د. محمد البشير أحمد موسى (*)
شهدت عددٌ من دول القارة الإفريقية تحوّلاتٍ كبيرةً لم تشهدها منذ الاستقلال، وذلك في اتجاه بناء دولة القانون والمؤسسات، وسط نداءاتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ واسعةٍ لتحقيق العدالة والمساواة والحريات وحقوق الإنسان، وصولاً إلى قيام الحكم الرشيد بتكوين مؤسّسات المجتمع المدني، والسعي لإلغاء مبدأ الحزب الواحد، وهيمنة النظام العسكري، والأبوية الروحية التي عاشت إفريقيا في أكنافها فترةً طويلةً من تاريخها السياسي.
فبرغم حكم الحزب الواحد، وهيمنة النظام العسكري، والأبوية الروحية، بحجة الحفاظ على وحدة الدولة القومية، وبناء الوحدة الوطنية، وسيادة القانون، في الدولة الإفريقية الحديثة، لم تتقدم دول القارة قيد أنملة فيما يتعلّق بالحكم الرشيد ودولة القانون والحريات، بل تحوّل بعضها إلى دولةٍ (فاشلة)، يعاني بعض أركانها من الإقصاء والتهميش وقمع الحريات، والاستغلال السيئ لمقدّرات الشعوب؛ لتحقيق طموحاتٍ شخصية، أو حزبية، أو مناطقية، أو فكرية، على حساب باقي أركان الدولة وحقوق الإنسان.. والمجتمع بأسره.
دعائم دولة القانون والمؤسّسات:
أثبتت التجارب العملية بأنه لا توجد قوالب جاهزة للممارسة الديمقراطية في العالم، وإفريقيا خصوصاً، ولكن توجد دعائم وأعمدة للممارسة الديمقراطية، يمكن البناء عليها لتحقيق دولة القانون والمؤسّسات والحريات وحقوق الإنسان، حسب ظروف كلّ مجتمع، وتتمثل هذه الدعائم فيما يأتي:
– ضرورة وجود التشريع، ووجود مؤسّسات الرقابة المتبادلة، والتوازن في السلطات.
– وجود الوعي بأهمية الشورى، أو الديمقراطية، بوصفها أسلوباً لإدارة الدولة والتعايش بين المكوّنات المختلفة.
– المشاركة الحقيقية بين الراعي والرعية لتحقيق الحكم الرشيد، فوجود التشريع لا يكفي وحده إذا لم يكن نابعاً من الشعب، وتتحقق فيه الفاعلية والعدالة والموضوعية.
– المؤسّسية؛ فلا بد أن تكون المؤسّسات، سواء كانت أحزاباً أو مؤسّسات المجتمع المدني، قائمةً على التعدّدية والمشاركة المجتمعية، وليست نابعةً من السلطة الحاكمة.. أيّاً كانت هذه السلطة.
ولا بدّ من اقتناع المجتمع بأنّ الحياة الشورية أو الديمقراطية طريقٌ للتعايش السلميّ بين المكوّنات الاجتماعية المختلفة، وأنها الطريق الأمثل لبناء الدولة والمؤسّسات في إطارٍ دستوريٍّ يراعي المتطلبات المختلفة للمجتمع، آخذاً في الاعتبار أنّ التحوّل نحو بناء الدولة القانونية والحكم الرشيد ينبع من الداخل لا من إملاءات الخارج، وأنها قائمةٌ على عقدٍ اجتماعيٍّ ارتضاه الجميع، وهو الدستور، عندها فقط يمكن إنشاء دولة القانون والمؤسّسات التي تضمن حماية الحريات وحقوق الإنسان، ويتحقق في ظلّها الحكم الرشيد.
إفريقيا.. انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات العامّة برغم الشعارات:
شهدت إفريقيا في تاريخها الإسلاميّ عدداً من النماذج الرائعة من الدول التي تحقّقت فيها مقوّمات دولة القانون والمؤسسات، وهي الممالك الإسلامية, التي حقّقت أهمّ الأسس التي يقوم عليها الحكم الرشيد، وهو مبدأ «فصل السلطات»، وتحقيق البُعد الاجتماعيّ عبر المشاركة المجتمعية والمساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية، والمظلّة الكبيرة لكلّ ذلك كان وجودُ تشريعٍ يخضع الجميع له، وهو الشريعة الإسلامية، فامتدّ حكم هذه الممالك، في بعض مناطق القارة، لأكثر من ألف عام (900م – 1900م).
ومن هذه الممالك مملكة كانم الإسلامية في وسط القارة الإفريقية، التي امتدّ نفوذها شرقاً إلى ما يُعرف اليوم بوسط السودان، أما غرباً فإلى شمال دولة نيجيريا والكاميرون، وجنوباً إلى شمال إفريقيا الوسطى، وشمالاً إلى منطقة فزان في جنوب ليبيا، حتى عصفت بها المتغيّرات الدولية والمحلية فتجزأت إلى دويلات.
وفي عصر ما بعد الاستعمار، واستقلال الدول الإفريقية، دفعت التحوّلات السياسية والقانونية، وتحديات الاضطرابات الإثنية والنزاعات في تغيير النّظم الحاكمة في دول القارة، وما يترتب عليها- غالباً- من انتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان، وقمْعٍ للحريات، دفعت القادةَ الأفارقةَ إلى رفع شعار: «حقوق الإنسان» في مواجهةٍ- شكلية- لهذه التحديات.
وفي هذا الإطار- على سبيل المثال-؛ انعقدت القمّة الثامنة والعشرين للاتحاد الإفريقي، في (31/1/2017م) بأديس أبابا، تحت شعار: «تسخير العائد الديموغرافي من خلال الاستثمار في الشباب» مع تأكيد الالتزام «بالأمن والسلام» (1) ، ولم يُعر القائمون على أمر هذه القمّة مراجعة شعار القمّة السابقة 31/1/2016م : «عام إفريقيا لحقوق الإنسان… حقّ المرأة» أيّ اهتمام، كما هو المعتاد (مراجعة ما تمّ الاتفاق عليه أو إنجازه)، بل مرّ مرور الكرام كغيره من شعارات الاتحاد الإفريقيّ وقراراته التي لا يُوجد لها تطبيقٌ في أرض الواقع، حيث كان رفع الشعار وقتها امتصاصاً لغضب الشارع الإفريقيّ من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في عددٍ من دولها، وبخاصّة تلك التي تشهد حروباً على الهويّة أو الإثنيّة، وما صاحب ذلك من تجاوزاتٍ للقوات الإفريقية.
واتخذت تلك القمّة شعار: «حقّ المرأة» ذريعةً لفرض الأجندة الغربية فيما يتعلّق باتفاقية «سيداو»، وغيرها من الاتفاقيات الدولية حول المرأة وحقوقها وفق المنظور الغربي، بغرض فرضها على الدول الإفريقية، وتحديداً المسلمة منها، كما هو واقع اليوم من طرح «مدوّنة الأحوال الشخصية» في كلٍّ من تشاد وموريتانيا والنيجر والسنغال والمغرب، وغيرها من الدول المسلمة في إفريقيا.
لقد اعتبر الاتحادُ الإفريقيُّ عامَ 2016م تحوّلاً أساسيّاً في مسار حقوق الإنسان في إفريقيا، وبخاصّة حقوق المرأة- بناءً على «الصيحة» الدولية-، حيث تزامن رفع الشعار مع شعارٍ آخر للاتحاد وهو: «عقد المرأة الإفريقية: 2010-2020»، وإطلاق صندوق «المرأة الإفريقية»، لدعم هذا التوجّه بتعزيز «حقوق المرأة» خلال هذا العقد.
كما تزامن رفع هذا الشعار مع الذكرى الـ35 لاعتماد الميثاق الإفريقيّ لحقوق الإنسان والشعوب 1981م في نيروبي، والذكرى الـ30 لبدء نفاذ هذا الميثاق عام 1986م، والذكرى الـ 13 لبرتوكول حقوق المرأة في إفريقيا الملحق بالميثاق الإفريقيّ لحقوق الإنسان، والمعروف ببرتوكول «موبوتو في عام 2003م».
وبرغم رفع شعار «عام إفريقيا لحقوق الإنسان… حقّ المرأة»، في عام (2016م)؛ فإنَّ الانتهاكات ما زالت ممتدة في أنحاء القارة الإفريقية، بل صُنّف عام 2016م الأسوأ في حقوق الإنسان الإفريقي، حسبما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية (حالة حقوق الإنسان في العالم) لعام: 2015/2016م (2)، بل إنَّ تلكم الممارسات المخالفة لشعار «عام حقوق الإنسان في إفريقيا» لم تسلم منها إثيوبيا نفسها، التي يقع بها مقرّ الاتحاد الإفريقي، بل كانت على رأس قائمة الدول المنتهكة لهذا الشعار وحقوق الإنسان لعام 2016م، كما لم تسلم قوات الأمم المتحدة نفسها من التورط في هذه الانتهاكات في دولتَي إفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وكذلك القوات الإفريقية المتمركزة في العاصمة «بانقي»، حيث تقع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ! (3).
الحكم الرشيد وبناء الدولة القانونية في إفريقيا:
مع التغيّرات التي طرأت على العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفييتي، وظهور بعض الأزمات الأخرى في العالم، وبخاصّة العالم الرأسمالي، التي عُرفت حينها بالكساد الاقتصادي، وحاجة المجتمعات الغربية إلى تأمين أمنها الاقتصاديّ عبر ما تملكه القارة الإفريقية من خيراتٍ تحت الأرض وفوقها، فقد ظهرت مفاهيم جديدة وسياسات اقتصادية من قِبل المؤسّسات الاقتصادية الدولية الداعمة للحركة الاقتصادية في الدول الرأسمالية، والمتمثلة في كلٍّ من: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، اللذَيْن قامَا بطرح مفهومٍ جديدٍ للحكم في إفريقيا عُرف باسم «الحكم الرشيد»، بوصفه مفهوماً أو أسلوباً لإدارة الحكم في إفريقيا.
وتمثّل ذلك بصورةٍ خاصّةٍ في أدبيات البنك الدولي، المرتبطة أساساً بتأمين تدفّق الخيرات على الدول الرأسمالية، إذ قام البنك بتشخيص الأزمة الاقتصادية للدول الإفريقية في دراسة عُنونت بـ«إفريقيا جنوب الصحراء، من الأزمة إلى النمو المستدام»(4) Sub Saharan Africa, from Crisis to Sustainable Growth ، وخلصت الدراسة إلى أنّ الأزمة تتمثل في الأعراض الآتية:
– شخصنة السلطة.
– إنكار حقوق الإنسان الأساسية.
– انتشار الفساد وتفشّيه على نطاقٍ واسع.
– وجود حكومات غير منتخبة، ولا تخضع للمسائلة.
كما ترجع الإشارة إلى مفهوم «الحكم الرشيد» في مبادرات التنمية الإفريقية، وأُطر التعاون مع الدول الغربية، إلى بداية التسعينيات، ففي وثيقة «كمبالا» لمؤتمر «الأمن والاستقرار والتنمية والتعاون في إفريقيا» في عام (1991م)، اعتبرت الوثيقة الختامية أنَّ «الحكم الرشيد» أساس تحقيق الاستقرار، مشيرة إلى ضرورة الالتزام بحكم القانون، والمشاركة الشعبية في الحكم، والشفافية، وتداول السلطة، وقد أكدت الوثيقة ضرورة متابعة التقدّم في هذه الأبعاد عن طريق «سكرتارية» المؤتمر، بالتنسيق مع لجنة حقوق الإنسان التابعة للاتفاقية الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إلى أن يتمّ إنشاء آليةٍ خاصّةٍ للمتابعة، وهو ما لم يتمّ تنفيذه حتى اليوم !(5).
العلاقة بين الحكم الرشيد والدولة القانونية:
أصبحت معظم التعريفات المتعلقة بالحكم الرشيد ترتبط بالجانب الاقتصاديّ أكثر من ارتباطها بالجانب الإنساني، ومن ذلك تعريف منظمة التنمية والتعاون الاقتصاديّ عام 1995م أنّ الحكم الرشيد يتمثّل في: «استخدام السلطة السياسية، وممارسة السيطرة على المجتمع، في إدارة الموارد، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية» (6).
لكن أشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنَّ «الحكم الرشيد» لا يتعلق فقط بالقضاء على الفساد الإداريّ بالمجتمعات، ولكنه يتعلّق أيضاً بإعطاء الأفراد الحقوق والآليات والقدرات للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثّر في حياتهم اليومية، ومحاسبة حكوماتهم على ما تقوم به، أي أنها خطوة لتطبيق العدالة والمساواة.
هذه الإضافة، من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تضيف لنا بُعداً آخر في تعريف «الحكم الرشيد»، إذا ما استبعدنا الطابع أو السمة التي اتسم بها في أول ظهوره، وهو أنَّ «الحكم الرشيد» يعتمد في وجوده وتطبيقه على وجود «الدولة القانونية»، فكأنَّ «الحكم الرشيد» من تطبيقات «الدولة القانونية» ، وهذا ما يعطي للمصطلح شموليةً أكبر من ذلك الذي حصره به البنك الدوليّ والمنظمات الدولية الأخرى، فالحكم الرشيد في أحد مفاهيمه هو: «مجموعة القواعد الاجتماعية التي تشملها دولة القانون» (7) ، وهذا المفهوم يجلّي تلك العلاقة الوطيدة بين المصطلحَيْن.
وبما أنّ الحكم الرشيد هو جزئية من جزئيات تطبيق الدولة القانونية، فقد بيَّن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنَّ ذلك الحكم يقوم على جملةٍ من الخصائص والمبادئ، من أهمها:
1 – المشاركة: أن يكون لكلّ مواطنٍ الحقّ في إبداء رأيه عند اتخاذ القرار، مباشرةً أو بصورة غير مباشرة، من دون تمييزٍ بين المواطنين في ذلك (8).
2 – حكم القانون: أن يتّسم الحكم بالأُطر القانونية، من ذلك العدالة والمساواة، وتطبيق ذلك أيضاً من دون تمييزٍ أو تحيّز.
3 – الشفافية: أي التدفق الحرّ للمعلومات، وانفتاح المؤسّسات والعمليات المجتمعية مباشرةً على المهتمين بها حتى يمكن مراقبتها.
4 – الاستجابة: أن تسعى المؤسّسات والعمليات المجتمعية إلى خدمة جميع مَنْ لهم مصلحة فيها.
5 – بناء التوافق: أي التوفيق بين المصالح المختلفة للتوصّل إلى توافقٍ واسعٍ على ما يشكِّل أفضل مصلحة للجماعة.
6 – المساءلة: أن يكون صانعو القرار في الحكومة، والقطاع الخاصّ ومنظمات المجتمع المدني، مسؤولون أمام الجماهير.
7 – الفاعلية والكفاءة: أن تلبِّي العمليات والمؤسّسات احتياجات المجتمع؛ مع الأخذ في الاعتبار الاستخدام الأمثل للموارد (9).
8 – الرؤية الاستراتيجية، أن يمتلك القادة والأفراد منظوراً واسعاً للحكم الرشيد والتنمية الإنسانية ومتطلباتهما4، ولتحقيق هذا الهدف فقد انطلقت رؤية مبادرة «نيباد» (10) في عام (1999م) بهدف إعادة صياغة مستقبل القارة الإفريقية، وإرساء خطّة عملية للقرن الحادي والعشرين من أجل تطوير هذه القارة، ولكن جهود «نيباد» لم تكن جهوداً عملية وواقعية؛ مما ساهم في إخفاق الدول والقادة في التوصّل إلى رؤيةٍ استراتيجيةٍ للدولة القانونية في إفريقيا (11).
وتتشكّل أطراف الحكم الرشيد من المؤسّسات الآتية:
أ – الدولة والمؤسّسات الرسمية، وتُعدّ أطرافاً أساسية في تحقيق الحكم الرشيد.
ب – المؤسّسات المحلية.
ج – المجتمع المدني؛ بمنظماته وجميعاته وأحزابه المختلفة.
د – القطاع الخاصّ (12).
الحزب الحاكم (حكم الحزب الواحد) ومنهجية تقويض الدولة القانونية:
تتخذ النّخب الحاكمة، بسبب العوامل أو السّمات التي تعاني منها الدولة الإفريقية عند الاستقلال، منحىً معيّناً تجاه بسط سلطة الدولة السياسية وقوتها القانونية، واتخذت هذه النّخب من حكم «الحزب الواحد»، في دولة ما بعد الاستعمار، نمطاً وآليةً لبناء الدولة، وذلك في معظم الدول الإفريقية؛ بدءاً من تونس عند استقلالها عام 1956م، وهي أول دولة إفريقية تعتمد نظام «حكم الحزب الواحد»، ثم تلتها غانا عام 1957م، وهي أول دولة في إفريقيا جنوب الصحراء، وفي عام 1976م كانت 35 دولةً إفريقية تتخذ هذا الشكل للحكم من أصل تسعٍ وأربعين دولةً حينذاك، حتى تلك الدول التي اتخذت منحى التعددية الحزبية؛ كانت الأحزاب الأخرى فيها عبارة عن صور، أو «نسخ متكررة»، من الحزب الحاكم، لا تستطيع القيام بأيِّ عمل يتعارض مع سياسية «الحزب الحاكم»، وإلا تمّ إقصاؤها في حال قيامها بالمعارضة، كما كان الحال في تونس وتشاد ورواندا ونيجيريا وزامبيا (13).
فهذه الخطوة، حكم «الحزب الواحد»، وإن كان بعضهم يرى أنها حافظت على وحدة الدولة القومية، ونجحت في بناء الوحدة الوطنية وسيادة القانون على أراضي الدولة الحديثة، إلا أنها لم تحقّق الأهداف المرجوّة، لأنّ الواقع في كثيرٍ من الدول الإفريقية كان مخيّباً للآمال، فبعض الدول بدأت معركتها لبناء الدولة الواحدة مع الاستقلال، فاندلعت الثورات العسكرية، أو الانقلابات العسكرية، للحيلولة دون ذلك؛ بإيعاز من الدولة المستعمرة، لتكوين دولة تفتقد إلى مقوّمات الدولة القوية، بناءً على رؤى غربية، كما حدث في السودان، منذ وصول القوات البريطانية وفرض سياسة المناطق المغلقة، أو كما في الكونغو الديمقراطية؛ التي بدأت قبل الاستقلال تعاني أزمة بناء الدولة الواحدة، التي تجمّع بين العرقيات والقوميات المختلفة، بسبب تدخّلٍ خارجيٍّ سافر منذ الوهلة الأولى لاستقلالها، حتى أودت هذه الحروب والنزاعات العسكرية والثورات، في الكونغو، إلى مقتل أكثر من مليون نسمة، ومقتل معظم القادة الوحدويّين من أمثال «باتريس لومومبا» (14).
النّخب الحاكمة وسياسة «ملء البطون» لتقويض الدولة القانونية:
أصبحت سياسة «ملء البطون» نمطاً للحكم في معظم الدول الإفريقية، وأثَّرت في قيام الحكومات الإفريقية بعد الاستعمار، وظهور المؤسسات التي بدأت قبيل خروج المُسْتَعْمِر، كالأحزاب القومية، والإدارات المحلية للحكم في بعض الدول، بالإضافة إلى قيام أو تأسيس المنظومة الدينية التابعة للغرب (الكنيسة الإفريقية)، فلذلك أخذت هذه السياسة- حسب رأي بعض الباحثين- لا ترتبط بالسياسة فحسب؛ بل ترتبط أيضاً بعددٍ من المجالات السياسية والاقتصادية والدينية التي تترجم هذه السياسة في الخصّيصة الجذرية والتسلطية للدولة، وجرم السلطة السياسية، والانتقال من الصراع الإثني والقبليّ والجهوي إلى الصراع العسكري، كما كان الحال في نماذج: تشاد، وأوغندا، والسودان، وأنغولا، وليبيريا (15).
ولذا؛ فإنَّ تطبيق هذه السياسة أدى إلى تزايد وتيرة الحروب الأهلية في الفترة من منتصف الخمسينيات إلى منتصف السبعينيات، بسبب الفروق الطبقية في المجتمع، والاستفراد بالحكم الذي تمتّع به بعض القادة.
وهذا ما أدخل القارة في دوامة العنف والاقتتال الأهلي، وانتهاك حقوق الإنسان، ليتمّ القضاء على الدولة الناشئة، والمؤسّسات البسيطة التي تركتها الدولة المُسْتَعْمِرَة، ولم تتراجع وتيرة هذه الحروب إلا في بداية التسعينيات 1990م بنسبة 50% حتى عام 1991م (16)، لرغبة القوى الغربية في استخراج الكنوز المدفونة من بترول ويورانيوم وغيرها، لعدم الاستقرار الاقتصاديّ في مناطق نفوذها الأخرى، وبخاصّة منطقة الخليج العربيّ حينذاك.
ثمَّ ارتفعت وتيرة هذه الحروب من عام 1995م إلى عام 1998م ، بسرعةٍ غير مسبوقة، فأخذت الطابع الاجتماعي، أي النزاعات الإثنية والقبلية، وتحوّل الصراع من صراع أقلية من النّخب أصحاب المصالح الاقتصادية، إلى صراعٍ اجتماعيٍّ بين المكوّنات المختلفة للدولة التي تعاني أساساً من الهشاشة، فشهد العالم في هذه الفترة أكبر الجرائم الإنسانية التي شهدتها البشرية في القرن العشرين، وهي جريمة حرب «الهوتو» و «التوتسي» التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيّين والعسكريّين، وساهمت قوات الأمم المتحدة مرّةً أخرى، وبخاصّة الكتيبة الفرنسية، ومجلس الكنائس العالمي للكنيسة الكاثوليكية، في هذه المجازر، لتعيد لنا- مرةً أخرى- تلك العلاقة الجدلية بين الاقتصاد والقوة العسكرية والدين في العقلية الغربية.
لقد خلَّفت هذه الصراعات، من الجانب الإنسانيّ فقط، في الفترة الممتدة من 1980م إلى عام1990م ، قرابة خمسة عشر مليوناً بين نازحٍ ولاجئ، من بينهم ثلاثة ملايين ونصف المليون لجؤوا إلى دول الجوار (17) ، وازدادت هذه الوتيرة مرةً أخرى من عام 1991م إلى عام 2013م ، لتخلّف أكثر من خمسةٍ وعشرين مليوناً، بين نازحٍ ولاجئٍ ومقيمٍ في مخيمات اللجوء؛ منذ الحروب التي دارت في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ودخول دول- نحو إفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومالي- إلى منظومة الدول الفاشلة والدول ذات الصراعات الإثنية في إفريقيا.
وقد تفاقمت أزمات هذه الدول في الفترة من عام 2012م إلى عام 2016م ؛ لنجد أنفسنا أمام مليونَي ماليّ بين نازحٍ ولاجئٍ في دول الجوار، وأكثر من مليون من جنوب السودان، وأكثر من خمسمائة ألف نازحٍ ولاجئٍ أفرووسطي، بالإضافة إلى تلك الأرواح البريئة التي قُتلت بدمٍ بارد، ولم يُجْد شعار «حقوق الإنسان في إفريقيا لعام 2016م» نفعاً، فما زالت وتيرة هذه الانتهاكات والحروب ممتدة في عددٍ من الدول الإفريقية، وبخاصّة جنوب السودان وإفريقيا الوسطى.
خريطة توضّح: واقع الحريات الصحافية والإعلامية في إفريقيا 2012م-2016م، ما بين الحرية والتقييد والحرمان التام (18).
وضعية حقوق الإنسان في القارة الإفريقية (2015/2016م):
حسب تقارير المنظمات الدولية، وبخاصّة منظمة العفو الدولية، فإنَّ وضع حقوق الإنسان أصبح في تراجعٍ كبيرٍ في عددٍ من دول القارة، برغم ما صاحب ذلك من يقظةٍ ووعيٍ بالحقوق والواجبات في المجتمعات الإفريقية، وبخاصّة شمال القارة، إلا أنَّ انتكاسة تجارب الحريّة في دولٍ مثل مصر وليبيا، فيما أُطلق عليه «فترة الربيع العربي»، وفي الكونغو برازافيل وإثيوبيا، وتحوّل مسار بعض الثورات العربية إلى حروبٍ أهلية كما في ليبيا، وعودة الدولة الشمولية في مصر، والدولة البوليسية في إثيوبيا، والدول المحمية من قِبل فرنسا في الكونغو برزافيل، إلى آخر هذه النماذج الصارخة، أثّرت بشكلٍ ما على بعض المناطق في القارة الإفريقية.
وفي المقابل؛ إنَّ استمرار تجربة نيجيريا وكينيا وملاوي، وغيرها من الدول التي حافظت على النّهج الديمقراطي، كانت أيضاً علامةً على أنّ الدولة القانونية والحكم الرشيد قابلةٌ للتطبيق في الدول الإفريقية، بعكس ما يدّعيه بعض الزعماء الأفارقة بأنّ النهج الشموليّ أو البوليسيّ هو الأصلح للدولة الإفريقية.
لقد كانت تقارير المنظمات الدولية عن وضع بعض الدول، مثل إثيوبيا وإريتريا، سيّئاً للغاية، مع العلم بأنّ هذه التقارير ليست شاملةً لكلّ الانتهاكات التي تعرّضت لها الشعوب الإفريقية.
ففي إثيوبيا:
فاز الحزب السياسيّ الحاكم: «الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي» في الانتخابات العامّة، في عام 2016م، بجميع مقاعد البرلمانات الاتحادية والإقليمية، وصاحب ذلك تزويرٌ كبيرٌ وحرمانٌ للأحزاب المعارضة، كما صرّح بذلك رئيس حزب «سماياوي» المعارض؛ بأنّ المجلس الوطنيّ للانتخابات في إثيوبيا رفض تسجيل أسماء أكثر من نصف مرشّحيه المقترحين لمجلس نواب الشعب: ومن بين 400 مرشّح؛ لم يستطع غير 139 الترشّح للانتخابات، وذكر ائتلاف «مدرك» المعارض أنّ المجلس الوطنيّ للانتخابات في إثيوبيا وافق على 270 من 303 مرشّحين كان قد اقترح تسجيلهم(19).
وهذه سمة معظم الأحزاب الحاكمة في الانتخابات التي جرت في أكثر من دولةٍ في عامَي 2015م/ 2016م ، حيث اعتمدت على التزوير، والاعتقال التعسّفي، والحرمان من أبسط الحقوق.
ولم يقتصر دَوْر الحزب الحاكم في إثيوبيا على قضايا التزوير، بل امتدت لقضايا الإقصاء بتُهم الإرهاب وتعكير الجوّ العام، حيث اعتُقل عددٌ كبيرٌ من أبناء المسلمين بسبب أزمة الأحباش، بل اعتُقلت مجموعات أخرى من المعارضة المدنية، وتمَّ قتل بعضهم داخل السجون في نهايات 2016م ، حيث مات عددٌ من الشباب حرقاً في سجون النظام الإثيوبي؛ بسبب احتجاجات المزارعين على الأراضي التي انتزعتها الحكومة المركزية.
وشملت انتهاكات حقوق الإنسان في إثيوبيا (عاصمة الاتحاد الإفريقي) كلّ الأطياف، العلماء من المسلمين، ورجال السياسة والقانون والإعلاميين، حتى المزارعين، لذا فإنّ هذه الانتهاكات ذُكرت في تقارير المنظمات والوسائل الإعلامية الغربية، لكن الذي تغافلت عنه المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ولم تذكرها إلا على سبيل الاستحياء، تلك الانتهاكات التي مورست ضدّ المسلمين في هذه الدولة، وتحت أعين مراسلي هذه المنظمات والوسائل الإعلامية!
أما في الجارة إريتريا:
فقد استمر آلاف الأشخاص في مغادرة البلاد هرباً من الخدمة الوطنية الإلزامية، وخلال عام 2016م وأوائل 2017م شكّل الإريتريون ثالث أكبر الجماعات التي تعبر البحر الأبيض المتوسط في الهجرة إلى الدول الأوروبية، وذلك بعد السوريّين والأفغان، وأغلبية الذين فقدوا حياتهم في تلك الرحلات كانوا من الشباب الإريتري.
واستمرت حالة غياب حكم القانون في إريتريا منذ الاستقلال حتى الآن، وظلّت المعارضة السياسية محظورة، ولم يُسمح لوسائل الإعلام والجامعات المستقلة بالعمل فيها حتى اليوم، واستمرت القيود المفروضة على حرية العقيدة والتنقل، وظلّ الاعتقال التعسفيّ دون تهمةٍ أو محاكمةٍ سائداً بالنسبة لآلاف سجناء الرأي، بل سُنّت في مايو 2016م قوانين جديدة، وهي القانون المدنيّ وقانون العقوبات، بالإضافة إلى قانونَي الإجراءات المدنية والإجراءات العقابية، لتحلّ محلّ القوانين الانتقالية التي ظلّ معمولاً بها منذ استقلال البلاد، لتضيف هذه القوانين مزيداً من الانتهاك لحقوق الإنسان الإريتري.
وبرغم قمع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان في إريتريا؛ فإنّ الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، لم تنطق بكلمة تنديد، بل امتدت الاتفاقيات التجارية بين الشركات الغربية والنظام الإريتري في عددٍ من المجالات، ومن ذلك الاتفاقية التي وقّعت في شهر سبتمبر 2016م، بين شركة (صنريج غولد) الكندية، ومن جانب النظام «هيئة التعدين الوطنية الإريترية» (إنامكو)- من «وزارة الطاقة والمناجم»-، للقيام بعمليات التنقيب عن الذهب والنحاس والزنك، ولم تعترض الحكومة الكندية على هذه الاتفاقية- لأجل انتهاكات حقوق الإنسان- ما دام أنها تدعم الاقتصاد الكندي، أما حقوق الإنسان فلا قيمة لها، وبخاصّة حقوق الإنسان الإفريقي، ولم تكن الدعاوى القانونية ضدّ الشركة من بعض الجهات بسبب استخدام العمل القسريّ في بعض مناطق التعدين، تحديداً في منجم (بيشا)، إلا لذرّ الرماد في أعين المنظمات والمجتمع الدوليّ لما يمارسه النظام الإريتري من تعدياتٍ على حقوق الإنسان بشكلٍ يومي (20).
خطوات نحو بناء الدولة القانونية (التي تحمي الحريات وحقوق الإنسان):
لقد ظهر على السطح مع الألفية الجديدة توجّهٌ لدى عددٍ من الدولة الإفريقية للأخذ بالمفاهيم الغربية للديمقراطية، وخصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتحديداً بعد 2003م ، فقد بقيت معظمُ الأشكال الديمقراطية للأنظمة الإفريقية قليلة جدّاً، كما أنَّ أكثر من نصف الأنظمة الإفريقية عبارة عن أنظمة قَبَلية لإثنيةٍ واحدة.
وبرغم أنَّ هذه الأنظمة ترفع راية الديمقراطية اليوم؛ فإنها في الأعمّ أنظمةٌ استبداديةٌ شمولية، عِلماً بأنَّ الدول التي تُعرف بالاستبداد قد تقلّص عددها من 36 دولة من أصل 41 دولة في عام 1980م ، إلى خمس فقط في عام 2004م ؛ حسب رأي بعض المحلّلين.
وفي اعتقادي: أنَّ بعض الأنظمة التي ترفع راية الديمقراطية ما تزال تتشبّث بالحكم، وتجمع بين النقيضَيْن: الاستبداد والديمقراطية، لذا قد لا يكون عدد هذه الدول المذكور دقيقاً؛ إذا ما حاولنا تنزيل قيم دولة القانون والمؤسّسات، وحماية الحريات وحقوق الإنسان، على هذه الأنظمة الخمسة (21) .
وبرغم أنَّ عدد الدول المخفقة (الفاشلة) في إفريقيا؛ قد زاد بنسبة 10% في الفترة نفسها، مع توقف الحرب في أنغولا، وبعض الجيوب الأخرى في القارة، نجد أنَّ هناك دولاً في القارة تسعى بخطوات حثيثة نحو بناء الدولة القانونية ودولة المؤسّسات، مع توقف هذه الحروب التي امتدت لعددٍ من السنوات، وأهمّ نماذج هذه المجموعة:
دولة جنوب إفريقيا: وبغضّ النظر عن بعض أوجه القصور فيها هنا وهناك؛ فإنها تُعَدُّ نموذجاً من النماذج الديمقراطية التي يمكن أن يُحتذى بها، فقد استطاعت أن تتجاوز أزمة التفرقة العنصرية بمساعي لجنة المصالحة والعدالة، التي خفّفت بصورةٍ كبيرةٍ من تلك الاحتقانات الدفينة التي كادت أن تؤدي إلى انهيار الدولة، وهو ما كانت تأمله الأقلية البيضاء (22).
والنموذج الآخر دولة كينيا: التي تتقدم خطوةً وتتراجع خطوات، فبرغم ما صاحب ديمقراطيتها من أزماتٍ؛ فإنها تخطو مع ذلك خطىً حثيثة لإنشاء الدولة القانونية والمؤسّسية.
وهناك نماذج أخرى في بعض البلدان، وبخاصّة دول منطقة الجنوب الإفريقي، مثل دولة ملاوي، وجزء من شرق القارة، مثل تنزانيا، والنموذج السنغالي في غرب القارة، وتونس في شمالها.. وغيرها.
دول أشكال الديمقراطية:
يبقى الجزء الأكبر الآن، هو دول «أشكال الديمقراطية»، التي يقوم صاحب السلطة فيها بتعديلاتٍ مطّردةٍ في الدساتير لكي تتواءم مع طموحاته الشخصية، وتتناسب مع رغباته الشخصية في السلطة والمال، وهذا يعود بالذاكرة إلى مصطلح «دولة النّخبة» في فترة ما بعد الاستقلال، إذ ظهرت بثوبٍ جديدٍ تحت راية الديمقراطية؛ إرضاءً للغرب في صيحاته ودعواته للاقتداء بصيغه ومعاييره.
ولعلّ هذه النماذج نفسها تكون في تراجعٍ مستمرٍ مع تنامي الوعي العام لدى الشعوب بحقوقها، وقد تؤدي الثورة الإعلامية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، إلى الحدّ من تشبّث هؤلاء الحكام بالسلطة، وإيجاد صيغٍ جديدةٍ للعقود الاجتماعية بين المكوّنات المختلفة لعملية بناء الدولة القانونية والمؤسّسية، كما حدث مؤخّراً في دولة «بوركينافاسو»، حيث خرج الشعب في مظاهراتٍ سلميةٍ أدّت إلى تنحّي الرئيس «بليز كومباوري» الذي حكم الدولة لأكثر من سبعةٍ وعشرين عاماً، وكذلك أدى فوز الرئيس الغامبيّ الجديد «آدم بارو» بنسبة أصوات كبيرةٍ، في نهاية الأمر، إلى إجبار الرئيس يحيى جامع على التنحي عن السلطة، ومغادرة البلاد تحت تهديد الحرب الأهلية.
خاتمة:
بناءً على ما سبق؛ يتضح أنه لا يتأتّى اليوم البناء القويّ لدولة القانون والمؤسّسات والحكم الرشيد في إفريقيا من خلال الجانب السياسيّ فقط، بل لا بد أيضاً من تنشيط دَوْر الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وضمان الحريات وحماية حقوق الإنسان، لأنّ الاندماج الوطنيّ بين المكونات الاجتماعية المختلفة، والتنمية البشرية، وتنمية البنية التحتية، كلّها عوامل تساعد على قيام الدولة القانونية المؤسّسية، في مناطق ترقد على مخزونٍ ضَخمٍ من الخيرات المختلفة؛ من الموارد الزراعية والمائية والمعدنية.. وغيرها.
إنَّ تأسيس الدولة القانونية والمؤسّسية، التي تحمي الحريات وحقوق الإنسان، في إفريقيا اليوم، يتطلب التطبيق الحقيقيّ لمفاهيم «الحكم الرشيد» ومبادئه، وكذلك يتطلب تحويل نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي ألزمت الدول الإفريقية نفسها بها في إقامة دولة الحقوق والحريات والمشاركة الحقيقية في صناعة القرار، إلى واقعٍ يعيش فيه المجتمع، ويُعدُّ هذا هو الضمانة الأكيدة لوقف الاقتتال والاحتراب الأهلي في الدول الإفريقية، وكذلك الضمانة الأساسية لوقف عمليات الفساد الإداري والسياسي، وهي خطوة أساسية لبناء دولةٍ يتوافق الجميع على إنشائها؛ بناءً على هذه المعايير وغيرها من أسس الدولة القانونية، وهذه الضمانات لخصتها مبادرة «نيباد» في الجزئية المتعلقة بالديمقراطية والحكم السياسي، وذلك بتعزيز المساهمة في الإطار السياسيّ والإداريّ في الدولة الإفريقية؛ تماشياً مع مبادئ الديمقراطية والدولة القانونية لتحقيق «الحكم الرشيد» في القارة.
وإلى حين إنشاء مثل هذه الدولة؛ فلا بدَّ من نشر ثقافة «الحكم الرشيد» في المجتمعات الإفريقية، وثقافة أهمية بناء الدولة القانونية، وأهمية دعم البرامج المتعلقة بالحكم الرشيد، كبناء مؤسسات المجتمع المدني، وإصلاح القضاء، وبرامج التكوين المدنيّ العسكري ، والوعي بحقوق الإنسان، حتى نُوجِدَ رأياً عامّاً، وبخاصّة وسط النّخب الإفريقية لتحقيق هذا الهدف إلى واقعٍ مشاهد، خصوصاً في القرن الحادي والعشرين.. قرن الإعلام الجديد.
الإحالات والهوامش:
(*) باحث في الدراسات الإفريقية والقانونية – تشاد
(1) بيان صحافي رقم: (12) للقمّة الثامنة والعشرين، الموقع الرسمي للاتحاد: http://au.int/ar
(2) https://www.amnesty.org/ar/latest/research/2016/02/annual-report-201516.ص (18-2) (3) المرجع السابق، ص (71).
(4)( World Bank,Washington DC. 1989. p: (60-61.
(5) راوية توفيق: الحكم الرشيد والتنمية في إفريقيا، ص (106).
(6) Organization of Economic Cooperation&Development Participatory Development&Good Governance, Paris 1995, p: (4).
(7) داروود زالكي، وآخران: الالتزام سلطة القانون والحكم الجديد، ص (11). ww.inece.org/mlw/arabic/MLW_arabic2.
(8) د. آدم الزين محمد: اللامركزية وقضاياها وتطبيقاتها في السودان، ص (100).
(9) راوية توفيق: الحكم الرشيد والتنمية في إفريقيا، مرجع سابق، ص (28).
(10) نيباد: اختصار لمفهوم “الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا”، باللغة الإنجليزية: The Ne Partnership for Africa’s Development، وهي رؤية محلية إفريقية وضعها الزعماء الأفارقة للنهوض بالقارة الإفريقية، وتمّ اعتمادها رسميّاً كمبادرة واستراتيجية من استراتيجيات القارة، وذلك في (18-20/8/2000م) في (جوهانسبرج) بجنوب إفريقيا.
(11)عبد القادر رزيق المخادعي: التحول الديمقراطي في القارة الإفريقية، ص (265).
(12) د. آدم الزين محمد: اللامركزية وقضاياها وتطبيقاتها في السودان، مرجع سابق، ص (100).
(13) رضوان بروسي: الدمقرطة والحكم الراشد في إفريقيا.. دراسة في المداخل النظرية، ص (17).
(14) باتريس لومومبا: أول رئيس وزراء منتخب في دولة الكونغو الديمقراطية، تم اغتياله بعد فترة وجيزة من فوزه.
(15) رضوان بروسي: الدمقرطة والحكم الراشد في إفريقيا…، مرجع سابق، ص (50).
(16) Dr. monty G. marshall: conflict trends in Africa, 1946-2004.
(17) Dr. monty. ibid.
(18) الدراسة في 20/9/2012م، وما زالت الوضعية كما هي حتى اليوم:
http://swingsand-roundabouts.blogspot.com/2012/09/press-freedom-on-african-continent.html
(19) تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2015/2016م، ص 54.
(20) تقرير منظمة العفو الدولية لعام2015/م، ص 61.
(21) Dr. monty G. marshall: conflict trends in Africa. ibid.
(22) أساني فساسي: الصحوة الإفريقية، ترجمة هيثم لمع، مصراتة : الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ص 348.