روضة علي عبد الغفار
صحفية مهتمة بالشأن الإفريقي
“امشِ وحيدًا إذا أردتَ أن تكون سريعًا، وامشِ مع فريق إذا أردتَ أن تذهب بعيدًا”؛ هكذا قال المثل الإفريقي، وهكذا أدركت إفريقيا أنها تحتاج للاتحاد؛ لتحقيق تضامن أكبر بين الشعوب والبلدان الإفريقية، ومن أجل التعجيل بالتكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولتعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة.
وكانت هذه أهداف إنشاء الاتحاد الإفريقي، الذي عُقدت قمته الـ35 في أوائل فبراير الحالي، مُستحضرةً معها تاريخًا طويلًا عُمره 20 عامًا، من القضايا المصيرية والملفات الشائكة التي تعترض القارة السمراء.
فما أبرز القضايا التي تناولها الاتحاد في قمته الأخيرة؟ وماذا يفعل تجاه الانقلابات المتزايدة بالقارة؟ وما مصير عضوية إسرائيل التي تطرق أبواب الاتحاد؟ وكيف كان الاتحاد الإفريقي خلال 20 عامًا مليئة بالتحديات والعقبات؟ هذا وأكثر تجدونه في هذا التحقيق.
انتصار لإثيوبيا!
شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا اجتماع قمة الاتحاد الإفريقي الـ35 بعد عامين من الانقطاع، في الخامس والسادس من فبراير الحالي، وتَصدَّرت جدول أعمال القمة ملفات عديدة: منها التزايد اللافت للانقلابات العسكرية في القارة، ومنح إسرائيل صفة عضو مراقب في الاتحاد، كما ناقشت القمة سُبُل التَّصدّي لجائحة كورونا التي حالت دون عقد القمتين السابقتين حضوريًّا.
وقد عبّرت السلطات الإثيوبية عن سرورها باستضافة اجتماع القمة، بعد ممارسة ضغوط كبيرة لكي تنعقد القمة حضوريًّا على أرضها؛ لأن ذلك سيعطي انطباعًا بعودة الأمور إلى طبيعتها بعد 15 شهرًا من بدء النزاع في إقليم التيجراي شمال البلاد، وستتيح القمة لـ”آبي أحمد” تقديم نفسه على أنه مُضيف قويّ ومستقر.
في حواره مع “قراءات إفريقية” قال الصحفي والكاتب الإثيوبي، أنور إبراهيم: إن الحرب التي شهدتها إثيوبيا أدت إلى تراجع العديد من التحركات في الداخل الإثيوبي، وخاصة الاتهامات التي طالت الحكومة جرّاء الحرب التي حدثت في تجراي، وخسرت البلاد بموجبها العديد من الفرص الاستثمارية والاقتصادية والتنموية، وتعطلت العديد من التحركات، ولهذا عندما رفضت بعض الدول عقد القمة الإفريقية تمسكت بها إثيوبيا لإعادة الحركة لبعض المؤسسات.
وأضاف “إبراهيم” أن القمة ساعدت على تحريك العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ التي ظل الأفارقة يترقبون ما يحدث حولها، بعد دعوة السفارات الغربية والإفريقية رعاياها لمغادرة أديس أبابا، وأكّد أن إقامة القمة في الوقت الحالي أعاد بعض الأمل للإثيوبيين.
وتأتي قضية سد النهضة الإثيوبي، كأحد أبرز الملفات الشائكة التي ما انفك الاتحاد عن تناولها منذ عام 2011م، لكنَّ القمة الأخيرة خلَت من التطرُّق إليها، فيما عدا الإشارة في تقرير رئيس الكونغو عن الجهود التي قامت بها بلاده لتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة. كما دعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في اجتماعات القمة كلاً من مصر والسودان، للتعاطي مجددًا مع قضية السد.
ومن الجدير بالذكر أن أحد أطراف القضية، وهو السودان، عضويته مُعلقة، ومصر خفَّضت تمثيلها في القمة بوزير خارجيتها سامح شكري، وإثيوبيا مشغولة بصراعاتها الداخلية، ولذلك غاب السد عن الأجندة.
وفي هذا الصدد يعتقد “إبراهيم” أن قضايا مثل سد النهضة وحرب التجراي غابت عن أجندة الاتحاد؛ لكنها طُرحت في مجلس السلم والأمن الإفريقي، وتناولها الإعلام العالمي بشكل مكثَّف، وبحسب “إبراهيم” فإن الاتحاد الإفريقي قد فشل في وضع حدٍّ لحرب تجراي، بينما ملف سد النهضة يظل من أكثر الملفات التي تشكل تحديًا كبيرًا أمام الاتحاد الإفريقي، خاصةً بعد فشل اجتماعات كينشاسا.
انقلابات عسكرية متزايدة
شهدت القمة تركيزًا على أمن القارة واستقرارها، لا سيّما في ضوء 6 انقلابات أو محاولات للاستيلاء على السلطة، شهدتها دول غرب القارة على مدى 18 شهرًا الماضية؛ حيث لم يتخذ الاتحاد الإفريقي قرارات حاسمة تُذكَر في مواجهتها.
وكان “مجلس السلم والأمن” التابع للاتحاد علّق عضوية بوركينا فاسو ومالي وغينيا والسودان بعد الانقلابات العسكرية، وقد اتهمت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، خلال القمة، جهات خارجية بالوقوف خلف الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول إفريقية في الآونة الأخيرة، معتبرة أن الهدف من ذلك هو مواصلة استغلال موارد القارة، وأضافت أن دور الاتحاد الإفريقي مهم للمساعدة في بناء أدوات أكبر للسلام والأمن.
وفي هذا الصدد ترى خبيرة الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، د. أميرة عبد الحليم، أن هناك ضعفًا شديدًا لدى الاتحاد الإفريقي في التعامل مع ملف الانقلابات العسكرية، على الرغم أن هذه القضية كانت سببًا مهمًّا لتحوُّل “منظمة الوحدة الإفريقية” إلى “الاتحاد الإفريقي”؛ حيث كانت المنظمة القارية في السابق عاجزةً عن التعامل مع التغييرات غير الدستورية للسلطة؛ لذلك تضمن قانونها التأسيسي مادة عن ضرورة مواجهة هذه الظاهرة.
وأضافت أن سنوات عمل الاتحاد التي قاربت على العقدين اتسمت بازدواجية المعايير في التعامل مع القضية؛ فهناك انقلابات عسكرية لم يكن للمنظمة القارية ردّ فعل سريع لها، وهناك أخرى كان الاتحاد يتفهَّم أسباب الانقلاب بها، وفي أحيانٍ أخرى يقوم القادة الأفارقة باتخاذ تدابير ضد بعض الدول فور وقوع الانقلاب العسكري بها.
وفيما يتعلق بالتدابير التي يتبناها الاتحاد ردًّا على الانقلابات العسكرية، والتي في مقدّمتها تعليق عضوية الدولة في أنشطة الاتحاد؛ ترى خبيرة الشؤون الإفريقية أن هذه التدابير ليست مؤثرة، ولا بد من البحث عن آليات جديدة أكثر تأثيرًا لمواجهة الظاهرة.
وأكدت خبيرة الشؤون الإفريقية في حوارها مع “قراءات إفريقية”، على أن المنظمات الإقليمية الفرعية لا تزال تُزاحم الاتحاد الإفريقي في أدواره، وأن هذه المُزاحمة تعود إلى فقدان الاتحاد القدرة على التعامل مع مختلف القضايا، وأن هناك تأثيرًا لبعض دول الاتحاد أكثر من غيرها، ويَظهر هذا في قرارات الاتحاد الذي تفتقد الحيادية في كثير من الأحيان.
إسرائيل على أعتاب الاتحاد:
أثار القرار الذي اتخذه رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي؛ بمنح دولة إسرائيل صفة مراقب بالاتحاد في يوليو 2021م، جدلًا كثيفًا في أروقة الاتحاد، وهو أمر تصدَّت له عدة دول في مقدمتها الجزائر وجنوب إفريقيا، أكبر الممولين للاتحاد الإفريقي.
وأدت الحملة التي قادتها الجزائر وجنوب إفريقيا بمساندة دول أخرى مثل تونس ونيجيريا وجزر القمر؛ إلى إيقاف “فكي” عن تنفيذ قراره. وقد دعا “فكي” خلال الجلسة الافتتاحية للقمة في 5 فبراير، إلى نقاش هادئ، وألا يتم التعامل مع القضية بشكل سياسي، وأكّد أن البحث عن استقلال الفلسطينيين ثابت، ولا يمكن أن يتزعزع، وأن منح إسرائيل صفة المراقب يمكن أن يكون أداة في خدمة السلام.
من جهتها أكدت د. أميرة عبد الحليم لـ “قراءات إفريقية” أن القرار الذي اتخذه “فكي” يعكس المصالح الإسرائيلية المتزايدة في إفريقيا؛ حيث حرصت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة على تطوير علاقاتها مع دول القارة، في الوقت الذي تراجع فيه الدعم الإفريقي للقضية الفلسطينية، وفي ظل عدم قدرة منظمة التحرير أو الحكومة الفلسطينية على تدعيم الروابط مع شعوب ودول القارة، هذا فضلًا عن اتجاه العديد من الدول العربية للتقارب مع إسرائيل.
وأردفت أن العديد من الدول الإفريقية اتجهت إلى بناء جسور لعلاقات أكثر تماسكًا مع إسرائيل، في ظل زيادة الدعم الأمريكي للدول الصديقة لإسرائيل، لذلك لم تظهر معارضة كبيرة لقرار “فكي” إلا من الجزائر وجنوب إفريقيا؛ وذلك لأن دعم القضية الفلسطينية جزء من شرعية النظام الجزائري، منذ إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر سنة 1988م، في حين عانى شعب جنوب إفريقيا من التمييز والفصل العنصري الذي يفرضه الكيان الإسرائيلي اليوم على الشعب الفلسطيني.
وقد تم تعليق طلب إسرائيل وإحالته للجنة تتكون من 7 رؤساء دول لتقرر بشأنه، وتضم اللجنة رؤساء الجزائر والسنغال والكاميرون والكونغو الديمقراطية ونيجيريا ورواندا وجنوب إفريقيا.
وفي هذا الصدد يقول المتخصص بالشأن الإسرائيلي والمحاضر بجامعة بيرزيت، د. أشرف بدر: إن عضوية إسرائيل لم تُعلَّق في الاتحاد الإفريقي بحسب الصحافة الإسرائيلية، وإنما سيتم بحث القضية من خلال تشكيل لجنة لاتخاذ قرار في العام المقبل، بحسب القوانين المُتَبَعة داخل الاتحاد، وأضاف “بدر” أن الإسرائيليين يعتقدون أن طلب تعليق العضوية لن يمر، وستبقى إسرائيل موجودة كمراقب في الاتحاد.
وعن أسباب حرص إسرائيل للحصول على عضوية الاتحاد الإفريقي، يرى “بدر” أن أهداف الدبلوماسية الإسرائيلية هو توسيع شبكة علاقاتها مع الدول الإفريقية، لأسباب سياسية؛ منها ضمان ثقل تصويتي في القضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وغيرها من القضايا التي قد تجلب إدانة لإسرائيل في المؤسسات المنبثقة عن الأمم المتحدة.
وأكّد “بدر” أن هناك حرصًا شديدًا على نسج علاقات مع دول القارة، بحيث إذا لم يكن التصويت لصالحها فإنها تقوم على الأقل بتحييد موقف هذه الدول وامتناعها عن التصويت، من أجل المحافظة على مصالحها الاقتصادية.
حيث تتلخص المصالح الاقتصادية لإسرائيل في فتح الأسواق التجارية داخل القارة أمامها، خاصةً تجارة الماس والسلاح، التي تجد رواجًا في إفريقيا، ونقل التقنيات الحديثة في مجال الزراعة، لتطوير طرق وأساليب الزراعة لدى الأفارقة.
وأشار المتخصص بالشأن الإسرائيلي في حديثه مع “قراءات إفريقية” إلى أن الجزائر عرقلت الطلب الإسرائيلي لعدة أسباب منها: تعاطفها مع القضية الفلسطينية تاريخيًّا من جهة، ومن جهة أخرى تحاول عرقلة تغلغل إسرائيل في إفريقيا؛ حفاظًا على مصالحها؛ كون إسرائيل أقامت علاقات دبلوماسية مع المغرب، وهذا يقوّي موقف المغرب في صراعها مع الجزائر على الصحراء الغربية.
يُذْكَر أنَّ هذه ليست المرة الأولى التي تقدّم فيها إسرائيل طلبًا لمنحها عضوية الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، فقد رُفضت طلباتها أعوام 2013 و2015 و2016م، وعن دلالة عرقلة الطلب الإسرائيلي للمرة الرابعة على التوالي؛ أكد “بدر” أن هناك دولاً إفريقية لازالت ترى في إسرائيل كيانًا عنصريًّا، قائمًا على التمييز، ويخالف القانون الدولي، وأن إقامة علاقات دبلوماسية معه هو بمثابة مكافأة له، وأنه يجب التوقف عن إقامة علاقات معه حتى التزامه بالقوانين الدولية.
20 عامًا من الإنجازات والتحديات:
في التاسع من شهر يوليو القادم سوف يكون قد مر 20 عامًا على تأسيس الاتحاد الإفريقي، الذي تم إنشاؤه في عام 2002م خلفًا لمنظمة الوحدة الإفريقية، وتركزت أهداف الاتحاد في تخليص القارة من الآثار المتبقية للاستعمار والفصل العنصري، وتعزيز الوحدة والتضامن بين الدول الإفريقية، وتنسيق التعاون من أجل التنمية.
وقد تعرَّض الاتحاد في هذه السنوات لكثير من القضايا والملفات الشائكة والمصيرية، لكن رغم صعوبة التحديات المترتبة على العجز المالي، وعدم القدرة على دعم الدول التي تواجه الإرهاب أو الصراعات الداخلية المسلحة، فلا يمكن إنكار ما أنجزه من خطوات على طريق التكامل الاقتصادي؛ حيث نشأت تجمعات إقليمية تسهّل عملية التبادل التجاري، مثل “الكوميسا” في شرق إفريقيا، و”الساداك” في جنوب القارة، و”الإيكواس” في الغرب منها. ولعل هذه المنصات التجارية هي ما سهَّلت إطلاق المنطقة الحرة الإفريقية في منتصف 2019م.
وقد حقَّق الاتحاد الإفريقي تطورًا في قضية انتقال السلطة في القارة، ومحاولة التخلُّص من أسلوب الانقلابات العسكرية الذي وسَم عمليات الانتقال السياسي حتى مطلع الألفية الجديدة، وأصبح الاتحاد يمتلك الآليات اللازمة لحصار أيّ تحرُّك عسكري يسعى للاستيلاء على السلطة عبر الانقلاب.
ومنذ يناير 2017م، منذ انتخاب موسى فكي رئيسًا للمفوضية الإفريقية، حقَّق الاتحاد الإفريقي نجاحات وإنجازات في ملفات متعددة تمسّ قضايا القارة ومشاكلها الأساسية، فشهد الاتحاد إعادة هيكلة المفوضية ومنهجية عمل التكتل، وتوزيع المهام بين المفوضية والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، وإجراء إصلاحات شملت التمويل الذاتي من الدول الإفريقية.
كما أدت تدخلات ووساطات قادها الاتحاد الإفريقي، إلى إسكات صوت السلاح في عدد من أنحاء القارة، من بينها تسوية العديد من النزاعات في الصومال، ودولة جنوب السودان، وإفريقيا الوسطى، والسودان.
كما أن إطلاق السوق الإفريقية الموحدة للنقل الجوي في يناير 2018م، تُعتبر أحد إنجازات الاتحاد الإفريقي، وهي مبادرة أطلق عليها اسم “السماء الإفريقي المفتوح”، وتهدف إلى دفع برنامج الاندماج الاقتصادي في إفريقيا.
وختامًا فإن تأسيس الاتحاد الإفريقي كان نقطة دفع لإفريقيا، وشكّل مظلة تجتمع تحتها الدول الإفريقية، وقد وحَّد رؤيتها ووجهتها، إلا أن هناك تحديات في طريق الاتحاد وقضايا تنتظر حسمها، على رأسها تَفشّي ظاهرة الانقلابات من جديد، والنزاعات المسلحة بالقارة، والتدخلات الخارجية تحت مسمى الشراكة، وغيرها من الملفات المصيرية والمشاريع المؤجلة.
فهل يظل الاتحاد داخل حلقة مُفرغة؟ أم يتّحد حقًّا لتنفُض إفريقيا عنها رواسب الاستعمار، وتبني نفسها بنفسها.. بخيراتها وسواعد أبنائها؟