د. علي متولي أحمد
مدرس التاريخ الحديث والمعاصر- كلية الآداب- جامعة السويس
مقدمة:
كثيرًا ما تركّز الدراسات الأكاديمية على القوى الكبرى وتغلغلها في القارة الإفريقية، دون التعمّق أو التلميح إلى دور القوى الصغرى التي تدور في فلك القوى العظمى، ممّا يساعد على طمس دور القوى الصغرى تمامًا، في حين أن القوى الأخيرة قامت بأدوار بارزة نيابة عن القوى الكبرى، وحقّقت أهداف الأخيرة في بعض الأحيان، ومِن ثَمَّ تُسلّط هذه الدراسة الضوء على جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، -والمعروفة بكوريا الشمالية- وبدايات ظهورها على المسرح الإفريقي خلال حقبة السبعينيات والثمانينيات.
تمثّلت أهداف كيم إيل سونج Kim Il-sung -زعيم كوريا الشمالية- الدبلوماسية في تعزيز التضامن مع الدول المستقلة حديثًا في العالم الثالث عامَّة والقارة الإفريقية خصوصًا؛ وذلك لمناهضة النفوذ الاقتصادي المتزايد لكوريا الجنوبية، التي وصفها بأنها دُمية في يد الولايات المتحدة الأمريكية، كما ارتكزت سياسته الخارجية على تعزيز الشيوعية العالمية، وضرورة أن تُشكِّل دول عدم الانحياز كيانًا موحّدًا لمناهضة الإمبريالية، ومساعدة الدول المستقلة حديثًا في بناء دولهم الناشئة؛ لقناعاته أن المساعدات الغربية ما هي إلا مناورة استعمارية جديدة تهدف إلى استغلال دول العالم الثالث التي تخلّصت من الاستعمار.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الأدوات التي ساعدت بيونج يانج Pyongyang لأن تظهر على الساحة الإفريقية؟
وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إن كوريا الشمالية اعتمدت على مجالين ثبت تألقها فيهما من أجل اختراق إفريقيا جنوب الصحراء، وهما: المجال الرياضي وخصوصًا الألعاب الجماعية، والمجال العسكري، ومن أجل إبراز هذا الوجود الكوري الشمالي في إفريقيا جنوب الصحراء، جاءت محاور البحث كالتالي:
أولاً: الألعاب الجماعية كقوة ناعمة Soft Power للوجود الكوري الشمالي في إفريقيا جنوب الصحراء.
ثانيًا: مظاهر مساعدات كوريا الشمالية العسكرية لإفريقيا جنوب الصحراء.
ثالثًا: التمدد الكوري الشمالي في أوغندا.
أولاً: الألعاب الجماعية كقوة ناعمة Soft Power للوجود الكوري الشمالي في إفريقيا جنوب الصحراء:
قال تشين وييا Chen Weiya -المخرج الصيني المشهور عالميًّا بتصميمه لرقصات الفعاليات الكبيرة مثل مراسم افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية في بكين عام 2008م- عن الأداء الذي قدّمته كوريا الشمالية في بكين عام 2001م: “هذا أداء عالي الجودة، ولا يمكن أن تنتجه الولايات المتحدة أو أستراليا، ولا يمكن إنتاج مثل هذا الأداء الرائع إلا مِن قِبَل المتخصصين الكوريين الشماليين“.
والألعاب الجماعية في كوريا الشمالية، هي فعاليات جمبازية مصمَّمَة لتعزيز الانضباط والروح الجماعية واللياقة البدنية، وفوق كل شيء، الولاء للدولة، فخلال حقبة السبعينيات من القرن العشرين، صدّرت كوريا الشمالية الألعاب الجماعية إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، واستخدم كيم إيل سونج دورة الألعاب الجماعية كوسيلة لحشد الشباب سياسيًّا وإظهار السلطة المطلقة لنظام حكمه، وقد صدّرت بيونج يانج الألعاب الجماعية كوسيلة لتصدير قوتها الناعمة ولكسب دعم حكومات العالم الثالث، ومِن نواحٍ عِدة، مثّلت الألعاب الجماعية مزايا الحداثة الاشتراكية لكوريا الشمالية، فظهرت منضبطة وجماعية ومنظّمة للغاية.
ولتفوقها في هذا المجال، ركَّزت كوريا الشمالية على تصدير الألعاب الجماعية إلى إفريقيا جنوب الصحراء كذريعة لطرق أبواب القارة الإفريقية، فخلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات صدّرت كوريا الشمالية الألعاب الجماعية إلى مناطق إفريقيا جنوب الصحراء كافة، شرق وغرب وجنوب إفريقيا، وذلك على النحو التالي:
أ- منطقة شرق إفريقيا
اتخذت بيونج يانج من منطقة شرق إفريقيا، وفي القلب منها الصومال نقطة الانطلاقة الأولى للتغلغل في إفريقيا جنوب الصحراء، وسرعان ما تسرّبت هذه الألعاب إلى جميع أنحاء القارة الإفريقية؛ حيث كان سياد بري أول حاكم إفريقي اعترف بقيمة النسخة الكورية الشمالية للألعاب الجماعية.
بدايةً تأسست العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكوريا الشمالية عام 1967م، بعد أن زار وفد كوريّ شمالي الصومالَ، وأقام علاقات دبلوماسية مع حكومة آدم عبد الله عثمان، وأثناء حفل عشاء تكريمي لوفد كوريا الشمالية، قال رئيس الجمعية الوطنية الصومالية الشيخ مختار محمد حسين: تتجلّى أبعاد المأساة التاريخية التي دبّرها الإمبرياليون في بلادنا، وعانت شعوبنا من مرارتها وضراوتها في تقسيم كوريا العظيمة إلى قسمين، والصومال المسالم إلى خمسة أجزاء، بعد عامين، هذا وقد أطاح الجنرال العسكري سياد بري بالحكومة الديمقراطية في انقلاب أبيض غير دموي، وزار بري كوريا الشمالية لأول مرة عام 1971م، والتقى بكيم إيل سونج، وبعد فترة وجيزة من عودته من بيونج يانج، وبمساعدة قائد المجلس الثوري الأعلى الصومالي عبد الرزاق محمود أبو بكر، أسَّس الأخير مع بري نهج “تعظيم الشخصية” على أساس نموذج كيم إيل سونج، وعلى غرار الزعيم الكوري الشمالي، تولَّى بري ألقابًا أكَّدت عظمته وسلطته المطلقة مثل أبو الحكمة وأبو الأمة ومعلم الثورة، وفي عام 1972م، تم التوقيع على بيان مشترك بين كوريا الشمالية والصومال أعرب فيه الجانبان عن قناعاتهما الراسخة بأن الطريقة الوحيدة لتحرير إفريقيا الجنوبية والأراضي الأخرى التي يسيطر عليها الاستعمار هي تبنّي الكفاح المسلَّح، بالإضافة إلى تبنّي ألقاب أسلوب كيم إيل سونج ونظرية الثورة المسلحة.
ومن مظاهر تأثر بري ببيونج يانج، استعارته بفعالية الجمباز الجماعي لكوريا الشمالية، أثناء حفل الترحيب بالرئيس الأوغندي عيدي أمين في 22 أكتوبر 1972م؛ حيث أقامت الحكومة الصومالية فعالية ألعاب جماعية على غرار كوريا الشمالية مع وجود لافتات في الخلف تعرض شعارات ثورية مثل “يحيا الرفيق سياد”، و”دعونا نطوّر الصناعة”، وصور أنظمة الري الصومالية المزدهرة، وقام نظام بري بإضفاء الطابع المحلي على ألعاب كيم إيل سونج الجماعية. واستنادًا على لقطات فيديو أرشيفية، بدا أن عيدي أمين أيضًا معجب بالفعاليات، كما أن التشابه البصري المطلق بين لقطات الألعاب الجماعية لكوريا الشمالية والصومالية يشير -على الأرجح- إلى أن المتخصصين الكوريين الشماليين ساعدوا نظام بري بشكل مباشر في تنظيمه، لذا كانت الصومال نقطة البداية غير المتوقعة لنشر الألعاب الجماعية -على غرار كوريا الشمالية- حول بلاد العالم الثالث.
وفي أعقاب عودته من الصومال إلى أوغندا بدأ عيدي أمين يسعى بشكل حثيث عام 1973م للحصول على مساعدة كوريا الشمالية في تصدير الألعاب الجماعية إلى أوغندا، فوفقًا لتقرير صدر في مايو 1973م من سفارة الولايات المتحدة في رواندا، ورد فيه أن أمين أشاد بالمستوى العالي للجمباز الجماعي في كوريا الشمالية، وأشارت السفارة الأمريكية في أوغندا إلى أن كوريا الشمالية أرسلت من أربعة إلى خمسة مدربين خلال عام 1973م لتدريب الأوغنديين على فنّ الألعاب الجماعية، وفي أواخر نوفمبر 1973م، بدأت دورة تعليم الألعاب الجماعية والموجّهة من كوريا الشمالية إلى منطقة بوغندا الشرقية الأوغندية، وعبّر مفوّض المنطقة سولومون يوبيل Solomon Jubilee عن مدى أهمية تلك الألعاب الرياضية والدورات التدريبية في تأهيل الأوغنديين رجالاً ونساء ليكونوا أصحّاء وشجعان؛ ممّا يمكّنهم من تحمُّل المواقف الصعبة.
وقد أثار التعاون بين كوريا الشمالية وأوغندا في المجال الرياضي مخاوف الإمبريالية الغربية، ممّا جعل عيدي أمين يعقد اجتماعًا لممثلي القطاعات عام 1973م، من أجل رفض المزاعم السطحية التي لا أساس لها –على حد قوله- والتي أُثيرت حول لعبة الجمباز بأنها لعبة ذات توجُّه شيوعي، وخلال الاجتماع، قدّم أمين الشكر لكيم إيل سونج، لإرساله المدربين مجانًا لأوغندا، وأكّد لممثلي القطاعات أن الألعاب ليست مصمَّمة لتعزيز الشيوعية، وأن ممارسة الجمباز تحافظ على اللياقة البدنية، وأشار مقال في موقع إذاعة صوت أوغندا A Voice of Uganda عن “مزايا الجمباز” بأنه ميزة جديدة في تاريخ أوغندا، وبعض الناس معذورون عندما يسألون أنفسهم بصدق: ما هو الجمباز؟ وما الغرض من تدريبه؟ وخلُص المقال إلى أن الألعاب الجماعية من أقوى الأسلحة في حَشْد الناس وضبطهم، وأنها رياضة رائعة لتثقيف الجماهير معنويًّا وجسديًّا، وعلى الرغم من الارتباط الوثيق بين الألعاب الجماعية والشيوعية في كوريا الشمالية، فإن الحكومة الأوغندية أكَّدت للشعب الأوغندي أن الألعاب تُعزّز اللياقة البدنية والوطنية فقط.
ورغم تأكيد عيدي أمين والصحافة الأوغندية على أن تلك الألعاب لم يكن هدفها سياسيًّا، إلا أنها فتحت الباب أمام التأثير الكوري الشمالي، خصوصًا في مجال الألعاب الرياضية، التي لم تكن ذات هدف رياضي بحت، وإنما أتى ذلك في سياق مكايدة عيدي أمين للمعسكر الغربي، والتأكيد على توجهه شطر المعسكر الشرقي -حتى في المجال الرياضي-، ومما يؤكِّد ذلك إعراب عيدي أمين لسفير كوريا الشمالية في أوغندا عام 1974م عن إعجابه بالألعاب الجماعية التي تدرِّسها كوريا الشمالية موضحًا أنها أداة سياسية فعّالة، وأن المدربين الكوريين الشماليين نجحوا في تمكّن الأوغنديين من هذه الألعاب، ممّا جعل عددًا من قادة شرق ووسط إفريقيا يُجرون استفسارات حول كيفية تمكّن الكوريين الشماليين من تدريب الأوغنديين في مثل هذا الوقت القصير، ونتيجة لنجاح الكوريين الشماليين الأوّلي في تدريب الأوغنديين، شجّع هذا النظام الحاكم في بيونج يانج على زيادة وجوده في إفريقيا، وبناء عليه انتشرت سمعة كوريا الشمالية في تنظيم الألعاب الجماعية في إفريقيا جنوب الصحراء.
وبناء عليه أرسلت كوريا الشمالية مدربين للألعاب الجماهيرية إلى بوروندي عام 1974م، ودرّبت الطلاب استعدادًا لاحتفالات الرئيس ميشيل ميكومبيرو Michel Micombero بذكرى الثورة، في نوفمبر 1974م، ووفقًا للسفارة الأميركية في بوجومبوراBujumbura ، فإن الدورات التدريبية اليومية المكثّفة عطّلت الجدول المدرسي لهؤلاء الطلاب، لكن العمل الشاق أثمر جهوده؛ لأن الطلاب أقاموا عرضًا مثيرًا للإعجاب لكبار الشخصيات من خلال تمارين ولوحات تصور إنجازات عهد ميكومبيرو وإخلاص بوروندي للقضايا الإفريقية.
وكان لتنظيم الاحتفالات الجماهيرية على الطريقة الكورية الشمالية وانضباطها وبهرجتها أثره على القادة والمسؤولين الأفارقة الذين أُعجبوا بالجماليات والعقلية الجماعية لجمهورية كوريا الشمالية. وبعد أربع سنوات، أرسلت حكومة كوريا الشمالية مرة أخرى مدربين للألعاب الجماهيرية إلى بوروندي، وفقًا للصحيفة الرسمية لكوريا الشمالية “رودونج سينمون”Rodong Sinmun ، التقى رئيس بوروندي جان بابتيست باجازا Jean-Baptiste Bagaza بمدربي الألعاب الجماعية لكوريا الشمالية في أكتوبر 1978م، وصرّح بأن: عرض الجمباز الجماعي الذي يدرّسه أصدقاؤنا الكوريون ذا قيمة تعليمية عالية، ويشجع بشكل كبير شعب بوروندي على الكفاح من أجل بناء مجتمع جديد خالٍ من الاستغلال والاضطهاد. وشكر كيم إيل سونج لإرساله وفد جمباز جماعي إلى بوروندي. وعلى الرغم من أن المدربين الكوريين الشماليين حاولوا تعديل الألعاب الجماعية لتناسب التقاليد والعادات المحلية، إلا أن الألعاب الإفريقية الجماعية ظلت متأثرة بشكل كبير بجماليات وثقافة جمهورية كوريا الشمالية.
كما قام المدربون الكوريون الشماليون عام 1975م بتدريب الطلاب الروانديين على احتفالاتهم بالعيد الوطني، والتي استبدلت عروض الفولكلور الرواندي بلوحات التحركات الجماعية والموجهة من كوريا الشمالية، وعروض بطاقات فلاش تعرض مواضيع سياسية، ووفقًا للسفارة الأمريكية في كيجالي Kigali فإنه على الرغم من أن المشاركين كانوا روانديين، وقد بُذلت بعض الجهود لتضمين المشاهد الرواندية، إلا أن الأسلوب والمحتوى كانا متأثريْن ببيونج يانج.
وفي عام 1977م، ساعد المدربون الكوريون الشماليون حكومة مدغشقر في إقامة عرض لافتات لاحتفالاتهم بالعيد الوطني، ووفقًا للسفارة الأمريكية في مدغشقر فقد أثار عرض اللافتات الحشد أيَّما إثارة، فالكوريون الشماليون -الذين قاموا بتدريب جميع المشاركين– كانوا فخورين تمامًا بتلاميذهم. وأبرز عرض اللافتات -والمستوحى من كوريا الشمالية- صورًا للزعيم الملجاشي ديدييه راتسيراكا Didier Ratsiraka ، ولم يكتفِ بذلك، بل عرض أيضًا محتوًى سياسيًّا أكثر صراحة، كصورة للمزارعين والجنود الملجاشيين وهم يخنقون عنق رأسمالي غربي، كما تضمن عرض اللافتات خطابًا مناهضًا للإمبريالية مثل لافتات فيها: الموت للرأسماليين والإمبرياليين والعنصريين وتسقط الرأسمالية.
التقى راتسيراكا المدربين الكوريين الشماليين في 28 يونيو 1977م، وتحدث عن النجاحات التي حققها خبراء عرض الجمباز الجماعي الكوري الشمالي الذين أرسلهم كيم إيل سونج، وأعرب عن ارتياحه للتطور الممتاز للعلاقات الودية والتعاونية بين كوريا الشمالية ومدغشقر، واستخدمت كوريا الشمالية مدربي الألعاب الجماعية كوسيلة فعّالة لنشر أفكارهم المعادية للغرب والمناهضة للإمبريالية في إفريقيا، لذا استمرت بيونج يانج في نشر مدربي الألعاب الجماعية في أواخر السبعينيات كوسيلة لنشر نفوذها في جميع أنحاء جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا.
ب- منطقة غرب إفريقيا
انتقل التأثير الكوري الشمالي من منطقة شرق إفريقيا إلى منطقة غرب إفريقيا؛ حيث أرسلت بيونج يانج مدربي الألعاب الجماعية إلى غينيا كوناكري وتوجو عام 1976م، ففي غينيا، نظّمت تدريبات جماعية وموسيقى وعروض لافتات للاحتفال بالذكرى السادسة للهجوم البرتغالي عام 1970م على كوناكري، وفي توجو، قام الكوريون الشماليون بتدريب الآلاف من تلاميذ المدارس، بالإضافة إلى وحدة عسكرية على فن الألعاب الجماعية للاحتفال بالذكرى العاشرة لحكم الزعيم التوجولي جناسينجبي إياديما Gnassingbé Eyadéma .
كما تسربت سمعة كوريا الشمالية في تنظيم الاحتفالات الجماهيرية إلى الكثير من دول منطقة غرب إفريقيا في الثمانينيات والتسعينيات، ففي مايو 1984م، أرسلت بيونج يانج سبعة مدربين للألعاب الجماعية – أربعة رجال وثلاث سيدات – إلى بوركينا فاسو ودرّبت الطلاب في الذكرى الأولى لثورة بوركينا فاسو، وبحسب صحيفة بوركينا فاسو الحكومية، فإن الحركات الجماعية المستوحاة من كوريا الشمالية كانت “أجمل مشهد في الاحتفال”. كما أرسلت بيونج يانج سبعة مدربين للألعاب الجماعية إلى غانا في ديسمبر 1984م، ودرّبت 500,5 طالبًا غانيًا لحضور احتفال الثورة الغانية، وفي عام 1996م، ساعد المدربون الكوريون الشماليون حكومة نيجيريا في تنسيق عروض الألعاب الجماعية لاحتفالاتها بعيد الاستقلال.
ج- منطقة جنوب إفريقيا
لم تكن منطقة جنوب إفريقيا ببعيد عن هذا التأثير الكوري الشمالي؛ حيث قام مدربو الألعاب الجماعية لكوريا الشمالية بتدريب شباب زامبيا عام 1984م للاحتفال باستقلال البلاد، والتقوا مع رئيس زامبيا كينيث كاوندا Kenneth Kaunda، كما أرسل الكوريون الشماليون مدربين إلى أنجولا عام 1989 لحضور أول مهرجان ثقافي وطني لها، وتضمن حدثًا كبيرًا للألعاب الجماعية بلغ ثمانية آلاف، كما أرسلت بيونج يانج إلى ناميبيا عام 1990م مدربين أيضًا للاحتفال بعيد استقلالها([1]).
خلاصة القول اتخذت بيونج يانج من الألعاب الجماعية ذريعة لأن تضمن موطئ قدم لها في القارة الإفريقية، وكما أوضحنا آنفًا فإن الكوريين الشماليين تسربوا إلى شرق القارة وغربها وجنوبها بفضل هذه الألعاب الجماعية، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل اقتصر التواجد الكوري الشمالي في إفريقيا جنوب الصحراء على المجال الرياضي فقط، أم هناك مجالات أخرى امتدت إليها كوريا الشمالية؟
وللإجابة عن هذا السؤال، نقول: إن الوجود الكوري الشمالي في إفريقيا جنوب الصحراء امتدّ للمجال العسكري؛ حيث قدّمت بيونج يانج مساعدات وأسلحة عسكرية متنوعة، بالإضافة إلى تقديم مستشارين عسكريين للدول الإفريقية.
ثانيًا: مظاهر مساعدات كوريا الشمالية العسكرية لإفريقيا جنوب الصحراء
ذكر أحد تقارير المخابرات الأمريكية الصادر عام 1986م أن هناك 46 دولة من دول عدم الانحياز الموجودة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، توفِّر أرضًا خصبةً لجهود بيونج يانج الرامية إلى منافسة والتفوق على كوريا الجنوبية في مجال التمثيل الدبلوماسي خلال حقبة الحرب الباردة، ومِن ثَمَّ تحاول بيونج يانج الاحتفاظ بمكانتها معتمدة على مساندتها لحركات التحرر الإفريقية المناهضة للاستعمار الغربي، واعترافها الفوري بالحكومات الإفريقية الجديدة بعد الاستقلال، إضافة لأنها قدّمت نفسها بأنها تتبنَّى سياسة عدم الانحياز، وأنها دولة استبدادية قوية، وهو نموذج ينطبق على بعض الزعماء الأفارقة من ضمنهم منجستو Mengestu الجالس على كرسي إثيوبيا آنذاك، ورئيس مدغشقر راتسيراكا Ratsiraka ورئيس وزراء زيمبابوي موجابي Mugabe الذي أعرب صراحة عن إعجابهم بالرئيس كيم إيل سونج، لذا كثّفت كوريا الشمالية من دعواتها للقادة الأفارقة لزيارة بيونج يانج، ورفع مستوى التبادل الثقافي بينهما؛ من أجل توطيد العلاقات بين الطرفين([2]).
وأبرز هذا التقرير الاستخباراتي أن كوريا الشمالية كان تهدف من ذلك إلى خدمة أهدافها الخاصة في مواجهة شقيقتها كوريا الجنوبية، وليس العمل من خلال دور تكلف به وتلعبه نيابةً عن السوفييت([3]).
وبناء عليه تبنّت بيونج يانج بشكل مكثّف استراتيجية المساعدات العسكرية للدول الإفريقية من أجل دعم رسالاتها الأيديولوجية، ومجابهة مميزات شقيقتها كوريا الجنوبية الاقتصادية، فقد استخدمت سيول Seoul الضغط الاقتصادي من أجل تقليص النفوذ الكوري الشمالي في إفريقيا، إلا أن الخبراء العسكريين الكوريين الشماليين نجحوا في اختراق القارة الإفريقية، وقاموا بتدريب الحرس الرئاسي وغيرها من الوحدات الأمنية في دول إفريقية عدّة مثل: أوغندا، توجو، مدغشقر، سيشل، موريشيوس، زامبيا، زيمبابوي، بوركينا فاسو، أنجولا،…. إلخ([4]).
وهكذا، يمكن القول: إن استراتيجية بيونج يانج تجاه إفريقيا جنوب الصحراء ارتكزت على منافسة كوريا الجنوبية، وتقليص وجودها، واتخذت من المساعدات العسكرية أداة لمواجهة التفوق الاقتصادي ومساعدات كوريا الجنوبية الاقتصادية لإفريقيا جنوب الصحراء.
ومن الجدير بالذكر أن كوريا الشمالية كانت تقدم للأفراد العسكريين الأجانب مجموعة واسعة من التدريبات العسكرية، ولديها مجموعة كبيرة من المدربين العسكريين المطلعين على أسلحة الكتلة الشيوعية الذين يمكنهم العمل في الخارج كمستشارين، علاوة على ذلك، نظرًا لصغر حجم كوريا الشمالية، إضافة إلى أن معظم قادة العالم الثالث لا ينظرون إلى كوريا الشمالية على أنها تُمثّل تهديدًا؛ أرسلت الأخيرة معدات عسكرية ومستشارين إلى مجموعة واسعة من البلدان، لكن التركيز الأساسي انصبّ على إفريقيا؛ حيث تم تعيين مستشارين وقتئذ في 13 دولة إفريقية، بما في ذلك سبع دول في إفريقيا جنوب الصحراء، واستغلت كوريا الشمالية الاضطرابات السياسية في فترة إنهاء الاستعمار في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، فعملت بنشاط على التودُّد إلى الجماعات المتمردة والحكومات المستقلة حديثًا في وقت مبكر من حكم بيونج يانج([5]).
ومن مظاهر مساعدات بيونج يانج العسكرية لإفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال أقامت كوريا الشمالية وجودًا عسكريًّا في مدغشقر بعد فترة وجيزة من توقيع الرئيس راتسيراكا اتفاقية تعاون اقتصادي وتقني خلال زيارته إلى بيونج يانج عام 1978م، حيث أرسلت الأخيرة كتيبة من الطيارين ومراقبي التحكم الجوي والميكانيكيين، ومجموعة متنوعة من الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية، بما في ذلك أربعة زوارق دورية، ومجموعة من الفنيين العسكريين لتشغيل مصنع للذخيرة تم الانتهاء منه عام 1983م بمساعدة كوريا الشمالية([6]).
كما وصل عشرون مستشارًا عسكريًّا كوريًّا شماليًّا إلى زامبيا عام 1981م؛ لتدريب حرس الرئيس كينيث كاوندا Kenneth Kaunda دارت المناقشات حول هذا البرنامج التدريبي منذ أبريل 1980م، وبعد محاولة الانقلاب ضد كاوندا في أكتوبر 1980م، يقوم المستشارون الكوريون الشماليون بتدريب وحدة القيادة الزامبية.
أرسلت بيونج يانج أيضًا المستشارين العسكريين لأول مرة إلى فولتا العليا في أواخر عام 1983م، وأسفرت زيارة وزير دفاع فولتا العليا إلى كوريا الشمالية في مايو 1984م عن زيادة التدريب العسكري للعسكريين في فولتا العليا([7]).
وفي زيمبابوي قام فريق كوري شمالي عام 1985م، بتدريب السَّرية الزيمبابوية الخامسة لمكافحة التمرد في زيمبابوي، كما وصل عدد المدربين الكوريين الشماليين في أنجولا إلى 150 فردًا، وفي موزمبيق نجح المستشارون العسكريون الكوريون الشماليون في تدريب لواء عسكري “خاص” لمكافحة التمرد، وكثّف الرئيس سامورا ماشيل Samora Machel –الذي كان غير راضٍ عن المساعدة التي كان يتلقاها من المستشارين السوفييت والكوبيين- بحثه عن مساعدة عسكرية جديدة عام 1982م؛ حيث أبرم اتفاقًا مع كوريا الشمالية خلال زيارته لها في أبريل 1982م، ومِن ثَمَّ وصل المستشارون الكوريون في أواخر عام 1982م إلى موزمبيق.
كما سعى مستشارو كوريا الشمالية إلى إعادة هيكلة جيش سيشيل؛ من خلال التأكيد على استخدام الأسلحة الصغيرة وقوات الرد السريع، وفي نوفمبر 1983م، أرسلت كوريا الشمالية إلى سيشل إمدادات عسكرية تضمنت بنادق وذخيرة مضادة للطائرات([8]).
وهكذا نلاحظ مظاهر الوجود العسكري الملحوظ لكوريا الشمالية في بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء، من تقديم الأسلحة أو التدريب العسكري أو الانغماس في مناهضة التمردات ضد أنظمة الحكم، وقد اتخذت الدراسة أوغند نموذجًا لانخراط العسكريين الكوريين الشماليين بشكل فعلي -خلال فترة حكم ميلتون أوبوتي الثانية 1981وحتى 1985م- في الانضمام للجيش الأوغندي ضد جماعات يوري موسيفيني المتمردة.
ثالثًا: التمدد الكوري الشمالي في أوغندا:
كان عيدي أمين من أول القادة الأفارقة الذين سعوا في الحصول على مساعدة كوريا الشمالية في تشكيل نسخته الخاصة من الألعاب الجماعية، لذا نجحت كوريا الشمالية أن يكون لها وجود فعلي في أوغندا خلال عهد أمين بفضل هذه الألعاب، ولكن مع وصول ميلتون أوبوتي إلى سُدَّة الحكم خلال فترته الثانية (1981-1985م)، ازداد تغلغل الكوريين الشماليين في المجالات المختلفة كما سنرى.
أ- على الصعيد السياسي والاقتصادي:
بعد فوز ميلتون أوبوتي بالانتخابات الأوغندية عام 1980م، قام بزيارة لكوريا الشمالية عام 1981م، وصرّح بقوله: “كانت كوريا الديمقراطية إحدى دولتين فقط قام بزيارتها خارج القارة الإفريقية منذ فوزه في الانتخابات عام 1980م، وبرَّر اختياره بزيارة كوريا الديمقراطية؛ أولاً: لأن البلدين يشتركان في العديد من المُثُل والأهداف المشتركة في سياق حركة عدم الانحياز، وثانيًا: لأن الخطوات الكبيرة التي قطعتها كوريا الديمقراطية في تنميتها لصالح جماهير الشعب الكوري، وكان من الحتمي أن تتعلم أوغندا الكثير من تجربة كوريا الديمقراطية، ولا سيما أن أوغندا الآن منخرطة في مهمة إعادة التأهيل وإعادة الإعمار، وأكّد على أن حكومتي جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وأوغندا ملتزمتان بمبادئ عدم الانحياز والاعتماد على الذات”([9]).
وفي هذا السياق قال أوبوتي: “ننظر بعين الرضا إلى المبادئ الأساسية لجوتشي، والتي تهدف إلى ضمان استقلال شعبكم وتنميته الاقتصادية والاجتماعية”، وأشار بارتياح إلى السياسة الإيجابية التي تنتهجها جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بشأن مسألة استقلال الدول الإفريقية، قائلاً: نأمل أن نستفيد أكثر من ثروتكم من الخبرة في صَوْن السلام والأمن الدوليين، وفي مسألة تصفية الاستعمار ككل، واغتنم هذه الفرصة ليُسجّل تقدير مجلس الشعب الأوغندي وحكومة وشعب أوغندا على المساعدات التي قدّمتها كوريا الديمقراطية لهم([10]).
من جانبه صرّح كيم إيل سونج في خطابه أثناء مقابلته مع أوبوتي: “على الرغم من أننا التقينا للمرة الأولى اليوم، فقد تعرفنا بالفعل على بعضنا البعض جيدًا من خلال شتَّى القنوات، وإن هذه المناسبة ستُمكننا من تعميق صداقتنا وثقتنا بشكل أكبر كأصدقاء وإخوة حميمين وتطوير علاقات الصداقة والتعاون بين كوريا وأوغندا إلى مرحلة أعلى”([11]).
ومن أجل الاستفادة من تطوُّر العلاقات بين البلدين على الصعيد السياسي، وقَّع أوبوتي وكيم إيل سونج مع أوبوتي خلال هذه الزيارة على اتفاقية تعاون لتعزيز العلاقات الوطيدة القائمة بين البلدين تغطّي التعاون الاقتصادي والعلمي والتقني والثقافي، ويذكر على وجه التحديد التعاون في مجالات مثل الصناعة والإنتاج الزراعي، وتبادل المواد العلمية والتقنية، وتبادل الخبراء التقنيين والمتدربين، والتعاون في مجالات التعليم والثقافة والفن والرياضة، وتبادل الطلاب والخبراء في الموسيقى والرقص والتدريبات الرياضية، والاتفاقية كانت صالحة لمدة خمس سنوات، ويمكن تمديدها لمدة خمس سنوات أخرى إذا لزم الأمر بموجب اتفاقية أخرى([12]).
فبموجب هذه الاتفاقية نظّمت كوريا الشمالية في أوغندا 100 هكتار من المزارع التجريبية مع مراكز البحث العلمي، وإرسال علماء وفنيين زراعيين لاكتشاف طرق زراعية جديدة مناسبة للوضع في أوغندا بالتعاون مع المزارعين الأوغنديين، ودراسة الطرف الكوري بشكل مشترك اختيار (البذور) وزراعة المحاصيل، ووصل فريق كوري شمالي إلى أوغندا خلال الربع الأول من عام 1982م لإجراء التحقيقات وفقًا للبروتوكول، كما تعاون الطرف الكوري في بناء مدرسة بسعة 500 تلميذ في أوغندا، يقومون برسم تصميماتها وتقديم الإسمنت والحديد وبعض معدات البناء بالمجان([13]).
ب- على الصعيد العسكري
كانت أبرز النتائج التي أسفرت عنها زيارة أوبوتي لكوريا الشمالية عام 1981م، توقيعه على اتفاقية عسكرية للحصول علي إمدادات عسكرية تقدّر بقيمة 40 مليون دولار في شكل معدات عسكرية، بواقع 20 مليون دولار تُسدَّد كدفعة أولى، و20 مليون دولار آخرين يُسدَّدون في شكل قروض طويلة الأجل، ويعتقد أنهم قد يحاولون مقايضة ذلك المبلغ بالقهوة([14]).
وبعد زيارة أوبوتى لبيونج يانج، أرسلت الأخيرة فريقين للتدريب العسكري إلى أوغندا، تألف أحدهما من حوالي أربعة عشر عضوًا ومقره في جولو Gulu وماسيندي Masindi ، وكان هذا الفريق يُصْدِر تعليمات إلى جيش التحرير الوطني الأوغندي Uganda National Liberation Army (UNLA) تخصّ صيانة المعدات العسكرية والمركبات وأجهزة الراديو([15]).
في حين كان الفريق الكوري الشمالي الآخر -المتمركز في ناكاسونغولا Nakasongola– يُصْدِر تعليماته إلى جيش التحرير الوطني الأوغندي بشأن مسائل أمن الأفراد والحراسة الشخصية، كما وافقت حكومة كوريا الشمالية على بناء مدرسة([16]) للأطفال المعاقين، ومواصلة تزويد جيش التحرير الأوغندي بالإمدادات العسكرية([17]).
ولم يستطع العسكريون الكوريون الشماليون في أوغندا تجنُّب عنف الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات (1981-1985)؛ احتجاجًا على فوز أوبوتي بالانتخابات الأوغندية؛ حيث قام المتمردون المناهضون للحكومة بقيادة جيش المقاومة الوطنية -الجناح العسكري لحركة المقاومة الوطنية “NRM” National Resistance Movement– الذي تزعّمه يوري موسيفيني، بنصب كمين لفريق التدريب العسكري الكوري الشمالي في جولو وقتلوا زعيمه وأحد المرؤوسين في أغسطس 1982م([18]). وهذه دلائل تبرز انخراط العسكريين الكوريين الشماليين في الحرب الأهلية الأوغندية.
وكانت دولة الاستعمار القديم –بريطانيا- تراقب عن كثب التواجد العسكري الكوري الشمالي في أوغندا،؛ حيث تواصل ممثل المفوضية البريطانية العليا British High Commission in Kampala في كمبالا بي أيه بينفولد P. A. Penfold مع القائم بأعمال المفتش العام للشرطة الأوغندية أوكوث – أوجالا Okoth- Ogola، وسأله عن المساعدات الكورية الشمالية للقوات الخاصة بالبرلمان التي يُعتبر نظريًّا مسؤولاً عنها، فتفاجأ بينفولد بقول أوكوث بأنه لم يقم قط بزيارة مركز تدريب الشرطة لمتابعة ما يفعله الكوريون الشماليون، لكنَّه أكّد على أنهم يواجهون مشاكل فيما يخص صعوبات اللغة والتواصل مع الكوريين الشماليين؛ حيث لا يتحدث أيّ من المدربين اللغة الإنجليزية، وليس لديهم سوى مترجم واحد، ومن المعتقد أن هناك 30 مستشارًا كوريًّا شماليًّا للقوات الخاصة، وهم يتجولون بزي القوات الخاصة، وقد شُوهد على الأقل عميد وعقيدان([19]).
كما ذكر أوكوث – أوجلا لبينفولد أن هناك 5 آلاف من القوات الخاصة الأوغندية وقتئذ، لكن مع تدعيم قوات الشرطة النظامية نأمل في تقليص عدد القوات الخاصة إلى حوالي 1000، وذكرت التقارير البريطانية أن هناك خبراء عسكريين كوريين شماليين في أوغندا، لكن هناك صعوبة كبيرة في اكتشاف ما يفعلونه، ولكنهم قاموا بتقديم بعض التدريبات على المدفعية، ووحدات الدفاع الجوي الموجودة بمنطقة سد شلالات أوين Owen، وأن بعضهم متمركز بثكنات بومبو Bombo، وقد صرحت سفارة كوريا الجنوبية بأوغندا بأن عددهم يُقدَّر بـ100، بالتأكيد لن يكون من المفاجئ معرفة أنهم يقدمون الاستشارات والدعم فيما يخص مواجهة حرب العصابات لمساعدة جيش التحرير الوطني الأوغندي على التصدي لموسيفيني وجماعته([20]).
وذكر بينفولد أن رئيس الوزراء الأوغندي قام بزيارة لكوريا الشمالية عام 1984م، وصرّح الكوريون الجنوبيون أن هدف الزيارة هو طلب المزيد من المساعدات والمعدات العسكرية، وأنه تمّ توقيع اتفاقيات عسكرية بينهما، وأكد بينفولد على ضرورة مراقبة علاقات كوريا الشمالية مع الحكومة الأوغندية([21]).
ولم تكتفِ حكومة كوريا الجنوبية أن تكون عينًا للبريطانيين في أوغندا، ومراقبة شقيقتها كوريا الشمالية، بل سمحت بنشر تقارير أساءت إلى سمعة أوغندا في وسائل إعلامها الإخبارية، وهاجمت بشكل خاص الوجود العسكري الكوري الشمالي وحقوق الإنسان في أوغندا، ورصدت الحكومة الأوغندية ثلاث نشرات إخبارية، أُذيع الأول منها في نهاية عام 1982م، والاثنين الآخرين عام 1984م، ونشرت كوريا الجنوبية مقالاً صحفيًّا تناول تقارير الصحافة الدولية بشأن حقوق الإنسان في أوغندا، وتقريرًا أفاد بمقتل اثنين من الخبراء الكوريين الشماليين بمنطقة لويرو([22])، وفي نوفمبر 1984م، نشرت القوات المناهضة للحكومة وحكومة كوريا الجنوبية معلومات تفيد بأن فرق التدريب العسكرية الكورية الشمالية في أوغندا شاركت في القتال الفعلي للمتمردين نيابة عن حكومة أوبوتي([23]).
من جانبها قامت كوريا الشمالية بعرقلة تطور العلاقات بين كوريا الجنوبية وأوغندا، ففي فبراير 1984م، أعاقت كوريا الشمالية وصول هدية من عشرين سيارة لحكومة أوبوتي من كوريا الجنوبية، ولعبت دورًا كبيرًا في طرد سفير كوريا الجنوبية من أوغندا، ففي 22 سبتمبر 1984م، منحت حكومة أوبوتي سفير كوريا الجنوبية أربعة عشر يومًا لمغادرة أوغندا على أساس ظهور تقارير معادية لأوغندا في وسائل الإعلام الإخبارية الكورية الجنوبية، والتي هاجمت بشكل خاص حقوق الإنسان في أوغندا، وصرّح المسؤولون الكوريون الجنوبيون أن الكوريين الشماليين هم الذين نقلوا هذه التقارير الإخبارية الكورية الجنوبية إلى حكومة أوبوتي، من جانبها احتفلت وسائل الإعلام الكورية الشمالية الرسمية بقرار طرد أوغندا للسفير الدُمية –على حد تعبيرهم- لكوريا الجنوبية في أواخر سبتمبر 1984م، وأضافت أن هذا دليل واضح على دعم الشعب الأوغندي الحازم وتضامنه مع القضية العادلة للشعب الكوري([24]).
ونظرًا للتقارب بين أوغندا والمعسكر الشرقي عامة وكوريا الشمالية خصوصًا، أسرعت دولتا الاستعمار القديم – بريطانيا- والاستعمار الجديد –الولايات المتحدة الأمريكية- بالتخلص من نظام حكم ميلتون أوبوتي، ففي يوليو 1985م -وبدعم من المعسكر الغربي- قام الفريق بازيلو أولارا – أوكيلو Olara–Okello Bazilio والجنرال تيتو أوكيلو Tito Okello بعملية انقلاب عسكري أطاحت بنظام “أوبوتي”، وفي خضم الفوضى التي سادت الحكومة العسكرية المنشأة حديثًا، انسحب جميع الأفراد العسكريين الكوريين الشماليين من أوغندا في أغسطس وسبتمبر 1985م([25]).
الخاتمة:
إن كثيرًا من الدول وتحديدًا الدول الصغيرة تركّز على القوة الناعمة Soft Power كاستراتيجية تساعدها على تقديم نفسها كدولة مؤثرة عالميًّا، من خلال السياحة أو الإعلام أو الفن أو الرياضة… إلخ، وتلك الاستراتيجية تبنّتها كوريا الشمالية تجاه القارة الإفريقية خلال حقبة الحرب الباردة، متخذة من الألعاب الجماعية أداةً لتضمن موطئ قدم لها، ونجحت نسبيًّا أن تصل إلى دول إفريقية عدَّة في شرق وغرب وجنوب القارة الإفريقية.
ولم تكتفِ كوريا الشمالية بأن تتغلغل في القارة الإفريقية في المجال الرياضي فقط، ولكن كانت الرياضة بمثابة منصَّة انطلقت منها بيونج يانج لتعمق علاقاتها في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما أبرزنا سابقًا النموذج الأوغندي خصوصًا خلال فترة ميلتون أوبوتي الثانية 1981-1985م.
أخيرًا، إن حالة التحالف قصيرة العمر بين كوريا الشمالية وأوغندا خلال عهد أوبوتي تُمثّل نموذجًا شارحًا لسياسة كيم إيل سونج الخارجية خلال حقبة الحرب الباردة، وإن سياسة كوريا الشمالية -وقتئذ- تجاه إفريقيا عامة وأوغندا خصوصًا سعت في المرتبة الأولى لخدمة مصالحها وأهدافها الخاصة في مواجهة كوريا الجنوبية، والإمبريالية الغربية معًا، وتعزيز مبادئ الاشتراكية الدولية.
_______________________________
الهوامش:
([1]) للمزيد عن دور كوريا الشمالية في الألعاب الجماعية في إفريقيا جنوب الصحراء انظر:
– Young , Benjamin R, Guerilla Internationalism: North Korea’s Relations with the Third World, 1957-1989, The Columbian College of Arts and Sciences , The George Washington University , Ph.D., 2018.
– Young, Benjamin R. , Cultural Diplomacy with North Korean Characteristics: Pyongyang’s Exportation of the Mass Games to the Third World, 1972–1996, The International History Review, Vol.42, NO.3, 2020.
– Young , Benjamin R, North Korea in Africa: Historical Solidarity, China’s Role, and Sanctions Evasion, Special Report, NO. 490, US Institute of Peace , Feb. 2021.
([2]) Central Intelligence Agency- RDP86T01017R000605890001-2, Korean competition in Africa: international prestige at stake, 28 March 1986.
([3]) Ibid.
([4]) Ibid.
([5]) Central Intelligence Agency- RDP85T003107R000200050003-7, North Korean activities overseas, 1 July 1984.
([6]) Ibid.
([7]) Ibid.
([8]) ibid.
([9]) BBC Summary of World Broadcasts, Ugandan President in North Korea, December 3, 1981.
([10])Ibid.
([11]) Ibid..
([12]) BBC Summary of World Broadcasts, Uganda- co –operation with North Korea ,December 15, 1981.
([13]) Ibid..
([14]) FCO 31/4455,Uganda relations with North Korea, file NO. JE u020-7, confidential, subject, Uganda/Korean relations, 26 October 1984.
([15]) Young , Benjamin R, Guerilla Internationalism: North Korea’s Relations with the Third World, 1957-1989, The Columbian College of Arts and Sciences , The George Washington University , Ph.D., 2018, P.259 .
([16]) Ibid, P.259 .
([17]) Ibid, P.260 .
([18]) ibid, P.260 .
([19]) FCO 31/4455,Uganda relations with North Korea, file NO. JEU 020-7, Confidential, Telegram from P.A Penfold, British High Commission in Kampala to FCO, Subject, Ugandan/ North Korean relations, 9 July 1984.
([20]) FCO 31/4455,Uganda relations with North Korea, file NO. JEU 020-7, Confidential, Telegram from P.A Penfold, British High Commission in Kampala to FCO, Subject, Ugandan/ North Korean relations, 9 July 1984.
([21]) FCO 31/4455,Uganda relations with North Korea, file NO. JEU 020-7, Confidential, Telegram from P.A Penfold, British High Commission in Kampala to FCO, Subject, Ugandan/ North Korean relations, 9 July 1984.
([22]) FCO 31/4455,Uganda relations with North Korea, file NO. JEU 020-7,GRS 500, confidential, Teleletter from P.A. Penfold to FCO, subject, Uganda/ South Korea relations, 27 September 1984.
([23]) Young , Benjamin R, Guerilla Internationalism: North Korea’s Relations with the Third World, 1957-1989, Op. Cit., P.262 .
([24]) Young , Benjamin R, Guerilla Internationalism: North Korea’s Relations with the Third World, 1957-1989, The Columbian College of Arts and Sciences , The George Washington University , Ph.D., 2018, P.260 .
([25]) Young , Benjamin R, op.cit., P.264– 264) أرخص تكلفةًواخر عام 1983