د. قاسم بدماصي (*)
عندما نتحدث عن التعليم الإسلامي في غرب إفريقيا؛ فإنما ينصب ذلك أولاً على التعليم الإسلامي ولغته العربية وثقافته الشاملة.
وهذا الذي يجعلني أتطرق لتحديد أنواع المؤسسات التعليمية الموجودة على الساحة في دول غرب إفريقيا؛ لنستطيع إلقاء الضوء على الوسائل والأساليب اللازمة لتطوير التعليم من خلالها.
وعلى ذلك أقول:
إن المؤسسات التعليمية الإسلامية في غرب إفريقيا بالمفهوم العام تتكون من دور العلم الآتي ذكرها:
1- الكتاتيب: لتعليم القرآن العظيم وتحفيظه، وتعليم القراءة والكتابة، وشيء يسير من الفقه واللغة العربية وما أشبه ذلك، حسب مستوى الطالب العلمي.
2- مجالس العلم: في المساجد ودور العلم، ومنازل بعض العلماء، حيث يتجمّع طلاب العلم من الأماكن القريبة والبعيدة لتلقي العلوم المتنوعة من عالم أو أكثر من علماء تلك الدور.
3- المدارس النظامية العربية الإسلامية الأهلية: بمراحلها الابتدائية والإعدادية والثانوية.
4- المدارس الحكومية: بمستوياتها الابتدائية، والثانوية الصغرىJunior Secondary School ، والثانـوية الكبرى Senior Secondary School، أو الثانوية العامة التي تُدرس فيها اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
5- الكليات المتوسطة الأهلية والمعاهد العليا: التي تمنح شهادات الدبلوم التي يقوم عليها بعض الشيوخ والدعاة المتحمسين للدعوة والتعليم الإسلامي، أو التي قامت بتأسيسها بعض المؤسسات الإسلامية الخيرية من الخارج.
6- كليات التربية المتوسطة الحكومية: حيث توجد أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
7- الجامعات الأهلية: المحلية أو التي تملكها المؤسسات الإسلامية من خارج البلد، مثل الجامعة الإسلامية بجمهورية النيجر، وتلك التي بجمهورية أوغندا، وجامعة الحكمة بمدينة إلورن في نيجيريا.
8- الجامعات الحكومية: التي توجد فيها كليات أو أقسام للغة العربية والعلوم الإسلامية.
هذا، وإنما لجأت إلى هذا التصنيف لنتمكن من استبصار تفاوت المستويات العلمية في تلك المؤسسات؛ بما يستلزم مراعاة الوسائل والأساليب المناسبة لتطوير التعليم في كلّ صنف منها.
والآن إلى تلك الوسائل المهمة لتطوير التعليم الإسلامي في المنطقة على ضوء هذا البحث:
أهم الوسائل والأساليب اللازمة لتطوير التعليم في غرب إفريقيا:
لا يخفى وجود تشابه كبير في الأوضاع التعليمية بين دول إفريقيا غير العربية عامة، ودول غرب إفريقيا خاصة؛ من حيث واقع التعليم في مراحله، وإدارته ومدارسه، وموقف الحكومات منه، وواقع الكفايات العلمية في تلك المدارس، ومن حيث مقاطعة المسلمين – في جميع أقطار المنطقة – مدارس الإرساليات التنصيرية التي تتبع الاستعمار أو يدعمها، وإبقاء أولادهم في كتاتيب القرآن خشية أن يتنصَّروا(1)، بل أسّس بعضهم مدارس عربية مستقلة تقدّم العلوم العربية والإسلامية دون العلوم العصرية، وذلك لتأثّر التعليم الحكومي بالتعاليم النصرانية في مناهجه(2).
ثم تطوّر الأمر إلى تأسيس معاهد ثانوية وكليات متوسطة خاصة تُعنى بالعلوم العربية والإسلامية، إلا أن هذا النوع من المدارس والكليات غير معترف بها لدى الحكومات في بعض دول غرب إفريقيا؛ فلا يحصل خريجوها، بل ولا خريجو جامعات الدول العربية، على وظائف حكومية بشهاداتها، ولا يُسمح لهم بمواصلة التعليم العالي في جامعات البلاد إلا نادراً(3).
والحديث عن الوسائل والأساليب المناسبة لتطوير التعليم في منطقة غرب إفريقيا يتطلب تصنيفها وفق الإطار العام للمراحل التعليمية المختلفة، مع الإشارة إلى بعض أساليب قد تتعلّق ببعض وسائل التعليم من حيث المناهج، والمعلمون، والكتب، وطرق التدريس ونحوها، لذا قسَّمت الوسائل إلى خاصة وعامة، والخاصة منها ما هي فنيَّة ومنها مادية.
أولاً: إنشاء مجلس إقليمي للمؤسسات التعليمية العربية الإسلامية لـ(غرب إفريقيا).
ثانيا: الوسائل الخاصة المادية.
ثالثاً: الوسائل العامة.
وألزمها في وجهة نظر الباحث:
أولاً: إنشاء مجلس إقليمي للمؤسسات التعليمية العربية الإسلامية لـ(غرب إفريقيا):
إن معظم دول غرب إفريقيا – إن لم يكن جميعها – يحتاج التعليم الإسلامي فيها إلى عناية كبيرة لتطويره؛ بطريقة تجعله مع التعليم العصري الحكومي كفرسي رهان، من حيث التنظيم والتطوير والمتابعة، مع احتفاظه بطابعه الإسلامي الأصيل.
وأنجع وسيلة لازمة لتحقيق ذلك – في نظري – إنشاء اتحاد إقليمي للمؤسسات التعليمية العربية الإسلامية لجميع دول غرب إفريقيا، ويُعقد لتأسيسه مؤتمر إقليمي يجمع ممثلي الدول الأعضاء، ويكون مقرُّه الرئيس في دولة من دول غرب إفريقيا، على أن يتفرع منه اتحاد وطني كذلك لكل دولة من تلك الدول، يكون بمثابة وزارة التعليم والتربية الوطنية للمدارس العربية الإسلامية، ويُسجّل لدى سلطات الدولة حتى يكون معترفاً به وبما يقوم به من أعمال ونشاطات في التعليم والتربية في الدولة التي هو بها، وفي جميع دول العالم.
وينبغي أن يتمتع هذا المجلس بما يأتي:
1- اعتراف كامل من جميع الدول العربية الإسلامية بكونه المجلس الموحِّد للمؤسسات التعليمية العربية والإسلامية بجميع مراحلها الدراسية في غرب إفريقيا.
2- الاعتراف بما يصدر عنه من أعمال ونشاطات تعليمية وتربوية.
3- توجيه جميع الدعم والمساعدات الخاصة بالتعليم في غرب إفريقيا من أي مؤسسة خيرية أو جامعة إسلامية أو دولة عربية وإسلامية إلى هذا المجلس؛ بوصفه وكيلاً عن المؤسسات التعليمية العربية الإسلامية في المنطقة.
4- إيصال جميع الدعم والمساعدات الخاصة بالتعليم لأي مؤسسة تعليمية في غرب إفريقيا إلى الجهة المستفيدة عن طريق هذا المجلس.
وهذه الوسيلة في نظري هي كبرى تلك الوسائل وأراها لازمة ومهمة لتحقيق بقية الوسائل الخاصة والعامة.
ثمّ إن مهامّ هذا المجلس تتركز في السعي لتحقيق الوسائل والأساليب التي غايتها أن ترفع شأن التعليم الإسلامي وتطوّره، وتمكنّه من منافسة التعليم العصري الإلحادي، ومن إثبات جدارته لمسايرة تطورات الحياة الإنسانية.
ولعل أبرز الوسائل التي يمكن أن يطوّر بها التعليم، مما ينبغي أن يكون من مهام المجلس المذكور، ما يأتي:
(1) توحيد المناهج الدراسية بين جميع مدارس كلّ دولة من الدول الأعضاء:
إن أنواع المؤسسات التعليمية الموجودة في غرب إفريقيا تنقسم في مجملها من حيث جهة إدارتها إلى مجموعتين؛ أولاهما مؤسسات تعليمية أهلية، والأخرى حكومية.
فالمجموعة الأولى، وهي المدارس والكليات الأهلية: معظمها غير ملحقة بالجامعات في المنطقة، وتدار بمجهودات فردية قاصرة، ومن ثم فهي تعاني نقصاً شديداً في اتباع أساليب تربوية حديثة مناسبة في التعليم، ولا تملك مناهج محددة تسير عليها، وقد لا يفهم المدير شيئاً عما يُسمّى بالمنهج؛ إذ لا توجد لهذه المدارس جهة مسؤولة عن وضع المناهج للمواد التي تُدرس فيها.
وأما المجموعة الثانية، وهي المدارس الحكومية التي تُدرس فيها اللغة العربية والعلوم الإسلامية: فتعاني ضعفاً شديداً في المنهج الذي وُضع للمقرَّرَيْن، حيث أُسند الأمر في وزارات التعليم فيها إلى غير أهله، فوضعوا منهجاً لطالب الثانوي لا يناسب المستوى الابتدائي مثلاً، بل يتخرج الطالب الجامعي في قسم اللغة العربية ولا يستطيع تركيب جملة عربية صحيحة، فضلاً عن التحدُّث بها بصورة مقبولة.
فيكون من مهام المجلس إنشاء قسم خاص في كلّ اتحاد وطني لكل دولة (فرع المجلس)، يتخصَّص في توحيد المناهج الدراسية لجميع المواد الدراسية في المدارس العربية الإسلامية الأهلية والحكومية، على أن يراعي في ذلك الخطوات الآتية:
أ – أن يتم ذلك من قبل علماء تربويين غيورين على الإسلام؛ من ذوى الخبرات الطويلة في وضع مناهج الدراسة وذوي الاختصاص لكل مادة من المواد والمقررات.
ب – أن يُهتمّ بمراجعة تلك المناهج وتطويرها كلما دعت الحاجة إلى ذلك، أو تُحدد لذلك مدة معينة من قِبل القسم أو المجلس.
ج – إلزام المدارس العربية الإسلامية، التي تحرص على الاعتراف بشهاداتها في الدول العربية والإسلامية بل في العالم كله، بتطبيق تلك المناهج الموحّدة(4).
د – أن يُراعي في المنهج الموحَّد إدخال منهج اللغة الرسمية لكل دولة، من إنجليزية أو فرنسية أو برتغالية، بصورة تضمن للطالب التمكُّن منها، والنجاح في امتحانات الشهادة الثانوية العامة التي يُنظمها مجلس امتحانات غرب إفريقيا لامتحانات الشهادة West African Examination Certificate Council للالتحاق بالجامعات الحكومية.
هـ – إدخال العلوم العصرية في المنهج الموحَّد، من رياضيات واجتماعيات ونحوها، بطريقة ترفع مستوى الثقافة العامة لدى الدارسين، ويُستحسن أن تكون دراسة هذه العلوم باللغة الرسمية، لتعين الطلاب على التمكن من تلك اللغة، على أن يُراعى ألاَّ تتجاوز نسبة ما يُدرس بغير اللغة العربية 25% من مجموع مقررات كلّ فصل دراسي.
و – يمكن – بدلاً من تحقيق الفقرة السابقة – أن يُعمل المنهج الموحَّد لكلٍّ من القسمين الأدبي والعلمي، بأن تُدمج مناهج جميع المواد الأساسية لكلٍّ من القسمين من المدارس الحكومية في مناهج المدارس العربية الإسلامية، مع التنسيق بين عدد ساعات كل مادة بما يتناسب مع مفردات منهجها.
ز – إيجاد قسم مهنيّ مستقل بعد الثانوية أو على مستواها في أقسام الدراسة بالمدارس العربية الإسلامية، وعمل منهج دراسي له يتناسب مع فكرة أسلمة المعرفة، ويُوفر له كل ما يحتاج إليه من الأجهزة التعليمية المناسبة من معامل ومختبرات وغيرها، تحت إشراف المجلس المقترح.
ح – يقوم المجلس بالتنسيق بين قسم المناهج ومعاهد اللغة العربية ومراكز تعليمها للناطقين بغيرها؛ لإدخال ما تدعو إليه الحاجة من مناهج وطرق تدريس العربية للناطقين بغيرها في المنهج الموحّد للقطر من جانب، ولجعلها جزءاً من منهج دورة تدريب المعلمين التي تُنفذ من جانب آخر.
ط – العمل على إقناع قسم المناهج في وزارات التعليم والتربية بالدول الأعضاء على اعتماد تدريس المنهج الموحَّد للغة العربية والدراسات الإسلامية في مدارس الدولة التي اعتمدت إقرارهما ضمن مواد الدراسة؛ لأن المناهج الموضوعة لتدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية في المدارس الحكومية، سواء في المراحل الدنيا أو المراحل العليا في المعاهد والكليات وحتى أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية في الجامعات، مناهج قاصرة جداً، لا تغني ولا تعطي المستوى العلمي اللائق بالطلاب.
(2) إعداد المدرِّسين:
إن غايات المناهج وأهدافها ليست المكوِّنات الوحيدة للنظام التربوي، وإنما المكوِّن المركزي لذلك هو المعلِّم، وإذ لا يمكن للتربية أن تصل إلى غايتها بوصفها وسيلة لتطوير التعليم بغير معلمين مؤهَّلين مدرَّبين متفانين من ذوي العزم على نشر المعارف النافعة، وذوي رغبة في تقدّمها(5).
وبما أن المدّرس عنصر أساس في رفع المستوى التعليمي وتطويره؛ فلا بد من أن يُعطى الأولوية المطلقة والعناية الفائقة في إعداده وتأهيله ورفع مستواه، وذلك ما أوصت به لجنة التربية والمجتمع المنبثقة عن المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي المنعقدة جلستها في 4 – 6/4/ 1977م في مكة المكرمة(6)، فإعداد المدرِّس يُعد من العناصر الأساسية اللازمة لتطوير التعليم الإسلامي في المنطقة، ويمكن أن يتم ذلك بما يأتي:
أ – إيجاد كلية أو معهد عال للتربية في كل دولة من دول المنطقة، لإعداد المعلِّمين والتربويين، ولمدِّ المدارس العربية الإسلامية بكفايات مدرّبة ومعدَّة إعداداً علمياً وتربوياً وإدارياً وإسلامياً، وتسييرها وإغداق الميزانية السنوية الكافية عليها، وقد يُستعان في توفير ميزانيتها ببعض الهيئات الخيرية، وللمجلس الإقليمي العام في المنطقة أن يقوم بتسويق المشروع في العالم الإسلامي، ويعلن أن لكل هيئة خيرية تريد التمويل أو الدعم أن تختار البلد الذي تريد أن تنشئ فيه الكلية أو المعهد(7)، مع ضرورة حصولها على الاعتراف من الدولة.
ب – ضرورة عقد دورة تربوية تدريبية سنوية لجميع المدرسين غير المؤهَّلين تربوياً بالمدارس الإسلامية في كل دولة من الدول الأعضاء، ويعمل القسم المختص بذلك في المجلس تنسيقاً لترشيح المدرسين الذين يشتركون في دورة كل سنة؛ بطريقة تسهِّل لكلّ مدرسة في الدولة أن تستفيد من المشروع.
ج – عقد دورات تربوية أخرى تجديدية سنوية كذلك، تكون للذين سبقت لهم مشاركات في الدورة التدريبية التأهيلية، أو المؤهلين تربوياً، وذلك لمتابعة ما تدرَّبوا عليه في الدورات السابقة، ولإفادتهم بمعلومات مستجدَّة في مجال التربية والتعليم في العالم تباعاً(8).
د – فتح قسم خاص للإعداد اللغوي بالكلية أو المعهد، يُعنى بتنظيم دورات مكثّفة في الإعداد اللغوي في اللغة الرسمية في البلد، ويكون مهيَّئاً لاستقبال أبناء البلد المتخرجين من خارج الدولة الذين يحتاجون إلى تقوية مستواهم في اللغة الرسمية؛ ليتمكنوا من أداء رسالتهم بين طبقات المجتمع، سواء في مجال التدريس أو في غيره.
هـ – عقد دورات تدريبية خاصة بتكوين معلِّمات التعليم العام ومربِّيات الأطفال، وذلك في البلد الذي يوجد فيه إقبال من النساء على التعليم، بل ينبغي أن يوضع مشروع في تشجيع ذلك.
و – المتابعة المستمرة لإلزام المدرسين بتطبيق طرق التدريس الحديثة في جميع مراحل التعليم، فقد مضت حقبة من الزمن يعتقد الناس فيها أن أساليب طرق التدريس تحتاج إليها مراحل التعليم المتدنية فقط، وأن طلاب الجامعات أنضج من أن يلتزم المحاضر تطبيق تلك الطرق في تدريسهم، ولكن التجارب في ميادين التربية والتعليم العالي أثبتت خلاف ذلك، وهو ما أدَّى ببعض المجتمعات إلى أن تدعو في الآونة الأخيرة إلى ضرورة أن يحمل المحاضر في التعليم العالي، سواء في المعاهد العليا أو كليات التربية وفي الجامعات، شهادات الدبلوم العالي في التدريس إضافة إلى شهاداته العلمية(9).
من هنا أرى أنه ينبغي الاعتناء بهذا الأسلوب في تطوير التعليم في جميع مراحل التعليم بالمدارس العربية الإسلامية في المنطقة ضماناً لرفع مستوى التعليم فيها، بأن تسعى الجهات المسؤولة في المجلس المقترح في ضرورة إدخال الأساليب العصرية في التدريس، واستخدام الأدوات والوسائل التعليمية الحديثة المعينة فيه، وكذلك مختبرات العلوم والورش والمكتبات والكتب التعليمية.
(3) توفير الكتب المدرسية:
من الملاحظ في المدارس العربية الإسلامية والكليات الأهلية بالمنطقة اعتماد بعضها على تدريس الكتب القديمة التي لا تلائم في طريقة عرضها للمواد العلمية أساليب العصر الحديث، ولا تراعي مستويات الطلاب ومداركهم وفق المرحلة الدراسية، وقد تجانب بعضها في نصوصها واقع حياة الطالب في المنطقة، وذلك بسبب عدم توافر المقررات الدراسية الملائمة في المدارس؛ ومن ثَمَّ فإن من أهمّ وسائل تطوير التعليم في هذا الصدد ما يأتي:
أ – إيجاد قسم خاص بالمجلس المقترح يتفرَّغ لمشروع الكتب والمقررات الدراسية والثقافية، ويكون في كل من الدول الأعضاء فرع من هذا القسم ليراعي ما يلائم بيئة دولته في المقررات الدراسية.
ولدعم المشروع؛ فإنه يمكن أن تسهم الجامعات العربية والإسلامية والمؤسسات الخيرية بدفع تكاليف طبع بعض المقررات بكميات كبيرة حسب ما يتيسر، كما يمكن أن تلتزم كل جامعة أو مؤسسة بطبع كتاب واحد أو أكثر في كلّ سنة مالية، حتى تتم سلسلة الكتب المدرسية التي تقرر لتغطية جميع مواد المناهج المشتركة منها والخاصة للمدارس في مراحل الدراسة المختلفة(10).
ب – إخضاع الكتب المدرسية التي يعدُّها القسم للالتزام بالمنهج التربوي الصحيح؛ من حيث المادة العلمية، وطرق تأليفها، وأشكالها ونحو ذلك، كما يجب مراجعتها من هيئة تربوية متخصِّصة في إعداد الكتاب المدرسي لتواكب الأساليب التربوية في طرق التدريس الحديثة.
ج – المراجعة المستمرة لتلك المقررات وتطويرها وفق مستجدات العصر والتقدّم العلمي في العالم، تحت إشراف نخبة مختارة من أصحاب الاختصاص في التربية والتعليم من أبناء المنطقة الغيورين على الإسلام وشريعته وتعاليمه.
د – التنسيق الدقيق والحرص الشديد في تزويد المدارس العربية الإسلامية في المنطقة بهذه المقررات، والتوعية بأهمية الالتزام بها لأصحاب المدارس.
هذا، وإذا استطعنا إيجاد مصدر مستمر للكتب المدرسية الملائمة تربوياً وعلمياً واجتماعياً لطلاب المدارس العربية والإسلامية في غرب إفريقيا بالطريقة السالفة الذكر؛ فإن ذلك يُحدث طفرة قوية في تطوير التعليم الإسلامي في المنطقة؛ إذ ما من شك في أن الكتاب المدرسي من ألزم الوسائل الأساسية للتعليم نفسه.
(4) تزويد المدارس بالأجهزة والأدوات التعليمية الحديثة:
إن تقدّم علوم التقنية الحديثة المتزايد قد أفاد التعليم بوسائل حديثة تضمن له التطوّر المستمر من حيث توصيل المعلومات، وتيسير فهمها، والتمكين من ربط العلوم النظرية فيها بالتطبيقية بصورة علمية توفر الوقت والجهد في التحصيل والبحث، ولذلك ينبغي الاعتناء بتوفير الأجهزة التعليمية الحديثة المناسبة لكلّ فرع من فروع العلم في كلٍّ من القسم الأدبي، والقسم العلمي، والقسم المهني كمعمل اللغات، ومختبرات الفيزياء، والكيمياء، وورشة الكهرباء، والنجارة.. ونحو ذلك؛ مما تحتاج إليها المدارس من الأجهزة التعليمية المختلفة.
(5) الاهتمام بتعليم البنات:
سبق أن ذكرنا أن المسلمين كانوا يرفضون إدخال أبنائهم المدارس الحكومية خوفاً من تنصيرهم، فلم يكونوا ليسمحوا بالتحاق بناتهم تلك المدارس ليدرسن فيها كذلك، وظل الأمر على ذلك حتى عندما بدأ بعضهم يسمحون لأبنائهم أن يدرسوا فيها، فلم يسمحوا لبناتهم بالالتحاق بها لما وجدوا فيها من خطورة شديدة على مستقبل دينهن ومروءتهن؛ ولهذا لم تبدأ بنات المسلمين في دول المنطقة في الالتحاق بالمدارس العصرية إلا في وقت متأخر، وهذا ما أدّى إلى تخلفهنّ ثقافياً.
ولهذا؛ عندما نسعى لتطوير التعليم في هذه البلاد يكون لزاماً علينا أن نعطي تعليمهن عناية لائقة وكبيرة لرفع مستواهن العلمي والثقافي والتربوي؛ وذلك أن الأسرة مؤسسة لها دورها في تنشئة الطفل وتربيته وتعليمه؛ فينبغي بذل المجهودات والإمكانات المتاحة لتطوير تعليم الفتيات ونشره على الطريقة الإسلامية، فيكون ذلك من الوسائل الأساسية لتطوير التعليم العام(11).
وعلى هذا ينبغي مراعاة الأمرين الآتيين:
1 – أن يعمل المجلس المقترح على إيجاد إدارة مستقلة لتعليم البنات، وقد يستعين في ذلك بخبرات رئاسة تعليم البنات بالمملكة العربية السعودية وتجاربها الموفقة الناجحة.
2 – أن يعمل على منع الاختلاط في المدارس بدءًا من المرحلة الابتدائية فصاعداً، فقد أثبتت التجارب أن الاختلاط من أسباب نفور البنات عن المدارس، وخصوصاً إذا بلغن سنّ الزواج أو ناهزنه، وهو ما جعل الملتزمات منهن لا يكملن دراساتهن إلى المرحلة الثانوية بسبب الاختلاط.
(6) تنفيذ برامج تعليم الكبار:
لا يخفى أن الجهل بالقراءة والكتابة منتشر في أرجاء دول المنطقة، ولا شك أن الأمية من أهم العقبات التي تعترض سبيل التقدّم والنمو المطرد في مختلف نواحي الحياة للمجتمع، وقد أدركت معظم دول العالم خطورة ذلك فوضعت مشاريع تربوية ثقافية لمحو الأمية وتعليم الكبار، وجعلته جزءًا مهمًّا من مشروعاتها التعليمية والتنموية الشاملة؛ لكونه من أهم سمات التقدّم العلمي في العصر الحديث.
وقد أشارت لجنة التربية والمجتمع المنبثقة عن المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي، المنعقد بمكة المكرمة في العام 1977م، إلى الحاجة الملِحَّة لتطوير برامج مناسبة لتعليم الكبار(12)، تحقيقاً لرأي أحد الباحثين المشاركين في ذلك المؤتمر؛ بأن تحقيق هدف التعليم الابتدائي الشامل لا يمكن أن يصل إلى غايته إلا مع تنفيذ برامج لتعليم الكبار على مدى واسع؛ لأن أطفال الآباء الأميين عرضة للتخلُّف عن الإنجازات الدراسية، وينتكسون بسهولة في مجال محو الأمية، والآباء الأميون أقل ميلاً إلى إلحاق أبنائهم بالدارس وإبقائهم فيها(13)، لذا ينبغي أن يعدَّ تعليم الكبار من أهمّ الوسائل التي يُعنى بها لتطوير التعليم في المنطقة، وأن يكون له جناح مستقل ولجنة خاصة في المجلس المقترح.
ثانياً: الوسائل الخاصة المادية:
(1) توفير مبنى المدرسة وتجهيزه:
إنّ معظم المدارس العربية الإسلامية في المنطقة تعاني تدهوراً شديداً في المباني غير اللائقة صحياً لفصولها الدراسية، وذلك لقلة المصادر المالية أو فقدها للقيام بمشاريعها بناءً وتجهيزاً.
وبما أن سياسية التعليم تفرض أن «يكون البناء المدرسي لائقاً في مستواه ونظامه وتوافر الشروط الصحية فيه، وافياً بأغراض الدراسة في الأبنية المدرسية، آخذاً بأسباب العناية الصحية للتلاميذ علاجية كانت أم وقائية»(14)؛ فإن من أهم الوسائل اللازمة لتطوير التعليم الإسلامي بالمنطقة ضرورة العمل على رفع مستوى المباني المدرسية للمدارس العربية الإسلامية؛ بصورة تجعلها على أفضل طراز راق من حيث لياقة الموقع، وبعدُه عن المصانع والشوارع العامة المزدحمة بالمواصلات، وسعة المساحة للفصول والمرافق والباحات والحدائق وفق المواصفات الهندسية الخاصة بكل منها، وقدرة المباني على تحمّل تقلبات البيئة، وعلى تحقيق أهدافها الخاصة بنوع التعليم الذي تقوم به المدرسة من علمي أو مهني، والمستوى التعليمي الذي يُنفّذ فيها، من ابتدائي وثانوي وعال وغيرها، بطريقة تجعله باعثاً على تهيئة الجو للعملية التعليمية(15)، وتجهيزها بأحدث الأدوات التعليمية والمعامل والتجهيزات الحديثة لرفع المستوى التعليمي في المنطقة.
(2) إنشاء المكتبات وتجهيزها:
إن معظم المدارس العربية الإسلامية في المنطقة تفتقر افتقارًا شديداً إلى كتب المقررات الدراسية، وكتب المراجع ومصادر الفنون، ولو استطعنا إحصاء جميع هذا النوع من المدارس في دول غرب إفريقيا كلها لوجدنا أن ما يزيد عن 60% منها لا تملك أية مكتبة لا مدرسية ولا غيرها!
وقد أفادنا تاريخ التعليم الإسلامي منذ أقدم عصوره ما أولاه الأقدمون من عناية فائقة بإنشاء المكتبات لكونها من أهم وسائل نشر العلم والمعرفة حتى غبطهم فيه الغربيون(16)، ذلك لما أدركوا من أن الإنسان مهما توافرت لديه أسباب اقتناء الكتب من مال ونحوه فإنه لا يستطيع أن يحوز جميع الكتب التي تفيده، فما ظنك بأكثر طلبة العلم الفقراء الذين لا يملكون ما يعيشون عليه، فكيف يجدون ما يشترون به الكتب! والمكتبات تسدّ هذه الثغرات عن جميع طلاب العلم والمعرفة غنيِّهم وفقيرهم.
لذا فإن المدارس بجميع دول غرب إفريقيا غير العربية تحتاج إلى إنشاء ثلاثة أنواع من المكتبات:
1 – مكتبات مدرسية تغذَّى بالكتب القيِّمة في أنواع العلوم وفنون المعارف المتناسبة مع نوع المدرسة ومستواها العلمي، وتُرصد لها ميزانية سنوية كافية لمتابعة حركة التأليف وإقامة المعارض وظهور الكتب الجديدة، ويُهتم برعايتها ليستفيد منها التلاميذ والمعلمون.
2 – مكتبات عامَّة تكون تحت إشراف إحدى إدارات القسم المعنيّ بشؤون المكتبات في المجلس المقترح لاستقبال عامة المستفيدين، وتوفّر فيها المصادر والمراجع وأمهات الكتب التعليمية والتثقيفية المناسبة التي تساعد على تنمية الفكر، وتفيد طلاب الدراسات العليا للقراءة والاطلاع والبحث.
3 – مكتبات عربية تجارية كبيرة لحاجة طلبة العلم والمسلمين، فإن الكتب المفيدة من أخطر مفقودات طلبة العلم في المنطقة.
ثالثاً: الوسائل العامة:
(1) إيجاد الوقف الخاص بالتعليم:
من أهم الوسائل والأساليب اللازمة لتطوير التعليم في المنطقة إيجاد وقف خاص بالتعليم تكون إدارته تابعة للمجلس المقترح، ويكون له فروع بالاتحادات الوطنية للمدارس العربية الإسلامية في كل دولة من الدول الأعضاء.
وأعتقد أنني لا أحتَاج إلى عناء في توضيح أهمية هذه الوسيلة في تطوير التعليم في المنطقة، وبخاصة إذا أعدنا النظر إلى ما تعانيه المدارس العربية الإسلامية في المنطقة من نقص في الموارد المالية بالمقارنة لما تقوم به المنظمات العالمية التي تُعنى بنشر اللغات العالمية وثقافتها، مثل المجلس البريطاني، أو المراكز الثقافية الفرنسية التي تنسق مع الجامعات والهيئات المختصة في بلادها على وجه الخصوص، أو بما تقدّمه الكنائس العالمية والمؤسسات التنصيرية الخيرية في أنحاء العالم على وجه العموم.
ويمكن أن تقسم موارد هذه الوسيلة إلى نوعين:
أ – الوقف الخاص بالتعليم: وقد أثبت تاريخ التعليم الإسلامي أنه وُجد مع وجود التعليم منذ القرن الرابع الهجري سنة (1378هـ)(17) خلال عهد العزيز بالله، عندما كان الأزهر معهداً علمياً أكثر منه مسجداً، وتطوّر فيما بعد(18)، وهذا ما يجعلنا ندرك ما أولاه المتقدِّمون من اهتمام بإيقاف ما ينفق ريعه على المؤسسات التعليمية التي كانوا ينشئونها ليضمنوا مصدر ميزانيات كلّ مدرسة.
ولا يخفى أن أكبر عائق لتقدم التعليم وتطوُّره في غرب إفريقيا فقدُ مصادر ثابتة لميزانيات مستمرَّة لتمويله والقيام بمتطلباته المادية، فمن هنا ينبغي إيجاد قسم خاص لأوقاف التعليم في المجلس الإقليمي المقترح، ثم تؤسس فروع لها في الدول الأعضاء لتكون وسيلة تمويلية لتطوير التعليم، مع أهمية الدعاية لها لدى جمهور المسلمين في جميع دول المنطقة وبخاصة المحسنون.
ب – الزكاة والصدقات: بأن توجد لجنة خاصة لجمع الزكاة والصدقات من المحسنين، سواء من داخل الدول الأعضاء ومن خارجها، ويُستحسن تكوين اللجنة من ذوي الخبرات في الأعمال الخيرية، ومن المتخصصين في علم الشريعة الإسلامية، وتُعطى اللجنة نوعاً من الاستقلال حسب الضوابط التي توضع لها؛ بطريقة لا تصرفها عن أداء رسالتها في التركيز في رفع مستوى التعليم وتطويره.
(2) توفير المنح الدراسية:
جعل الاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية قضية المنح الدراسية أحد مشروعاته الثلاثة في سنته الأولى عام 1977م، ودرس جوانب تنفيذ هذا المشروع بصورة تجعلها من ألزم الوسائل والأساليب لتطوير التعليم في دول غرب إفريقيا، وبخاصة إذا دققنا في هذه النقاط التي أشار إليها:
أ – أن توفير المنح الدراسية للطلاب الذين يرغبون في دخول كليات التربية في العالم العربي يجعلهم يسدوّن ثغرة المعلمين غير المؤهلين تربوياً في المدارس العربية الإسلامية، ويصبحون كفايات مؤهَّلة ومؤهِّلة لغيرهم من أبناء جلدتهم، لضمان خير مستقبل لبلادهم في التربية والتعليم.
ب – الحاجة إلى تنويع التخصصات في المنح الدراسية، بحيث لا تقتصر على الدراسات العربية والإسلامية، بل تقدم منح لتخصصات أخرى في الطب والهندسة والاقتصاد والزراعة والحقوق والعلوم الاجتماعية وغيرها، حتى يشارك الخريجون في بناء وطنهم في جميع المجالات، إضافة إلى أن الطالب الذي يحصل على أحد هذه التخصصات باللغة العربية إذا أصبح مدرِّساً؛ فإن اللغة العربية والثقافة الإسلامية ستكسب بواسطته أجيالاً من التلاميذ الذين سيتعلمون اللغة العربية والثقافة الإسلامية على يده(19).
ج – بهذه المناسبة ينبغي لفت نظر الجهات المقدِّمة للمنح إلى ضرورة تأهيل الطالب قبل إكمال دراسته أو بعده مباشرة – باللغة الرسمية لبلده، إمّا أن يكون قبل عودته إلى وطنه، أو في أثناء الإجازات الطويلة حتى يكون لهم تأثير في البلد، وبخاصة لمن يدرِّس منهم في المدارس الحكومية التي قررت تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية فيها، وليستطيعوا أن يتابعوا مجريات الأحداث في البلاد؛ فقد ثبت أن معظم خريجي الدول العربية الذين لا يُتقنون اللغة الرسمية لبلادهم يقلّ الاستفادة منهم في الأوساط الثقافية والدوائر الحكومية، وكذلك المؤسسات التعليمية في مجال التعليم والدعوة.
وهذه الظاهرة عامة في العالم غير العربي(20)، فينبغي عدم التقليل من شأن هذا الخطر لئلا تكون المجهودات المبذولة من قبل الطلاب أنفسهم، والنفقات التي تتحملها الجهات التي تقدّم لهم المنح كذلك قليلة الفائدة.
(3) الاهتمام بالتعليم العالي ومؤسساته، وإنشاء الجامعات ودعمها باستمرار:
إن الدراسة الجامعية تعد امتداداً لتلك المجهودات المبذولة للطالب في دراساته بالمراحل المتدنية، وهي «مرحلة التخصص العلمي في كافة أنواعه ومستوياته، رعاية لذوي الكفاية والنبوغ، وتنمية لمواهبهم، وسدًّا لحاجات المجتمع المختلفة في حاضره ومستقبله، بما يساير التطور المفيد الذي يحقق أهداف الأمّة وغاياتها النبيلة»(21).
الجامعات أوسع الميادين لنشر العلم، وأقدر المصادر لتغذية المجتمع بكوادر علمية وعقول مبتكرة، تستطيع أن ترفع من شأن العلوم والمعارف، وتسعى في سبل نشرها وتطويرها، وتوجد في غرب إفريقيا جامعتان إسلاميتان عالميتان، هما: الجامعة الإسلامية في جمهورية النيجر، وجامعة الملك فيصل في تشاد، ويمكن أن تلحق بهما في الوقت الحاضر في نيجيريا جامعة الحكمة – إلورن، بولاية كوارا، وجامعة كاتشينة (الإسلامية) بمدينة كاتشينة – ولاية كاتشينة، وجامعة الهلال بمدينة أبيكوتا في ولاية أوغن، وجامعة المنبع بمدينة أوشوبو في ولاية أوشن، ومؤخراً قامت جامعة راف (الأندلس سابقاً) في كينيا قرب نيروبي.
ويمكن تطوير التعليم من خلال هذه الجامعات ونحوها في المنطقة من الأوجه الآتية:
أ – التنسيق بين هذه الجامعات؛ بإيجاد قنوات التعاون الثقافية ونحوها فيما بينها، والسعي في تطوير التعليم الإسلامي من خلالها في المنطقة.
ب – الإسهام بمجهودات بعض منسوبيها في تكوين المجلس المقترح والتخطيط لإيجاده، والتعاون فيما بينها في تنفيذ برامجه التربوية والتدريبية للمعلمين والمعلمات.
ج – دعم هذه الجامعات أنفسها بصورة مستمرة، وتوسيع دوائرها الأكاديمية بإضافة كليات جديدة في العلوم والآداب والاجتماعيات ونحوها، لتتمكن من أداء رسالتها في المنطقة على الوجه المطلوب.
د – إنشاء مزيد من الجامعات في بعض الدول الأعضاء؛ ففي نيجيريا الآن خمس وعشرون جامعة خاصة، أربع منها تنتمي إلى المسلمين، والبقية من مؤسسات تعليمية تابعة للنصارى واليهود، بل إن من بينها جامعة تابعة لـ «إسرائيل»!
هـ – العمل على إنشاء فروع للجامعات الإسلامية المعترف بها في العالم، أو المعترف بها لدى كل دولة من دول المنطقة، وبخاصة في التخصصات العلمية المختلفة والاجتماعية، فإن ذلك يوفّر الوقت والجهد والنفقات، فتسجيل جامعة في نيجيريا مثلاً يستغرق سنوات، ويستنفد مجهودات وأموالاً باهظة، فبدلاً من ضياع الجهود في إنشاء جامعة إسلامية أخرى في نيجيريا، وطلب الاعتراف بها من الدولة؛ يُستحسن أن ينشأ فرع لجامعة من الجامعات الإسلامية المعترف بها في نيجيريا لتكتسب الاعتراف منها، ثم تمارس أعمالها بسهولة، وهكذا يمكن أن تُستغل هذه الفرصة الثمينة بدلاً من الإكثار من إنشاء جامعات إسلامية أهلية.
ويضاف إلى ما سبق: الاهتمام بالبحث العلمي، التعاون بين الجامعات في المجالات المختلفة، الاعتمادات الأكاديمية، الابتعاث الخارجي، والتنسيق في ذلك بما يحقق الأهداف، والتعريب والترجمة
(4) إنشاء المطابع:
إن إنشاء مطابع كبيرة عربية وإنجليزية دائمة تكون تحت إشراف المجلس الإقليمي المقترح؛ لا يقل أهمية عما سبق في تطوير التعليم في المنطقة؛ لما لا يخفى من معاناة المدارس العربية الإسلامية فيها من نقص شديد في الكتب المدرسية، فضلاً عن الكتب الثقافية العامة، فإنه إذا وجدت في كل دولة مطبعة كبيرة واحدة – على الأقل – فستُسهم في تطوير التعليم من جهتين؛ إحداهما طبع المقررات الدراسية والكتب الثقافية العامة، والأخرى أنها ستكون من وسائل استثمار يعود ريعها لمصلحة المشروعات التعليمية المختلفة، وغالب ظنّي أن إنشاء المطابع من المشروعات الخيرية المفيدة التي قد تجد دعماً سخيًّا من بعض المحسنين في الدول العربية والإسلامية.
الخاتمة:
إن الحديث عن الوسائل والأساليب اللازمة لتطوير التعليم في غرب إفريقيا يتطلب دراسة الأوضاع التعليمية العامة لدول المنطقة، بغية التوصُّل إلى تشخيص الواقع الحقيقي للتعليم، ثم البحث عن الوسائل والأساليب التي تلزم لتطويره، وإنني بعد دراستي المتواضعة لذلك ارتأى لي أن أبرز المشكلات التي يعانيها التعليم الإسلامي في معظم دول المنطقة تتركز في عناصر بعضها فنية وأخرى مادية، ومنها أيضاً عناصر خاصة وغيرها عامة، وذلك من حيث فقد المناهج أو ضعفها، وعدم ملائمة كتب المقررات الدراسية أو فقدها, وقلّة تأهيل المدرسين، وسوء الإدارة، وبدائية معظم مباني المدارس، وفقد مصادر التمويل والميزانية الدائمة.
ومن ثم تركَّز هذا البحث في عرض الوسائل والأساليب التىي ينبغي الاستعانة بها لتطوير التعليم من خلال العناصر المذكورة، وفي نظري أن كبرى تلك الوسائل وألزمها لتحقيق بقية الوسائل هي إنشاء مجلس إقليمي للمدارس العربية الإسلامية لدول غرب إفريقيا، واعتقادي أنه لو وُفِّقْنا للعمل الجادّ على تنفيذ ما اشتملت عليه هذه المقالة وغيرها من مقترحات؛ فإن غرب إفريقيا ستشهد تطوراً ملموساً ونهضة سريعة في رفع شأن التعليم ومحو الأمية، وسيؤثِّر ذلك تأثيراً إيجابياً واضحاً في الأوضاع الاجتماعية والدينية.
الإحالات والهوامش:
(*) عميد كلية العلوم الإنسانية (الآداب) – سابقاً – بجامعة الحكمة الورن – نيجيريا.
(1) ينظر مثلاً: حسين إبراهيم براله، الدعوة الإسلامية في كينيا من 1960م – 1990م، نشر في 1410هـ -1411هـ، لم يذكر عنوان دور النشر ومكانها، ص 20، والاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية، دورة تدريب المعلمين في غامبيا غرب إفريقيا، في رجب 1397هـ / يوليو 1977م، للاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية، نشر دار وهدان للطباعة والنشر، 6 ميدان بركة الرطل، ص 28، وهو من خطاب السيد/ دمبو جاتا، وزير التعليم بجمهورية غامبيا آنذاك.
(2) الاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية، المرجع السابق، ص 28.
(3) ينظر: في جزء من تقرير عام عن الثقافة الإسلامية والتعليم العربي بالقارة الإفريقية، مقدّم من الاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية، في المرجع السابق، ص 161 – 162.
هناك دول في غرب إفريقيا تعترف بشهادات الجامعات العربية، منها: مالي، والنيجر، وغينيا كوناكري، وغامبيا، والسنغال، وهي تختلف في الاعتراف بشهادات المدارس الأهلية، ونيجيريا كذلك من الدول التي تعترف بشهادات جامعات الدول العربية بفضل الله، ثم بما بذّله فضيلة الشيخ أحمد بللو – رحمه الله – أول رئيس لمجلس وزراء نيجيريا عند الاستقلال في دفاعه عن اللغة العربية والعلوم الإسلامية (ينظر كلمته في: منشور المؤتمر الإسلامي العام الذي عقد بمكة المكرمة، بتوجيه الملك فيصل بن عبد العزيز – رحمهما الله – في 1384هـ، ص 17 – 28)، ورفعه لمستواهما إزاء التخصصات الأخرى في الدولة، إلا أنها لا تعترف حتى الآن بشهادات المدارس العربية الإسلامية والكليات الأهلية؛ إلا ما احتضنتها إحدى الجامعات المعترف بها في البلاد، وهذا ما أدى إلى تخلّف هذه المؤسسات التعليمية، وقلّل من إقبال الطلاب عليها في هذه الآونة.
(4) وذلك لعلمي بمجهودات سابقة في إنشاء مثل هذه الرابطات للمدارس العربية الإسلامية في نيجيريا، إلا أنها لم تعط ثمارها المنشودة حتى ماتت أو وُئدت لعدم تعاون مديري المدارس أو مؤسسيها فيما بينهم؛ لظنِّهم أن المشاركة في مثل هذه الاتحادات قد تفوِّت عليهم مساعدات خاصة، أو تمنعهم من بعض ثمار المجهودات التي بذلوها على مدارسهم، مع أن عوائد توحيد المناهج على تلك المدارس أكبر وأنفع لهم ولطلابهم لو كانوا يعلمون!
(5) سلسلة التعليم الإسلامي، التربية والمجتمع في العالم الإسلامي، من ندوات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي بمكة المكرمة الذي نظمته جامعة الملك عبد العزيز، إعداد د. محمد وصي الله خان، ترجمة د. عبد الحميد محمد الحزيبي، نشر مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، ط1، 1404هـ، ص 41.
(6) سلسلة التعليم الإسلامي، المرجع السابق، ص 193.
(7) الاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية، المرجع السابق، ص 175.
(8) الاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية، مشروعات الاتحاد، المرجع السابق، ص 34.
أعلن وزير التعليم الغامبي سنة 1977م أن مدرسي المواد غير العربية والإسلامية في المدارس الغامبية، الذين يعطون دروسهم بالإنجليزية، تُعقد لهم سنوياً دورات تدريبية، تشترك فيها الحكومة الغامبية مع بعض الهيئات الثقافية البريطانية والبعثات التبشيرية التي أنشأت المدارس في غامبيا. في حين أن مدرسي الثقافة العـربية والإسلامية هم الوحيدون الذين لا يهتم أحد بتدريبهم أو توفير الدراسات التربوية المناسبة لهم، وأن هذا الوضع يجعلهم في مستوى أدنى من زملائهم، سواء في نظر الوزارة أو في نظر التلاميذ والأهالي!
(9) فقد أعلنت المفوضية العليا للجامعات النيجيرية، قبل سنتين تقريباً في الصحف، أنها ستستغني بعد سنوات قصيرة عن أي محاضر في أي مؤسسة تعليمية لا يحمل معه شهادة الدبلوم العالي المذكورة.
(10) سبق هذا المقترح في مشروعات الاتحاد وقراراته في السنة الأولى، ص 121، وما زالت الحاجة إليه قائمة حتى الآن.
(11) سلسلة التعليم الإسلامي، المرجع السابق، ص 191.
(12) المرجع السابق، ص 194.
(13) المرجع السابق، ص 37 ، 39.
(14) الدكتور أحمد عبد الرحمن عيسى: سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، نشر دار اللواء للنشر والتوزيع بالرياض، ط 1، 1399هـ / 1979م، ص 57 ، 121.
(15) الدكتور أحمد عبد الرحمن عيسى، المرجع السابق، ص 122 – 124 بتصرف، وفيه شروط الموقع، وبيان المساحة، وشروط المبنى المدرسي.
(16) يقول أحد الغربيين (Oga Pinto) عن المكتبات الإسلامية: «إن المسلمين اهتموا اهتماماً عظيماً بأبنية المكتبات العامة التي كانت تُعدّ لاستقبال الجماهير، وقد شُيِّد بناء خاص على طراز معيّن لمكتبات شيراز وقرطبة والقاهرة وما ماثلها…»، انظر: الدكتور أحمد شلبي: التربية الإسلامية، نظمها، فلسفتها، تاريخها، عنوانه في الطبعات الأولى: (تاريخ التربية الإسلامية)، نشر مكتبة النهضة المصرية، ط 6، سنة 1978م، ص 147 – 148.
(17) الدكتور أحمد شلبي، المرجع نفسه، ص 368.
(18) وبخاصة عندما «ظهرت الحاجة إلى تأسيس مكان يخصص لرعاية العلم ونشر الثقافة؛ ظهرت في الوقت نفسه فكرة أن يُوقف على هذا المعهد وقف ينتج إيراداً يكفي للإنفاق على شؤونه وشؤون القائمين بالعمل فيه، وكان المأمون أول من أبرز هذه الفكرة للوجود… فأصبح من ضروريات إنشاء معهد ثقافي أو مدرسة أن يعيّن لها وقف ثابت، تتلقى منه ما يفي بنفقاتها، وما يمدُّها بما تحتاجه من مصروفات»؛ الدكتور أحمد شلبي، المرجع نفسه، ص 364 – 365.
(19) الاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية، مشروعات الاتحاد وقرارته في السنة الأولى، نشر المطبعة العربية الحديثة، 8 شارع 47 المنطقة الصناعية العباسية – القاهرة، ص 26، ودورة تدريب المعلمين في غامبيا، ص 136.
(20) ينظر مثلاً: إبراهيم براله: الدعوة الإسلامية في كينيا، من 1960 – 1990م، ص 23.
(21) الدكتور أحمد عبد الرحمن عيسى، المرجع السابق، ص 34.