بسمة سعد
باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
أثار التقدم الميداني لحركة شباب المجاهدين في الصومال -إلى جانب تعدُّد أنماط العمليات الإرهابية خلال الآونة الأخيرة- القلقَ حول تَبِعَات تدهور المشهد الأمني الصومالي، بعدما أعاد ما أحرزته الحركة من تقدُّم إلى الأذهان فترة سيطرة اتحاد المحاكم على مقديشيو، وهو ما يدفع للتساؤل؛ هل ستتمكن حركة الشباب الصومالية من إحكام سيطرتها على مقديشيو؟
انطلاقًا مما سبق، تهدف الورقة إلى تناول عدد من المؤشرات المُشيرة إلى تنامي نفوذ حركة الشباب، إلى جانب ما تعتمده الحركة من تكتيكات في ساحة القتال مكَّنتها من إحراز هذا التقدم الميداني، بالإضافة إلى مناقشة وتحليل العوامل التي عزَّزت من نشاط الحركة، ناهيك عن طرح رؤى مستقبلية للوضع الأمني الصومالي في ضوء معطيات المشهد الصومالي الراهن، وذلك على النحو التالي:
أولاً: تنامي نفوذ حركة الشباب الصومالية.. مؤشرات وتكتيات
كان من اللافت تنامي نشاط حركة الشباب خلال الفترة الأخيرة في الساحة الصومالية، ومنها إلى إقليم شرق إفريقيا، وهو ما يدفع لقراءة المؤشرات الدالة على هذا التمدد الإرهابي في الصومال، إلى جانب تقديم قراءة حول تكتيكات الحركة في القتال، على النحو التالي:
1- مؤشرات على تنامي نشاط حركة الشباب الصومالية
هناك عدة مؤشرات كاشفة لتنامي نفوذ حركة الشباب الصومالية، تُنذر بخطورة الوضع الأمني في الصومال، أولها؛ تمكُّن حركة الشباب الصومالية خلال فترة وجيزة في ديسمبر 2021م من السيطرة على عدة مدن استراتيجية في إطار ما يُطْلَق عليه بـاستراتيجية “قطم المدن” التي تهدف من خلالها السيطرة على المدن الحيوية لشَلّ حركة الولايات، وإثارة الفوضى، وتشتيت القوات الصومالية؛ كالسيطرة على بلدة “ياق أرار” القريبة من مدينة “كيسمايو” أكبر مدن ولاية جوبالاند، بالإضافة إلى ثلاث مدن استراتيجية في ولاية غلمدغ؛ هي: متبان، عيل طيري وغدون، قبل أن تعلن القوات الصومالية استعادة السيطرة على الأخيرة في 19 ديسمبر2021م([1]).
كما يقترب التنظيم من السيطرة على سبع مدن أخرى، هذا بخلاف المدن الصومالية الأُخرى التي تشهد معارك بين القوات الصومالية وحركة الشباب؛ إما لصَدّ هجمات الأخيرة أو لاستعادة السيطرة عليها؛ كمدينة بلعد في إقليم شبيلي الوسطى بولاية “هيرشبيلي”، والواقعة على بُعْد 37 كلم عن العاصمة مقديشو، والتي تمكَّنت القوات الصومالية من صدّ هجوم للحركة عليها في 30 ديسمبر 2021م([2])، وكذلك مدينة دوبلي الواقعة على الحدود الصومالية الكينية، وغيرها من المدن الصومالية، لا سيما المدن الحدودية الواقعة بين الصومال وكُلّ من كينيا وإثيوبيا.
وعلى الرغم من حرص الحركة على استهداف عدة مدن في ولايات وسط وجنوب الصومال، إلا أنه من اللافت انصباب تركيز هجمات حركة الشباب على ولاية غلمدغ، وهو ما يكشف عما تتمتع به الولاية من أهمية استراتيجية لعدة اعتبارات:
أولها: إنها ولاية مركزية يَحدّها من الشرق المحيط الهندي، ومن الشمال ولاية بونتلاند، ومن الغرب إثيوبيا، ومن الجنوب ولاية هيرشبيلى، وبالتالي تُعدّ حلقة وصل بين الولايات الصومالية، كما إنها تمتلك منافذ بحرية تُسهّل من ربط الحركة بالعالم الخارجي، وبالتالي تعزيز مصادر دعم وتمويل الحركة ومدّها بالمواد اللوجستية اللازمة كالأسلحة والمتفجرات، إلى جانب تيسير حركة نقل العناصر الإرهابية. أما بالنسبة للمدن الثلاث؛ فتقع مدينة عيل طيري على الطريق الرابط بين عاصمة الولاية طوسمريب ومدينة غوريعيل التي تلعب دورًا مهمًّا في تسيير الحركة التجارية، وشهدت مؤخرًا معارك دامية بين القوات الصومالية وحركة الشباب في محاولة للسيطرة عليها، كما إنها تقع على بُعْد 750 كلم من العاصمة مقديشيو، بينما تقع مدينة متبان بين ولايتي غلمدغ وهيرشبيلي، في حين تقع غدون على بعد 35 كيلو مترًا من عاصمة الولاية.
ثانيها: إن الولاية تُعدّ أحد أهم مراكز الاقتراع التي يُجْرَى من خلالها انتخاب 24 مقعدًا نيابيًّا في مركزها، وبالتالي فإن استهداف الولاية يأتي تنفيذًا لما أطلقته الحركة من تهديدات حول المشاركة في العملية الانتخابية، وبالتالي إعاقة المسار الانتخابي في البلاد، وهو ما يعني دخول الصومال في جولات ممتدة من الفوضى وعدم الاستقرار.
ثالثها؛ ما تشهده الولاية من اضطرابات سياسية وأمنية إثر الصراعات المندلعة تارة بين العشائر، وأُخرى بين القوات الصومالية وتنظيم “جماعة أهل السنة والجماعة” -الحليف السابق للحكومة الصومالية-؛ فلقد عاد تنظيم الجماعة بقوة منذ أكتوبر 2021م، ويسعى لتحقيق مكاسب ميدانية تجعل منه رقمًا مهمًّا في المشهد السياسي والأمني الصومالي، وهو ما تسعى حركة الشباب الصومالية إلى توظيفه لإنهاك القوات الصومالية في معارك جانبية.
أما بالنسبة لثاني المؤشرات الدالة على تنامي نشاط حركة الشباب فيتمثل في عدد العمليات الإرهابية التي نفّذتها الحركة في الصومال، وما أسفرت عنه من قتلى وإصابات. ففي آخر تقرير صادر عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في نوفمبر 2021م، أوضح المرصد أن منطقة شرق إفريقيا شهدت (36) عملية إرهابية سقط على إثرها (60) شخصًا تقريبًا، وأصيب (126) آخرين، فضلاً عن اختطاف شخص واحد، كان لحركة الشباب نصيب الأسد منها بواقع (32) عملية في الصومال وعمليتين في كينيا، وهو عدد يفوق عدد العمليات التي نفذتها الحركة في شهر أغسطس 2021م الذي سجلت خلاله الحركة 15 عملية إرهابية في الصومال و3 عمليات في كينيا، سقط خلالها 460 شخصًا، وإصابة أكثر من 120 آخرين، إضافة إلى اختطاف 30 من المدنيين والعسكريين، وهو ما صُنِّف على إثره شهر أغسطس بالشهر الأكثر دموية في العام 2021م.
أما بالنسبة لثالث تلك المؤشرات فيتمثل في تمدُّد نشاط الحركة إلى مدن تتسم بالاستقرار النسبي؛ مثلما هو الحال في مدينة غدون بولاية غلمدوغ، وكذلك مدينة بوصاصو في ولاية بونتلاند؛ حيث حاولت الحركة اقتحام سجن كبير في مدينة بوصاصو في مارس 2021م، يُحتجز فيه نزلاء تمت إدانتهم بتُهَم الإرهاب والانتماء لتنظيمي “داعش” وحركة الشباب لكنها فشلت، سجلت على إثرها مدينة بوصاصو الساحلية حالة من عدم الاستقرار، بعدما ظلت لعقود مركزًا تجاريًّا مهمًّا ووجهة أساسية للمستثمرين([3]). ومع حرص الحركة على استعادة سيطرتها على المناطق التي سبق وأن سيطرت عليها، فمن المتوقع أن تُعيد الحركة محاولتها لاقتحام سجن مدينة بوصاصو، بل وتكرار التجربة في عدد من السجون الصومالية في محاولة منها للتأكيد على أنها لا تزال قوة فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي والأمني الصومالي وقادرة على استهداف أكثر الأماكن تحصينًا، وأن أياديها ممتدة لكافة ربوع الصومال وليست مقتصرة على العاصمة مقديشيو وولايات الجنوب فحسب.
2- تكتيكات حركة الشباب في القتال
تعتمد الحركة في ما تنفّذه من عمليات إرهابية على عدة آليات تكشف عن تكتيكها في المعارك المندلعة بينها وبين القوات الصومالية، أولها يتمثل في أنماط العمليات الإرهابية التي تنفذها الحركة والتي تشمل الهجمات المسلحة سواء على المدن الصومالية، ومن ثَمَّ دخولها في مواجهات مع القوات الصومالية كالتي تشهدها عدة مناطق ومدن صومالية آخرها في منطقة عداكيبر في إقليم غل غدود بولاية غلمدغ في 9 يناير 2022م، وقد تنتهي بالسيطرة عليها أو تمكّن القوات الصومالية من صد عناصر الحركة، أو تلك الهجمات التي تنفّذها الحركة على الثكنات العسكرية للقوات الصومالية أو قوات بعثة الاتحاد الإفريقي كالتي استهدفت قاعدة عسكرية تابعة لقوات “أميصوم” الإفريقية في مديرية واجد بمحافظة بكول بـ13 قذيفة في 3 يناير 2022م([4])، وكذلك استهداف قاعدة “بولومرير” التابعة لقوات”أميصوم” في منطقة شبيلي السفلى والواقعة على بعد 123 كلم جنوبي العاصمة مقديشو، وأدت إلى مقتل وإصابة 17 جنديًّا أوغنديًّا، وذلك في 18 ديسمبر 2021م([5]).
بالإضافة إلى اعتماد الحركة على آلية التفجيرات التي تُسْفِر عن عدد كبير من القتلى والمصابين تضم المدنيين؛ كالانفجار الذي نفَّذته الحركة خارج مدرسة في العاصمة مقديشيو يوم 25 نوفمبر 2021م، وأسفر عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل بينهم أطفال([6])، وكذلك التفجير الذي استهدف مطعمًا بأحد أحياء مدينة جوهر عاصمة ولاية هيرشبيلي جنوبي الصومال في ديسمبر 2021م، وأدى إلى مقتل نائبين محليين([7]).
ناهيك عن قيام الحركة بتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف المسئولين الحكوميين والأمنيين كاغتيال أحد المندوبين الانتخابيين الذين شاركوا في انتخاب أعضاء مجلس الشعب الصومالي وذلك في 9 يناير 2022م([8])، وتعرض محافظ ولاية هيرشبيلي “أحمد فال” لمحاولة اغتيال في ديسمبر 2021م([9]).
ومن خلال استراتيجية “قطم المدن” التي تعتمدها حركة الشباب، تهدف الحركة إلى استهداف المناطق الحيوية في الولايات حتى يتمكن التنظيم من شل حركتها، وبالتالي فصل المناطق والولايات الصومالية عن بعضها البعض بما يُضرّ من سلاسل الإنتاج والتوزيع في كافة أرجاء البلاد، وبالتالي محاولة خنق الاقتصاد الصومالي الذي يواجه بالفعل أزمة حقيقية، بالإضافة إلى تشتيت وإنهاك القوات الأمنية الصومالية عبر فتح عدة جبهات قتالية في عدد من المدن الصومالية، بالإضافة إلى اعتماد تكتيك تنفيذ العمليات الإرهابية في وقت واحد كاغتيال مسؤول حكومي في مديرية بوهكبا بمحافظة باي جنوب الصومال، تزامنًا مع استهداف قاعدة عسكرية تابعة لقوات “أميصوم” الإفريقية في 3 يناير 2022م، بالإضافة إلى حرص حركة الشباب على إتمام سيطرتها على مناطق جغرافية واسعة تتسم بالحيوية، وتكون على مقربة من العاصمة مقديشيو، وهو ما يكشف عن سعي الحركة للسيطرة على العاصمة.
يُضاف إلى ذلك، يتضح اعتماد الحركة على تكتيك إنهاك القوات الأمنية والعسكرية الصومالية في معارك قتالية جانبية، وهو ما يُستدل عليه بالمعارك التي دارت بين القوات الصومالية وجماعة أهل السنة والجماعة -الحليف السابق للحكومة في قتال حركة الشباب- في أكتوبر 2021م في ولاية غلمدغ بعدما سيطرت الجماعة على بعض المدن الصومالية بشكل مؤقت، تمكنت القوات الصومالية من استعادتها فيما بعد([10])، وأسفرت عن مقتل 120 شخصًا حتى 31 ديسمبر 2021م، والتي كانت أحد دوافع تكثيف حركة الشباب لجهودها في ولاية غلمدغ.
فضلاً عن ذلك، يتضح من خلال متابعة الهجمات الإرهابية التي تنفذها حركة الشباب خلال الأشهر الماضية، أن الحركة تعتمد تكتيك يُمكن تسميته بـ”جس النبض”، الذي تقوم من خلاله عناصر الحركة بعمليات تسلل إلى المناطق والمدن التي تهدف السيطرة عليها قبل تنفيذ هجمتها الإرهابية، بهدف إنهاك القوات الصومالية في اشتباكات مؤقتة، إلى جانب تقديم قراءة لمواقع انتشار وتمركز القوات الأمنية الصومالية، وجسّ نبض المجتمع الصومالي عند دخول الحركة لتلك المدن حتى تتفادى المقاومة المجتمعية؛ كالتي نفّذتها الحركة في مدينة عيل طيري مرتين على الأقل قبل السيطرة عليها في ديسمبر2021م، لكنها لم تدمّر حينها المقارّ الحكومية كما فعلت عند السيطرة عليها([11]).
ثانيًا: العوامل المحفّزة لتنامي نشاط حركة الشباب الصومالية
تتعدد العوامل التي هيَّأت الساحة الصومالية لتنامي نشاط حركة الشباب إما عبر تعدُّد العمليات الإرهابية التي تنفّذها بأنماطها المتنوعة، أو ضخّ دماء جديدة في صفوف التنظيم تمكنه من الاستمرار والبقاء، بل وتعزيز شوكته سواء في الداخل الصومالي أو في إقليم شرق إفريقيا، يُمكن توضيحها كالتالي:
1- تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية الصومالية
تشهد الساحة السياسية الصومالية أزمة “مزمنة” في ضوء تعثر المسار الانتخابي للبلاد واختيار رئيس جديد للصومال، تفاقمت إثر النزاع السياسي بين الرئيس الصومالي محمد عبدالله “فرماجو” ورئيس الحكومة الصومالية “محمد حسين روبلي”، الذي دفع الرئيس “فرماجو” إلى اتخاذ قرار في 27 ديسمبر2021م بتعليق عمل رئيس الوزراء، حتى الانتهاء من التحقيقات بشأن اتهامات فساد تتعلق بالاستيلاء على أراض تابعة للجيش الوطني، فضلاً عن اتهامه بالتدخل في العملية الانتخابية، وهو القرار الذي تحرّك بموجبه الحرس الرئاسي لتطويق مكتب رئيس الوزراء في العاصمة مقديشو، في خطوة وصفها “روبلي” بأنها محاولة “انقلاب غير مباشر”، كما وصف قرار الـ27 من ديسمبر بالقرار غير الدستوري([12])، فسّره مؤيدو “روبلي” بأنه قرار سياسي يهدف إلى إزاحة “روبلي” من المشهد السياسي، والتشكيك في نزاهته وقدرته أمام الشعب الصومالي والمجتمع الدولي على إتمام العملية الانتخابية بانتخاب رئيس جديد للبلاد.
وفي 2 يناير 2022م، قرر “روبلي” تشكيل لجنة مكونة من خمسة وزراء للتحقيق في “محاولة الانقلاب”([13])، ومِن ثَمَّ متابعة إدارة مهامه كرئيس للوزراء في ضوء ما تلقاه من دعم دولي. ويبقى حل الأزمة السياسية الصومالية رهن تنفيذ اتفاق “الـ40 يومًا” الذي توصل إليه قادة ورؤساء الولايات الصومالية في المؤتمر التشاوري برئاسة “روبلي” المنعقد في 12 يناير2022م؛ بهدف استكمال الانتخابات التشريعية خلال 40 يومًا([14]).
تزامنًا مع تلك الأزمة السياسية، يعاني الاقتصاد الصومالي من تبعات أزمة ثلاثية الأبعاد واجهت مقديشيو في العام 2020م ممثلة في انتشار كوفيد-19، وغزو الجراد والفيضانات، أدت إلى انكماش الاقتصاد بنسبة 1.5٪، وتسجيل معدل نمو بلغت نسبته 3.2٪([15]).
ومن المتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للصومال في العام 2021م نحو 2.4٪ وفقًا لتوقعات البنك الدولي([16]). يُضاف إلى ذلك، أوضحت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في آخر تقرير لها صادر في ديسمبر 2021م أن هناك 59.5% من مواطني الصومال يعانون من الجوع([17])، كما أوضحت مفوضية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في بيان لها في نوفمبر 2021م، أن أكثر من 70% من سكان الصومال يعيشون حاليًا تحت خط الفقر، وأن حوالى 2.3 مليون شخص يعانون بالفعل من نقص خطير في المياه والغذاء والمراعي بعدما جفت أحواض المياه والآبار إثر موجة جفاف ضربت البلاد بعدما أوشكت الصومال على فقدان موسم الأمطار الرابع على التوالي، مما قد يؤدي إلى وضع خطير بحلول أبريل 2022م، كما أوضح البيان أن ما يقرب من 100 ألف شخص خاصة فى المناطق الوسطى والجنوبية قد هجروا منازلهم بحثًا عن الطعام والماء والمراعي لمواشيهم، وأنه من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة في الصومال بنسبة 30%، وذلك من 5.9 مليون إلى حوالى 7.7 مليون في عام 2022م([18]).
كما أنه من اللافت، تأكيد منظمة الـ(فاو) في تقارير لها سابقة في العام 2021م بأن المنطقة الأكثر تعرضًا لخطر المجاعة هي منطقة غلغدود في ولاية غلمدغ([19])، أي الولاية التي سجلت –ولا تزال-حضورًا نشاطًا لحركة الشباب الصومالية. بناء على ما سبق، تتوافر في الساحة الصومالية العوامل السياسية والاقتصادية التي تُحفّز حركة الشباب على تعزيز نشاطها، وتُتيح للحركة فرصة تجنيد العديد من الشباب والأطفال وكذلك النساء في صفوفها؛ استغلالاً للأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتردية التي تمر بها تلك المناطق.
2- امتلاك الحركة لإمكانيات اقتصادية وقدرات أمنية واستخباراتية
تمتلك حركة الشباب إمكانيات اقتصادية وقدرات أمنية واستخباراتية تجعل منها بمثابة “حكومة ظل” قادرة على منافسة القدرات والإمكانيات الصومالية، في ظل انخراطها في النسيج المجتمعي الصومالي؛ حيث لدى الحركة إدارات مختلفة (وزارات) تتراوح ما بين 7 إلى 12 يديرها مجلس محافظي الحركة، بالإضافة إلى امتلاكها مجلسين، هما المجلس التنفيذي ومجلس الشورى، يُعد فيها الأول هو الأكثر نفوذًا؛ حيث يضمّ المجلس التنفيذي قيادات الدوائر ذات الأقسام المختلفة كالقسم الأمني والاستخباراتي وقسم جمع الضرائب والزكاة وقسم الإعلام، وغيرها([20]).
كما تمتلك موارد مالية ضخمة تفوق التي تحقّقها الحكومة الصومالية جرّاء اختراقها مجتمع الأعمال ونظام الموانئ والقطاعات الاقتصادية الوطنية بما يجعلها على دراية بكافة التعاملات المالية والاقتصادية، مما يُمكنها من تحقيق أرباح مالية ضخمة تحت بند “الضرائب والزكاة”؛ حيث قدر تقرير للأمم المتحدة ميزانية الحركة ما بين 70 إلى 100 مليون دولار تأتي محصّلة لما تفرضه من ضرائب، فضلاً عما يتم تحويله لها من الخارج عبر نظام تحويل الأموال عبر الهاتف المعروف باسم M-Pesa ([21]).
فعلى سبيل المثال، تفرض الحركة ضريبة تبلغ 90 دولارًا لاستيراد حاوية عادية من ميناء مقديشيو، و150 دولارًا لحاوية كبيرة، كما تتحصل من السكان على 250 دولارًا نظير تسجيل بيع أرض حديثًا في العاصمة مقديشو([22])، كما تُشير بعض التقديرات إلى تحصيلها حوالي 6 ملايين دولار بشكل سنوي من ميناء كيسمايو فقط([23]).
يُضاف إلى ذلك، تمتلك الحركة ما بين 5000 – 10 آلاف مقاتل في جميع أنحاء الصومال، وفقًا لتقديرات القيادة الأمريكية في إفريقيا([24])، وهيكل أمني واستخباراتي يجمع المعلومات بدقة شديدة ويمتلك خلايا نشطة مخترقة الأجهزة الأمنية الصومالية، وهو ما يُفسّر تمكُّن الحركة من استهداف الشخصيات الأمنية البارزة في الأجهزة الأمنية والمسؤولين الحكوميين؛ كما سلفت الإشارة([25]).
3- تراجع الدعم العسكري الأمريكي والإفريقي للصومال
بعدما أكملت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” عملية تخفيض الوجود العسكري في الصومال وسحب معظم قواتها البالغة 700 جندي، ونقلهم إلى مناطق تمركز أخرى في الإقليم في يناير 2021م، مع الإبقاء على 100 جندي أمريكي في الصومال يقدمون الدعم الاستخباراتي([26])، سجل الدعم العسكري الأمريكي للصومال تراجعًا ملحوظًا كان بمثابة الضوء الأخضر للحركة لتعزيز نشاطها، لا سيما بعدما جمّدت إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الضربات العسكرية للصومال من يناير حتى يوليو 2021م، قبل أن تُسجل واشنطن ضربات عسكرية متتالية للحركة في الصومال بدءًا من يوليو 2021م حجّمت الحركة لحد ما، لكنها لا تزال تفتقر للدعم العسكري على أرض الواقع.
يأتي هذا تزامنًا مع سحب بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم” قواتها بشكل تدريجي من الصومال عبر دفعات بدأت في العام 2017م بسحب ألف جندي، وتبعها سحب دفعة جديدة في العام 2019م. وكان من المقرر انسحاب باقي قوات البعثة في ديسمبر 2021م وتسليم مسؤوليتها للقوات الصومالية، إلا أن مجلس الأمن قرّر بالإجماع تمديد مهمة “أميصوم” حتى مارس 2021م([27])، وهو ما يُضفي مزيدًا من الغموض حول مستقبل الوضع الأمني الصومالي في حالة عدم تمديد مهمة “أميصوم”.
4- ضعف التنسيق بين القوات الأمنية والعسكرية الصومالية
على الرغم من الضغوط الأمنية التي تواجهها القوات الأمنية والعسكرية الصومالية للحد الذي يتطلب تكثيف التعاون والتنسيق بينهما، إلا أنه يبدو أن هذه المسألة غير متاحة على النحو المطلوب ولو بالحد الأدنى؛ حيث اندلعت اشتباكات بين قوات الأمن وقوات الجيش الصوماليين أثناء قيام عناصر الشرطة بدوريات أمنية لملاحقة تجار مخدرات نتيجة لسوء تفاهم، أدت إلى مقتل مدني وإصابة 3 عسكريين في 4 يناير 2022[28]، وهو ما يُتيح المجال لحركة الشباب لتوظيف هذا الاختلاف بين الجانبين، بل وتغذيته بالشكل الذي قد يدفع فيما بعد القوات الصومالية لقتال بعضها البعض.
5– تدهور الوضع الأمني والسياسي الإقليمي:
تُعدّ إثيوبيا نقطة ارتكاز مهمة في منطقة القرن الإفريقي وفاعلاً مؤثرًا في الوضع الأمني والسياسي في دول الإقليم. لذا، عقب اندلاع الصراع الإثيوبي مع جبهة تحرير تيجراي في العام 2020م وتطوره لحد اندلاع حرب، ثم فتح جبهات قتالية متعدّدة لا تزال ساخنة في أجزاء من إقليم تيجراي، ألقى الوضع الإثيوبي بظلاله على الوضع الأمني في الصومال؛ فمع اندلاع الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي سحبت أديس أبابا جزءًا من قواتها في الصومال لدعم حكومة الصومال في حربها ضد حركة الشباب بواقع 3 آلاف جندي لإعادة نشرهم ضد عناصر جبهة تحرير تيجراي، وهو ما أثر على الوضع الأمني الصومالي. يُضاف إلى ذلك، ما أشارت إليه عدة تقارير بما في ذلك تقرير للأمم المتحدة صادر في يونيو 2021م، أكدت على أن الجنود الصوماليين الذين كانوا يتلقون تدريبات عسكرية في إريتريا شاركوا في الصراع الدائر في إقليم تيغراي في إثيوبيا، وهو ما نفته الحكومة الصومالية([29]).
وفي خضمّ ما تشهده السودان وإثيوبيا من أزمات سياسية، زادت من المخاطر والتحديات الأمنية في الإقليم، التي تضم إلى جانب تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية، تنامي نشاط كافة أنماط الجريمة المنظمة العابرة للحدود بما في ذلك تجارة السلاح وتجارة الهيروين ونقل البشر وغيرها من أنماط الجريمة التي لقيت رواجًا واسعًا في ظل الأزمات السياسية والأمنية الإقليمية، وهو ما يؤكّده مؤشّر الجريمة المنظمة الإفريقي لعام 2021م؛ حيث أكد التقرير على أن إقليم شرق إفريقيا يحتل صدارة دول القارة في معدلات الجريمة بمتوسط إقليمي يبلغ 5.66 درجة من إجمالي 10 درجات([30])، وهو ما يفسّر السبب وراء شَنّ قوات الأمن بولاية بونتلاند عمليات أمنية لنزع السلاح في 2 يناير 2022م([31]).
ثالثًا: مستقبل الوضع الأمني الصومالي
يتوقف مستقبل الوضع الأمني الصومالي على قدرة الحكومة المؤقتة على تجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد، ومعالجة كافة التحديات السالف الإشارة إليها، والتي تُعزّز من نفوذ الحركة في الصومال، والتي تضع كذلك مقديشيو أمام احتمالية خضوعها في كنف حركة الشباب الصومالية. بناء عليه، يُمكن تقديم رؤية استشرافية للوضع الأمني الصومالي على النحو التالي:
1- المشهد الأمني ما بين الشد والجذب
يُناقش هذا السيناريو بقاء الوضع الأمني الصومالي كما هو عليه، والمتمثل في تبادل السيطرة على عدد من المناطق والمدن الصومالية بين القوات الصومالية وعناصر حركة الشباب في إطار ما يُمكن وصفه بـ”الشد والجذب”، في محاولة من الحركة لتطويق العاصمة مقديشيو بالسيطرة على المناطق التي تؤدي إليها والمحيطة بها، وهو سيناريو مرجح على المدى القريب.
2- تدهور الوضع الأمني الصومالي
يناقش هذا السيناريو احتمالية تمكُّن عناصر الحركة من إحراز تقدُّم ميداني سواء بالسيطرة على المزيد من المدن الاستراتيجية وإحكام سيطرتها عليها، أو مواجهة العاصمة مقديشيو سلسلة من الهجمات الإرهابية بهدف تعجيز وإنهاك القوات الأمنية الصومالية بما يُسهّل من عملية اقتحامها، لا سيما في حال فشل الحكومة الصومالية المؤقتة من تنفيذ اتفاق الـ40 يومًا، وإتمام المسار الانتخابي في الموعد المحدد، بالإضافة إلى اتجاه مجلس الأمن لاتخاذ قرار بعدم تمديد مهمة “أميصوم” عقب انتهاء مدتها في مارس 2022م، وهو سيناريو مرجّح على المدى المتوسط والبعيد.
3- السيطرة على الوضع الأمني الصومالي
يُعد هذا السيناريو سيناريو غير مرجّح؛ نظرًا لتوافر العوامل الداعمة لتعزيز نشاط الحركة في الصومال والسالف الإشارة إليها، كما أن هذا المسار يستند إلى افتراضية تمتع القوات الصومالية بكافة الإمكانيات والقدرات اللوجستية والبشرية اللازمة لكي تتمكن من صد نشاط الحركة وتحجيم نفوذها، وهو غير متوافر الآن ولو على المستوى الجيد.
نهاية القول:
يتوقف تحسُّن الوضع الأمني الصومالي عما تُحرزه الحكومة الصومالية من خطوات لمعالجة مجمل ما تواجهه من تحديات ومخاطر تصبّ نحو تعزيز الوضع الميداني لحركة الشباب، وهو ما يفرض على القوات الأمنية والعسكرية الصومالية تكثيف جهودها وتنسيق خططها واستراتيجيتها نحو تأمين المسار الانتخابي وتحجيم نشاط الحركة.
[1] – الصومال.. القوات الحكومية تستعيد مناطق من حركة الشباب وتدمّر وتزيل نقاط تفيش ومواقع للخلايا الإرهابية، الصومال الجديد، 19 ديسمبر 2021م. https://alsomalalyaum.com/25578/
[2] – الجيش الصومالي يتصدى لهجوم ميليشيات الشباب على مدينة «بلعد»، موقع جريدة الأهرام، 30 ديسمبر 2021م: https://gate.ahram.org.eg/News/3233524.aspx
[3] – الصومال.. الإرهاب “ينتعش” مع استمرار الصراع السياسي، سكاي نيوز عربية، 17 مارس 2021م: https://cutt.us/hgHS5
[4] – معاوية فارس، اغتيال مسؤول حكومي واستهداف قاعدة لـ”أميصوم” بالصومال، العين، 3 يناير 2022م:
[5] – الصومال.. حركة الشباب تعلن مقتل وإصابة 17 من قوات “أميصوم”، الصومال الجديد، 18 ديسمبر 2021م:
[6] – AL-SHABAB CLAIMS RESPONSIBILITY FOR LATEST BLAST IN SOMALIA, Africa news ,25 Novamer 2021.
https://www.africanews.com/2021/11/25/al-shabab-claims-responsibility-for-latest-blast-in-somalia/
[7] – غيوم سوداء تحاصر الصومال.. جمود الاقتصاد والسياسة وسقوط مدن، سكاي نيوز عربية، 18 ديسمبر 2021م:
[8] – اغتيال أحد المندوبين الانتخابيين في مقديشو، الصومال الجديد، 9 يناير 2022م: https://cutt.us/3g1hc
[9] – محمود عبدي، جماعة الشباب تحاول اغتيال محافظ “شبيلي الوسطى” في الصومال، أخبار الآن، 19 ديسمبر 2021م. https://cutt.us/xbCy5
[10] – هل تمنح الخلافات السياسية بين الفرقاء الصوماليين مكاسب جديدة لـ”حركة الشباب”، روسيا اليوم، 19 ديسمبر 2021م.
[11] – معاوية فارح، “الشباب” تسيطر على مدينة استراتيجية وسط الصومال”، العين الإخبارية، 15 ديسمبر 2021م.
[12] – الصومال.. رئيس الوزراء يشكل لجنة للتحقيق في “محاولة الانقلاب” عليه، سبوتنيك عربي، 2 يناير 2022م.
[13] – المرجع السابق.
[14] – اتفاق انتخابات الصومال.. انفراجة تواجه 3 تحديات وعوائق، سكاي نيوز عربية، 11 يناير 2022م: https://cutt.us/cQVld
[15] –The World Bank in Somalia, The World Bank, 30 Auguest2021.
[16] -Somalia’s Economy Rebounding from ‘Triple Shock’, The World Bank, 14 September 2021.
[17] – الفاو: الجوع تفاقم بنسبة 91,1% في العالم العربي على مدى العشرين سنة الماضية، فرانس24، 16 ديسمبر 2021م.
[18] – إسراء أحمد فؤاد، الجفاف يحاصر الصومال ويعيد شبح مجاعة 2011م.. الإغاثة الصومالية تجدد قلقها من تفاقم الظاهرة.. الأمم المتحدة: 2.3 مليون شخص يعانون نقص المياه والغذاء ونتوقع وضعا حرجا في 2022م.. وتقارير: يدفع الصوماليين للنزوح، اليوم السابع، 21 نوفمبر 2021م: https://cutt.us/wwcn2
[19] – إسراء أحمد فؤاد، الجفاف يتفاقم والمجاعة تفتك بالصومال.. موجة قحط تضرب القرى وتقتل 6 أشخاص.. رئيس الوزراء يعلن الطوارئ ويدعو العالم لنجدة شعبه.. والأمم المتحدة: 2.3 مليون لديهم نقص غذاء.. وتقارير تؤكد: 4 ملايين في خطر داهم، اليوم السابع، 16 ديسمبر2021م: https://cutt.us/FGC7R
[20] – باسكال عازر، كيف تستغل حركة الشباب في الصومال الشريعة لمصالحها الشخصية؟، أخبار الآن، 31 ديسمبر 2021م:
[21] – : محمد غريب, ابتسام تعلب، تقرير حقوقي: الصومال سيعاني من إرهاب مزدوج بسبب الاستقطاب السياسي، المصري اليوم، 20 يوليو 2021م: https://www.almasryalyoum.com/news/details/2382452
[22] – Declan Walsh, Eric Schmitt and Julian E. Barnes ,A C.I.A. Fighter, a Somali Bomb Maker, and a Faltering Shadow War, New York Times, 24 October 2021.
https://www.nytimes.com/2021/10/24/world/africa/al-shabab-somalia-us-cia.html
[23] – تهديد متصاعد: تنامي نشاط “الشباب” في الصومال مع تصاعد الاضطرابات السياسية، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 29 ديسمبر 2021م: https://cutt.us/75Q3e
[24] – الصومال في طريق السقوط مرة أخرى في أيدي المتطرفين -الفايننشال تايمز، بي بي سي عربي، 30 ديسمبر 2021م:
[25] – محمد غريب, ابتسام تعلب، مرجع سبق ذكره.
[26] -Declan Walsh, Eric Schmitt and Julian E. Barnes, OP.CIT.
[27] – معاوية فارح، تمديد عمل بعثة “أميصوم” 3 أشهر بالصومال، 21 ديسمبر2021م:
https://al-ain.com/article/security-council-african-union-mission-somalia
[28] – معاوية فارح، قتيل ومصابون في اشتباكات بين قوات حكومية بـ”غلمدغ” الصومالية، العين الإخبارية، 4يناير 2022م:
https://al-ain.com/article/somalia-clashes-government-forces-galmudug
[29] – تقرير أممي يكشف عن تورط قوات صومالية في حرب إقليم تيغراي، الصومال الجديد، 8 يونيو 2021م: https://cutt.us/8sxEP
[30] -Africa Organised Crime Index 2021, Institute of security studies, 2021, P32.
[31] – معاوية فارح، بونتلاند الصومالية تطلق حملة أمنية ضد السلاح، 2 يناير 2022م: