روضة علي عبد الغفار
صحفية مهتمة بالشأن الإفريقي
في خطابه الأول بعد فوزه بالرئاسة؛ قال الرئيس الصومالي المنتخب حسن الشيخ محمود: “لا يمكننا أن ننسى الماضي المؤلم، ولكن يمكننا أن نسامح، هنا في هذه القاعة سَلَّمْتُ الرئاسة إلى محمد فرماجو في عام 2017م، وسلَّمها هو لي الليلة”.
بعد طول انتظار ينتخب الصومال رئيسًا جديدًا للبلاد، في مشهد ديمقراطي يُعلِن دخول مرحلة جديدة، لكنَّ الواقع الذي يعيشه الصومال يجعل القيادة القادمة أمام تحدياتٍ عصيبة، وقضايا مصيرية، وخلافات ورثتها عن القيادة السابقة.
فماذا يدل اختيار حسن الشيخ محمود رئيسًا للصومال للمرة الثانية؟ وما هو نبض الشارع الصومالي بعد الانتخابات؟ وما أهم القضايا التي تنتظر الرئيس المنتخب؟ هذا وأكثر تتناوله “قراءات إفريقية” في هذا التحقيق.
عودة الديمقراطية:
أقيمت احتفالات كبيرة في شوارع العاصمة مقديشو في 15 مايو 2022م، ليلة إعلان فوز حسن الشيخ محمود برئاسة الصومال، ويبدو أن هذه الفرحة كانت أكبر من مجرد احتفال بفوز مرشح؛ إنه احتفال بعودة الديمقراطية بعد 15 شهرًا من الفوضى.
في حواره مع “قراءات إفريقية” يفيد الباحث الصومالي، عبد الكامل أبشر، بأن الرئيس الجديد لاقى ترحيبًا من المجتمع الصومالي سواء النخبة السياسية أو الشعب، فانطلق عدد من التظاهرات احتفالًا بفوز الشيخ محمود في مقديشو، بالرغم من حظر التجوال وإغلاق الطرق الرئيسية بها، كما انطلقت عدة مواكب تقودها عناصر من الجيش والشرطة الصومالية بهتافات مؤيدة للرئيس المنتخب، ولم تقتصر الاحتفالات على العاصمة فحسب، بل امتدت لتشمل عددًا من المدن الصومالية التي قامت بمسيرات مؤيدة للشيخ محمود.
وأردف عبد الكامل أن العملية الانتخابية لم تكن سهلة؛ لأنها لاقت الكثير من العراقيل، وتم تأجيلها عدة مرات، منذ انتهاء ولاية الرئيس فرماجو في فبراير 2021م، وسعيه لتمديد فترة ولايته عامين، وبناءً عليه شهدت البلاد موجة من الاحتجاجات دعت لها المعارضة السياسية، وتحوَّلت المظاهرات السلمية إلى مُسلَّحة تجوب شوارع العاصمة الصومالية، واستعان السياسيون المعارضون بعناصر مسلحة.
وأضاف الباحث الصومالي أن الأزمة شهدت انقسامًا في صفوف الجيش الوطني بين مُؤيّد ومعارض لقرار التمديد؛ مما أدَّى إلى نشوب بعض المواجهات العسكرية في العاصمة مقديشو أسفرت عن قتلى وجرحى، وهو ما دفَع فرماجو إلى تكليف رئيس الوزراء محمد روبلي بتنظيم الانتخابات الرئاسية.
لكن تجددت العراقيل مرة أخرى، وقامت خلافات بين الرئيس المنتهية ولايته ورئيس الوزراء حتى شهر أكتوبر من العام الماضي 2021م. كما أرجع عبد الكامل الحالة الأمنية غير المستقرة التي عاشتها البلاد إلى تدخل المؤسسة العسكرية بالعملية السياسية، والمخاوف من استغلال حركة الشباب لهذا الفراغ الأمني.
حسن الشيخ محمود.. لماذا؟
بعد إجراء هذا الاستحقاق الانتخابي في 15 مايو الحالي؛ يصبح حسن شيخ محمود هو الرئيس العاشر لجمهورية الصومال، للسنوات الأربع المقبلة بعد فوزه على الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، بحصوله على 214 صوتًا مقابل 110 صوتًا لفرماجو.
وهذه هي المرة الثانية التي يتولى فيها الشيخ محمود رئاسة الصومال، فقد تم انتخابه في عام 2012م رئيسًا للجمهورية، بعد خروج الصومال من المرحلة الانتقالية.
ويرى الباحث بمركز الصومال للدراسات، محمد أبتدون، أن فوز الرئيس الصومالي السابق حسن الشيخ محمود؛ كان متوقعًا لدى كثير من المُحللين، فقد ألقى خُطبًا سياسية في الفترة الأخيرة لفتت أنظار كثير من المقترعين البرلمانيين، في مقابل تراجع شعبية الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو.
ويعتقد “أبتدون” أن فرماجو خسر المنافسة الانتخابية بسبب الإجراءات التي اتبعها في فترة حكمه، وخاصة محاولة تمديد فترة رئاسته لعامين إضافيين، وهو ما شكَّل ضربة قوية في شعبيته من جهة ومستقبله السياسي من جهة ثانية، وسادت حالة من التيه السياسي في الفترة الأخيرة داخل فريقه السياسي وبرنامج حملته الانتخابية.
ويذهب “أبتدون” في حديثه لـ “قراءات إفريقية” إلى أن إعادة انتخاب الشيخ محمود لفترة ثانية يعكس وجود رغبة جامعة لدى الصوماليين في إيجاد شخصية توافقية، تقود البلاد نحو مسار الاستقرار السياسي والأمني، هذا إلى جانب كونه شخصية متوازنة في بناء العلاقات الداخلية والخارجية؛ ففي فترة رئاسته السابقة تمكن من إعادة الصومال إلى الأسرة الدولية بشكل قويّ باعتراف أمريكا بحكومته عام 2013م؛ كأول حكومة صومالية معترف بها رسميًّا بعد سقوط الدولة المركزية.
وأضاف أنه تم الانفتاح مع تركيا خلال ولاية الشيخ محمود، وتم تنفيذ مشاريع كبيرة في الصومال، التي توقف معظمها إبَّان فترة عهد الرئيس فرماجو، كما وصلت القوات الحكومية في فترته السابقة إلى مناطق جديدة خارج مقديشو.
ويتوقع “أبتدون” أن انتخاب الشيخ محمود يعكس ضرورة مُلِحَّة لعودة الأمن والاستقرار، وقد أظهر ذلك اهتمام واشنطن بإعادة نشر جنودها في الصومال، غداة تنصيب شيخ محمود رئيسًا جديدًا، ما يُظهر أن المصالح الأمريكية والصومالية تتقاطع في الشق الأمني.
وأردف “أبتدون” أن هناك مرحلة جديدة بدأت تشرق في الصومال بعد خيبات أمل كبيرة بعرقلة المسار الديمقراطي، ومهددات الاستقرار السياسي والأمني التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين، قائلًا: إن وصول الشيخ محمود إلى الحكم، باعتباره رجلاً توافقيًّا، يمكن أن يُخرج البلاد من حالة عدم الاستقرار إلى مرحلة جديدة من الهدوء الأمني والنسبي، لكنَّ هذا يتطلّب إيجاد حكومة تكنوقراط قادرة على تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع، وليست مجرد وعود لا تَجِد طريقها إلى التنفيذ.
ماذا ينتظر الرئيس المنتخب؟
“دعونا نُصلِّي من أجل الرئيس الجديد، إنها مهمة صعبة للغاية”؛ هكذا قال الرئيس المنتهية ولايته محمد فرماجو في خطابه بعد تنصيب الشيخ محمود رئيسًا جديدًا للصومال.
وعلى الرغم من عودة الصومال للمسار الديمقراطي بصورة مُرْضية للشعب الصومالي؛ إلا أن الملفات التي تنتظر الرئيس المنتخب حاسمة ومصيرية، وأولها أن يُعين رئيس الوزراء في غضون 30 يومًا من انتخابه، وِفق الدستور الصومالي.
كما يرى مراقبون أن الرئيس المنتخب تنتظره مهامّ صعبة وتحديات كبيرة؛ أهمها تعزيز أمن البلاد من خلال التسريع في بناء جيش قويّ ومحترف قادر على تسلُّم المهام الأمنية من بعثة الاتحاد الإفريقي في الموعد المحدد عام 2024م.
بالإضافة إلى تحرير المناطق التي لا تزال في أيدي حركة الشباب المجاهدين، وخلق جوّ يسمح بتشجيع الاستثمار الأجنبي في البلاد لرفع الإمكانات الاقتصادية، الأمر الذي قد يسهم في تقليل نسبة اعتماد البلاد على المساعدات الخارجية التي تُشكِّل نصف موازنة الدولة.
يعتقد الكاتب الصحفي الصومالي، أنور ميو، أن الرئيس حسن الشيخ محمود هو الشخص المناسب في الوضع الحالي؛ لأنه كان رئيس جمهورية في وقت قريب (2012-2016م)، وهو الذي شَكَّل النظام الفيدرالي وأسّس الولايات الأربعة الموجودة في البلاد باستثناء بونتلاند، كما ساهم في استقرار البلاد وإرساء مؤسسات الدولة.
ورغم أن الشيخ محمود شخصية أكاديمية منذ ثلاثين سنة، وصاحب خبرة في قبائل المجتمع الصومالي، إلا أن انتقادات المعارضة لاحقته في آخر فترته السابقة، والتي تسبَّبت في تصويت البرلمانيين للزعيم الشعبوي محمد عبد الله فرماجو، ولكن وبعد خمس سنوات أدرك الناس أن الرئيس السابق هو الأنسب لاستقرار البلاد، بحسب “ميو”.
وعن أهم التحديات التي تواجه الرئيس الصومالي المنتخب؛ يرى “ميو” في حديثه لـ “قراءات إفريقية”، أن الرئيس المنتخب ورث تحديات كبيرة؛ أهمها التحدي الأمني؛ حيث إن حركة الشباب ما زالت تسيطر على معظم الريف في جنوب البلاد ووسطه خارج البلدات الرئيسية، ولها قدرات على تنفيذ هجمات مميتة في العاصمة مقديشو والمدن الأخرى، والأماكن الاستراتيجية والقواعد العسكرية.
ويعتقد “ميو” أن من أبرز التحديات السياسية هو التوافق الداخلي؛ حيث تسبب ملف الانتخابات الرئاسية، الذي استمر ما يقارب السنتين، في تأجيج الخلافات السياسية، التي ألقت بظلالها على الخلافات بين الرئاسة ورئاسة الحكومة لمدة ثمانية أشهر، وأيضًا الخلافات السياسية بين الرئاسة وولايات الأقاليم.
أما عن أبرز التحديات الاقتصادية أمام الشيخ محمود، فيرى الكاتب الصحفي الصومالي أنها تكمن في تردّي الأوضاع الاقتصادية، ووقوع جفاف شديد في موسم هذا العام، وارتفاع أسعار الوقود، مع تزايد البطالة، على الرغم من أن 73% من المجتمع الصومالي من فئة الشباب؛ الذين تقلّ أعمارهم عن 35 سنة.
وعن آمال الصوماليين بعد انتخاب الرئيس، يقول أنور ميو: نأمل أن تساهم إعادة انتخاب حسن الشيخ محمود في تحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية، وأن تتَّجه البلاد نحو استكمال الملفات العالقة منذ فترة طويلة؛ التي منها استكمال الدستور المؤقت، وإحلال السلام والتركيز على ملف حركة الشباب، وإنعاش الاقتصاد، وتحقيق التوافق الداخلي، وإنهاء ملف أرض الصومال، وإجراء إحصاء عام للسكان، وتنظيم انتخابات عامة بحلول عام 2026م.
وختامًا..
فإنه على الرغم من الملفات الشائكة التي تواجه القيادة الجديدة، والفترة المضطربة التي مرَّ بها الصومال، إلا أن العودة لضفاف الديمقراطية تُجَدِّد الآمال بمستقبل أفضل للبلاد، وتجعل الصوماليين يتطلعون لوطنٍ أكثر أمانًا واستقرارًا، فهل يكون الرئيس حسن الشيخ محمود طوق النجاة الذي يَنتظره الشعب الصومالي؟