بسمة سعد
باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية – مؤسسة الأهرام – مصر
في خضمّ ما تعانيه بعض دول غرب إفريقيا من اضطرابات سياسية قوَّضت من مسارها الديمقراطي، وساهمت في تعزيز النشاط الإرهابي وتمدُّده إلى مناطق جغرافية جديدة، بما يُهدِّد الاستقرار السياسي والأمني لباقي دول غرب إفريقيا؛ اتخذت الأخيرة قرارًا في 4 ديسمبر 2022م خلال قمة للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) انعقدت في العاصمة النيجيرية أبوجا، بإنشاء قوة إقليمية تتدخَّل عند الضرورة؛ سواء كانت مسألة أمن أم إرهاب أم إعادة النظام الدستوري في الدول الأعضاء. بما يُشير إلى اتجاه دول غرب إفريقيا لإعادة ضبط المنظومة الأمنية والسياسية لدول غرب إفريقيا بلمسة إفريقية، على الرغم من العديد من التحديات التي تواجه تفعيل هذا القرار، والتي يأتي على رأسها مصادر تمويل تشغيل هذه القوات، وآليات التشكيل، وموقف أبرز الشركاء الدوليين، لا سيما فرنسا من دعم هذه القوات.
انطلاقًا مما سبق، يهدف المقال لمناقشة دوافع دول غرب إفريقيا لتشكيل قوة إقليمية جديدة، وما تُواجهه من تحديات قد تُعيق تفعيلها أو تحقيق الهدف من تشكيلها، ومستقبل المنظومة الأمنية والسياسية لدول غرب إفريقيا في ضوء المسارات المستقبلية المحتملة لتشكيل القوة الإقليمية.
أولًا: دوافع تشكيل قوة إقليمية لدول غرب إفريقيا
هناك دافعان رئيسيان يمكن استنباطهما من إعلان قادة الإيكواس عن أنَّ الهدف من تشكيل القوة الإقليمية هو التدخل عند الضرورة؛ سواء كانت مسألة أمن أم إرهاب أم إعادة النظام الدستوري في الدول الأعضاء، هما كالتالي:
1- المخاوف من تمدُّد حزام الانقلابات العسكرية والعمل على إعادة النظام الدستوري
على مدار العامين الماضيين؛ شهدت بعض دول وسط وغرب إفريقيا -وهي مالي وغينيا وبوركينافاسو وتشاد- حالةً من عدم الاستقرار السياسي عقب تعرُّضها لانقلابات عسكرية بشكل متوالٍ منذ العام 2020م، وُصِفَتْ على إثرها بـ”بؤرة الانقلابات”([1])، ودفعت قادة الإيكواس إلى تعليق عضوية مالي وغينيا وبوركينافاسو في هيئة صنع القرار في الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا([2])، بما يُهدِّد المسار الديمقراطي لهذه البلدان ولباقي دول غرب إفريقيا، وتوجيه الأنظار إلى المسؤولية الواقعة على عاتق الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من أجل وضع حدّ لهذه المسألة، وتبديد كافة المخاوف من مخاطر تمدُّد حزام الانقلابات إلى باقي دولها، لا سيما أن الانقلابات سمة متعارف عليها لدى دول القارة.
لقد شهدت مالي ثلاثة انقلابات عسكرية في مارس 2012م؛ في أعقاب الاضطرابات السياسية في العام 2011م، يليه انقلاب في 18 أغسطس 2020م، تبعه انقلاب عسكري خلال أقل من عام واحد في مايو 2021م([3])، ثم إعلان الحكومة المؤقتة في مايو2022م، بأن البلاد تعرَّضت لمحاولة انقلاب فاشلة قام بها ضباط عسكريون مدعومون من الغرب في 11 مايو([4])، وذلك في ضوء أزمة العلاقات المالية الغربية خلال الأشهر الماضية.
في هذا الصدد، دخلت مالي في سلسلة من الأزمات السياسية مع دول وسط وغرب إفريقيا نتيجة خروج الحكومة المالية عن المسار الديمقراطي المحدد، كانت ذات تداعيات سلبية اقتصاديًّا وأمنيًّا، كإعلان باماكو انسحابها من مجموعة الساحل الخمس المعنية بمكافحة الإرهاب، ثم احتجازها 49 عسكريًّا من كوت ديفوار فور وصولهم إلى مطار باماكو في 10 يوليو2022م، والتعامل معهم كـ”مرتزقة”، كان آخرها أحد الملفات محل النقاش خلال القمة، التي توصَّل فيه قادة الإيكواس بمنح مالي فترة سماح للإفراج عن العسكريين حتى قبل 1 يناير 2023م، معلنةً بأن الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تحتفظ بحقّ التحرُّك في حال لم يُفرَج عن الجنود قبل الموعد المحدد([5]).
وفي سبتمبر 2021م، تعرَّضت غينيا لانقلاب عسكري أطاح بالرئيس ألفا كوندي من السلطة، تعهَّد عقبها المجلس العسكري بتسليم السلطة للبلاد خلال مرحلة انتقالية مدتها 3 سنوات، يسعى خلالها إلى إعادة تأسيس الدولة عبر صياغة دستور جديد، وإصلاح النظام الانتخابي، ومكافحة الفساد، وتنظيم انتخابات وتحقيق مصالحة وطنية([6])، لكنه لم يلقِ قبولاً مِن قِبَل قادة الإيكواس، الذين قرروا في سبتمبر 2022م فرض عقوبات تدريجية على المجلس العسكري في غينيا؛ ردًّا على رفضه إعادة الحكم مجددًا إلى المدنيين خلال مدة لا تتجاوز الـ24 شهرًا([7])، كما طالب قادة الإيكواس المجلس العسكري خلال قمة الإيكواس بإجراء حوار شامل مع كافة الأطراف والسياسيين([8]).
أما بالنسبة إلى بوركينافاسو التي تُصنَّف بالدولة الأكثر في عدد المحاولات الانقلابية الناجحة؛ فمن إجمالي 7 محاولات انقلاب، فشلت واحدة فقط([9])، شهدت واغادوغو عمليتي انقلاب في العام 2022م، أولهما؛ في يناير، وثانيهما في سبتمبر([10])، بينما تولَّى المجلس العسكري بزعامة محمد إدريس ديبي السلطة في تشاد عقب إعلان الجيش التشادي مقتل الرئيس إدريس ديبي في أبريل 2021م، واتخذ قرارًا بتعليق العمل بالدستور وحل البرلمان التشادي، في خطوة وصفتها القوى المعارضة بأنها انقلاب على السلطة.
2- تنامي النشاط الإرهابي ومحاولة إعادة ضبط المنظومة الأمنية
تُسجل منطقة غرب إفريقيا تناميًا للنشاط الإرهابي وللجماعات الإرهابية، يعززها حالة التنافس
بين أفرع تنظيمي داعش والقاعدة على مناطق النفوذ في دول القارة؛ مما ساهم في تمدد النشاط الإرهابي إلى مناطق جغرافية جديدة كانت بمنأى عن الهجمات الإرهابية حتى وقت قريب؛ كدول خليج غينيا.
ولقد أوضح تقرير صادر عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف حول مؤشر العمليات الإرهابية خلال شهر نوفمبر 2022م، أن منطقة الساحل الإفريقي جاءت في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية وعدد الضحايا بواقع 12 عملية إرهابية، بما يُعادل 24% من إجمالي عدد العمليات الإرهابية في القارة، أسفرت عن مقتل 50 شخصًا، وإصابة 15، واختطاف 8 آخرين([11])، تصدرت خلالها بوركينافاسو دول المنطقة بواقع 5 عمليات إرهابية، أسفرت عن سقوط 35 شخصًا، وإصابة شخص آخر([12])، فيما شهدت مالي 4 عمليات إرهابية أسفرت عن سقوط 11 شخصًا، وإصابة 9 آخرين، يليها النيجر التي تعرضت لعمليتين إرهابيتين أسفرت عن سقوط 4 أشخاص، وإصابة 5، واختطاف 8 آخرين، بينما سجلت بنين عملية إرهابية واحدة لم تسفر عن سقوط ضحايا([13]).
أما منطقة غرب إفريقيا، فقد جاءت في المرتبة الثالثة بعدما سجلت المنطقة وقوع 8 عمليات إرهابية بنسبة 16% من عدد العمليات الإرهابية في القارة، تمركزت جميعها في نيجيريا([14])، بينما جاءت منطقة وسط إفريقيا في المرتبة الرابعة بواقع تسجيل 4 عمليات إرهابية، نفَّذها فرع تنظيم “داعش” في وسط إفريقيا، بما يعادل 8% من إجمالي عدد العمليات الإرهابية([15]).
بناءً على ذلك، صرح قادة الإيكواس بأن الهدف من تشكيل القوة الإقليمية هو “إعادة ضبط هيكلنا الأمني لضمان أن نعتني بأمننا في المنطقة”؛ حيث إن القوات الأمنية والعسكرية لم تتمكن حتى هذه اللحظة من تحجيم نفوذ الجماعات الإرهابية وطموحها القاري بالتمدد في كافة ربوع القارة، كما أخفقت التكتلات الإقليمية كمجموعة الساحل الخمس والقوات المشتركة المتعددة الجنسيات المنتشرة حول حوض بحيرة تشاد، في محاربة الجماعات الإرهابية، فكانت التوترات الأمنية أحد الدوافع/ المحركات الرئيسية لحدوث انقلابات عسكرية.
ثانيًا: مستقبل المنظومة السياسية والأمنية في غرب إفريقيا.. تحديات ومسارات
على الرغم من أنه من المبكّر الفصل في مستقبل القوة الإقليمية الجديدة، لا سيما أن العديد من النقاط التفصيلية المهمة كآليات التشكيل وتشغيل القوات والتمويل؛ سيتم مناقشتها خلال الاجتماع القادم للإيكواس في النصف الثاني من يناير2023م، إلا أنه من المهم بمكان الحديث عن حزمة من التحديات التي قد تعيق قادة الإيكواس عن اتخاذ خطوات متقدمة نحو تشكيل وتشغيل هذه القوة، وبالتالي تحقيق الجدوى من تشكيلها، كما أن هذه التحديات تُعدّ مُحدِّدًا مهمًّا لرسم المسارات المستقبلية للمنظومة السياسية والأمنية لغرب إفريقيا في ضوء تشكيل القوة الإقليمية الجديدة.
يُعدّ أول هذه التحديات هي مصادر تمويل تشغيل هذه القوة؛ حيث لطالما كان التمويل العقبة الرئيسية أمام تفعيل التكتلات الإقليمية وتعزيز دورها في مكافحة الإرهاب في مختلف ربوع القارة، وهو ما يبدو أن قادة الإيكواس أدركوه مبكرًا ليُشيروا خلال القمة إلى أنهم قرروا عدم الاعتماد فقط على المساهمات الطوعية التي أظهرت محدوديتها؛ دون إعطاء المزيد من التفاصيل([16]).
أما بالنسبة لثاني التحديات فيتمثل في تجرد القوة الإقليمية من أي إملاءات غربية نابعة من شركاء دول الإيكواس الغربيين. ثالثها؛ يتعلق بكيفية إدارة القوة الإقليمية الأزمات السياسية واستعادة نظامها الدستوري والمسار الديمقراطي دون إثارة أيّ انتقادات داخل البلدان المضطربة، أو انتقادات دولية حول آليات التدخل، رابعها؛ حدود التنسيق والتعاون الممكنة بين قوات دول الإيكواس في ساحة المعركة خلال محاربة الإرهاب. ترتيبًا على ذلك، هناك مسارات محددة لمستقبل المنظومة السياسية والأمنية لمنطقة غرب إفريقيا في ضوء القوة الإقليمية الجديدة عقب الاجتماع القادم في يناير2023م، هي كالتالي:
1- ضبط المنظومة السياسية والأمنية لدول غرب إفريقيا: هو سيناريو محتمل في حال تمكُّن دول غرب إفريقيا من تجاوز كافة التحديات السالف الإشارة إليها المُعيقة لكافة الطموحات المرجوة من تشكيل هذه القوة.
2- محدودية الدور والفاعلية للقوة الإقليمية: وهو سيناريو مرجّح على المديين القريب والمتوسط، وذلك على غرار ما آلت إليه تجارب التكتلات الإقليمية لمكافحة الإرهاب من نتائج، وذلك في ضوء ما تواجهه القوة الإقليمية من تحديات، ومخاطر التدخل لإعادة النظام الدستوري واسترداد المسار الديمقراطي لدول الإقليم.
3– استمرار المخاوف السياسية والأمنية لقادة غرب إفريقيا:
يُعدّ سيناريو استمرار المخاوف السياسية والأمنية أحد المسارات المستقبلية المرجَّحة على المدى البعيد في حالتين؛ أولهما؛ يتمثل في حالة إخفاق قادة الإيكواس خلال الاجتماع المرتقب في يناير 2023م في الاتفاق حول هيكل القوة الإقليمية وآلية التشكيل ومصادر التمويل وكافة المتطلبات اللازمة لضمان تشغيل هذه القوة بالفاعلية المطلوبة. الحالة الأخرى؛ تتمثل في تمكن قادة الإيكواس من تشكيل القوة وبدء تشغيلها، ولكن دون المستوى المطلوب لأسبابٍ قد تعود إلى ضَعْف مصادر التمويل أو لعدم التوافق بين قادة الإيكواس حول آليات تنفيذ الأهداف، لا سيما المتعلقة باستعادة المسار الديمقراطي أو لغيرها من الأسباب، وهو ما يعني عدم تمكن القوة الإقليمية من وضع حدٍّ للمخاوف السياسية والأمنية لقادة الإيكواس على المدى البعيد.
في النهاية: تتوافر الأسباب التي يُمكن من خلالها تفهُّم اتجاه قادة الإيكواس لتشكيل قوة إقليمية جديدة، وهي خطوة لها خصوصيتها وأهميتها، لكن في الوقت ذاته على قادة الإيكواس إدراك أن اتخاذ خطوة إقليمية كهذه، تحمل العديد من التحديات التي قد تُعيق استكمال هذه الخطوة أو تفعيلها على النحو المرجو من تشكيلها، وهو ما يتطلَّب إرادة سياسية واحدة وتكاتف إقليميّ لضمان إتمامها بالفعالية اللازمة.
[1] – قوة إقليمية لمواجهة الانقلابات غرب إفريقيا… ما حدود إمكاناتها؟، الشرق الأوسط، 5 ديسمبر 2022م، على الرابط التالي:
[2] -sagar kar, West Africa Contemplate Setting Up A Regional Peacekeeping Force After Coups In The Region, Republic World, 5 December 2022. https://www.republicworld.com/world-news/africa/west-africa-contemplate-setting-up-a-regional-peacekeeping-force-after-coups-in-the-region-articleshow.html
[3] – أحمد عبد الحكيم ، “إمبراطورية الذهب”.. كيف تحولت مالي إلى وجهة للصراع العالمي؟، اندبندنت عربية، 25 مايو 2021م:
[4] – المجلس العسكري في مالي “يحبط محاولة انقلاب بدعم غربي”، سكاي نيوز عربي، 17 مايو 2022م: https://cutt.us/ljeIs
[5] – أزمة جنود “كوت ديفوار” .. سيناريوهان أمام مالي، سكاي نيوز، 5 ديسمبر 2022م: https://cutt.us/5I7oE
[6] – غينيا: “إيكواس” تفرض “عقوبات تدريجية” على المجلس العسكري الحاكم لرفضه إعادة السلطة للمدنيين، فرانس 24، 23 سبتمبر 2022م: https://cutt.us/GomXx
[7] – المرجع السابق.
[8] -ECOWAS plans regional peacekeeping force to counter military coup,
ECOWAS plans regional peacekeeping force to counter military coup
[9] – كريستوفر جايلز وبيتر مواي، انقلاب مالي: هل زادت وتيرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا؟، بي بي سي نيوز، 3 يونيو 2021م:
[10] – انقلاب عسكري جديد في بوركينا فاسو وتعليق العمل بالدستور، دويتشه فيله، 30 سبتمبر 2022م: https://cutt.us/oHEON
[11] – مؤشر العمليات الإرهابية في القارة الإفريقية لشهر نوفمبر 2022م، مرصد الأزهر لمكافحة التطرف،9 ديسمبر2022م.
[12] – المرجع السابق.
[13] – المرجع السابق
[14] – المرجع السابق.
[15] – المرجع السابق.
[16] – علي اللافي، قوة التدخل الني أنشأتها “إيكواس”، هل تنهي الانقلابات وامتداد التنظيمات الإرهابية في غرب إفريقيا؟، إفريقيا 2050م، 6 ديسمبر 2022م: https://cutt.us/DLJHC