شهد يوم الجمعة الموافق 24 فبراير 2023م إجراء انتخابات الجمعية الوطنية في دولة جيبوتي، والتي أسفرت عن فوز التحالف الحاكم “الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية” (UMP) بالأغلبية المطلقة في هذه الانتخابات، وهو ذات الحزب الذي فاز مرشحه من قبل في انتخابات الرئاسة التي أُجريت في أبريل 2021م بمنصب الرئيس، وكذلك استطاع نفس الحزب أيضًا الفوز بغالبية المقاعد في الانتخابات البلدية والإقليمية التي جرت في مارس 2022م.
ومن خلال هذه الدراسة سوف نقوم بتحليل الانتخابات التشريعية التي جرت في جيبوتي 2023م، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولاً: النظام الانتخابي لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية وشروط الترشح:
أ- النظام الانتخابي:
لقد حدَّدت نصوص دستور جيبوتي الصادر في عام 1992م المعدل في 2010م، ونصوص قانون الانتخابات المعدل أكثر من مرة؛ النظام الانتخابي لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية، والتي تتمثل فيما يلي:
1- تكوين الجمعية الوطنية: تتكون الجمعية الوطنية في جيبوتي من 65 عضوًا، على أن يُخصص نسبة 25% من المقاعد للنساء، والتي تعادل 16 مقعدًا من مقاعد الجمعية الوطنية، والتي أقرت منذ عام 2018م.
2- مدة ولاية أعضاء الجمعية الوطنية: تم تحديد مدة ولاية أعضاء الجمعية الوطنية بخمس سنوات؛ بحيث يتم انتخابهم من خلال الاقتراع العام المباشر والسري.
3- النظام الانتخابي: تبنَّى قانون الانتخابات في جيبوتي نظام التمثيل النسبي متعدد الأعضاء، على أن تُمنح القائمة التي تفوز بالأغلبية المطلقة أو الأغلبية النسبية للأصوات الصحيحة 80% من مقاعد الجمعية الوطنية، ثم توزع نسبة الـ20% المتبقية من المقاعد بشكل نسبي بين القوائم الأخرى المرشحة، والتي حصلت على أصوات تجاوزت حد العتبة الانتخابية المحددة بـ10% على الأقل من الأصوات الصحيحة، وفي حالة عدم حصول أي قائمة من القوائم المرشحة الأخرى على هذه النسبة؛ فإن القائمة التي تأتي أولاً تفوز بجميع مقاعد الدائرة.([1])
4- السجل الانتخابي: تمت مراجعة السجل الانتخابي وتحديثه وتنقيته، وإضافة الناخبين الجدد له خلال الفترة من 28 أبريل حتى 30 سبتمبر 2022م، وذلك استعدادًا لإجراء الانتخابات التشريعية، وهو ما أسفَر عن ارتفاع أعداد الناخبين من 215,686 إلى 230,295 ناخبًا؛ حيث تم زيادة 14,609 ناخبين جدد للسجل.
5- تقسيم الدوائر: تنقسم الدوائر الانتخابية في جيبوتي إلى ست دوائر، وتحدد المقاعد المخصصة لكل دائرة بناء على عدد سكانها، والتي تتراوح ما بين 35 إلى 3 مقاعد، وهي محددة طبقًا للجدول التالي:
م | اسم الدائرة | عدد المقاعد المخصصة لها |
1 | مدينة جيبوتي | 35 |
2 | دخيل | 11 |
3 | تاجورة | 6 |
4 | علي صبيح | 6 |
5 | أبخ | 4 |
6 | عرتا | 3 |
ب- شروط الترشح للانتخابات:
1- شروط الأهلية: حيث أشار قانون الانتخابات إلى أنه يجب أن يكون المرشح بالغًا من العمر 23 سنة، ويحمل الجنسية الجيبوتية، ويستطيع القراءة والكتابة، ويتحدث العربية أو الفرنسية بطلاقة، ويكون متمتعًا بحقوقه السياسية والمدنية.
2- شرط الالتزام بالحصة المخصصة للمرأة: حيث تم النص على أن تلتزم الأحزاب السياسية أو مجموعات الأحزاب السياسية التي تقدم قوائم المرشحين، أن تُدرج في قوائمها نسبة من المرشحات النساء تعادل 25٪ على الأقل من المقاعد، وفي حالة عدم الالتزام بذلك الشرط لن يُقبل ترشّح القائمة.([2])
3- شرط الوديعة المالية: حيث تم النص على أن يتم إيداع مبلغ بقيمة 500000 فرنك جيبوتي كوديعة، لمن يرغب في الترشح من أجل المنافسة بالانتخابات.
ثانيًا: خريطة الانتخابات:
بتاريخ 8 ديسمبر 2022م صدر المرسوم رقم 314/ 2022م مِن قِبَل رئيس جمهورية جيبوتي، والذي تناول خلال مواده خريطة الانتخابات التشريعية، والتي نوضحها فيما يلي:
1- مواعيد الترشح والتصويت: لقد حدّد المرسوم في مادته الأولى يوم 26 يناير 2023م ليكون هو الموعد النهائي للأحزاب الراغبة في تقديم قوائم المرشحين إلى وزارة الداخلية، على أن يتم تقديمها من نسختين، وبالتالي تم فتح باب الترشح بدءًا من تاريخ صدور المرسوم 8 ديسمبر 2022م، حتى 26 يناير 2023م، كما حدد المرسوم كذلك يوم الجمعة الموافق 24 فبراير 2023م ليكون موعد التصويت في جميع مراكز الاقتراع الموجودة في البلاد؛ سواء في العاصمة جيبوتي أو في الدوائر الإقليمية.
2- مواعيد الحملة الانتخابية: نصت المادة الثامنة من المرسوم على أن تبدأ الحملة الانتخابية يوم الجمعة 10 فبراير 2023م، وتنتهي يوم الأربعاء 22 فبراير 2023م، كما أضافت المادة التاسعة، أنه يحقّ فقط للأحزاب السياسية التي لها مرشحون في الانتخابات أن تشارك في الحملة الانتخابية.
3- ضوابط الدعاية الانتخابية: نصت المادة 12 من المرسوم على وجوب صدور شهادة بصلاحية طباعة الملصقات الانتخابية مِن قِبَل رئيس المجلس الدستوري قبل طباعة أي وثائق انتخابية. وأضافت المادة 13 أنه يجوز لقوائم مرشحي الأحزاب استخدام الإذاعة والتلفزيون الجيبوتي للدعاية الانتخابية؛ بحيث يتم توفيرها لكل حزب سياسي على أن تبلغ المدة الإجمالية للبرامج 60 دقيقة.
4- موعد إعلان النتائج الانتخابية: نصت المادة 14 من المرسوم على أن يقوم وزير الداخلية بإعلان النتائج الأولية للانتخابات في موعد أقصاه منتصف ليل اليوم التالي لانتهاء الاقتراع.([3])
ثالثًا: المرشحون للانتخابات:
لقد ترشحت مجموعة من الأحزاب السياسية لخوض هذه الانتخابات والتنافس فيها في البداية، ولكنها لم تستطع البقاء في المنافسة؛ لعدم قدرتها على تلبية الشروط المطلوبة للترشح، وبالتالي تم استبعاد تلك الأحزاب، والإبقاء على الأحزاب التي استوفت الشروط فقط، ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال الجدول التالي:
م |
اسم الحزب |
ممثل الحزب |
الدائرة المرشّح لها |
الموقف من طلب الترشح |
1 |
الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية (UMP) |
عبدالقادر كامل محمد |
كل الدوائر |
مقبول |
2 |
الاتحاد من أجل الديمقراطية والعدالة ( (UDJ |
السيدة/ إلايا إسماعيل جيدي |
دائرة مدينة جيبوتي، ودائرة عرتا |
مقبول |
3 |
حزب الوسط الديمقراطي الموحد (CDU)
|
أحمد محمد يوسف |
دائرة علي صبيح |
مستبعد |
4 |
تحالف الحركات من أجل التناوب الديمقراطي (AMAD) |
أحمد محمد يوسف |
دائرة مدينة جيبوتي |
مستبعد |
وتحليلاً للجدول السابق نجد أنه قد تقدمت أربعة أحزاب وتحالفات سياسية للتنافس في الانتخابات التشريعية، تم قبول اثنين منها، ورفض اثنين بسبب مخالفتها للقانون، ويمكن أن نفصل ذلك فيما يلي:
1- قائمة مرشحي تحالف الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية (UMP): وهذه القائمة تمثل مرشحي الحزب الحاكم، وقد تقدّم بها رئيس وزراء جيبوتي عبدالقادر كامل محمد إلى وزير الداخلية، وهي تنافس بمرشحين لها على جميع الدوائر الانتخابية الستة، وتضم قائمتها مجموعة من الوزراء المعينين في الحكومة، وعلى رأسهم رئيس الحكومة نفسه عبدالقادر كامل محمد، وبجانبه كل من وزير الاقتصاد والمالية، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ووزير الصحة، ورئيس الوزراء السابق؛ حيث يجوز قانونًا أن يجمع الشخص بين منصبه كوزير، وعضوية الجمعية الوطنية، كما ضمَّت أيضًا القائمة مجموعة من النواب المنتهية ولايتهم، وقد استوفى مرشحو هذه القائمة الشروط القانونية المطلوبة للترشح، وبالتالي تم قبولها.([4])
2- قائمة مرشحي حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والعدالة ((UDJ: وقد ترشحت هذه القائمة للتنافس في دائرتين فقط، هما دائرة مدينة جيبوتي العاصمة، ودائرة عرتا؛ حيث تقدَّمت بقائمة ضمت 35 مرشحًا للتنافس على المقاعد المخصصة لدائرة مدينة جيبوتي العاصمة، وتقدمت بقائمة ثانية في دائرة عرتا تنافس على المقاعد الثلاثة المخصصة للدائرة، وذلك بزعامة رئيسة الحزب السيدة/ إلايا إسماعيل جيدي، وهي بنت مؤسس الحزب إسماعيل جيدي حريد، والذي توفي في 2015م، وتولت رئاسة الحزب خلفًا لأبيها، وهذا الحزب تحالف في انتخابات 2013م مع ثمانية أحزاب أخرى ليشكلوا ما عُرف باسم اتحاد الإنقاذ الوطني (USN)، والذي استطاع الحصول على عشرة مقاعد في الجمعية الوطنية حينها، وفي انتخابات 2018م تحالف هذا الحزب مع الحزب الجيبوتي للتنمية (PDD)، وحصلا على سبعة مقاعد من مقاعد الجمعية الوطنية، وكان حينها مرشحًا أيضًا في دائرة مدينة جيبوتي العاصمة فقط، وقد تقدمت هذه القائمة بأوراق ترشحها لوزير الداخلية، وتم قبولها لاستيفائها الشروط المطلوبة. ([5])
3- قائمة حزب الوسط الديمقراطي الموحد (CDU): حيث تقدم ممثل هذه القائمة بأوراق ترشحها إلى وزير الداخلية؛ وذلك للتنافس في دائرة علي صبيح فقط، والمخصص لها 6 مقاعد، غير أنه تم استبعاد طلب الترشح الخاص بهذه القائمة مِن قِبَل وزير الداخلية في 31 يناير 2023م؛ حيث إن ملفها لم يكن مستوفيًا للشروط والأوراق اللازمة للترشح، وقد تقدم ممثل هذه القائمة في 2 فبراير 2023م بطعن أمام المجلس الدستوري احتجاجًا على قرار وزير الداخلية، غير أن المجلس الدستوري أيَّد قرار وزير الداخلية في استبعاد هذه القائمة من خوض الانتخابات؛ لنقص ملفها من استيفاء بعض الشروط، وكذلك لكون ممثلي القائمة لم يقوموا بدفع مبلغ الوديعة البالغ 500 ألف فرنك جيبوتي لكل مرشح في الموعد المحدد، وبالتالي خالفوا الإجراءات الصحيحة المطلوبة للترشح. ويُذكر أن هذا الحزب كان مشاركًا في انتخابات 2018م، ولكنَّه لم يحصل إلا على مقعد وحيد فقط، وكان مرشحًا أيضًا في دائرة علي صبيح، كما أنه في انتخابات 2013م ترشح أيضًا لكنه لم يحصل على أيّ مقعد، وبإخفاقه في الترشح هذه المرة قد يقوم الحزب بتفكيك نفسه، أو ربما يسعى إلى البحث عن أحزاب أخرى صغيرة يستطيع عقد تحالف معها؛ حيث تمثل هذه التحالفات الصغيرة صورة متكررة في المشهد الانتخابي الجيبوتي، ولكنها غير فاعلة.([6])
4- قائمة تحالف الحركات من أجل التناوب الديمقراطي (AMAD): وقد تقدمت هذه القائمة بأوراق ترشحها إلى وزير الداخلية، للتنافس على المقاعد المخصصة لدائرة مدينة جيبوتي العاصمة والبالغ عددها 35 مقعدًا، غير أن وزير الداخلية استبعد طلب الترشح الخاص بها، لعدم استيفائه الشروط القانونية اللازمة، وقد تقدم ممثل القائمة بطعن أمام المجلس الدستوري يوم 2 فبراير 2023م، طالبًا إلغاء قرار وزير الداخلية، غير أن المجلس الدستوري أيَّد قرار وزير الداخلية وتم استبعاد قائمة (AMAD) من المنافسة؛ وذلك لكون بعض ملفات المرشحين في القائمة لا تَستوفي معايير الأهلية المطلوبة؛ حيث لم يتم تسجيل 8 مرشحين من بين 35 مرشحًا في القائمة الانتخابية، وكذلك لم يتم تقديم إيصال تسديد دفع الوديعة المقررة في الوقت المحدَّد طبقًا لأحكام القانون.([7])
رابعًا: إجراء الانتخابات وتحليل النتائج
أ- إجراء الانتخابات: لقد أُجريت الانتخابات في يوم الجمعة الموافق 24 فبراير 2023م؛ حيث افتتحت مراكز الاقتراع البالغ عددها 586 مركز اقتراع موزعة في جميع أنحاء البلاد، أبوابها أمام الناخبين في تمام الساعة السادسة صباحًا بالتوقيت المحلي لجيبوتي، واستمرت حتى تمام السادسة مساء، كما مدَّدت بعض اللجان الانتخابية ساعات التصويت تلبيةً لرغبات المواطنين المتأخرين في ممارسة حقهم الدستوري في اختيار ممثليهم، وقد قام رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله وقرينته بالتصويت في هذه الانتخابات، معلنًا عن سعادته بالسلام والهدوء الذي رافق الحملة الانتخابية، كما قام أيضًا مرشحو الحزب الحاكم وعلى رأسهم رئيس الحكومة والوزراء المرشحون في الانتخابات بالتصويت في مراكز الاقتراع التابعين لها. ومن جانبهم أيضًا صوّت مرشحو حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والعدالة ( (UDJفي المراكز الانتخابية التابعة لهم، وذلك بعد أن دعا مرشحو القائمتين خلال مدة الحملة الانتخابية الناخبين لتأدية واجبهم الدستوري؛ حيث جابت الحملة الانتخابية لمرشحي التحالف الحاكم شتى أقاليم البلاد، بينما تركزت حملة الحزب المنافس لهم على الدائرتين اللتين ترشَّح فيهما فقط، وعقب الانتهاء من عملية الاقتراع تم البدء في فرز الأصوات تمهيدًا لإعلان النتائج المؤقتة طبقًا لما ينص عليه القانون؛ حيث قام وزير داخلية جيبوتي سعيد نوح حسن في مساء يوم الجمعة، والساعات الأولى من صباح يوم السبت بإعلان النتائج التمهيدية للانتخابات.
ب- تحليل النتائج: يمكن أن نقوم بعرض وتحليل نتائج الانتخابات من خلال الجدول التالي:
م |
اسم الدائرة | عدد المقاعد المخصصة لها | الأحزاب المرشحة | النسبة المئويةالحاصل عليها | عدد المقاعد الفائز بها |
1 |
مدينة جيبوتي |
35
|
(UMP)
( (UDJ |
89%
11% |
28
7 |
2 |
دخيل |
11 |
(UMP) |
100% |
كل المقاعد |
3 |
تاجورة |
6 |
(UMP) |
100% |
كل المقاعد |
4 |
علي صبيح |
6 |
(UMP) |
100% |
كل المقاعد |
5 |
أبخ |
4 |
(UMP) |
100% |
كل المقاعد |
6
|
عرتا |
3 |
(UMP)
( (UDJ |
92%
7% |
كل المقاعد
صفر |
وتحليلاً للنتائج الواردة في هذا الجدول والموافقة لما أعلنه وزير داخلية جيبوتي يتضح ما يلي:
1- فوز تحالف الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية (UMP) الحزب الحاكم في جميع الدوائر الانتخابية، وحصوله على الأغلبية المطلقة؛ حيث حصل على ما مجموعه 58 مقعدًا من مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 65 مقعدًا، ليضيف مقعدًا جديدًا لنفسه بعد أن كانت مقاعده 57 مقعدًا في انتخابات 2018م.([8])
2- حصول التحالف الحاكم على نسبة 100% في أربع دوائر؛ حيث لم يكن هناك مرشحون أمامه، وترشح فيها بصورة منفردة، وهي كل من دائرة دخيل، وتاجورة، وعلي صبيح، وأبخ.
3- فوز التحالف الحاكم في دائرة عرتا بالمقاعد الثلاثة المخصصة للدائرة، وذلك بعد حصوله على نسبة 92% من الأصوات، في مقابل حصول قائمة حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والعدالة ( (UDJعلى نسبة 7% فقط، وهو ما يعني أنها لم تتجاوز العتبة الانتخابية المقررة قانونًا بنسبة 10% من الأصوات، وبالتالي تؤول كل المقاعد لقائمة تحالف الحزب الحاكم.
4- استطاع حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والعدالة ( (UDJالحفاظ على المقاعد السبعة التي كان قد فاز بها في انتخابات 2018م؛ وذلك بعد حصوله في الانتخابات الحالية على نسبة 11% من الأصوات في دائرة مدينة جيبوتي العاصمة، متجاوزًا العتبة الانتخابية بنسبة 2%؛ حيث إنه لو كان أخفق وحصل على نسبة 9% مثلاً كانت ستؤول باقي المقاعد إلى الحزب الحاكم، والذي حصل على نسبة 89% من الأصوات، واستطاع تأمين 28 مقعدًا في هذه الدائرة المهمة والأكبر في البلاد.([9])
5- وفيما يتعلق بنسبة المشاركة في الانتخابات، فقد أشار وزير الداخلية في بيانه إلى أنها بلغت 75.9%.
خامسًا: المواقف المختلفة من الانتخابات:
أ- موقف البعثات الدولية المشرفة على الانتخابات: لقد أشرفت عدة منظمات دولية على هذه الانتخابات؛ حيث أرسلت كل من جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية الإيجاد، بعثات للمراقبة والإشراف على هذه الانتخابات، وعقب انتهاء العملية الانتخابية أشاد ممثلو هذه البعثات في مؤتمر صحفي عُقِدَ في فندق كيمبينسكي بجيبوتي بالعملية الانتخابية؛ حيث أشاروا إلى أنها جرت في جوّ من الهدوء والسلمية، وتوجهوا بالتحية لشعب جيبوتي لنُضْجه الديمقراطي في إجراء انتخابات دورية بصورة منتظمة، وهو ما يُميّز جيبوتي من بين دول الجوار في القرن الإفريقي، التي تشهد حالةً من العنف الانتخابي والصراع الإثني خلال جولات الانتخابات، بل أحيانًا تتأجل لسنوات، كما أضافوا أنه قد تم احترام جميع القواعد المتعلقة بالانتخابات، وذلك في تصريحاتهم أمام وسائل الإعلام.([10])
كما قام أيضًا الاتحاد الإفريقي بنشر بيان تمهيدي عن الانتخابات التشريعية في جيبوتي؛ أشاد فيه بالعملية الانتخابية بناء على تقارير البعثة التي أرسلها الاتحاد الإفريقي لمراقبة الانتخابات والمكونة من فريق من الخبراء منتمين لسبع دول إفريقية، وهي كلّ من ساحل العاج، وإثيوبيا، والجابون، وموريتانيا، ورواندا، وزيمبابوي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث بدأت أعمالها في 22 فبراير، وستستمر حتى 3 مارس 2023م، وفي بيان الاتحاد الإفريقي أشاد أيضًا بالعملية الانتخابية، وقدم عددًا من التوصيات من بينها: إشراك منظمات المجتمع المدني في العمليات الانتخابية بشكل أكبر، ولا سيما في المراقبة الوطنية على مراكز الاقتراع.([11])
ب- موقف المعارضة الجيبوتية: أما فيما يتعلق بموقف المعارضة الجيبوتية، فلم تأتِ بجديد خلال هذه الانتخابات؛ حيث استمرت في اتباع نَهجها في المقاطعة، معلنةً أن العملية الانتخابية لا تتوافر فيها الضمانات اللازمة للمشاركة؛ حيث أعلن التحالف الجمهوري من أجل التنمية (ARD) عن مقاطعته للترشح في هذه الانتخابات، رغم أنه كان قد ترشح من قبل في دائرة تاجورة بانتخابات 2018م، لكنه لم يفز بأيّ مقعد، وكذلك أعلنت حركة التجديد الديمقراطي والتنمية (MRD) عن مقاطعتها للانتخابات، واصفةً إياها بالمهزلة الانتخابية، كما قالت الحركة في بيان لها: إن الانتخابات ما زالت غير حرة، وغير شفافة، وغير ديمقراطية، وندَّدت بهيمنة التحالف الحاكم على المشهد السياسي في البلاد، وأضافت أن الحزب الحاكم لم يلتزم بوعوده الصادرة في 2014م طبقًا للاتفاقية الإطارية التي أعقبت أزمة انتخابات 2013م، والتي كان بمقتضاها سيتم إصلاح اللجنة المستقلة للانتخابات، ويتم تكوينها من أعضاء متساويين من المعارضة والحكومة وهو ما لم يحدث، ولذلك تمسكت الحركة بمقاطعة الانتخابات؛ على حد تصريحاتها.([12])
وفي ذات السياق أعلن قدار عبدي إبراهيم رئيس حركة التنمية والحرية (MoDeL) عن مقاطعة الانتخابات؛ وذلك لعدة أمور؛ أولها رفض الحكومة إصلاح اللجنة الانتخابية، بحيث تمثل فيها المعارضة بالتساوي وبصورة دائمة، مع ضمان المشاركة الكاملة والعادلة لجميع الأحزاب السياسية، وثانيها رفض الحكومة إنشاء نظام أساسي للمعارضة يسمح بمشاركة جميع الأحزاب المعارضة في الانتخابات، ويضمن للمعارضة تمثيلاً مناسبًا في المؤسسات، وثالثها غياب دور الصحافة المستقلة والحرة والنقدية، والتضييق عليه، وهو ما سيضر بحرية الصحافة اللازمة لضمان المناقشة للوصول لشفافية ونزاهة الانتخابات، كما أضاف أن النظام الانتخابي القائم لا يضمن تمثيلاً عادلاً للأحزاب السياسية والمواطنين في جيبوتي.([13])
ومن هذه الأقوال يتبين أن المعارضة الجيبوتية لا تزال تتبنَّى المقاطعة كاستراتيجية للتعامل مع الحكومة، وهو ما سيزيد من عَجْزها وتشرذمها المستمرين منذ عقود؛ لكون المقاطعة لم تُثبت جدواها كوسيلة للتغيير في الواقع السياسي الإفريقي.
الخاتمة:
في ختام هذه الدراسة يمكن أن نشير إلى مستقبل المشهد السياسي في جيبوتي، والمتعلق تحديدًا بانتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2026م ومسألة خلافة الرئيس جيله، التي كانت محلاً للحديث خلال هذه الانتخابات التشريعية؛ نظرًا لكون هذا البرلمان الجديد هو البرلمان الأخير في فترة حكم الرئيس إسماعيل عمر جيله على المستوى النظري؛ حيث إن الرئيس جيله سيكون في انتخابات الرئاسة المقبلة قد تخطَّى سن 75 عامًا، وهو الحد الأقصى لسنّ الراغب في الترشح لخوض انتخابات الرئاسة.([14])
وذلك وفقًا لنص المادة 23 من الدستور، والتي تحدد سنّ الراغب في الترشح للرئاسة بألا يقل عن 40 سنة، ولا يزيد عن 75 سنة في تاريخ إيداعه الترشح، وبالتالي فإن البرلمان الجديد سوف يكون له دور كبير في إدارة المشهد السياسي خلال الفترة المستقبلية، خاصةً أنه على المستوى النظري ستستمر مدة ولايته حتى فبراير 2028م، وبالتالي ستكون الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في 2026م خلال فترة انعقاده، ولهذا يمكن أن يقوم هذا البرلمان بإجراء تعديل دستوري للمادة 23، ويزيل قيد الحد الأقصى لسن الترشح، مما يسمح للرئيس الحالي بالترشح لولاية جديدة، وذلك في حالة وجود رغبة له في ذلك، وهو ما سيستلزم اتباع الإجراءات الواردة في المادة 91 من الدستور المتعلقة بعملية تعديل الدستور، والتي حدَّدت طريقتين لإقرار التعديل؛ الأولى عَرضه على الاستفتاء الشعبي، والثانية موافقة أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان على التعديل المطلوب إصداره، وأتصور أنه في حالة اللجوء إلى تعديل الدستور سوف يتم اتباع الطريقة الثانية؛ لكونها الأسهل والأقل في التكاليف، خاصةً أن الحزب الحاكم حصل على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية ويمكنه تمرير تلك التعديلات بسهولة.
وفي حالة عدم اختيار الرئيس الترشح في الانتخابات المقبلة سوف يلعب هذا البرلمان أيضًا دورًا كبيرًا في عملية تأمين خلافة الرئيس، والتي هي عملية حساسة بسبب التفاعلات السياسية بين مكوّنات الدولة العرقية والعشائرية، والمصحوبة كذلك بوجود تطلعات سياسية لمنصب الرئيس بين العديد من شخصيات النخبة الحاكمة المحيطة بالرئيس، وهو ما يجعل البعض يشير إلى أن الرئيس الحالي سوف يقوم بتحديد خليفة له ليتولى منصب الرئيس، ويتبع الطريقة نفسها التي وصل بها إلى سُدّة الحكم في عام 1999م خلفًا للرئيس حسن جوليد.([15])
ورغم تلك الأقاويل، فإن الشخص المرشح لخلافة الرئيس جيله ما يزال مجهولاً، ويثير فضول المحللين، ورغم ذلك فإنني أتصور على المستوى الشخصي أن الرئيس الحالي ما يزال يتمتع بصحة جيدة، ويمارس عمله بصورة يومية، ولهذا فإنه يمكن أن يترشَّح في انتخابات 2026م، ويستمر في إدارة البلاد، وهذا التصور تؤيده العديد من النماذج في الواقع الإفريقي المعاصر؛ حيث إن مسألة سنّ الرئيس أو حالته الصحية لا تُعدّ معوقًا لبقائه في السلطة ما دام المشهد السياسي مستقرًّا، ولا توجد انقسامات داخلية شاسعة بين فواعل النظام الحاكم، وخاصةً داخل النخبة المُقرَّبة من الرئيس، والتي نراها متماسكة إلى حدّ بعيد في تلك الحالة.
_______________________
الإحالات والهوامش:
([1]( -” DJIBOUTI Assemblée nationale” , UNION INTERPARLEMENTAIRE , at , http://archive.ipu.org/parline-f/reports/1089.htm , 7/6/2018 .
([2]( – Olivier Caslin ; ” Législatives à Djibouti : le gouvernement introduit un quota de 25% de femmes sur les listes ” , at , https://www.jeuneafrique.com/510183/politique/legislatives-a-djibouti-le-gouvernement-introduit-un-quota-de-25-de-femmes-sur-les-listes/ , 15/1/2018 .
([3]( -“Décret n°2022-314/PR/MI fixant les modalités d’organisation du scrutin du 24 Février 2023 pour les élections des membres de l’Assemblée Nationale” , at , https://www.presidence.dj/texte/2022-314-pr-mi-10809 , 8/12/2022 .
([4]( -“Décret n°2023-028/PR/MI portant publication des listes des candidats titulaires et suppléants pour les élections législatives du Vendredi 24 Février 2023”, at , https://www.presidence.dj/texte/2023-028-pr-mi-10856 , 6/2/2023 .
([5]( -” Législatives 2023 : plusieurs formations politiques dont l’UMP procèdent au dépôt des listes de candidature ‘ , at , https://www.adi.dj/index.php/site/Plus/10286 , 26/1/2023 .
([6]-(Dilleyta Tourab ;” Le Conseil constitutionnel en mode autodérision ? ” , at , https://human-village.org/spip.php?article1487 , 5/2/2023.
([7]( -” Législatives 2023: Le ministère de l’Intérieur juge “irrecevable” le dossier du groupement politique AMAD ” , at , https://www.adi.dj/index.php/site/Plus/10295 , 1/2/2023 .
([8]( -” Résultats provisoires des élections législatives 2023 : L’UMP arrive largement en tête dans la capitale et dans les cinq régions de l’intérieur ” , at , https://www.adi.dj/index.php/site/Plus/10348 , 25/2/2023 .
([9]( -Ibid .
([10]“-(Législatives 2023 : Les mission d’observateurs de la Ligue des États Arabes, de l’UA et de l’OCI déclarent leur satisfaction pour le bon déroulement des elections ” , at , https://www.adi.dj/index.php/site/Plus/10349 , 26/2/2023 .
([11]( -” Preliminary Statement: African Union Election Observation Mission to the Legislative Elections of 24th February 2023 in the Republic of Djibouti ” , at , https://reliefweb.int/report/djibouti/preliminary-statement-african-union-election-observation-mission-legislative-elections-24th-february-2023-republic-djibouti , 27/2/2023 .
([12]( -” Djibouti to hold parliamentary vote snubbed by opposition ” at , https://www.africanews.com/2023/02/23/djibouti-to-hold-parliamentary-vote-snubbed-by-opposition , 23/2/2023 .
([13]( -” Positions du MoDeL et du MRD sur les legislatives” , at , https://human-village.org/spip.php?article , 23/1/2023 .
([14]( – Mohamed Olad Hassan ; ” Polls Close in Djibouti’s Parliamentary Elections” , at , https://www.voanews.com/a/polls-close-in-djibouti-s-parliamentary-elections/6977858.html , 24/2/2023 .
([15]-(Marion DOUET ; ” Djibouti vote aux législatives et s’interroge sur la présidentielle à venir ” , at , https://information.tv5monde.com/afrique/djibouti-vote-aux-legislatives-et-s-interroge-sur-la-presidentielle-venir-489788 , 24/2/2023 .