لم تشهد غينيا الاستوائية في تاريخها انتخابات تنافسية حرَّة ونزيهة، منذ استقلالها في 12 أكتوبر 1968م، ولم تشهد من حينها أيّ تداول للسلطة؛ فالرئيس الحالي يتكرر انتخابه منذ انتزاعه السلطة من سابقه بانقلاب عسكري، ويسيطر حزبه الحاكم باستمرار على البرلمان؛ فهو يفوز بالانتخابات بشكل روتيني متكرّر.
كانت الانتخابات الرئاسية مجدولة لعام 2023م في شهر أبريل، وكانت الانتخابات البرلمانية مجدولة لعام 2022م في شهر نوفمبر، فيما لم تَجْرِ أيّ انتخابات محلية من قبل، وفي سبتمبر 2022م وافق البرلمان على اقتراح بدمج الانتخابات العامة جميعًا، بما فيها المحلية المزمع إجراؤها لأول مرة، في يوم واحدٍ؛ لعدم قدرة البلاد اقتصاديًّا على تحمُّل إجراء ثلاث عمليات انتخابية كلّ منها على حدة، وتحدد لذلك يوم 20 نوفمبر هذا العام 2022م.
وتصنّف مؤسسة “بيت الحرية” Freedom House غينيا الاستوائية بصفة متكررة من بين “أسوأ أسوأ” الأنظمة الحاكمة في مجال حقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية، وفي عام 2021م صنَّفت منظمة “مراسلون بلا حدود” Reporters Without Borders غينيا الاستوائية في المرتبة 164 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية، كثَّفت السلطات من الاعتقالات في الأسابيع الأخيرة، ففي 30 سبتمبر، وبعد حصار استمر لأكثر من أسبوع، اقتحمت قوات الأمن منزل زعيم حزب “مواطنون مِن أجل التجديد” Citizens for Innovation “CI” “جابرييل نس أوبيانج أوبونو” Gabriel Nse Obiang Obono، وخاصةً أنه يستخدم منزله كمقر مؤقت للحزب بعد حلّه وحَظْره قضائيًّا منذ عام 2018م، وقتل في الهجوم أربعة نشطاء وشرطيّ، وأصيب العشرات، وألقي القبض على أكثر من 150 شخصًا بما في ذلك “أوبونو”، وبرَّرت وسائل الإعلام الحكومية الحملة بأنها محاولة لمواجهة “مؤامرة فاشلة” مِن قِبَل المعارضة لشنّ هجمات على السفارات ومحطات الوقود ومنازل الوزراء.([1])
وفى سياق هذه السلطوية الشديدة، والقمع المفرط نتساءل: هل يكرر التاريخ نفسه في انتخابات عام 2022م؟، أم أن المعادلة ستتغير؟
مسار السلطة: لمحة تاريخية موجزة
بعد 190 عامًا من الحكم الإسباني، استقلت غينيا الاستوائية عام 1968م، وفي أول انتخابات عامة تعددية قبيل الاستقلال فاز “فرانسيسكو ماسياس نجويما” Francisco Macías Nguema برئاسة البلاد، واستهل حكمه باستخدام القوة والقمع، وخلال عامين قرر دمج كل الأحزاب السياسية في حزب واحد، هو “حزب العمال الوطني المتحد” Partido Único Nacional de los Trabajadores، وحظر كل جماعات المعارضة، وفي عام 1972م أعلن نفسه قائدًا للبلاد مدى الحياة بصلاحيات ديكتاتورية.
في الثالث من أغسطس عام 1979م ونتيجة لتردي أوضاع البلاد، انقلب عليه ابن أخيه قائد الحرس الوطني “تيودورو أوبيانج نجويما مباسوجو” Teodoro Obiang Nguema Mbasogo وعيَّن المجلس العسكري الأعلى Supreme Military Council “SMC“ برئاسته ليتولى حكمَ البلاد. في حينِها فَرَّ الرئيس “فرانسيسكو” من العاصمة، وتم القبض عليه في غضون شهر، وحُوكِمَ وتم إعدامه لما فعله خلال فترة حكمه؛ إذ تشير التقديرات إلى أن ثلثي السكان -بتقدير وقت الاستقلال- قد فرُّوا من البلد أو سُجِنُوا أو أُعْدِمُوا، وفي 15 أغسطس 1982م تم استفتاء الشعب على دستور يسمح بقدر محدود من “الديمقراطية الشعبية”، وعلى تعيين “تيودورو أوبيانج نجويما مباسوجو” رئيسًا للبلاد لولاية مدتها 7 سنوات، تكررت حتى الآن 6 مرات دون انقطاع.
دولة الحزب الوحيد :
في تعددية وليدة تشكلت أربعة أحزاب سياسية قبيل الاستقلال، وبعده بخمسة أشهر فقط، قرر الرئيس “فرانسيسكو” دمج هذه الأحزاب السياسية في حزب واحد، هو “الحزب الوطني المتحد” Partido Único Nacional، وحظر كل أشكال المعارضة.([2])
ومع الانقلاب العسكري عام 1979م ظلت البلاد بلا أحزاب سياسية حتى عام 1987م، وفيه قرر الرئيس “مباسوجو” إنشاء حزب سياسي واحد برئاسته، هو “الحزب الديمقراطي لـغينيا الاستوائية” Partido Democrático de Guinea Ecuatorial “PDGE”، وحظر الأحزاب السياسية تمامًا، وتحت ضغط داخلي وخارجي تبنَّى نظام الرئيس “مباسوجو” عام 1991م دستورًا جديدًا يسمح بتعدد الأحزاب السياسية، لتقام عام 1993م أول انتخابات تعددية تشهدها غينيا الاستوائية بعد استقلالها فاز بها حزب الرئيس، ولا يزال يفوز بكل انتخابات حتى الآن بشكل متكرر.
على الرغم من التعددية الحزبية التي يكفلها الدستور في مادته رقم (9)([3])، إلا أنها نشأت ولا تزال حتى الآن تعددية حزبية مقيّدة؛ حيث تواجه المعارضة عقبات جمَّة في تسجيل الأحزاب السياسية، وإن نجحت في التسجيل والاعتراف القانوني ستجد عقبات واقعية كبيرة تعوق عملها تمامًا، أما الأحزاب الموالية للحزب الحاكم -وهي أحزاب صغيرة عديمة التأثير سياسيًّا- فيتم تسجيلها بسهولة، ولا تجد عقبات في عملها؛ وذلك من أجل الحفاظ على واجهة ديمقراطية زائفة للنظام السياسي في غينيا الاستوائية([4])؛ فعلى سبيل المثال خاض الانتخابات البرلمانية الأخيرة لعام 2017م حزبان معارضان فقط، في مقابل الحزب الحاكم في ائتلاف مع 14 حزبًا، لم يفز أيٌّ من الحزبين المعارضين بأيّ مقاعد في مجلس الشيوخ، وفاز أحدهما وهو حزب “مواطنون مِن أجل التجديد” بمقعد واحد فقط في مجلس النواب، وعقابًا له على فوزه بهذا المقعد تم حلّه وحَظْره قضائيًّا.([5])
المشاركون في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2022م:
أولاً: الانتخابات الرئاسية
يخوض الانتخابات الرئاسية منافسًا للرئيس “مباسوجو” مرشحان: أولهما مرشح “حزب التحالف الاجتماعي الديمقراطي” Partido de la Coalición Social Demócrata، وهو “بوينافينتورا مونسوي أسومو” Buenaventura Monsuy Asumu وسبق له تقلُّد منصب وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية عام 2003م([6])، وحصل على عضوية مجلس الشيوخ الأخير، وهو دائم الترشح من حينها في الانتخابات الرئاسية، ويحصل دائمًا على عدد أصوات ضئيل للغاية، وتصفه المعارضة بـ”العميل”.([7])
ثانيهما مرشح “حزب التقارب من أجل الديمقراطية الاجتماعية” Convergencia para la Democracia Social “CPDS” المعارض الوحيد، وهو “أندريه إيسونو أوندو” Andrés Esono Ondó الأمين العام الحالي للحزب، وهو حاصل على بكالوريوس العلوم الاجتماعية والسياسية، ويترشح للرئاسة للمرة الأولى.([8])
ثانيًا: الانتخابات البرلمانية
يخوض الانتخابات البرلمانية بخلاف حزب الرئيس “مباسوجو” الحاكم وائتلافه المكوّن من عددٍ من أحزاب الموالاة، وكذلك أيضًا:
1-“حزب التحالف الاجتماعي الديمقراطي”، ويعد من الأحزاب الموالية للحزب الحاكم بصفة دائمة، أسَّسه في التسعينيات ولا يزال يرأسه المرشح الرئاسي “أسومو”.
2-“حزب التقارب من أجل الديمقراطية الاجتماعية”، وهو الحزب المعارض الوحيد المصرح له بخوض الانتخابات، وهو حزب يساري كان قد تأسَّس مطلع التسعينيات سريًّا، ثم تم تسجيله، ومؤسسه “كواندينو أويونو إديواجيونج” Secundino Oyono Edú-Aguong، وأمينه العام حاليًا المرشح الرئاسي “أوندو”، وأعضاؤه يتم اعتقالهم وتعذيبهم بشكل منتظم مِن قِبَل الشرطة، والحزب عضو كامل العضوية في “الأممية الاشتراكية” Socialist International، وهي منظمة سياسية دولية تضم في عضويتها عددًا من الأحزاب السياسية ذات التوجه الديمقراطي الاجتماعي أو الاشتراكي.([9])
سيناريوهات النتيجة:
في ضوء التحليل السابق يمكن القول بأن السيناريو المؤكد -وهو السيناريو المسموح به دون غيره ودون هوادة- هو أن يكرر التاريخ نفسه، ويفوز الرئيس “مباسوجو” بالرئاسة باكتساح لولاية رئاسية سابعة، ويتفوق على نفسه ليصبح أقدم رئيس في إفريقيا، وأن يحصد حزبه “الحزب الديمقراطي لـغينيا الاستوائية” جُلّ إن لم يكن كل مقاعد غرفتي البرلمان، بل والمحليات أيضًا.
([1]) Daily Times, “Opposition leader and 150 supporters held in E Guinea”, on Daily Times Website, Last Visit at 31 Oct. 2022, at 1:05 pm, at link:
https://dailytimes.com.pk/1005812/opposition-leader-and-150-supporters-held-in-e-guinea/
([2]) Gustau Nerín, “Francisco Macías: Nuevo Estado, Nuevo Ritual”, en Éndoxa (Madrid: Universidad Nacional de Educación a Distancia, Series Filosóficas, n.o 37, 2016), Pp. 154-155.
– David Lea, Annamarie Rowe (eds.), A Political Chronology of Africa (London: Routledge,2001), Pp. 161-162.
([3]) Republic of Equatorial Guinea. Constitution of 1991, Article 9.
([4]) Adrian Karatnycky, et. al., “Freedom in the World: The Annual Survey of Political Rights & Civil Liberties 1997-1998” (Washington D.C.: Freedom House, 2008), Pp. 232-233.
([5]) Africa News, “Equatorial Guinea ruling party wins elections”, on Africa News Website, Last Visit at 31 Oct. 2022, at 1:10 pm, at link:
https://www.africanews.com/2017/11/18/equatorial-guinea-ruling-party-wins-elections/
([6]) Blackwell, “Equatorial Guinea: National Unity Government”, in Africa Research Bulletin: Political, Social and Cultural Series (Oxford: Blackwell, Volume 40, Issue 2, 24th March 2003), P. 15186.
([7]) Africa News, “Equatorial Guinea: two candidates against Teodoro Obiang in presidential election”, on Africa News Website, Last Visit at 31 Oct. 2022, at 1:15 pm, at link:
https://www.africanews.com/2022/10/17/equatorial-guinea-two-candidates-against-teodoro-obiang-in-presidential-election/.
([8]) Idem.
([9]) CPDS Website, Last Visit at 31 Oct. 2022, at 1:20 pm, at link:
http://www.cpdsge.org/.