أ. إبراهيم ناصر (*)
عند الحديث عن النُّخب في شرق إفريقيا، من حيث الأنواع والسمات وطُرق تأثيرها، فضلاً عن طبيعة العلاقات التي تربطها بالحكومات التي تعمل في إطارها، يبرز لنا موضوعٌ مهمٌّ في هذا المجال، ألا وهو قدرة هذه النُّخب على إحداث التغيير المأمول منها، فالذي يميّز النُّخب في شرق القار الإفريقية أنها متعدّدة ومتلوّنة بأدوارها، وليست نخباً ذات طابعٍ واحدٍ كما هو الحال في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، فإلى جانب النُّخب السياسية والاقتصادية والثقافية؛ تبرز لنا النُّخب الدينية والقَبَليّة التي مارست أدَوْاراً مهمّةً في حفظ الأمن والسّلم الاجتماعي، إلى جانب ذلك أخذت هذه النُّخب تمارس أدَوْاراً سياسيةً مهمّة، ومن ثمّ يتضح لنا: أنه على الرغم من كون أغلب الأنظمة السياسية في شرق القارة ذات طابعٍ شمولي؛ فإنّ هذه النُّخب استطاعت أن تفرض نفسها في ظلّ هذه النُظم السياسية.
يتناول هذا البحث توصيفاً عاماً للنُّخب في شرق إفريقيا، من حيث المفهوم والأنواع والسمات، وطبيعة العلاقة التي تربطها بالأنظمة الحاكمة، إلى جانب المقارنة بينها في عملية التأثير والتغيير في مجتمعها، وأدوارها المستقبلية.
انطلق هذا البحث من فرضيةٍ مفادها: «أنّ النُّخب في شرق إفريقيا، وفي ظلّ الواقع الدوليّ الجديد، والمتمثّل بإلغاء كلّ الهياكل السياسية القديمة التي تعود بجذورها إلى فترة ما قبل الحرب الباردة، استطاعت أن تحافظ على وجودها وتأثيرها»، وهذا ما كان مدعاةً إلى طرح تساؤلٍ مركزيٍّ: ما طبيعة الأدوار التي تقوم بها النُّخب في شرق إفريقيا، وما المدى التأثيري الذي نتج عن ممارسة هذه الأدوار، وما المستقبل الذي ينتظرها؟ وللإجابة عن هذا التساؤل تمّ تقسيم البحث إلى عدّة محاور، تشكّل بمجموعها الإطار العام للبحث، فضلاً عن مقدمة، وخاتمة تتضمّن بعض الاستنتاجات التي توصّل إليها الباحث.
في مفهوم النُّخب:
إذا قيل: نَخَب فلانٌ شيئاً نَخْباً، أي: انتخبه أو انتقاه أو اصطفاه، وإذا قيل: اُنتُخِبَ فُلان: أي اُصطُفِيَ من بين مجموعة من الناس، واصطفى الشيء بمعنى: اختاره واستخلصه، يقول ابن منظور في لسان العرب: «نَخَبْتُه أَنْخُبه إِذا نَزَعْتَه. والنَّخْبُ: النَّزْعُ. والانْتِخابُ: الانتِزاع»، و «انْتَخَبَ الشيءَ: اختارَه. والنُّخْبَةُ: مَا اخْتَارَهُ مِنْهُ».
ونجد تعريف «النُّخبة» في المعاجم العربية كما يأتي: « النُّخبة… المُخْتارُ. وانْتَخَبَهُ: اخْتارَهُ» (1)، و «نُخْبةُ القَوم ونُخَبَتُهم: خِيارُهم»، و«الانتخابُ: الاختيارُ والانتقاءُ، ومنه النُّخَبةُ؛ وهم الجماعة تُخْتارُ من الرجال»، و «النُّخْبة، بِالضَّمِّ: المُنْتَخَبُون مِنَ النَّاسِ المُنْتَقَوْن» (2).«وَيُقَالُ: جاءَ فِي نُخَبِ أَصحابه أَي فِي خِيَارِهِمْ» (3).
أما ما يُقابل كلمة «النُّخبة» في قاموس أكسفورد؛ فهي كلمة ( (Elite، وتدلّ على مجموعةٍ أو فئةٍ اجتماعيةٍ معيّنة متفاضلة على غيرها، وذلك لامتلاكها ميزة اجتماعية واقتصادية وفكرية وسياسية (4).
وهناك تعاريف كثيرة لمفهوم النُّخبة، فمثلاً نجد الدكتور علي الدين هلال عرّفها بأنها: «تلك الأقلية التى تتمايز عن باقي أفراد المجتمع من حيث نفوذها وتأثيرها»، وهناك مَن يعرّفها بأنها: مجموعةٌ أو فئةٌ قليلةٌ من الناس، يحتلّون مكانةً اجتماعيةً وسياسيةً واقتصاديةً مرموقة في مجتمعهم.
وبناءً على ما سبق؛ يمكننا تعريف النُّخبة بأنها: قلّةٌ من الناس، هُم خيار وصفوة قومهم، حيث تمارس هذه القلّة الدَّوْر القياديّ والمؤثّر في محيطها، بناءً على الظروف الاجتماعية والسياسية والفكرية والاقتصادية التي مرّت بها تلكم المجموعة البشرية.
أما المفهوم الاصطلاحي للنُّخب؛ فنجد تفسيره في مجموعة من التعريفات التي ظهرت في العصر الحديث، وإذا كان مفهوم النُّخب يعود إلى أعمال الفيلسوف اليوناني أفلاطون، عندما تحدّث عن ضرورة أن يحكم المجتمعَ فئةٌ قليلة/ أو جماعة من الأفراد النابهين، فإنّ التصوّر الاجتماعيّ والسياسيّ لمفهوم النُّخبة الحديث يرجع إلى دفاع المفكر الفرنسيّ سان سيمون Saint Simon عن حكم العلماء ورجال الصناعة، إلا أنّ مفهوم النُّخب مؤخراً أخذ معاني ومضامين متنوعة، وبالخصوص عندما أقرّ هو الآخر مسألة الفروق الطبقية، وأكد التفاوت بين الفقراء والأغنياء، مما حدَا أتباعه فيما بعد إلى دفع الفكرة نحو الاشتراكية (5).
أنواع النُّخب في شرق إفريقيا:
عندما يأتي الحديث عن النُّخب في منطقة شرق إفريقيا؛ فذلك يعني التطرّق إلى مجتمعاتٍ ودولٍ مختلفةٍ عِرقيّاً وثقافيّاً ودينيّاً، وهذا ما يُصَعّب مهمّة بحثنا، بمعنى آخر: دول منطقة شرق إفريقيا هي دولٌ تحوي كيانات مجتمعية وديانات مختلفة، بالإضافة إلى بعض التداخل العِرقي والدّيني بين بعض الدول المتجاورة، على سبيل المثال: التداخل العرقيّ والدّينيّ بين السودان وإريتريا، وكذلك بين إثيوبيا وإريتريا، والصومال وإثيوبيا، وجيبوتي والصومال، والصومال وكينيا.
ويمكننا تصنيف النُّخب في منطقة شرق إفريقيا إلى الآتي:
أولاً: النُّخبة السياسية:
تُعدّ النُّخبة السياسية ظاهرةً مجتمعيةً ملازمةً للمجتمع البشريّ عامّة، وتمثّل في الوقت ذاته ضرورة تنظيمية، تفرضها الخصوصية البنائية والوظيفية للمجتمع السياسي بوجهٍ خاص، فالبشر بطبيعتهم الإنسانية يحتاجون في كلّ اجتماعٍ إلى وازعٍ وحاكم، كما أنّ متطلبات تنظيم المجتمع السياسيّ الحديث وتصريف شؤونه؛ تقتضي ضرورة تقسيم العمل السياسيّ بين أعضائه، بحيث تختصّ قلّةٌ منهم بمهمّة رسم السياسات العامّة واتخاذ القرارات السلطوية الملزمة (6).
وتأسيساً عليه؛ يمكننا القول بأنّ النُّخبة السياسية تتكون من مجموعة من الأشخاص الذين يساهمون في تدبير شؤون العامّة، ويمتازون عن غيرهم بشجاعة اتخاذ القرار وصنعه، وهذه النُّخب تعمل تحت مظلّة أحزاب سياسية في بلدان شرق إفريقيا، على سبيل المثال: يوجد في إثيوبيا ما يقارب 60 حزباً سياسيّاً مسجّلاً، منها معارضة وأخرى داخل الائتلاف الحكومي، ويُعتبر حزب الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية من أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، وكذلك في جنوب السودان؛ هناك حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان، والذي يعدّ من أقوى الأحزاب السياسية وأكبرها فيها.
ثانياً: النُّخبة الثقافية:
تشمل هذه النُّخبة: الكتّاب والروائيّين والصحافيّين والمفكّرين والمنظّرين والشعراء والفنّانين، بالإضافة إلى أساتذة الجامعات والمعاهد العليا، على سبيل المثال توجد في أوغندا: المؤسّسة الأوغندية للثقافات المشتركة، وتنشط هذه النُّخب تحت مظلّة هذه الاتحادات والمؤسّسات الثقافية.
ثالثاً: النُّخبة القَبَليّة:
على غرار المجتمعات العربية مجتمعات شرق إفريقيا، يغلب عليها الطابع القَبَلي، وتُعتبر القبيلة في شرق إفريقيا من أهمّ الكيانات الاجتماعية والسياسية التي تساهم مساهمةً كبيرةً في الدول الإفريقية، فالقبيلة هي مجموعة بشرية غالباً ما تنتمي إلى نَسبٍ واحدٍ يعود إلى جدٍّ واحد، وتتكون القبيلة من مجموعة عشائر وبطون، وفي غالب الأمر أفراد القَبَليّة يعيشون في إقليمٍ واحدٍ يعتبرونه موطنهم، ويخضعون لإمرة شخص يُطلق عليه اسم «شيخ القبيلة» أو «ناظر القييلة»، وبذلك يمكننا أن نقول: النُّخب القَبَليّة في شرق إفريقيا تتكون من شيوخ القبائل أو النظّار وشيخ العشيرة، ويُطلق عليهم «أعيان القبائل». وهناك قبائل ذات ثقلٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍ في دولها، مثل قبيلة الدينكا في دولة جنوب السودان، واعتمادها على ثقلها السياسي والاجتماعي، واضطهادها لبقية القبائل الذي أدى إلى انفجار الوضع في جنوب السودان.
رابعاً: النُّخبة الدينية:
تتمثّل النُّخب الدينية في: المشايخ ووجهاء الطوائف الدينية، وعلماء اللاهوت والعقيدة، وكلّ مَن يشكّلون مراجع دينية وأصبحوا زعماء لأتباعٍ تجمعهم رابطة دينية، فمثلاً الحاخامات يُعتبرون نخبة اليهود، كما يُشكّل بابا الكاثوليك وكاردينالات الفاتيكان نخبة المسيحيين، بينما نخبة المسلمين هُم الفقهاء وعلماء الدين وشيوخ الطرق الصوفية. وهناك كيانات في بلدان شرق إفريقيا تعمل في إطارها النُّخب الدينية، على سبيل المثال: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، والمجلس الإسلامي في جنوب السودان، وهيئة علماء الصومال في الصومال.
خامساً: النُّخبة الاقتصادية:
تضمّ هذه النُّخبة أفراداً تمكّنوا عن طريق التجارة أو الصناعة، وهُم أصحاب ممتلكات وعقارات وشركات وأرصدة مالية ضخمة، ويتجمّعون في اتحاداتٍ خاصّة بهم، بمعنى آخر النُّخبة الاقتصادية هي النُّخبة التي تحتكر بيدها عوامل الإنتاج وموارده في مجتمعٍ ما، وإذا بحثنا سبل إيجادها في شرق إفريقيا؛ فسنلاحظ أنه مرتبطٌ بالأنظمة المتحكّمة في بلدان المنطقة، فمن المعلوم مثلاً أنّ النظام الإريتري هو نظامٌ شيوعي، والأنظمة الشيوعية لا تتيح للنُّخبة التجارية أن تبزغ؛ لأنّ الحكومة هي مَن تسيطر على عوامل الإنتاج وموارده، وإن أتاحت للنُّخبة الاقتصادية البزوغ؛ فمن الصعب أن تسمح لها بأن تتصرف بعيداً عن سيطرتها.
سادساً: النُّخبة العسكرية:
مارست النُّخب العسكرية دَوْراً مهمّا ًفي دول شرق إفريقيا في نَيْل استقلالها من القوى الاستعمارية، وما زالت تتصدّر المشهد السياسيّ والاجتماعيّ في أغلب دول المنطقة، ومثلاً نجد في أحدث دولة في المجتمع الدوليّ اليوم، وهي دولة جنوب السودان، نالت بفضل جهود النُّخب العسكرية استقلالها من جمهورية السودان، لكن منذ أن استقلت تتصدّر هذه النُّخبة العسكرية المشهد السياسيّ والاجتماعيّ وحتى الاقتصاديّ في المجتمع الجنوب سوداني، حتى إنّ أغلب قادة الحزب الحاكم «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في دولة الجنوب هُم من النُّخبة العسكرية.
سمات النُّخب في شرق إفريقيا وتأثيراتها:
تختلف كلّ نخبة عن غيرها في سماتها ومميزاتها التي تمتاز بها، ويمكننا عرض سمات النُّخب في شرق إفريقيا وتأثيراتهم العامّة حسب نوعها كما يأتي:
النُّخب السياسية:
– صنع القرار: تعدّ النُّخبة السياسية في منطقة شرق إفريقيا هي مَن تصنع القرارات، ولكن الأمر يختلف من دولةٍ لأخرى حسب الأنظمة الحاكمة، ففي إريتريا النُّخبة السياسية هي نخبة حزب الجبهة الشعبية، وهي مَن تصنع القرارات، أما في بقية الدول، كالسودان وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، فأدَوْار النُّخبة السياسية في عملية صنع القرار متباينة، على سبيل المثال: الأحزاب المعارضة في السودان تمارس دَوْراً جزئيّاً في صناعة القرارات، وليس دَوْراً مهمّاً كما هو دَوْر حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
– حشد الرأي العام: أيضاً تؤدي النُّخبة السياسية دَوْراً مؤثّراً في حشد الرأي العام بأنواعه المختلفة (العفوي، الفعّال، والمؤقت)، على سبيل المثال: قامت النُّخبة الثقافية السودانية بحشد الرأي العام من أجل إيقاف الحرب في دارفور، وعقدت دورات وندوات، وكذلك حاولت النُّخبة السياسية في الصومال حشد الرأي العام من أجل التفاعل مع القضايا المهمّة والمخاطر المحدقة بالبلاد.
النُّخب الدينية:
– إصدار الفتاوى: النُّخبة الدينية هي الجهات التي تُصدر الفتاوى في شرق إفريقيا، فمثلاً الجهة المنوط بها إصدار الفتاوى في إثيوبيا هي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
– تنظيم المظاهرات: في حال حدوث تطوّرات عالمية تهمّ العالم الإسلامي؛ تحاول هذه النُّخب الدينية الإسلامية تنظيم تظاهرات من أجل دفع أفراد المجتمع إلى التفاعل مع الأحداث التي تخصّ دينهم، فمثلاً هيئة علماء الصومال عندما وقع هجومٌ إرهابيٌّ قرب المسجد النبوي نظّمت تظاهرةً تندّد بالهجوم، وخطب في الجمع الغفير رئيسُ الهيئة الشيخ بشير أحمد صلاد، وعبّر عن أسفه الشديد للاعتداء الغاشم.
– ترتيب الفعاليات الدينية: فالكيانات التي تعمل في إطارها النُّخب الدينية هي مَن تنظّم الفعاليات والأعياد الدينية في بلدان شرق إفريقيا.
النُّخب الاقتصادية:
تاريخيّاً؛ قامت الجمعيات الاقتصادية بدَوْرٍ مهمٍّ في نَيْل بلدان شرق إفريقيا لاستقلالها عن الدول الاستعمارية، ولكن بمرور الزمن تضاءل دَوْرها، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لأنّ أغلب هذه الجمعيات كانت تحت سيطرة المدّ الشيوعي آنذاك، وأما اليوم فما تزال تؤدي دَوْراً سياسيّاً برغم سيطرة الأنظمة عليها، ومن تأثيراتها:
– المساهمة في خلق علاقات خارجية للدول: فمثلاً يساهم اتحاد أصحاب العمل بجنوب السودان في توطيد علاقة دولة جنوب السودان بجيرانها.
النُّخب القَبَليّة:
– الحفاظ على الأمن والسّلم الاجتماعي: تقوم النُّخب القَبَليّة بدَوْرٍ فاعلٍ في الحفاظ على الأمن والسّلم الاجتماعيّ في أغلب دول شرق إفريقيا، فمثلاً في جنوب السودان يمثّل شيخ/ أو كبير القبيلة قاضيّاً يقضي بين الفرقاء في المجتمع الجنوبي.
– الدَوْر السياسي: تحاول النُّخب القَلَبية، في أغلب دول شرق إفريقيا، ممارسة دَوْرٍ سياسي، بالتأثير في النُّخب السياسية أو التقرّب منها، على سبيل المثال في جنوب السودان هناك مجلس كبار قبائل الدنيكا، وهو منظومة سياسية تحت غطاء قَبَلي- حسب الباحث الجنوب سوداني دينق زكريا ضوم-، بمعنى أنّ هذا المجلس يحاول التأثير في قرارات النُّخب السياسية في جنوب السودان.
– الدَّور العسكري: تقوم هذه النُّخب القَلَبية أيضاً بدَوْرٍ عسكريٍّ في بعض بلدان شرق إفريقيا، فمثلاً في الصومال بعد انهيار نظام سياد بري في تسعينيات القرن الماضي وانهيار مؤسّسات الدولة، وخصوصاً المؤسّسة العسكرية، مارست النُّخب القَبَليّة دَوْراً عسكريّاً سالباً، حتى أصبح زعماء القبائل قادة حرب؛ مما أدى إلى إطالة أمد الحرب في الصومال.
النُّخب الثقافية:
– نشر الوَعْي الثقافي: هناك جمعيات ومنتديات ثقافية في أغلب بلدان القرن الإفريقي، تقوم بإعداد معارض كتاب ودورات ثقافية، تحاول من خلالها نشر الفكر والوَعْي الثقافي بين أفراد المجتمع، على سبيل المثال يُقيم منتدى الخرطوم الثقافي حفلات ومُلتقيات دورية، يحاول من خلالها توعية الشباب السوداني بالثقافة والتراث السوداني.
– تفعيل دَوْر الاتحادات الثقافية: تقيم النُّخب الثقافية دَوْرات ومعارض تحاول عبرها تفعيل دَوْر الاتحادات والجمعيات الثقافية في بلدانهم، وعلى سبيل المثال في أوغندا، بمبادرات من مجموعة من النُّخب الثقافية، تنظّم المؤسّسة الأوغندية للثقافات المشتركة معرضا ًسنويّاً، تسعى من خلاله إلى تفعيل المنظمات الثقافية في البلاد.
النُّخب العسكرية:
– الدَّور السياسي: تؤدّي النُّخب العسكرية دَوْراً سياسيّاً بارزاً في أغلب دول شرق إفريقيا، فمثلاً في الصومال مارست دَوْراً سياسيّاً تاريخيّاً بارزاً في عهد سياد بري، وأيضاً في جنوب السودان يلاحظ أن مَن يتحكّم في القرار السياسي هي النُّخبة العسكرية؛ بدلالة أنّ رئيس البلاد سلفاكير مَيارديت هو من هذه النُّخبة.
– تقديم المشورة الأمنية للنُّخب السياسية: أيضاً تقدّم النُّخب العسكرية المشورة الأمنية للنُّخب السياسية الحاكمة، وعندما يتقاعد بعض عناصر النُّخبة العسكرية تحاول الأنظمة السياسية الاستفادة منهم في مهام أخرى، منها مثلاً استشارتهم في المسائل الأمنية.
المقارنة بين النُّخب من حيث التأثير:
عندما تطرقنا إلى النُّخبة السياسية في شرق إفريقيا بينّا أنها تدور في فلك الأنظمة الحاكمة، ولا تستطيع الخروج عن النّسق العام الذي تفرضه الأنظمة الشمولية في شرق إفريقيا، فدَوْرها في التنمية السياسية أو التأثير والتغيير في مجتمعات شرق إفريقيا ليس بالمستوى المطلوب؛ لأنّ الأنظمة هي مَن أوجدتها، بعبارة أخرى مصير صعودها وهبوطها مرهونٌ بالقيادة الحاكمة في بلدان شرق إفريقيا.
وبالرغم من مسؤولية الجميع عن الواقع الذي تعاني منه مجتمعات شرق إفريقيا؛ فإنّ مسؤولية النُّخبة السياسية والدينية والثقافية والقَبَليّة أكبر، لضعف قيامها بدَوْرها الطلائعي في عملية التغيير والتأثير في أفراد المجتمعات، لذلك تعتبر شريكة الأنظمة الشمولية في الواقع الذي تعاني منه مجتمعات شرق إفريقيا، مع العلم بأنّ دَوْرها المفترض هو صناعة الأفكار، ومحاربة الفساد، والتوعية بالأخطار المحدقة بالأوطان، وتعميم المعرفة الثقافية والسياسية والدينية والتجارية في الوسط الاجتماعي، وهذا غير متحقّق في النُّخب بدول شرق إفريقيا.
بالرغم من أننا نؤمن بأنّ النُّخب في شرق إفريقيا لا تقوم بالدَّور المرجو منها كاملاً، لكننا نلاحظ مما تقدم أنّ النُّخب السياسية تعدّ هي الأكثر نشاطاً وتأثيراً في عملية التغيير والتأثير على الأفراد في مجتمعات شرق إفريقيا، ولأنّ الأنظمة هي مَن أوجدتها، كما أسلفنا، فبدلاً من أن تساهم في عملية التغيير والتأثير على أفراد مجتمعها تساهم في حماية أنظمتها.
وأما النُّخب الأخرى؛ فيُلاحظ أنّ النُّخب الثقافية مثلاً تتمتع بشيءٍ من الحرية في بعض دول شرق إفريقيا؛ ما يمكّنها من ممارسة دَوْرها الفكري في عملية التغيير والتأثير، ولكن في دولةٍ كإريتريا يصعب عليها المساهمة في عملية التأثير والتغيير بسبب تحكّم النظام في مفاصل الحياة.
ما طبيعة العلاقة بينها وبين الحكومات، وفيما بينها، هل هي علاقات تقاطع؟ أو علاقات تكامل؟
علاقة النُّخب بالأنظمة:
وتأسيساً على ما سبق؛ يمكننا استخلاص طبيعة العلاقة بين النُّخب السياسية والحكومات في شرق إفريقيا، فهي علاقة تكاملية، لأنّ الأنظمة السياسية في شرق إفريقيا لا تسمح للنُّخب السياسية بممارسة دوْرها باستقلالية، ولذلك دائماً ما تحاول هذه النُّخب الحفاظ على علاقة تكاملية مع تلك الأنظمة بدلاً من التصادم معها، ولأنّ تلك الأنظمة دائماً ما تُنكّل بالفئات التي تحاول التأثير والتغيير في مجتمعها، وتوقف نشاطاتها أو تصادر دَوْرها أو صحفها السياسية، مثال لذلك إثيوبيا؛ فعندما تظاهرت المعارضة ضدّ نتائج انتخابات 2009م؛ قام النظام الإثيوبي باعتقالاتٍ واسعةٍ بين الصحافيين السياسيين والساسة المعارضين (7).
وكذلك العلاقة بين معظم أنواع النُّخب الأخرى وتلك الأنظمة تتصف بأنها علاقة تكاملية؛ مثل علاقة النُّخب القَبَليّة بالأنظمة الحاكمة، وعلى سبيل المثال قبيلة الدينكا في جنوب السودان هي جزء من النظام الحاكم.
وكذلك علاقة النُّخب الدينية بالأنظمة؛ لأنها تحاول دعم شرعية تلك الأنظمة، فمثلاً المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا جعله النظام الإثيوبي تحت سيطرة أقلية الأحباش من أجل ضبط المسلمين في إثيوبيا، فهناك علاقة تكامل بين النظام الإثيوبي ومجموعة الأحباش، فالأحباش يريدون تعميم فكرهم في وسط المسلمين في إثيوبيا من جهة، والنظام الإثيوبي يريد مَن يضبط له الحراك الإسلامي من جهةٍ أخرى، حيث وجد ضالته في مجموعة الأحباش صاحبة الفكر الوافد على المجتمع الإثيوبي المسلم، ومن هذا المنطلق يمكننا توصيف العلاقة بين النظام الإثيوبي والنُّخب الدينية بأنها تكاملية.
وكذلك علاقة النُّخب الثقافية بالأنظمة يمكن وصفها بالتكاملية ما لم تقم بنشاطٍ سياسيٍّ معارض، وإذا ما قامت بأيّ نشاطٍ معارضٍ لا ترضى عنه الأنظمة فمصيرها هو الإيقاف.
علاقة النُّخب فيما بينها:
علاقة النُّخب القَبَليّة بالنُّخب الثقافية يمكن وصفها بأنها علاقة تقاطعية؛ لأنّ النُّخب القَبَليّة ترى في النُّخب الثقافية مهدّداً لمكانتها الاجتماعية؛ باعتبار أنّ النُّخب الثقافية تحاول محاربة ما يُسمّى بالقَبَليّة والتقليل من شأن النظام القَبَليّ بشرق إفريقيا.
أما النُّخب السياسية؛ فعلاقتها بالنُّخب الدينية والقَبَليّة علاقة شبه تكاملية؛ لأنّ النُّخب السياسية دائماً ما تحاول كسب دعم النُّخب القَبَليّة والدينية في العراك الانتخابي الشكلي، والنُّخب القَبَليّة من جهتها أيضاً تحاول التأثير في النُّخب السياسية، وذلك لكسب الدعم الماديّ والمعنويّ منها، فمثلاً عندما يخوض السياسي الجنوب سوداني انتخابات فإنه يحاول الاستناد على قبيلته، مثل السياسي المخضرم لام أكول رئيس حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان- التغيير الديمقراطي، والذي ينتمي إلى قبيلة الشلك، وقواعد الحزب هم أيضاً من المنتمين إلى هذه القبيلة.
وأما علاقة النُّخب الثقافية بالنُّخب الاقتصادية؛ ففي بعض دول شرق إفريقيا تكون تكاملية، ويمكن الاستدلال بالمؤسّسة الثقافية المشتركة الأوغندية، حيث نظّمت فعالية وضعت من خلالها مبادئ توجيهية للشركات النفطية، ونقصد بالمبادئ التوجيهية: تعريف الشركات المنقّبة بطبيعة سكان المنطقة وثقافتهم، وهذا يعني وجود تواصلٍ وعلاقة تكامل بين النُّخبتَين الثقافية والاقتصادية في أوغندا، وهذا ما لم نشاهده في بقية دول المنطقة (8).
وعلاقة النُّخب العسكرية بباقي النُّخب الأخرى تختلف من بلدٍ لآخر، فمثلاً علاقتها بالنُّخب السياسية في الصومال وإثيوبيا وأوغندا يمكن وصفها بالتكاملية، مثل علاقتها بالنُّخب الاقتصادية إن لم تمثل هي نفسها النُّخب الاقتصادية في بعض بلدان شرق إفريقيا، أما علاقتها بالنّخب القَبَليّة في الصومال فهي متداخلة ومتكاملة، ولا يمكن الحديث عن علاقةً لها بالنُّخب الأخرى كالثقافية.
تأمّلات في طبيعة أدَوْار النُّخب في شرق إفريقيا: ما بين حقيقة الواقع وافتراضات المستقبل:
صحيحٌ أنّ الزمن القادم (المستقبل) لم يأت بعد، وهو ما يجعل معرفة تفاصيله أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن من (الأمور المستحيلة)، ولكننا على الرغم من ذلك نعتقد أنّ الاعتماد على عددٍ من المعطيات يمكّننا من إيجاد الإطار العام له، والاقتراب من معرفة تلك الاحتمالات (خصوصاً أنّ المستقبل، بما يحفل به من أحداث، هو من صنع البشر)، الأمر الذي سيجعل من تلك الاحتمالات أمراً قابلاً للحصول إذا ما توفّرت الظروف الموضوعية لحدوث تلك المعطيات، وعند الحديث عن مستقبل الدَّوْر الذي ستمارسه النُّخب في شرق إفريقيا؛ تُطرح ثلاثة مشاهد مستقبلية في هذا المجال، وهي على النحو الآتي:
مشهد الاستمرارية: يفترض هذا المشهد أنّ النُّخب في شرق إفريقيا، ونظراً للطبيعة المعقّدة التي تعمل من خلالها، إلى جانب التنوّع الذي تتميز به بين نخبٍ سياسية واقتصادية وثقافية ودينية وقَبَلية، سوف تستمر بممارسة الأدَوْار نفسها التي تمارسها في الوقت الحاضر، من حيث التأثير، خصوصاً النُّخب السياسية، التي تعتبر أكثر تأثيراً من غيرها، وبالتالي فإنّ هذه الفرضية تقودنا إلى النقاط الآتية:
– اتجاه أغلب الأنظمة السياسية في دول شرق إفريقيا إلى الاستمرار بإنتاج نُخبها الخاصّة بها، وذلك لتقزيم الأدَوْار التي تمارسها النُّخب التي تعمل خارج إطارها، وتحديداً في المجال السياسي.
– استمرار محدودية الدَوْر الذي تمارسه باقي النُّخب.
– اتجاه النُّخب الدينية والقَبَليّة إلى مزيدٍ من مدّ جسور التعاون والعلاقة مع الأنظمة الحاكمة.
مشهد التغيير: يفترض هذا المشهد: أنه نظراً لطبيعة التغيّرات التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الحراك الذي أُطلق عليه «الربيع العربي»، إذ عمل هذا الحراك على إنتاج نُخب، أو تفعيل أدَوْار نُخب أخرى كانت معطّلة في ظلّ الأنظمة التي عصف بها هذا الحراك أو «الربيع العربي»، فإنّ عملية التغيير هذه قد تلامس تأثيرات النُّخب في شرق إفريقيا، خصوصاً أنّ بعض دولها قريبة من ليبيا ومصر اللتين كان لهما حصة الأسد من عملية التغيير هذه، ومن ثمّ فإنّ المستقبل قد يشير إلى تفعيل أدَوْار النُّخب في شرق إفريقيا كجزءٍ من عملية تغيير أخرى قد تجتاح دول شرق القارة.
مشهد الاستمرارية والتغيير: يفترض هذا المشهد أنه، ولطبيعة الضغوط التي أفرزتها التطورات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، تتّجه أغلب الأنظمة السياسية في دول شرق إفريقيا إلى احتواء وتفعيل دَوْر النُّخب فيها، كخطوة لقطع الطريق أمام أيّ عملية تغييرٍ محتملة، إلى جانب إذابة دَوْر هذه النُّخب داخل أنظمتها السياسية، وبالتالي تصبح هناك عملية تكامل بين الأدَوْار التي تقوم بها النُّخب، والأدَوْار التي تقوم بها الحكومات.
الخاتمة:
من خلال ما تقدّم ذكره؛ يمكن القول بأنّ النُّخب في شرق إفريقيا مارست أدَوْاراً مؤثّرة في العديد من المستويات:
على المستوى السياسي: يتضّح دَوْر النُّخب في شرق إفريقيا في هذا المجال، فهي أكثر فعالية من النُّخب الأخرى، وذلك نظراً لعلاقتها المتميّزة بالسلطات الحاكمة في أغلب بلدان الشرق الإفريقي، وتعود هذه العلاقة المتميّزة بين النُّخب السياسية والحكومات إلى كونها وليدتها وتعمل ضمن إطارها السياسي، كما تتميّز النُّخب السياسية بكونها أكثر نشاطاً من غيرها في عملية المشاركة في صنع القرارات السياسية داخل المجتمعات التي تنشط فيها.
على المستوى الاقتصادي: أما النُّخب الاقتصادية؛ فهي- وكما هو واضح من عنوانها الرئيس- نشطت في المجالات الاقتصادية والتجارية، من خلال الشبكة المميزة للعلاقات التي أنشأتها هي الأخرى مع الأنظمة الحاكمة، وذلك عن طريق رجال الأعمال والشركات التجارية والمؤسّسات الاقتصادية العاملة، والتي تعود بالنفع المتبادل عليها وعلى الحكومات، فنظراً لسيطرة الحكومات في شرق إفريقيا على عوامل الإنتاج وموارده، يبرز دَوْر النُّخب الاقتصادية من خلال الاستفادة من هذه الموارد وتحويلها إلى فائدة مشتركة بين الطرفَيْن.
على المستوى القَبَلي: يمكن القول بأنّ النُّخب القَبَليّة في دول شرق إفريقيا- بالمجمل- مارست أدَوْاراً مكمّلةً لدَوْر الدولة، من خلال مساعدة الحكومات على بسط الأمن والاستقرار الاجتماعي، إلى جانب ممارستها أدَوْاراً سياسية من خلال دعم بعض السياسيّين المحسوبين عليها، إلا أنّ هذا الدعم يدخل في إطار المنفعة المتبادلة بين الطرفَيْن.
على المستوى الديني: كما أشرنا في أعلاه، تتمثل النُّخب الدينية في معظم دول شرق إفريقيا، من رجال دين مسلمين ومسيحيّين، ومارست هي الأخرى دَوْراً مؤثّراً في مجتمعاتها، من خلال الفتوى والإرشاد الديني، كما يمارس بعضها نشاطاً مؤسّسيّاً من أجل تفعيل دَوْر هذه النُّخبة وزيادة نشاطها الاجتماعي، كما هو الحال في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، وهيئة علماء السودان، وقد سبقت الإشارة إليهما.
على المستوى الثقافي: برز دَوْر النُّخب الثقافية في دول شرق إفريقيا من خلال النشاطات الثقافية التي تقوم بها، سواء عن طريق الملتقيات الثقافية والأدبية التي تنظمها، أو عن طريق المؤسّسات التي تنتشر في أغلب هذه الدول، وقد أسهمت النُّخب الثقافية في إصدار العديد من الكتب والمجلات، التي كان لها الأثر الكبير في توعية المواطن وتثقيفه في دول شرق إفريقيا.
على المستوى العسكري: هناك اتفاق على أنّ مهمّة الجيوش الحديثة هي حماية البلدان من المهدّدات الخارجية والداخلية، لا الانشغال بالأدَوْار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن هذه النُّخب- كما أوضحنا فيما سبق- تمارس أدَوْاراً اقتصادية وسياسية في بعض بلدان شرق إفريقيا، وإذا ما تفاعلت ونشطت بقية النُّخب في أدَوْارها المفترض أن تقوم بها؛ فلعلّ النُّخب العسكرية تكتفي بأداء دَوْرها الدفاعيّ عن الأوطان فقط.
الاحالات والهوامش :
(*) باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية- السودان.
(1) القاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص175.
(2) ابن منظور، لسان العرب، (1/ 751 ، 752)، دار صادر – بيروت، ط3 – 1414هـ.
(3) ابن منظور، لسان العرب، (1/ 752)، دار صادر – بيروت، ط3 – 1414هـ.
(4)The Oxford Thesaurus, the reader digest complete word Finder the reader’s digest Association limited, London, 1993, p: 476.
(5) محمد بن صنيتان: النخبة السعودية دراسة في التحولات والإخفاقات، مركز الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه، العدد (48)، (2005)، ص23.
(6) أسامة معقافـي: النخـبـة الحاكـمـة ومسـار التحـول الدیمقـراطي دراسـة حالـة تـونس (1987م – 2010م)، مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية تخصّص: الدراسات المغاربية، جامعة الجزائر- كلية العلوم السياسية والإعلام/ قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، (2011م)، ص2.
(7) ضياء طارق، ن بوست، في 23.08.2017 http://www.noonpost.org/content/12298
(8)The Cross- Cultural Foundation of Uganda, in 23.08.2017 http://crossculturalfoundation.or.ug/cultural-institutions-set-guidelines-oil-companies/.