رشا السيد عشري– باحثة متخصصة في الشأن الإفريقي– مصر
سليم جداي – باحث متخصص في الشأن الإفريقي– الجزائر
مقدمة:
تُعدّ منطقة شرق إفريقيا من أهم المناطق الحيوية الزاخرة بالموارد الطبيعية والطاقوية، بل وذات أهمية جيوبوليتكية لمناطق الجوار وللقوى العظمى كذلك. تلك المعايير الجيوبوليتيكية، وما تحويه هذه المناطق من ثروات خاضعة للتحديث والاستثمار، أدَّى بها إلى التنافس فيما بينها للهيمنة عليها؛ سواء باستخدام القوة العسكرية أو الجذب باستخدام القوة الناعمة، لا سيما أن جُلَّ مناطق إفريقيا -بحكم خضوعها للاستعمار القديم والحديث وبحكم تبعيتها المطلقة للدول الكبرى- بحاجة دائمة إلى عمليات تحديث في النمط الاستثماري والاقتصادي الخاص بها، في ظل الرغبة في تحقيق الريادة في مجالات الطاقة، على غرار تكثيف الاستثمارات وجعلها منطقة استقطاب بامتياز.
ومن ثَم تسعى الدراسة إلى إظهار المعايير والآليات التي يستحوذ عليها الشرق الإفريقي في استحداث وتوليد الطاقات النظيفة والبديلة التي تكون بمثابة التوجُّه الجديد نحو نهضة اقتصادية ونظافة بيئية، وتنمية مستدامة، ومِن ثَمَّ محاولة التركيز على المعايير والاقترابات المتَّخذة في هذا الشأن ضمن أُطُر علمية ومناهج تسعى لإبراز أهمية الشرق الإفريقي في دعم السياسات البيئية، والتنمية المستدامة ضمن معطى العقلانية والتوصيات الدولية.
وعليه تتجلى الإشكالية الرئيسية في كيفية مساهمة المشاريع المستحدَثة في شرق إفريقيا للطاقات النظيفة في دعم الجانب البيئي والاقتصادي على حد سواء، ناهيك عن التركيز على المنطلقات الجيوساسية، التي تمثل أساس التنافس الدولي على مقدرات القارة، وهو ما يؤول لمعرفة الرهانات المترتبة عن هذه المشاريع في الشرق الإفريقي، وكذا المآلات التي سيحصدها من هذه المشاريع فيما يخص الطاقات النظيفة.
أولاً: مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة في إفريقيا
لا شك أن مصادر الطاقة الأولية، والتي تتمثل في النفظ والغاز الطبيعي واليورانيوم والفحم الجيري من المصادر الرئيسة التي تعتمد عليها دول العالم في كافة مناحي الحياة؛ لا سيما النفط والغاز الطبيعي الذي يُعتبر وقود الصناعة والحياة المعيشية، إلا أن الإشكالية التي تواجه الدول على مستوى العالم هو أن تلك المصادر غير متجددة، وربما تنضب على المدى البعيد، وهو الأمر الذي أدَّى للتوجُّه نحو الاستعاضة عنها باستخدام الطاقة النظيفة والمتجددة والمتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية وغيرها، والتي تؤثر بشكل كبير في تحويل النشاط الاقتصادي والاستثماري للأفضل، بل وتحقيق الاكتفاء في حالة نضوب مصادر الطاقة الأولية، لذلك تمثل الطاقة النظيفة أهمية كبيرة لمنطقة شرق إفريقيا لا سيما الطاقة المائية التي يعتمد عليها السكان بشكل رئيسي في توليد الطاقة الكهربية. ويمكن إيضاحها كالآتي([1]):
1- الطاقة الشمسية
تُستخدم الطاقة الشمسية كمصدر بديل للنفط؛ حيث يتم استغلالها في كثير من الأنشطة الاقتصادية لا سيما المجال الزراعي والكهرباء والطاقة الحرارية، وغيرها من المجالات، لذلك تعتمد عليها الدول كمصدر دائم للطاقة، وتعد القارة الإفريقية من أكثر القارات التي تحوي الطاقة الشمسية لتركُّز الشمس عليها بنسبة كبيرة لا سيما في منطقة الصحراء الكبرى، التي يمر بها خط الاستواء؛ لذلك فإن 85% من مساحة القارة تتلقى ما لا يقل عن 2000 كيلو واط ساعة / سنة (م²) من الشمس.
2- طاقة الرياح
يُعوّل على استخدام طاقة الرياح في كثيرٍ من الأنشطة، وعلى رأسها الكهرباء؛ حيث تتمتع القارة الإفريقية بمورد كبير من طاقة الرياح غير المستغلة، ففي غرب إفريقيا تصل قوة الرياح إلى ما يزيد عن 3,750 كيلو واط في الساعة([2]).
3- الطاقة المائية
تُعتبر الطاقة المائية من أهم الموارد التي يتم الاعتماد عليها في توليد الطاقة الكهربية ومصدر أساسيّ تعتمد عليه الشعوب لا سيما في مجالات النشاط الاقتصادي المتعددة.
4- طاقة الحرارة الجوفية
تُستخدم طاقة الحرارة الجوفية في عمليات التدفئة وتوليد الكهرباء؛ حيث يتم استخراجها من التربة، وتنتج عن طريق النشاط الإشعاعي الطبيعي للصخور المكونة للقشرة الأرضية؛ حيث تتركز معظمها في منطقة شرق إفريقيا خاصة في إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا وأوغندا وزامبيا.
5- طاقة الكتلة الحيوية
وهي الطاقة التي تنتج من إعادة تدوير مخلفات الأرض الممثلة في الأشجار الميتة ومخلفات المحاصيل، حيث يتم إعادة استخدامها بالشكل الذي يساعد على المحافظة على البيئة، والاستفادة من تلك المخلفات في كثير من الأمور؛ حيث يستخدم 86% من طاقة الكتلة الحيوية في إفريقيا جنوب الصحراء عدا دولة جنوب إفريقيا؛ كما يعتمد السكان في الشرق الإفريقي على استخدام تلك المخلفات كوقود في بعض القرى، وغيرها من الاستخدامات الأخرى التي يعتمد عليها السكان كمصادر بديلة ذات تكلفة أقل.
ومِن ثَمَّ تعتمد دول شرق إفريقيا على العديد من مصادر الطاقة المتجددة؛ باعتبارها مصدرًا أساسيًّا وبديلاً ذا تكلفة أقل في النشاط الاقتصادي والوضع المعيشي لا سيما أنها في متناول المواطن العادي، يأتي ذلك مع استخدامات الدول لتلك الطاقة على نطاق أوسع؛ حيث توجد العديد من المحطات الصغيرة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية، التي أسهمت بشكل كبير في الحصول على الطاقة لا سيما الكهربية في الأماكن النائية، وحل العديد من المشاكل التي تواجه الأفارقة خاصة المتعلقة بتوفير المياه والكهرباء والطاقة الحرارية، وهو ما يَفرض سياسات من شأنها أن تُعزّز من أمن تلك الطاقة وتطويرها بالشكل الذي يُحقّق التنمية على أكثر من مستوى، ويجابه الفقر، ويعزّز من النمو الاقتصادي والمعيشي.
ثانيًا: المنطلقات الجيوسياسية لدول شرق إفريقيا بين معايير الجغرافيا والاقتصاد والسياسة:
تشير الجغرافيا والإطار السياسي والديمغرافي والإيكولوجي إلى أن الشرق الإفريقي في مجمله منطقة خصبة للتنوع الإيكولوجي والديمغرافي، تزخر بالموارد الاقتصادية الهائلة التي تساهم بوضع المنطقة في مصب الاستثمارات الأجنبية؛ فهي مجموعة الدول السبع الأعضاء في الهيئة الدولية المعنية بالتنمية، وهي جيبوتي، وإريتيريا وإثيوبيا وكينيا والصومال وأوغندا.
كما أن حيّزها أيضًا يشمل تنزانيا؛ نظرًا لما لها من تفاعلات وتداخلات تاريخية وسياسية قديمة مع دول الحيّز الشرقي الإفريقي، إلا أن المنطقة تتميز بالهشاشة البنيوية والأمنية، وضعف الأنظمة السياسية، فضلاً عن شحّ الموارد والتدهور البيئي، وكذا انعكاسات المشهد الإقليمي والدولي عليها الذي يتَّسم بالصراعات داخل الدول وخارجها وتمخض العنف بشتى أنواعه، والناتج عن غياب السلطة السياسية والفعلية في هذه الدول أو داخل هذا الحيز الجغرافي السياسي الاقتصادي([3]).
الأمر الذي أثر بشكل كبير على استغلال موارد المنطقة، لا سيما الطاقة غير المتجددة كالبترول والغاز الطبيعي. إلا أن دول المنطقة تتخذ أساليب متعددة في كيفية استغلال الطاقة النظيفة؛ لا سيما أنها ذات دور أساسي يعتمد عليه السكان كمورد اقتصادي مهم في ظل استغلال الموارد غير المتجددة. الأمر الذي أثَّر بشكل كبير على الموارد الاقتصادية للمنطقة نتيجة استغلالها المباشر، وعدم القدرة على استغلال الطاقات البديلة بالرغم من توفرها بكثرة.
على صعيد آخر، يُعدّ الجفاف والتصحر سمة رئيسة في منطقة شرق إفريقيا منذ عقود الثمانينات وحتى التسعينيات من القرن العشرين؛ والذي أدَّى إلى سقوط معايير الاقتصاد التي كانت تعتمد عليها دول المنطقة في إثراء توازناتها بين الطلب والعرض، والذي أدَّى بدوره إلى نشوب صراعات ونزاعات حول هذه المستحقات من الموارد، وانعكست بدورها على الوضع المجتمعي؛ حيث تفاقمت هذه الصراعات بين المجتمعات الرعوية والزراعية في اقتصادها.
كما طالت هذه النزاعات المناطق المجاورة لها، فقد بدأت داخل الصومال ثم انتقلت لتؤثر على الجماعات المجاورة مثل قبائل رعاة قبيلة “أورما” ومزارعي قبيلة “بوكومو” في منطقة نهر” تانا”، لتنتقل لشمال شرق كينيا؛ أيضًا في مناطق شرق إفريقيا الأخرى تزامن الجفاف والأزمات البيئية مع استمرار الحروب، فقد أصبح هناك قبول بأن الجفاف والحروب المتكررة في إريتريا وإثيوبيا وكينيا والسودان والصومال هي الأسباب الكامنة والظاهرة أمام الوضع الإنساني المتدهور في شرق إفريقيا.
وقد حذّرت جميع التقارير الخاصة بالأمم المتحدة من تفاقم الأوضاع الإنسانية والبيئية في إريتريا بسبب تكرار الجفاف واستمرار الجمود، الذي أصاب عمليات السلام مع إثيوبيا، فالاقتصاد في هذه الدول عرف تذبذبات جراء العوامل البيئية، وكذلك العوامل الداخلية وحتي الفواعل الدولية الخارجية([4]).
إلا أنه بالرغم من التحديات السياسية والبيئية، فقد اتجهت الدول الإفريقية لتعزيز التنمية الاقتصادية بالاعتماد على الطاقة النظيفة؛ حيث اتجهت تلك الدول لاستغلال الموارد المائية ومعالجة السدود كأحد أهم الأُطُر في استغلال الطاقة النظيفة والتعويل عليها لمواجهة الجفاف والتصحر، ففي كينيا شرعت الدولة لبناء العديد من السدود لا سيما السدود الرملية لتوفير المياه، وذلك من خلال احتجاز وتخزين المياه لاستخدامها خلال فترات الجفاف وأوقات عدم هطول المطر، والتي ساعدت على توفير المياه بِنِسَب كبيرة في المناطق التي تعاني من نقص المورد؛ حيث أقيم أكثر من ألف سد رملي في شرق إفريقيا، منها نحو 120 سدًّا من ذلك النوع في كينيا لتخزين ملايين الجالونات من المياه لاستخدامها وقت الجفاف والتصحر([5]).
مما ساعد الكثير من سكان المنطقة على توفير المياه وري الأراضي الزراعية وزيادة الثروة الحيوانية، فضلاً عن استقرار الوضع الاجتماعي، وتعزيز التنمية الاقتصادي نتيجة استغلال الطاقة المائية كأحد أهم مصادر الطاقات النظيفة التي يتم الاعتماد عليها بشكل كليّ سواء في معيشة السكان وفي كونها موردًا اقتصاديًّا مهمًّا.
أيضًا تُعوّل إثيوبيا وكينيا وأوغندا على الموارد المائية لتوليد الطاقة الكهربائية؛ حيث شرعت إثيوبيا في بناء العديد من السدود مثل سد تكيزي وجيبي الأول والثاني والثالث، وآخرها سد النهضة لاستغلال طاقة المياه في توليد الكهرباء التي تمثل عاملاً رئيسًا في التنمية الاقتصادية لدول المنطقة، إلا أنها مازالت تمثل إشكالية كبرى ببناء السد الأخير على دولتي المصب.
ثالثًا: إمكانات الطاقة المتجددة في شرق إفريقيا
في ظل تسارع النمو، وزيادة الطلب على الموارد والانفتاح على الأسواق العالمية، والحاجة إلى التطور والحداثة؛ كان لزامًا على الشعوب الإفريقية -لا سيما الأجيال الجديدة- أن تواكب ركب التطور والحداثة، وهو الأمر الذي اقتضى التوجُّه نحو التنمية والاعتماد على المصادر البديلة التي تُمكِّن الشعوب الإفريقية من العيش في ظل معضلة التنمية وإشكاليات الفقر المتزايد، وارتفاع أعداد السكان.
فالاعتماد على الطاقة النظيفة أحد أهم البدائل نحو التنمية والتطور في ظل إشكاليات توافر المصادر الأولية واستغلال القوى الدولية لها، لذلك اعتبرت دول شرق إفريقيا أحد أكثر دول القارة اعتمادًا على الطاقة النظيفة، لا سيما الطاقة الكهرومائية والشمسية، التي تنتج الكهرباء بنسب كبيرة في شرق إفريقيا خاصة في كينيا وأوغندا وإثيوبيا، بل ويعتمد عليها ثلث سكان القارة في إنتاج الكهرباء.
حيث أفاد تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن القارة الإفريقية لديها إمكانية توليد 300 مليون ميجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وأكثر من 250 مليون ميجاوات من طاقة الرياح.
وفي المقابل، فإن إجمالي الطاقة التي يمكن توليدها حاليًّا –الكهرباء التي تستطيع القارة توليدها في حال عمل جميع محطات الطاقة بالقارة بكامل طاقتها– لم يتجاوز 150 ألف ميجاواط في نهاية عام 2015م، لذلك تتخذ العديد من الدول الإفريقية استراتيجيات تنموية تكون أولويتها الاعتماد على الطاقات النظيفة([6]).
ويوضح الشكل التالي إمدادات الطاقة النظيفة في إفريقيا اعتمادًا على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
الشكل رقم (1) إمدادات الطاقة النظيفة في إفريقيا
Erica Gies, Can wind and solar fuel Africa’s future?, nature, 02 November 2016.
https://www.nature.com/articles/539020a
ففي شرق إفريقيا عوَّلت كينيا على استخدام الطاقة المائية كأحد أهم الموارد الاقتصادية والمعيشية، لذلك اعتمدت على بناء العديد من السدود لاستغلال الطاقة المائية سواء في توفير إمدادات المياه أو دعم الطاقة الكهربية. ومِن ثَمَّ اعتمدت الدولة على مشروع لوكيري Lekurruki Conservancy أحد أهم مشروعات البنية التحتية لحماية البيئة وزراعة الأشجار، وهو منحة من حكومة آيل أوف مان، والتي تقوم على تمويل بناء السدود لا سيما الرملية منها لاستغلال الطاقة المائية في الأنشطة الزراعية وزيادة الثروة الحيوانية، وتوفير مياه شرب نقية، كما ساعد برنامج الأمم المتحدة للبيئة على تطوير برامج استغلال الطاقة المتجددة من خلال إقراض تلك البرامج لمساعدة القارة الإفريقية على استغلال الطاقة([7]).
من ناحية أخرى، كان اعتماد الدولة على السدود الرملية أحد أهم العوامل في توفير الطاقة المائية، والتي آلت إلى تعزيزها في مواجهة الجفاف والتصحر، وتحسين الوضع الاقتصادي، والاجتماعي من خلال تعزيز وسائل التواصل التي تمثلت في الراديو والهاتف المحمول والتليفزيون، فضلاً عن انخفاض نسبة الأمراض (التي تمثلت في الملاريا ونزلات البرد والسعال). وذلك في ظل تعزيز برامج استغلال الطاقة النظيفة من خلال زيادة المواد الصناعية التي عززت من البنية التحتية مثل المولدات واللوحات الشمسية، وخزانات المياه، وغيرها.
لذلك اتخذت الدولة العديد من الإجراءات مثل الإدارة الشاملة للنظام الإيكولوجي، ومواجهة خطر التلوث، وتطبيق المبدأ الوقائي، واستغلال الطاقة النظيفة بأشكالها المتاحة كالطاقة الشميسة والمائية وكذا طاقة الكتلة الحيوية وغيرها، خاصة وأنها توسّع من استخدامات الطاقة الشمسية لا سيما في عمليات ضخ المياه من الآبار وتنقيتها، والتي تتطلب تكاليف أقل في مقابل إفادة أكبر تتمثل في توفير مياه شرب نقية للاستخدام الإنساني والثروة الحيوانية وفي الزراعة وغيرها. ومن ثَمَّ تعتمد العديد من دول شرق إفريقيا على تلك الطاقات مثل أوغندا وتنزانيا ورواندا وإثيوبيا.
وعلى مستوى استخدامات طاقة الرياح، شرعت كينيا في بناء محطة طاقة رياح على بحيرة توركانا، وذلك بهدف توليد الطاقة الكهربية، وتعزيز التنمية المستدامة، وذلك بالشراكة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، حيث تنتج المحطة 310 ميغاوات من طاقة الرياح إلى شبكة كينيا الوطنية من خلال تركيب 365 توربينة، وبناء 436 كيلومترًا من خطوط النقل؛ وبالتالي سيعمل المشروع على توفير وزيادة إمدادات الكهرباء الوطنية بنسبة 15-20٪ (مقارنة بقدرة التوليد لعام 2015م)، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بما يعادل 740 ألف طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًّا([8]).
من ناحية أخرى شرعت تنزانيا وكينيا أيضًا لبناء مصنعين لمعاملة الغاز الحيوي لإنتاج الطاقة المتجددة من روث الحيوانات، و300 مصنع يعمل بكفاءة استهلاك الطاقة للحد من إزالة الغابات، بالإضافة لاستغلال الطاقة الحرارية الأرضية المتوفرة بشكل كبير في تلك الدول([9])، حيث تمتلك كينيا وحدها طاقة كهربية تقدر بحوالي 1000 ميغاوات من الطاقة الحرارية الأرضية، لذلك تعتبر من أهم دول شرق إفريقيا اعتمادًا على الطاقة النظيفة؛ حيث تمتلك ثلاث محطات طاقة حرارية أرضية بالإضافة لحوالي 20 موقعًا مؤهلاً للحفر. وفي عام 2017م وصلت القدرة الكهربية حوالي 880 ميغاواط من الطاقة الحرارية، وهو ما أهَّلها للحصول على الدعم الدولي لا سيما من البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة([10])؛ وذلك على عكس باقي دول شرق إفريقيا كإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي وأوغندا والتي واجهت إشكاليات مالية وفنية في استغلال الطاقة الحرارية؛ وهو ما يمثل عائقًا أمام استغلال تلك الطاقات في عملية التنمية في تلك الدول، لذلك يؤثر عدم استخدام الطاقة النظيفة على التنمية والوضع الاقتصادي على نطاق واسع، وكذا المعيشي للمواطن الذي ربما يجد نطاقًا بديلاً للاستفادة منه بدلاً من مصادر الطاقة الأولية المكلفة والأخذة في النفاذ، بما يهدّد الوضع المعيشي لشعوب المنطقة.
ويوضّح الشكل التالي إسهامات الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء في بعض دول شرق إفريقيا مثل كينيا وجزر القمر.
الشكل رقم (2) القدرة الكهربية من الطاقة المتجددة في كينيا
Source : Luca Angelino and Jack Kiruja (IRENA) and Peter Omenda (consultant), geothermal development in eastern Africa ( Abu Dhabi: International Renewable Energy Agency (IRENA),October 2019), p.57.
كما يوضح الشكل التالي رقم (3) الطاقة الكهربية المولدة من مصادر الوقود الأحفوري أو الموارد المائية في جزر القمر، والتي تعتمد عليها بشكل كبير، نتيجة افتقار الطاقة الحرارية الأرضية بالرغم من التزام الحكومة بالتنقيب عنها بمساعدة المنظمات الدولية (مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، خاصة في منطقة بركان كارتالا، الذي يقع في جزيرة جراند كومورو الرئيسية، حيث يقدر قدرته على إنتاج أكثر من 40 ميغاوات([11]).
الشكل رقم (3) توليد الطاقة الكهربية من الطاقات النظيفة في جزر القمر
Source : Luca Angelino and Jack Kiruja (IRENA) and Peter Omenda (consultant), geothermal development in eastern Africa (Abu Dhabi: International Renewable Energy Agency (IRENA),October 2019), p.47.
أما جيبوتي فنجد أنها لا تعتمد بشكل كبير على الطاقة النظيفة؛ حيث تستورد ما يقرب من 70% من الكهرباء من إثيوبيا، والتي تنتجها من الطاقة الكهرومائية، في حين أنها تمتلك ما يقرب من 0.3 ميجاوات من الطاقة الشمسية، وبالنسبة للطاقة الحرارية الأرضية فقد بدأت جيبوتي التنقيب عنها منذ عام 1970م، وحددت ما لا يقل عن 22 منطقة طاقة حرارية أرضية، بجانب حفر العديد من الآبار الاستكشافية العميقة؛ حيث تشرع الدولة بالاعتماد على تلك الطاقات مع الرؤية التنموية 2053، لذلك أنشأت قاعدة بيانات لـ22 موقعًا للطاقة الحرارية الأرضية في الدولة، وأعطت الأولوية لتطويرها([12]).
وعن الصومال فنجد أن لديها افتقارًا في استغلال الطاقة المتجددة على نطاق واسع، ويكون اعتمادها بنسبة 82% على الفحم والحطب والنفط المستورد لإنتاج الوقود، إلا أنها تستغل طاقة الرياح لإنتاج الكهرباء، ولكن ليس بِنِسب كبيرة تكفي احتياجاتها من الكهرباء المفقودة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة، وذلك بالرغم من امتلاكها أعلى إمكانيات للإنتاج في إفريقيا، أما الطاقة الشمسية فيكون استغلالها في المتوسط بالرغم من امتلاكها أيضًا طاقة هائلة من أشعة الشمس؛ حيث تحصل الدولة على 2900 إلى 3100 ساعة في السنة من أشعة الشمس، ولديها واحدة من أعلى المتوسطات اليومية من الإشعاع الشمسي في العالم([13]).
في حين أن إثيوبيا تمتلك قدرًا هائلاً من الطاقة النظيفة الممثلة في الطاقة الكهرومائية، وطاقة الرياح، والطاقة الحيوية، والنفايات الصلبة، والمولدات القائمة على الطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، والوقود الأحفوري؛ والتي تعتبر مصدرًا للطاقة الكهربية لما يقرب من 4525 ميجاوات، وتعتبر الطاقة الكهرومائية من أكثر المصادر إنتاجًا للكهرباء، والتي تمثل 84% من الطاقات النظيفة، التي يتم الاعتماد عليها في إنتاجها؛ كما ساهمت طاقة الرياح بسعة كبيرة في إنتاج الكهرباء أيضًا لا سيما في الفترة من 2010م حتى 2019م، وقد انعكس استغلال تلك الطاقات على توصيل الكهرباء لسكان المدن، أيضًا تُعتبر إثيوبيا من أهم دول شرق إفريقيا امتلاكًا للطاقة الحرارية الأرضية؛ حيث أظهرت الاكتشافات أن هناك ما لا يقل عن 120 موقعًا حراريًّا في الوادي المتصدع، منها 24 موقعًا يمكن أن تكون ذا مورد حراري عالٍ ومناسب لتوليد الطاقة، إلا أن تلك المواقع واجهت إشكالية في التنقيب نتيجة عوائق فنية ومالية في عام 2003م و2015م، وبعضها متوقف منذ العام 2015م؛ لذلك فإن تلك الطاقات في المجمل منخفضة الاستخدام بالرغم من إمكانات الدولة لاستخدامها في أغراض عدة كالتطبيقات الصناعية وتدفئة الصوبات في المجال الزراعي وتربية الأحياء المائية، وغيرها، ومِن ثَمَّ تشرع الدولة في استخدام الطاقة الحرارية على نطاق واسع، وكذا الحكومات الإقليمية، ومن بين المشاريع التي تم تمويلها جزئيًّا مشروع استكشافات الطاقة الحرارية في مارس 2020م([14]). حيث يوضح الشكل التالي توليد الكهرباء من الطاقة النظيفة المتعددة في إثيوبيا.
الشكل رقم (4) إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة
Source : Luca Angelino and Jack Kiruja (IRENA) and Peter Omenda (consultant), geothermal development in eastern Africa ( Abu Dhabi: International Renewable Energy Agency (IRENA),October 2019), p.52.
أما على صعيد استخدامات الطاقة النظيفة في تنزانيا، فيتضح أن الدولة كسابقتها من دول شرق إفريقيا لديها نطاق واسع من موارد الطاقة النظيفة، ويبقى العائق الأساسي حول كيفية استغلالها بشكل كافٍ في ظل الافتقار المالي والتقني وندرة الخبرة؛ حيث شهدت الدولة نموًّا بطيئًا في توليد الطاقة الكهربائية، إلا أن جزءًا منها تُعول فيه على الطاقات النظيفة؛ حيث زادت نسبة توليد الكهرباء من 1150 ميجاوات في عام 2010م إلى 1640 ميجاوات في عام 2018م، تساهم الطاقة الحيوية منها بمقدار (26 ميجاوات)، والطاقة الكهرومائية (15 ميجاوات)، والطاقة الشمسية الكهروضوئية (26 ميجاوات)، أما الطاقة الحرارية الأرضية فمازالت ضعيفة وفي مرحلة الاستكشاف، لذلك تتبنى الدولة خططًا استراتيجية لاستكشافها؛ حيث تهدف إلى توليد كهرباء بمقدار 200 ميغاوات في الخطة التنموية لعام 2025م([15]). حيث يوضح الشكل التالي توليد الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة المتوفرة في تنزانيا.
الشكل رقم (5) إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة في تنزانيا
Source : Luca Angelino and Jack Kiruja (IRENA) and Peter Omenda (consultant), geothermal development in eastern Africa,( Abu Dhabi: International Renewable Energy Agency (IRENA),October 2019), p.66.
وعلى صعيد استخدام الطاقة في رواندا فقد تم استغلال الطاقة المتجددة للاستفادة منها في كثير من المقاطعات؛ حيث تم بناء مزرعة للطاقة الشمسية في منطقة رواماجانا في المقاطعة الشرقية للدولة، والتي تكلفت 23.7 مليون دولار؛ وتستخدم المحطة 28,360 من الألواح الضوئية وتنتج 6٪ من إجمالي إمدادات الكهرباء في الدولة؛ كما توجد محطة للطاقة الشمسية في كيجالي تسمى محطة كيجالي سولير للكهرباء الفولتية الضوئية بقوة 250 كيلووات، وذلك بمساعدة الأمم المتحدة والولايات المتحدة؛ حيث دعمت الأخيرة برنامج تنمية الطاقة المتجددة في إفريقيا، وهي المبادرة التي أطلقها الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2013م، والتي تهدف إلى إضافة أكثر من 30 جيجاواط من الطاقة النظيفة إلى إفريقيا، وهو ما يكفي لتشغيل 60 مليون منزل وشركة([16]).
أما في أوغندا، فقد اعتمدت على الطاقة الكهرومائية بنسبة كبيرة في توليد الكهرباء، التي زادت من 630 ميجاوات كهربائية إلى 1179 ميجاوات بين عامي 2010م و2019م، حيث بلغت نسبة الاعتماد على الطاقة الكهرومائية حوالي 88%، في حين قدّرت الطاقة الحيوية بنسبة 7٪، بينما شكلت الطاقة الشمسية الكهروضوئية 5٪؛ وذلك بالإضافة لامتلاك أوغندا قدرة مركبة خارج الشبكة تبلغ 33 ميجاوات كهربائية تتكون من الطاقة الشمسية الكهروضوئية (28 ميجاوات) ([17])، والتي يوضحها الشكل رقم (6)، كما تتوفر الطاقة الحرارية الأرضية بشكل كبير في الجزء الغربي من أوغندا على طول الحدود مع الكونغو الديمقراطية، وبالرغم من تلك الإسهامات وتوفر مورد الطاقة، إلا أن استخدام الدولة مازال ضعيفًا مقارنة بباقي دول المنطقة التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة المتجددة، ناهيك عن قلة الخبرة والاستخدام الخاطئ لبعضها كالطاقة الحرارية، في ظل الافتقار إلى أحدث المعدات الميدانية والمختبرية الكافية لجمع البيانات وتحليلها ووضع نماذج لها؛ مع عدم وجود سياسة داعمة. ويوضح الشكل التالي إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة في أوغندا.
الشكل رقم (6) إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة في أوغندا
Source: Luca Angelino and Jack Kiruja (IRENA) and Peter Omenda (consultant), geothermal development in eastern Africa,( Abu Dhabi: International Renewable Energy Agency (IRENA),October 2019), p.70.
خلاصة القول، بالرغم من امتلاك دول شرق إفريقيا العديد من إمكانات الطاقة النظيفة التي تؤهلها لأن تكون من أوائل الدول الصاعدة في استخدامات الطاقة، فإنها مازالت تواجه تحديات جمة في استغلالها على نطاق واسع، لذلك يعوّل على سياسات الدول داخليًّا لتوجيه الدعم نحو استغلال الطاقة بمساعدة المؤسسات الدولية المانحة، التي تعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية والبيئية.
رابعًا: مشاريع أمن الطاقة النظيفة في دول شرق إفريقيا
يُعدّ أمن الطاقة من أهم الاستراتيجيات التي تحاول الدول الوصول لها بشتى الطرق سواء المحلية أو التجارية، وحتى الاستثمارية والتشاركية في بعض الأحيان، فهي بذلك تحاول المحافظة على كيانها الطاقوي والاقتصادي في نفس الوقت، كما أن الأمن البيئي أصبح المعادلة العكسية للأمن الطاقوي، وبذلك أصبحت مشاريع توليد الطاقات النظيفة من أولويات الدول الإفريقية التي يُعدّ تكتل شرق إفريقيا من أهم مناطقها التي استغلت هذه المشاريع في تنويع الطاقات البديلة من جهة والحفاظ على البيئة من جهة أخرى.
1- متطلبات أمن الطاقة في شرق إفريقيا
مرت القارة الإفريقية بمجموعة من التطورات كانت جميعها مخرجات لثورات وأزمات متتالية تختص بالطاقة، والتي بدأت مع معرفة البشرية لست ثورات تمثلت في اكتشاف النار واختراع الزراعة، وصهر المعادن، واختراع البارود وطاقة البخار، وأخيرًا اكتشاف النفط بكل أنواعه ومشتقاته، لتحل الطاقة النظيفة والمتجددة كأحد أهم الموارد الاقتصادية التي يعول عليها في التنمية الاقتصادية في المنطقة، وتعتبر بديلاً لا غنى عنه لدى العديد من الأسر، وتغني في كثير من الأحيان عن الطاقة غير المتجددة([18])، لا سيما وأن العديد من الاستراتيجيين ينظرون إلى النفط وما يتخلله من طاقات تقليدية وشؤون نفطية بمستقبل ذي وضع سيئ، وهو الأمر الذي يشكّل خطرًا على القارة بشكل عام وشرق إفريقيا بشكل خاص([19]).
والجدير بالذكر هنا هو كثرة الحديث في الآونة الأخيرة حول الدور الحاسم الذي تلعبه التكنولوجيا الغربية في دفع عمليات التنمية العربية والإفريقية إلى آفاق جديدة خاصة في ما يخص أنماط الطاقة بمختلف أنواعها؛ حيث يرجّح جميع المحللين هذا التخلف الذي تعاني منه إفريقيا إلى عدم مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة في كافة المجالات، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى ما يسمى بالفجوة التكنولوجية والعلمية بين العالم الإفريقي وبين العالم الغربي الأوروبي المتقدم والمتطور([20]).
ومن المعروف أن النفط كان دومًا بمثابة سبب لقيام ونشوب الحروب في القرن الواحد والعشرين؛ وذلك للحصول على مصادر وتأمين الطاقة، ولكن سرعان ما تطورت هذه الحروب إلى صراعات خلال فترات استثمار هذه المصادر الطاقوية، فأمن الطاقة اختزله تشرشل في التنوع. أما البنك الدولي فقد طرحه بشكل موسّع وشامل يتضمن داخله الرشادة والاستدامة والتنمية لكل الدول، وهو ما ينمُّ عن أن الدول يمكنها أن تنتج وتستخدم الطاقة على المدى البعيد وبسعر مناسب، وهو بدوره يساهم في تحقيق النمو والانتعاش الاقتصادي من خلال تقليل الهشاشة وتحسين مستويات المعيشة وتسهيل الدخول لخدمات الطاقات الحديثة والنظيفة منها([21]).
ومن ثَمَّ فإن هناك عديد من المخاطر التي تهدّد أمن الطاقة وبالمقابل وجب تنويع السياسات التي يمكن أن تستغل وتستعمل للتقليل من هذه المخاطر وإزالتها، وهذه المخاطر تتنوع كذلك، فمنها ماهو جيولوجي أو تقني أو اقتصادي أو بيئي أو جيوسياسي، فالخلل الجيوسياسي للطاقة في دول شرق إفريقيا لا يتوقف على كثرة الموارد الطاقوية الناضبة، بل في كيفية استغلالها بالشكل الصحيح، وتوافر القدرة المالية والفنية للعمل بها، بما يجعل الطلب على هذه الموارد الطاقوية كبيرًا ومكثفًا، بالإضافة للتأثر بعوامل سياسية بحتة، تمثلت في تنافس القوى الدولية وتوجهها بمشاريع مغرية نحو الشرق الإفريقي للهيمنة على موارد الطاقة وفرض التبعية الناعمة على دوله من خلال المساومة والاغراء، لا سيما أن معايير القوة قد تبدلت في القرن الواحد والعشرين من سياسات الإكراه إلى سياسات الجذب، وهو ما يطبق على دول شرق إفريقيا حاليًا([22]).
لذلك فإن أمن الطاقة في دول شرق إفريقيا مرتبط الآن بمدى نجاح مشاريع التنمية والطاقات النظيفة التي يمكن أن تزيد من إنتاجية هذه الدول ورفع القيمة الاقتصادية أمامها في شتى المجالات والقطاعات الفردية أو التي تدخل ضمن التكتلات الآنية بين دول القارة.
2- خطوات البحث عن الطاقات البديلة والنظيفة في دول شرق إفريقيا:
يقوم التطور والتمايز الاقتصادي في مجمله على مجموعة من العناصر المهمة تتمثل في رؤوس الأموال وتشتمل على مجموعة الاستثمارات المادية، وكذلك البشرية التي تدخل في الإطار اللوجستي “السلع والخدمات” والادخار الموجه للاستهلاك والاستثمار، كذلك إلى القوى العاملة والعمل، وهو ما يساهم بدرجة كبيرة في توفير وإنتاج السلع والخدمات استنادًا إلى القدرات الفكرية والجسدية والاستراتيجية التي يساهم بها الإنسان في العملية الإنتاجية، كذلك التكنولوجيا التي أشرنا إليها سابقًا، والتي تتمثل في التقنيات الحديثة والأنظمة المتطورة التي تعتمد عليها الكفاءة الإنتاجية([23]).
وفي هذا الصدد يجب مراعاة ما فعله البنك الإفريقي للتنمية في القارة الإفريقية عامة ومع دول شرق إفريقيا خاصة؛ حيث دخل البنك حيّز النشاط الاستثماري، وأصبح رافدًا للتنمية في القارة ككل، وجعل من المساهمة في تنمية البلدان الإفريقية على رأس أولوياته، فبين عام 1967م إلى 2011م قدم البنك 3660 قرضًا في مختلف المشاريع؛ حيث كان لدول شرق إفريقيا النصيب الأكبر، كما هدفت استراتيجية البنك منذ تأسيسه إلى تحقيق جملة من الأهداف؛ حيث قام بإعداد استراتيجية من 2013م إلى 2022م تهدف إلى تحقيق التنمية والنمو الشامل في جميع أرجاء القارة مع مراعاة الجوانب البيئية، والتي تعرف بالنمو النظيف والأخضر، كما دعم البنك المبادرات الإفريقية الموجهة للمساندة الفردية والجماعية، وخاصة فيما يتعلق بالطاقات النظيفة في شرق إفريقيا، كما دعم مقدرات هذه الدول على الاندماج الجهوي والإقليمي وحتى الدولي، واعتمد على تمويل المشاريع الزراعية والصناعية وخاصة البترولية الخاصة بالبِنَى التحتية، وشجَّع القطاع الخاص من خلال تمويل المؤسسات الصغيرة([24]).
ومع التوجه نحو الطاقة النظيفة فإنها ستكون من أهم البدائل التي يعول عليها في حماية البيئة والنظام الإيكولوجي، خاصة وأنها ستوفر الكثير من الفائدة والأموال التي كانت ستهدر في برامج التصفية والأدوية لمعالجة مختلف الأمراض التي تخلّفها الطاقة التقليدية الملوثة كالبترول والفحم وغيرها، وعلي هذا فإن الطاقات النظيفة والتنمية المستدامة وجهان لعملة واحدة؛ حيث إنه كلما تم التوصل إلى اكتشاف طاقات نظيفة وبديلة كلما كان مستقبل الأجيال القادمة أكثر ازدهارًا؛ بشرط أن تُستثمر بعقلانية ووفق معايير وميكانزمات الحكم الراشد، التي أصبحت الآن مطلبًا عالميًّا([25]).
خامسًا: مشاريع الطاقات النظيفة في شرق إفريقيا بين الفرص والتحديات
لا شك أن القارة الإفريقية مستودع للطاقة المتجددة بكافة أشكالها، والتي تعتبر من أهم عوامل التنمية الاقتصادية وتصاعد وتيرة الاستثمار؛ حيث تشهد دول القارة طفرة في التنمية من خلال استغلال الطاقة النظيفة التي أصبح التعويل عليها عاملاً رئيسًا في سدّ احتياج الدول من الطاقة لا سيما الكهرباء، لكن تبقى سياسات صناع القرار والفساد المستشري في المؤسسات بالإضافة لمصالح القوى الدولية وضعف المنظومة الأمنية والمجتمعية والاقتصادية أيضًا أحد أهم التحديات التي تواجه الطاقة النظيفة في القارة.
أيضًا نجد أن استكشاف الطاقات واستغلالها يتكلف ملايين الدولارات، وهو ما يقف عائقًا أمام الدول الإفريقية ذات الدخل المتدني، لذلك يعوّل على المنظمات الدولية سواء المانحة أو المقرضة، دعم الدول الإفريقية ماليًّا ولوجستيًّا في استغلال مواردها، وكذا إمدادها بقروض مع تسهيل عمليات السداد دون شروط تعجيزية أو مجحفة تحول دون استمرار عملية التنمية باستغلال تلك الطاقات.
من ناحية أخرى يوجد تحدّي الافتقار إلى الخبرة العلمية والفنية لدى الأفارقة، والتي تؤثر بشكل كبير على عملية الحفر الاستكشافي للطاقة، بل وقلة الخبرة في إجراء مفاوضات اتفاقية شراء الطاقة مع المطورين من القطاع الخاص، وعدم تبنّي استراتيجية قائمة على التنظيم والتخطيط لمشاريع الطاقة في ظل الافتقار إلى الإمكانات العلمية والتقنية الخاصة بعملية الاستكشاف، وكذا نقص في الدراسات الجيولوجية المحددة لإنتاج نمذجة ثلاثية الأبعاد لأنظمة الحمل الحراري الجوفية الضحلة.
لذلك تُتخذ العديد من السياسات الإنمائية التي تعزّز من استغلال الطاقة النظيفة والمتجددة بشكل أكبر وتعوّض النقص في إمدادت المصادر الأولية، والحفاظ على النظام الإيكولوجي، والتقليل من انبعاثات الكربون، وإحداث تنمية مستدامة؛ والتي تتوفر من خلال اتخاذ تدابير استراتيجية بعيدة المدى وفق بدائل مرنة ومعايير موضوعية، قائمة على تقييم الموارد وتقدير احتياجات الدول من الطاقة، بما يساهم بشكل كبير في إحداث طفرة اقتصادية تقضي على عوامل الفقر والجفاف؛ ومِن ثَمَّ يظل التوجه نحو استغلال الطاقة النظيفة والمتجددة في المنطقة يحتاج لمزيد من الجهود المحلية والدولية، بل وإعطاء الأولوية لعملية التطور من خلال الاعتماد على تلك الطاقات، بما يحقق التنمة المستدامة، ويواجه على المدى البعيد إشكاليات وعوائق التطور الاقتصادي.
خلاصة القول:
تظل القارة الإفريقية، ومنطقة شرق إفريقيا تحديدًا، تواجه العديد من التحديات التي تقف عائقًا أمام استغلال الطاقة النظيفة، التي تعتبر ركيزة لعملية التطور الاقتصادي، وحتى الاجتماعي على المدى البعيد، لذلك لا بد من توجُّه السياسيات الاقتصادية نحو دعم الطاقة البديلة، وتوجيه الدعم الدولي نحو تمويل مشاريع الطاقة المتجددة، والتي ستوفر بشكل كبير استمرارية المساعدات الدولية الموجهة نحو الحدّ من الفقر؛ لأن مشاريع الطاقة ستعزّز من النمو الاقتصادي، ومن ثَمَّ حدوث اكتفاء ذاتي للسكان لا سيما من الكهرباء، بالإضافة لتوفير فرص عمل للشباب، وغيرها من عوامل التنمية المستدامة التي تعتمدها أجندات التنمية الإفريقية للأعوام المستقبلية.
([1]) عديلة محمد الطاهر، سليم جداي، الأمن الطاقوي للجزائر: دراسة في الدوافع والمحددات، الملتقى العلمي الوطني عن بعد حول: السياسة الطاقوية للجزائر بين المعايير البيئية وسياسات التنمية المستدامة (الجزائر: جامعة محمد بوضياف، 16 ديسمبر 2020)، ص 5.
[2] – Sahara Wind https://saharawind.com/
([3]) جيلبيرت خادياجالا، شرق إفريقيا الأمن وارث الهشاشة، دراسات عالمية (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط 1 ،2009)، ص11.
([4]) المرجع السابق، ص 22،23.
([5]) رشا السيد عشري، استراتيجية تعزيز التنمية المستدامة في إطار إصلاح السدود الكينية، مجلة قراءات إفريقية، 28/9/2020م.
[6]– Erica Gies, Can wind and solar fuel Africa’s future?, nature, 02 November 2016.
([7]) د. رشا السيد عشري، أزمة السدود في كينيا بين الكوارث الداخلية وسياسات دول الجوار (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2021)، ص 34-36.
[8]– LEDS GP Benefits Working Group, the United States Agency for International Development (USAID) and ICF, LEDS in practice: Massive wind power project to benefit Kenya, February 1, 2017
([9]) مكتب منظمة الأغذية الزراعة للاتصالات المؤسسية (فاو)، ترجمة، حمزة بحري، 70 عامًا على إنشاء منظمة الأغذية والزراعة (1945-2015م) (واشنطن: منظمة الأغذية والزراعة فاو، 2015م)، ص 106.
[10]– Li Bellucci, Marnell Dickson, and Mario Fanelli, ELECTRICITY GENERATION, International Geothermal association, 2005. https://web.archive.org/web/20071210032039/http://iga.igg.cnr.it/geoworld/geoworld.php?sub=map&country=kenya
[11]– Luca Angelino and Jack Kiruja (IRENA) and Peter Omenda (consultant), geothermal development in eastern Africa ( Abu Dhabi: International Renewable Energy Agency (IRENA),October 2019), p.48.
[12] – Ibid, p. 48-51.
([13]) الصومال، المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، د.ت.
https://www.rcreee.org/ar/member-states/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84/4047
[14] – Luca Angelino and Jack Kiruja (IRENA) and Peter Omenda (consultant), Op.Cit, p.p, 51-56.
[15] – Ibid, p. 66-69.
[16]– SHARON UDASIN, In Rwanda, Israelis and Americans launch East Africa’s first commercial solar field, Jerusalem post, FEBRUARY 6, 2015. https://www.jpost.com/Israel-News/New-Tech/In-Rwanda-Israelis-and-Americans-launch-East-Africas-first-commercial-solar-field-390197
[17] – Luca Angelino and Jack Kiruja (IRENA) and Peter Omenda (consultant), Op.Cit, p.p, 70-73.
([18]) حافظ برجاس، تقديم محمد المجذوب، الصراع الدولي على النفط العربي (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والاعلام، ط 1، 2000)، ص19.
([19]) عبد الحي زلوم، حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1، 2005)، ص15.
([20]) محمود عبد الفضيل، النفط والمشكلات المعاصرة للتنمية العربية (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة كتب ثقافية شهرية)، ص37.
([21]) بوشنافة شمسة، الثابت والمتغير في سياسية الامن الطاقوي الامريكية، مجلة الحقيقة (بيروت: مجلة الحقيقة، العدد38) ص83.
([22]) ضحى لعيبي كاظم السدخان، تحليل جيوسياسي لمصادر الطاقة الأحفورية “الصين والولايات المتحدة الأمريكية”: دراسة مقارنة، مجلة الخليج العربي (الرياض: مجلة الخليج العربي، المجلد 49، العدد الأول، 2021)، ص275.
([23]) بوعتلي محمد، دراسة قياسية لتأثير استهلاك الطاقات المتجددة على النمو الاقتصادي في المغرب العربي، مجلة آفاق للعلوم الإدارية والاقتصادية (الجزائر: مجلة آفاق للعلوم الإدارية والاقتصادية، المجلد الثالث، العدد الأول ،2019)، ص12.
([24]) عبد الكريم معمري، بلال بوجمعة، “توجه الجزائر نحو البنك الإفريقي للتنمية لتمويل برامج دعم التنافسية الصناعية والطاقة آفاق 2030“، مجلة علوم الاقتصاد والتسيير والتجارة (الجزائر: مجلة علوم الاقتصاد والتسيير والتجارة، المجلد 21، العدد02، 2018)، ص165،166.
([25]) براهمي عبد الرزاق، أبرادشة فريد، مقاربة الطاقات المتجددة بين حتمية التنمية المستدامة ومعوقات التطوير، مجلة الدراسات الاقتصادية المعاصرة (الجزائر: مجلة الدراسات الاقتصادية المعاصرة، المجلد الرابع، العدد الأول ،2019)، ص146.