تحدّثت تقارير إعلامية مؤخرًا عن صفقة كبيرة للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، أبرمتها الحكومة الفيدرالية الصومالية مع إحدى الشركات الأمريكية، وقد سبق هذا الإعلان تطورات نوعية كبيرة في ملف مكافحة الإرهاب في الصومال؛ حيث انخرطت الولايات المتحدة الأمريكية، وبكثافة، في الحرب على الإرهاب.
وفي الوقت نفسه تقود الحكومة الصومالية، منذ قدوم الرئيس “حسن شيخ محمود”، حملة واسعة النطاق على الإرهاب، وذلك بالتزامن مع تكثيف حركة “الشباب المجاهدين” المرتبطة بتنظيم “القاعدة” عملياتها المضادة في عدة مناطق بالبلاد.
وتشير هذه المؤشرات الأولية إلى أن اجتماع النفط والغاز والإرهاب، سوف يفرض معادلة جديدة في الصومال؛ فهل ستختلف نتائج هذه المعادلة الجديدة؟ يُسلّط هذا التحليل الضوء على الأحداث مستشرفًا مستقبل ظاهرة الإرهاب في الصومال في ضوء هذه المعطيات الجديدة، من خلال المحاور التالية:
تفاصيل صفقة الطاقة:
في فبراير عام 2022م أعلنت شركة تُدعى “استكشاف الخط الساحلي” Coastline Exploration، أنها وقَّعت مع وزارة البترول والمعادن الصومالية، سبع اتفاقيات بنظام “مشاركة الإنتاج” Production Sharing Agreements “PSAs” للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، في المناطق البحرية الضحلة والعميقة قبالة وبطول السواحل الصومالية.([1])
وفي حينه اعترض مكتب رئيس الوزراء “محمد حسين روبلي” Mohamed Hussein Roble، وكذلك مكتب الرئيس “محمد عبد الله فرماجو” Mohamed Abdullahi Farmajo، على الصفقة واعتبروها باطلة، وفي اليوم التالي أعلن المدقق العام الصومالي (مراقب مالي) عن تقديم شكوى إلى النائب العام الصومالي للتحقيق في الوقائع، وأصدر “روبلي” قرارًا بوقف جميع الأفراد المتورطين في توقيع الاتفاقيات السبع عن العمل حتى ينتهي التحقيق.([2])
وفي أكتوبر المنصرم 2022م، وبعد تنصيب الرئيس الجديد “حسن شيخ محمود” وتعيين حكومة جديدة، أعلنت الشركة الأمريكية أنها حصلت على الاعتماد النهائي من الحكومة الصومالية، وأنها قامت بدفع مكافأة التوقيع، والبالغة 7 ملايين دولار إلى البنك المركزي الصومالي، وفقًا لشروط اتفاقيات مشاركة الإنتاج السبع السابق توقيعها.
كما صرحت بأنها حصلت على الضوء الأخضر بعد دراسة ومراجعة متعمقة أجرتها الحكومة والوزارات والمجموعات الاستشارية الصومالية ذات الصلة، وأنها تلقَّت الدعم الحكومي الكامل في اجتماعات رفيعة المستوى في مقديشو مع الرئيس “شيخ محمود”، ورئيس الوزراء “حمزة عبدي بري”، ونائب رئيس الوزراء “صلاح أحمد جامع”، ووزير البترول والثروة المعدنية “عبد الرزاق عمر محمد”، ورئيس هيئة البترول الصومالية “عبد القادر عدن محمود”، والنائب العام الصومالي “عثمان علمي جوليد”، وأوضحت الشركة أنها خصَّصت أكثر من 50 مليون دولار للبدء في العمل بالصومال، وأنها واثقة كل الثقة في أنها ستكتشف احتياطيات هائلة للنفط والغاز على طول السواحل الصومالية، وأن شواطئ الصومال تحتوي على أكبر مجموعة غير مُستكشَفة من الأحواض الواقعة في المياه الدافئة في العالم.([3])
ومن جانبه أعلن الرئيس الصومالي “شيخ محمود”، أن هذا الاتفاق يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام؛ حيث نتطلع إلى تطوير صناعة الطاقة في الصومال، وهو ما يعني أن الصومال بات بلدًا منفتحًا على الأعمال التجارية والاستثمارات الأجنبية، بعد الصراع الذي عصف بالبلاد لسنوات عديدة.([4])
جدير بالذكر أن الشركة الحاصلة على هذا الامتياز هي شركة أمريكية، تأسَّست فقط في عام 2018م، ومقرها بولاية “هيوستن”، ومخصَّصة للعمل على طول الساحل الشرقي لقارة إفريقيا، وحتى الآن حصلت على امتيازات للعمل في موزمبيق، وتنزانيا، وأوغندا، ومؤخرًا الصومال.([5])
عودة أمريكية مكثَّفة إلى الصومال:
قبيل مغادرته البيت الأبيض قرَّر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” Donald Trump، سحب القوات الأمريكية من عدة مناطق حول العالم، من بينها الصومال، وهو ما أوقع خلافًا بينه وبين وزير دفاعه “مارك إسبر” Mark Esper الذي قاوم القرار، فأقاله “ترامب”([6])، وكان سحب القوات الأمريكية من بين التحديات التي ورَّثها “ترامب” للرئيس “جو بايدن” Joe Biden؛ فقرر “بايدن” العودة إلى نشر قوات أمريكية في الصومال، والبدء في حملة مكبَّرة للحرب على الإرهاب في الصومال، بالتنسيق مع الرئيس “شيخ محمود” والحكومة الصومالية، وبعثة الاتحاد الإفريقي.([7])
هذا وقد شهدت العودة الأمريكية تطورًا عملياتيًّا تجنَّبت فيه الولايات المتحدة نشر قوات كبيرة على الأرض، واعتمدت على الغارات التي تقوم بها وحدات العمليات الخاصة، والضربات التي تتم بالطائرات من دون طيار، واستخدام الجواسيس، وتجنيد مقاتلين محليين ومتعاقدين من القطاع الخاص؛ للقيام بالمهام المحفوفة بالمخاطر.([8])
وقد تضمَّنت الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة: العمل على قطع التمويل والإمداد عن التنظيمات الإرهابية النشطة في الصومال. وفي هذا الإطار فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على 14 شخصًا، بينهم 6 أشخاص قالت: إنهم جزء من شبكة تشارك في شراء الأسلحة، وتقديم التسهيلات المالية، والمساعدة في عمليات التجنيد لصالح حركة “الشباب”. وأَتْبَعت ذلك بفرض عقوبات تستهدف تنظيم الدولة “داعش” ولاية الصومال؛ فأخضعت أعضاء في الجماعة وآخرين لهذه العقوبات؛ لاتهامهم بالتورط في “شبكة إرهابية لتهريب الأسلحة في الصومال وشرق إفريقيا”. وقالت الحكومة الأمريكية: “إنها بصدد اتخاذ مزيد من الإجراءات، واستهداف المزيد من التنظيمات؛ مثل القراصنة الصوماليين وجماعات التهريب.([9])
وفي الوقت نفسه بدأت القوات الأمريكية المشاركة في تنفيذ عمليات نوعية ضد حركة “الشباب”، وقد أعلنت قيادة القوات الأمريكية لإفريقيا “أفريكوم” U.S. Africa Command أن قواتها العاملة في الصومال، تقوم بالتنسيق لعملياتها مع الحكومة الصومالية وقوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية، وتحدثت تقارير عن أنها شنَّت في عام 2022م، أكثر من 11 ضربة جوية ضد مقاتلي حركة “الشباب”.([10])
ففي 18 سبتمبر الماضي 2022م قتلت إحدى هذه الضربات الجوية 27 من مقاتلي حركة “الشباب” في وسط الصومال([11]). وفي 1 أكتوبر الماضي 2022م، قالت “أفريكوم” في بيان صحفي عاجل: إن غارة جوية بالقرب من “جيليب” Jilib على بُعد حوالي 370 كيلو مترًا جنوب غرب العاصمة “مقديشو” Muqdisho، قتلت قياديًّا في حركة “الشباب”، ولم يُصَب أو يُقتَل أيُّ مدنيّ في العملية، فِيما أعلنت الحكومة” الصومالية أن القيادي المقتول هو “عبد الله نادر” المدّعي العام للحركة، والمرشح لخلافة زعيم الحركة المريض “أحمد ديري”.([12])
حملات عسكرية حكومية واسعة النطاق:
مع تولي الرئيس “شيخ محمود” اتخذت الحكومة الجديدة بعض الإجراءات التي تتماهى مع الاستراتيجية الأمريكية، وفرضت عقوبات على التجار والشركات التي تدفع أموالاً وضرائب لحركة “الشباب” في مناطق نفوذها. كما قامت بحظر نشر أخبار الحركة في كافة وسائل الإعلام، وحظر كافة مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بالحركة، وحظر تداول اسم “الشباب المجاهدين”، وأطلقت عليها حركة “الخوارج” الإرهابية.([13])
وعلى الجانب العسكري، وبالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة، وبعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية، وبالتعاون مع مليشيات عشائرية محلية مسلحة، بدأ الجيش الوطني الصومالي في شنّ حملات عسكرية واسعة النطاق؛ للقضاء على الحركة، واستعادة السيطرة على المناطق التي تستولي عليها. ومن هذه الحملات ما أعلنته الحكومة الصومالية مؤخرًا من أنَّ قواتها قتلت بالتعاون مع الشركاء الدوليين والمقاومة الشعبية، نحو 100 عنصر من حركة “الخوارج” الإرهابية، وذلك خلال عمليات عسكرية واسعة النطاق في ولايتي “جلمدج” Galmudug و”شبيلي السفلى” Lower Shabelle وسط وجنوب البلاد.([14])
هجمات إرهابية مضادة:
ردًّا على هذه الحملات المكثَّفة صعّدت حركة “الخوارج” عملياتها النوعية في عدة مناطق، ومن أعنف هذه العمليات: انفجار سيارتين مفخَّختين بفارق دقائق قرب تقاطع مزدحم في مقديشو، وتلا تفجيرهما إطلاق نار في هجوم استهدف وزارة التربية الصومالية، وأودت هذه العملية بحياة 120 مدنيًّا، وأصابت المئات، ما اضطر الحكومة الصومالية إلى طلب مساعدات طبية عاجلة من مصر والسعودية وتركيا وكينيا.
ومن هذه الهجمات الوحشية أيضًا، هجوم بسيارة ملغومة، مع إطلاق نار على فندق في مدينة “كيسمايو” Kismaayo الصومالية بجوار إحدى المدارس، أسفر عن مقتل 9 أشخاص مدنيين بينهم طلاب، وأصيب 47 آخرون بعضهم كانت حالاتهم خطيرة، وكذلك تفجير انتحاري بمنطقة “جالالقسي” Jalalaqsi بولاية “هيران” Hiran، لقي فيه مسؤولان صوماليان مصرعهما.
وقالت الحكومة: إن قوات الأمن فتحت النار على سيارة مليئة بالمتفجرات كان يقودها الانتحاري، لكن الانفجار وقع وقتل المسؤولَيْن وهما: مفوض المنطقة “محمد عمر دباشة”، ورئيس بلدية المدينة “عدن محمد عيسى”، وأكثر من 10 آخرين بينهم مدنيون وجنود، ووقع كذلك تفجير مماثل في منطقة “بولو بوردي” Buloburde، الواقعة في “هيران” أيضًا، ما تسبَّب في تدمير جسر رئيسي يمر فوق نهر “شبيلي” ويربط بين المناطق الوسطى والجنوبية من الصومال، فضلاً عن سقوط عدد من الضحايا لم يُحدَّد في حينه.
استنتاجات وسيناريوهات محتملة:
من خلال الرصد والتحليل السابقين للأحداث يمكن القول بأن التزامن بين كثافة العمليات، والتنسيق بين الحكومة الصومالية وشركائها الداخليين والخارجيين، ووحشية رد الفعل الإرهابي، وبين إبرام صفقات الطاقة الصومالية الجديدة رابط لا تخطئه عين، لكن ومن دون شك لا يُعدّ هذا الرابط السبب الوحيد لتطوُّر وتصاعد الأحداث على هذا النحو، فهناك رغبة السلطات الصومالية الجديدة في تحقيق نجاح في ملف الإرهاب، ورغبة الولايات المتحدة في ترسيخ حضورها في الصومال؛ حمايةً لمصالحها الاستراتيجية في الصومال وفي القرن الإفريقي ككل، وبخاصة في ظل الحضور القوي للمعسكر الشرقي الذي شهده الإقليم مؤخرًا، هذا فضلاً عن استماتة حركة “الشباب” في الذَّوْد عن مصالحها ومكتسباتها، وإثبات وجودها وقدرتها.
وفي ضوء هذه الاستنتاجات يمكن القول بأن ظاهرة الإرهاب في الصومال، وبعد طول بقاء، لن تستمر على سابق عهدها، لكنَّها سوف تتطور وفقًا لسيناريوهات ثلاثة:
السيناريو الأول: أن يتم القضاء عليها تمامًا.
السيناريو الثاني: أن تفشل كل هذه الجهود في القضاء عليها أو تحجيمها.
السيناريو الثالث: أن يتم تحجيمها وإضعاف قدراتها بدرجة كبيرة، من دون القضاء عليها نهائيًّا.
ويرجح الباحث السيناريو الثالث الذي يُحقِّق “متلازمة الطاقة والإرهاب والحكومات الهشَّة”؛ وذلك لأن القوى الخارجية الموجودة في الصومال لا تريد أن تتخلص تمامًا من ذريعة وجودها في الصومال، ولا ترغب في أن تحقق السلطات الصومالية الاستقرار التامّ؛ لئلا تمتلك إرادتها الكاملة، وتملي شروطها، وتفرض رغباتها على الجميع.
([1]) Melisa Cavcic, “Somalia’s inaugural offshore oil & gas deal with U.S. operator deemed illegal”, on Offshore Energy Website, Last Visit at 19 Jan. 2022, at 12:50 pm, at link:
https://www.offshore-energy.biz/somalias-inaugural-offshore-oil-gas-deal-with-u-s-operator-deemed-illegal/
([2]) Idem.
([3]) Melisa Cavcic, “Somalia ‘open for business’ as U.S. player gets the all-clear for offshore oil & gas exploration”, on Offshore Energy Website, Last Visit at 19 Jan. 2022, at 12:55 pm, at link:
https://www.offshore-energy.biz/somalia-open-for-business-as-u-s-player-gets-the-all-clear-for-offshore-oil-gas-exploration/
([4]) Idem.
([5]) Coastline Exploration Website, Last Visit at 19 Jan. 2022, at 1:00 pm, at link:
https://coastlineexploration.com/about-us
([6]) Phil Stewart, Steve Holland, “Trump to withdraw most troops from Somalia as part of global pullback”, on Reuters Website, Last Visit at 19 Jan. 2022, at 1:05 pm, at link:
https://www.reuters.com/article/usa-trump-somalia-idUSKBN28F04C
([7]) Ido Levy, “Redeploying US Troops to Somalia Is the Right Move”, in The Hill Website, Last Visit at 19 Jan. 2022, at 1:10 pm, at link:
https://thehill.com/opinion/international/3496403-redeploying-us-troops-to-somalia-is-the-right-move/
([8]) تامر الهلالي، “الولايات المتحدة تقود حربًا سرية بالوكالة في الصومال”، في جريدة الشرق الأوسط، علي الموقع الإلكتروني، تحقَّقت آخر زيارة في 19 يناير 2022م الساعة 1:15 م على الرابط:
https://aawsat.com/home/article/3969546/الولايات-المتحدة-تقود-حرباً-سرية-بالوكالة-في-الصومال
([9]) بوابة الأهرام، “الولايات المتحدة تفرض عقوبات على شبكة لتسليح حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال”، علي الموقع الإلكتروني، تحققت آخر زيارة في 19 يناير 2022م الساعة 1:20 م على الرابط:
https://gate.ahram.org.eg/News/3770652.aspx
([10]) FDD’s Long War Journal,” US airstrikes in the Long War”, on FDD’s Long War Journal Website, Last Visit at 19 Jan. 2022, at 1:25 pm, at link:
https://www.longwarjournal.org/us-airstrikes-in-the-long-war
([11]) Bill Roggio and Caleb Weiss, “U.S. airstrike kills 27 Shabaab fighters in central Somalia”, on FDD’s Long War Journal Website, Last Visit at 19 Jan. 2022, at 1:30 pm, at link:
https://www.longwarjournal.org/archives/2022/09/u-s-airstrike-kills-27-shabaab-fighters-in-central-somalia.php
([12]) U.S. Africa Command, “U.S. forces conduct strike in Somalia targeting al-Shabaab leader”, U.S. Africa Command Website, Last Visit at 19 Jan. 2022, at 1:35 pm, at link:
https://www.africom.mil/pressrelease/34758/us-forces-conduct-strike-in-somalia-targeting-al-shabaab-leader
([13]) خالد محمود، “«الشباب» تتعهد باستمرار القتال… وترفض تسميتها بـ«الخوارج»”، في جريدة الشرق الأوسط، علي الموقع الإلكتروني، تحققت آخر زيارة في 19 يناير 2022م الساعة 1:40 م على الرابط:
https://aawsat.com/home/article/3976656/الصومال-لتجفيف-منابع-«تمويل-الإرهاب»
([14]) خالد محمود، “الحكومة الصومالية تعلن مقتل مائة عنصر من «الشباب»”، في جريدة الشرق الأوسط، علي الموقع الإلكتروني، تحققت آخر زيارة في 19 يناير 2022م الساعة 1:40 م على الرابط:
https://aawsat.com/home/article/3979821/الحكومة-الصومالية-تعلن-مقتل-مائة-عنصر-من-«الشباب»