المذبحة بحق سكان تول كانت المنطقة خاضعة للسيطرة الحكومية، ولم يكن لنا -جيش تحرير أورومو- وجود فيها، إلى جانب أنّ موقع الحادث يبعد 10 كم عن المعسكر الرئيسي للقوات الفيدرالية، وهو معسكر ديديسا. علاوةً على ذلك، بحسب ما نعرفه تم ارتكاب المذبحة من قبل ميليشيا مسلحة قامت حكومة ولاية أوروميا بتدريبها، واعترفت الإدارة المحلية لتول بأنهم تلقوا أوامر من رؤسائهم بمغادرة المنطقة قبل يوم من وقوع المذبحة.
ومن داخل حزب الازدهار الحاكم، اعترف النائب بالبرلمان، هانجاسا إبراهيم، بأنّ المسؤول عن المذبحة هي ميليشيا أنشأتها ولاية أوروميا ضمن قوات باسم درع النظام (Gaachana Sirna)؛ بهدف ارتكاب فظائع بحق المدنيين في الإقليم واتّهام جيش تحرير أورومو بها.
ما دوافع الحكومة لارتكاب هجمات ضد المدنيين تُظهرها في موقف فقدان السيطرة على الإقليم؟
يواجه نظام آبي أحمد الكثير من الضغوط من المجتمع الدولي للدخول في محادثات سلام مع جيش تحرير أورومو، بينما يصر على نهج الصدام مدعومًا بحكومة الإقليم الموالية له، ولهذا احتاجوا إلى مبرر لمواصلة شنّ الحرب على شعب الأورومو، وتبرير سبب رفض الدخول في محادثات سلام لحل الصراع في الإقليم، ولهذا ارتكبوا المذبحة.
ولمدة تزيد عن شهر قبل المجزرة، بدأ كل من الجيش الفيدرالي والقوات الإقليمية الحشد العسكري في غرب وجنوب أوروميا؛ حيث الوجود الأقوى لجيش تحرير أورومو، وفي نفس اليوم الذي ارتكبت فيه ميليشيات الحكومة الإقليمية المجزرة، شنّ الإعلام الحكومي حملة تشويه ضدنا؛ مستغلين ما حدث، وقامت القوات الفيدرالية والإقليمية بهجوم واسع النطاق على مواقعنا تحت ستار محاربة مرتكبي المذبحة. هذا السيناريو ليس جديدًا، لقد عشناه معهم مرات عدة خلال الأعوام الأربعة الماضية من عمر نضالنا من أجل شعبنا.
انطلق التمرد العسكري لجيش تحرير أورومو منذ أربعة أعوام، فما هو الوضع اليوم في الإقليم بالنسبة لكم؟
تسيطر قواتنا على ثلث أراضي إقليم أوروميا، ونقوم على إدارتها والدفاع عنها ضد حملات القوات الحكومية، وتشمل سيطرتنا المناطق الرئيسية بالقرب من العاصمة والمداخل الحدودية والنقاط الاقتصادية المهمة، وهو ما مكّننا من زيادة عدد قواتنا بمقدار عشرة أضعاف في العامين الماضيين.
في المقابل ترتكز القوات الحكومية على التفوق في العدد والتقنيات الحديثة من أجل وقف تقدمنا نحو العاصمة، ورغم ذلك نُحقّق انتصارات، ولا تستطيع القوات الحكومية وقف تقدمنا.
ما أسباب الخلاف مع حكومة آبي أحمد؟
نظام آبي أحمد ليس حكومة شرعية، إنها دكتاتورية قمعية قوّضت النظام الدستوري وحقوق الإنسان للشعب. هذا النظام زوّر الانتخابات الأخيرة من خلال سجن آلاف المعارضين، ورفض إجراء الاقتراع في الغالبية العظمى من البلاد. حكومة آبي أحمد تعيش من خلال الاغتيالات والمذابح والتخويف والسجن الجماعي لأعضاء المعارضة السياسية.
لقد عانت البلاد بما فيه الكفاية تحت حكم العديد من الديكتاتوريين الذين واجهوا القليل من المساءلة عن أفعالهم، ولهذا فنحن نكافح لإنهاء تلك الدائرة، وتقديم مرتكبي عنف الدولة إلى العدالة. علاوةً على ذلك، خلقت تصرفات نظام آبي أحمد الكثير من الانقسامات العرقية وعدم الاستقرار في المنطقة، حتى المجتمعات التي عاشت جنبًا إلى جنب لعدة سنوات، بغض النظر عن هويتها أو دينها؛ انقلبت الآن ضد بعضها البعض بسبب نظام آبي أحمد، وحتى يتم إزالته من السلطة، لا يمكننا أن نأمل في السلام.
كيف هي العلاقة بين جيش تحرير أورومو وجبهة تحرير أورومو؟
كنا كيانًا واحدًا، حتى حدث الانفصال عام 2018م بين جيش تحرير أورومو (OLA) وجبهة تحرير أورومو (OLF)؛ بسبب الخلافات حول طبيعة المرحلة التالية من النضال بعد تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء عقب الحراك السياسي في أوروميا. انخرطت الجبهة في السياسة الإثيوبية كحزب سياسي مسجل قانونًا، بينما لم نثق نحن في نظام آبي أحمد، واستمرينا في خوض الكفاح المسلح. وفي يوليو 2021م أنشأنا جناحنا السياسي الخاص بنا. ولا توجد خلافات مع الجبهة، لدينا هدف واحد وهو حقوق شعب أوروميا، لكنَّ طرقنا في النضال من أجل ذلك مختلفة.
هل يحصل جيش تحرير أورومو على دعم واسع من سكان الإقليم؟
نحن قادرون على الوجود وخوض نضالنا المسلح فقط بفضل الدعم الثابت لشعبنا، الذي يقدم لنا المأوى والمساعدة في الأوقات الصعبة. وبسبب هذا تعرضوا لعمليات قتل وحشية مِن قِبَل نظام آبي أحمد، التي تقوم قواته بشكل روتيني بإحراق قرى وقتل مجتمعات محلية بأكملها. وإذا لم يدعمنا شعبنا فلن يكون لدينا سبب لمواصلة نضالنا.
وتدرك الحكومة قوة هذه العلاقة، ولهذا تعمل على تفتيتها، وأمام البرلمان، قال أحد كبار المسؤولين الحكوميين ويدعى فيكادو تيسيما: “الطريقة التي يجب علينا مواجهة جيش تحرير أورومو بها مثل التعامل مع الأسماك، علينا أولًا تجفيف المحيط”. ولهذا هناك محاولات لا حصر لها لتشويه صورتنا، عبر تصويرنا كمجموعة ترتكب جرائم إبادة عرقية جماعية، ولا تنطلي هذه الدعاية على شعبنا، الذي يعرف من نحن وماذا ندافع عنه.
ما أهداف جيش تحرير أورومو من الكفاح المسلح؟
هدفنا منذ بداية كفاحنا هو تأمين الحكم الذاتي لأوروميا، وقد يكون ذلك داخل حكم كونفدرالي أكبر مع جيراننا أو كدولة مستقلة. هذا القرار متروك لشعب أوروميا من خلال استفتاء عام، ونحن نسعى إلى تمكين شعبنا وتحريره سياسيًّا، حتى يتمكنوا من تحديد مستقبلهم من خلال الاقتراع.
نحن لا نسعى لفرض رؤيتنا للمستقبل على شعبنا. لقد طالب شعبنا بالاستفتاء لتحديد مصيره منذ 48 عامًا، ولا يمكن تجاهله بعد الآن. وإذا اختاروا الاستقلال فسيكون من واجبنا ضمان حدوث انفصال سلمي لا يترك الأقاليم المجاورة لنا في حالة اضطراب، وإذا اختاروا الفيدرالية أو الكونفدرالية سنعمل مع الأقاليم المجاورة لنا لصياغة نظام ديمقراطي لن يسمح لدكتاتورية أخرى بأن تترسخ. اليقين الوحيد هو أن أوروميا ستتمتع بالديمقراطية والحكم الذاتي.
ما القوات التي تقاتلكم في أوروميا؟ وما دور القوات الإريترية والأمهرية؟
انسحب الجزء الأكبر من القوات الإريترية من أوروميا بعد زيادة الضغط الدولي على آبي أحمد لإيقاف الاستعانة بالجيش الإريتري في الصراعات داخل البلاد، ومع ذلك لا يزال الضباط وعملاء المخابرات الإريتريون موجودين في أوروميا يعملون جنبًا إلى جنب مع الجيش الفيدرالي.
وبالنسبة للقوات الأمهرية، حتى وقت قريب كانت تتمركز في بعض مناطق أوروميا بالقرب من الحدود مع إقليم أمهرا فقط، وهم في الأساس ميليشيات غير نظامية يقودها ضباط من القوات الخاصة بولاية أمهرا، وبعد الإعلان الذي أدلى به رئيسا أمهرة وأوروميا أواخر الشهر الماضي، رصدنا 1200 فرد من قوات الأمهرة يتم نقلهم بالحافلة إلى الخطوط الأمامية، ونتوقع نشر المزيد في الأيام المقبلة.
لماذا لا تنال حكومة إقليم أوروميا رضا السكان رغم أنّها من أبناء الإقليم؟
بين كل الناس هناك عناصر انتهازية وأنانية، ويمكن أن يكون للسلطة الديكتاتورية تأثير مفسد على أي شخص وهذا ما نراه اليوم. وفي الثورة الناعمة لعام 2018م، منح شعب أوروميا منظمة حزب أورومو الديمقراطي (OPDO) التي كانت عضوًا في الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (EPRDF) فرصةً ثانية لاسترداد نفسها على الرغم من حكمها الوحشي الذي دام 27 عامًا، ولكن دون جدوى، وأصبحت هذه المنظمة جزءًا من حزب الازدهار.
وفي البداية حين تولى آبي أحمد السلطة بعث رسائل عديدة علانية لإظهار التزامه بالإصلاح الديمقراطي مع استمراره سرًّا في حملة قمع قاسية ضد أعضاء أحزاب المعارضة؛ خاصةً في المناطق الريفية. وفي النهاية أضاع تلك الفرصة الثانية، وبدلًا من ذلك بات إحكام قبضته على السلطة أولويةً. ومنذ عام 2018م قتل نظام آبي أحمد أكثر من 6000 مدني بريء، واحتجز 10 آلاف من السجناء السياسيين دون محاكمة، وارتكبت قواته عدة مجازر واغتيالات من أجل إخضاع المطالبين بالديمقراطية.
يعرف العالم ما فعله آبي أحمد في تيغراي، ولكن ما حدث في أوروميا خلال السنوات الأربع الماضية تم إخفاؤه تمامًا وتجاهله. وحتى في الأسبوع نفسه الذي فاز فيه بجائزة نوبل للسلام، كانت قواته تعدم مزارعين وتحرق منازلهم في جنوب أوروميا، ولهذا كنا على حق منذ 2018م، حين رأينا ألا إمكانية في إصلاح منظمة حزب أورومو الديمقراطي.
كيف هي علاقتكم اليوم مع جبهة تحرير تيجراي وجيش تحرير غامبيلا؟
نحافظ على العلاقات مع تيجراي وجبهة تحرير غامبيلا وفقًا لشروط تحالفنا (الجبهة المتحدة) الذي يضم عدة مجموعات أخرى من أجزاء أخرى من البلاد. ونظَّمنا تدريبًا مشتركًا مع جيش تحرير غامبيلا، وأجرينا مؤخرًا عملية مشتركة معهم، وهذا التعاون معهم سيستمر.
هناك حديث عن نية الحكومة الدخول في مفاوضات سلام مع إقليم تيجراي من أجل تكريس أنفسهم للقتال في أوروميا، كيف تستعدون لذلك؟
لقد عقدنا جمعية عامة في أوائل يونيو، ونفذنا العديد من الإصلاحات وإعادة الهيكلة لتحسين قدرتنا العسكرية، وحصدنا نتائج ذلك في القتال الأخير؛ حيث حيّدت قواتنا أول كتيبتين معاديتين تمامًا وصلتا إلى خط المواجهة، ونتوقع أن يستمر هذا الأداء الجيد، ونعمل على امتصاص هجوم القوات الحكومية المكثّف ثم سنعاود التقدم نحو العاصمة.
هل هناك مستقبل لدولة واحدة في إثيوبيا تتعايش فيها القوميات المتعددة؟
نعم هذا ممكن جدًّا من خلال الحوار الشامل والاحترام المتبادل. لقد ظللنا ندعو إلى حوار شامل لعدة سنوات حتى اليوم، لكنه لم يلقَ آذانًا صاغية مع تفاقم الوضع. يريد نظام آبي أحمد أن يكون الكيان الوحيد الذي يحافظ على تماسك البلاد، لذا فقد منع العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الحوار الشامل بين القوميات، وكان سببًا في الكثير من الكراهية بينهم. بمجرد إزاحة هذا النظام الحاكم لا يوجد ما يمنع جميع القوميات من الانخراط في المحادثات، ومع ذلك، وكما أسلفت فإن مستقبل أوروميا يعتمد على إرادة شعبها؛ إذا شعروا أن من مصلحتهم البقاء داخل إثيوبيا؛ فهذا ما سيحدث.