حنان رزايقية (*)
يحظى النفط الإفريقي باهتمام العديد من القوى الدولية لاعتبارات عديدة، أهمها البحث عن بدائل لنفط الشرق الأوسط، وتعدّ (الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والصين) من أهم القوى المهتمة بالنفط الإفريقي، إلا أنها ليست الأقطاب الوحيدة، إذ إنّ هناك أقطاباً ثانويةً منافسة، أهمها الهند التي تحاول باستمرار- بوصفها قوة صاعدة- الحصول على موطئ قدمٍ لها في هذه القارة، خصوصاً أنها أصبحت من أوائل مستهلكي النفط في العالم (1)، وفي الوقت نسفه تعدّ الهند دولة فقيرة نسبيّاً فيما يتعلق بإنتاج النفط، فإنتاجها النفطي لا يسدّ حاجاتها ومتطلباتها، وهو ما جعلها تبحث عن مصادر مختلفة لتأمين احتياجاتها النفطية من الخارج، فكانت القارة الإفريقية من بين أوائل مناطق الإمدادات النفطية بالنسبة للهند.
انطلاقاً ممّا سبق؛ سيتم معالجة إشكالية محورية في هذا المقال، تمت صياغتها كالآتي: إلى أي مدى يمكن اعتبار العامل النفطي المحرك الأساسي للاهتمام الهندي بالقارة الإفريقية؟، وللإحاطة بهذه الإشكالية والإجابة عنها سيتم التطرق إلى أهم العناصر الآتية.
العلاقات الهندية الإفريقية:
الهند ليست وافداً جديداً على القارة الإفريقية، بل على النقيض من ذلك؛ تتمتع الهند وإفريقيا بعلاقة تاريخية طويلة المدى، حيث أظهر تاريخ الاتصالات والتجارة بين الجانبين أنها تمتد إلى ما قبل الاستعمار البريطاني.
وفيما بعد الاستقلال رأت الهند أنّ دورها في النظام العالمي يتمثّل في الدفاع عن الصراعات المناهضة للاستعمار والعنصرية، فقامت بدورٍ حاسمٍ في مؤتمر باندونغ (1955م)، الذي قاد إلى ظهور: (حركة عدم الانحياز)، واستخدمت المناسبة لتعزيز التكاتف (الإفريقي – الآسيوي) وتقويته، فقد عُُقد المؤتمر في مدينة باندونغ الإندونيسية عام (1955م)، وشارك فيه الرئيس عبد الناصر، بالإضافة إلى رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، تبنّى المؤتمر مجموعة من القرارات، جاءت في دعم القضايا العربية والإفريقية.
كما أنه خلال فترة الحرب الباردة شملت العلاقات التكاتف السياسيّ المتعمّق، وكان على إفريقيا حينها- بحسب رؤية رئيس الوزراء نهرو- الاضطلاع بدورٍ في تشكيل نظامٍ عالميٍّ عادل، ومع دفع الهند الدول الإفريقية نحو الاستقلال عن الهيمنة الاستعمارية؛ أصبحت الهند في تحالفٍ استراتيجيٍّ معها في الحرب الباردة، وكان دعمها في ذلك يقوم على فرضية أنّ هنود الشتات في إفريقيا سيشكّلون عاملاً مهمّاً، وبرغم ذلك بقي دور الهند في القارة الإفريقية هامشيّاً.
أما محاولة ارتباط الهند بإفريقيا؛ فقد حفزت المجادلات العنيفة في الحرب الباردة والصراعات الحدودية مع الصين في عام (1962م)، وكانت الاستجابات الإفريقية نحو الصراع في حالة تردّد، وأدركت نيودلهي أنها لا تملك حليفاً قويّاً في إفريقيا، ولذلك عملت على نحوٍ نشطٍ على مناهضة الاختراق الصيني في إفريقيا، وهذا أدى بدوره إلى انطلاق: (التعاون الاقتصادي والتقني الهندي) نتيجة اللقاءات في عام (1963م)، وذلك لتحسين التعاون التقني والاقتصادي مع إفريقيا، ولا يزال حتى اليوم مكوّناً متماسكاً في مبادرة الهند التنموية لإفريقيا (2).
ومن ثمّ؛ فقد ارتكزت الهند في علاقتها مع إفريقيا على مجموعة من الأسس، بعضها تاريخيٌّ متعلّق بدعم الهند لحركات التحرّر الوطني في إفريقيا، منذ استقلالها عام 1947م عن بريطانيا (الهند أضحت تمثّل نموذجاً يُحتذى في تصفية الاستعمار والتحرّر الوطني)، ومنها ما يتعلّق بانتماء كلا الجانبين- وفق المنظور الغربي التقليدي- إلى مجموعة الجنوب في مواجهة الشمال، من خلال: (مجموعة عدم الانحياز) و (الـ 77)، فضلاً عن وجود حالةٍ من التقارب في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الهند والدول الإفريقية، مثل رفض التبعية والاستغلال الغربي لموارد دول العالم الثالث، علاوة على وجود ميراثٍ حضاريٍّ لكلا الجانبين؛ كذلك هناك وجود حالة من التشابه فيما يتعلق بطبيعة المجتمعَيْن الإفريقيّ والهنديّ من حيث التنوع الثقافي والإثني.. وغير ذلك (3).
إنّ ارتباط الهند بإفريقيا على نحوٍ مستقلٍّ كان مبنيّاً على المبادئ الإيديولوجية والمثالية، وكانت سياسية بشكل رئيسٍ عقب الحرب الباردة، ومع تقديم برنامج التحرير الاقتصادي الهندي، في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، انتقلت السياسة الخارجية الهندية من مثالية غاندي وعدم انحياز نهرو؛ إلى إتباع سياسة أكثر براغماتية في جذب الاستثمار وتوسيع التجارة مع الدول الإفريقية.
ويمكن القول بأنّ الهند لها علاقات واحتكاكات قديمة مع القارة الإفريقية، ولا سيما ساحلها الشرقي، حيث توجد جالية هندية كبيرة ومستقرة، فقد أفضت السياسات الاستعمارية إلى وقوع الهند وأجزاء كثيرة من إفريقيا تحت نير الاستعمار البريطاني، وهو الأمر الذي أدى إلى وجود جاليات هندية في أماكن كثيرة من إفريقيا، وطبقاًَ لبعض التقديرات؛ فإنّ نحو (8%) من هنود الشتات في العالم يعيشون في إفريقيا، وهو ما يخلق اهتماماً كبيراً لدى الحكومة الهندية بالجاليات ذات الأصول الهندية، والتي تعيش في مناطق عدة من إفريقيا، وتم استيعاب معظم أفرادها في الثقافات المحلية (4).
المصالح النفطية للهند في إفريقيا:
إنّ المصالح الحيوية الهندية في إفريقيا تجعل من الهند جدّ حريصة على تنمية العلاقات مع القارة الإفريقية، وتحتم عليها ضرورة السعي للاستفادة من القارة في تأمين المواد الخام، لاسيما النفط والغاز والألماس والحديد، وكذا السعي لاستثمار الحجم الكبير للسوق الإفريقية في تصريف منتجاتها، في حين أنّ الدول الإفريقية تسعى للاستفادة من التجربة التنموية الهندية في مختلف القطاعات.
ولأن الهند تعاني نقصاً في الموارد النفطية؛ حتّم ذلك عليها البحث عن مصادر خارجية لتزويدها بالنفط، لذلك ظهرت القارة الإفريقية في الآونة الأخيرة في خريطة إمدادات الطاقة الهندية، وقد سعت هذه الأخيرة بكلّ السبل للحصول على فرصٍ لبسط نفوذها فيما يتعلّق بقطاع النفط في إفريقيا، وذلك لتمتع إفريقيا بثروةٍ كبيرةٍ من النفط والمعادن، وأسواقها النفطية مفتوحة أمام المشاركة الأجنبية، على عكس بعض دول الخليج، وهو ما يغري شركات النفط الهندية(5)، فالقارة الإفريقية تشكّل مصدراً مهمّاً للهند في تلبية احتياجاتها النفطية.. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى؛ فالهند تملك الخبرة في العديد من القطاعات التي تسعى إليها إفريقيا، والتي من شأنها أن تسهم في تخفيف الفقر بتكاليف أقلّ، وتساعد على تنمية الدول الإفريقية، ومن ثمّ جرّ الاقتصاد الإفريقي نحو الاقتصاد العالمي من دون اتباع أساليب استغلالية معها.
ومن ثم؛ فالهند مهتمّة بشكلٍ خاصٍّ بالحصول على إمدادات ضخمة من الطاقة الحيوية والمواد الخام من إفريقيا لكي تدعم اقتصادها الصاعد، وتقلل من نسبة الفقر، إذ تعدّ من القوى الاقتصادية الصاعدة التي تملك إمكانيات ضخمة ومتعددة.
دوافع الوجود الهندي في إفريقيا:
بدأ الاهتمام الهندي بالقارة الإفريقية يظهر في الآونة الأخيرة، وذلك من خلال الوجود في أهم المناطق الغنية بالنفط، والاستثمار فيها، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول: الأسس التي تستند عليها الهند في تغلغلها في إفريقيا، ودوافعها وراء هذا التوجه، وأهم الاستراتيجيات الهندية المتبعة لتحقيق مصالحها في القارة، ومختلف التحديات التي واجهت السياسة الهندية في إفريقيا؟
لقد تعددت دوافع الهند وراء هذا التوجه ما بين دوافع اقتصادية وأخرى سياسية، وهي كالآتي (6):
1 – زيادة حجم سكان الهند الذي يفوق مليار نسمة، ويتوقّع أن يصل إلى مليار ونصف المليار في 2050م أيضاً، ومن ثم فإنّ الحاجة ملحّة لزيادة عملية التبادل التجاري، وفتح أسواق جديدة، وهنا تبرز مكانة القارة السمراء.
2 – كِبر حجم السوق الإفريقية، ففيها أكثر من ثمانيمائة مليون نسمة، ومن المفترض أن يزداد حجم هذا السوق- وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة- ليصل إلى مليارين ونصف المليار نسمة خلال عام 2050م.
3 – الرغبة في البحث عن سوقٍ جديدة لتنشيط عملية التصدير والاستيراد.
4 – رغبة الهند في الحصول على مقعدٍ دائم في مجلس الأمن, ومن ثم فهي بحاجة إلى زيادة ثقلها على الساحة الدولية، وإفريقيا يمكن أن يكون لها دورٌ مهمٌّ في تقديم الدعم السياسي لها.
5 – البحث عن مصادر طاقة متجددة، وبخاصة البترول.
وفيما يتعلق بالدوافع المرتبطة بالعامل النفطي؛ فهو من أهم هذه الدوافع للوجود الهندي في إفريقيا، فهي تبحث عن سوقٍ لتسويق صادراتها ومنتجاتها النفطية، وكذا تسعى في الوقت نفسه للحصول على النفط الخام من أهم مناطق الإنتاج فيها.
كما يعدّ المحرك الرئيس للاهتمام الهندي بنفط القارة الإفريقية هو حاجتها لتوسيع مصادرها البترولية وتنويعها، حيث تستورد حاليّاً نحو ربع احتياجاتها النفطية من إفريقيا، ومن المتوقّع أن ينمو في السنوات المقبلة، وقد عملت الهند في قطاع النفط في إفريقيا من خلال عقود شراء المواد الخام، والمساهمة في الإنتاج والاستكشاف والتنقيب، وكذا في عمليات التكرير (7).
وللإشارة فقط؛ لا بد من أن يوضع في الحسبان عند تحليل المصالح النفطية للهند في إفريقيا ما يأتي (8):
– موقع إفريقيا في حساب التفاضل والتكامل (9) الطاقوي في الهند.
– الشراكة الهندية الإفريقية فيما وراء مجال الطاقة.
– وجود جهات فاعلة مختلفة في قطاع الطاقة في إفريقيا.
إنّ انجذاب الهند للاستثمار في النفط الإفريقي مستمدٌ من العديد من الأسباب الاستراتيجية – كما سبق الذكر -، والتي تتمثل في البحث عن إمدادات نفطية أكثر أمناً من منطقة الشرق الأوسط، وكذا باعتبار العديد من الدول الإفريقية المنتجة للنفط ليست جزءاً من منظمة الأوبك، ومن ثمّ فهي ليست مقيدة بمختلف القرارات المتعلقة بشأن احتكار صناعة النفط وكذا بتحديد أسعاره، وعليه فالسوق النفطية الإفريقية أقلّ تقييداً (10).
الاستثمارات الهندية في أهم مناطق إنتاج النفط في إفريقيا:
إنّ الإدراك المتزايد للهند بأهمية الاستثمار في إفريقيا، خصوصاً أنّ الاقتصاديات الإفريقية تمر بمرحلة تنموية، وهو ما يتيح الفرصة للاستثمار في المنطقة، جعل من الهند تتودد لإفريقيا عبر المساعدة والقروض، والتجارة الموسعة، والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية للاقتصاديات الإفريقية، وبخاصة قطاع الطاقة.
تسير الشراكة الاقتصادية (الهندية – الإفريقية) بوتيرة ضعيفة، حيث يمثّل القطاع النفطي أكبر قطاع تستثمر فيه الشركات الهندية الموجودة بقوّة في هذا القطاع، والتي أهمّها الشركة الوطنية الهندية Oil Natural gaz corporation ، التي تساهم ب 77% من إنتاج النفط الخام الهندي، وشركة ONGC-VIDESHLI M TED التابعة لها(11)، فقد تمكّنت هذه الشركة من الحصول على حصصٍ في التنقيب عن النفط في ليبيا ونيجيريا، كما أنّ لديها استثمارات كبيرة في السودان.
وقد أنفقت الشركات الهندية 2.5 مليار دولار لشراء حصة في حقل نفط موزمبيق، حيث تحرص الهند على ضمان الحصول على إمدادات الوقود والمواد الخام اللازمة لتلبية احتياجات اقتصادها سريع النمو (12).
إنّ الهند تعدّ شريكاً تجاريّاً مهمّاً في القارة الإفريقية في مجال النفط، حيث تستورد كميات معتبرة من النفط؛ إذ بلغ حجم الاستيراد الهندي من النفط الإفريقي حوالي 20.6% عام 2010م؛ كما هو موضح في الجدول الآتي:
جدول رقم (01): واردات الهند من النفط الخام في إفريقيا بصفة عامّة (بملايين الدولارات) من 2006م – 2010م :
Source: South African institute international affairs, op.cit, P 07
من خلال الجدول: نلاحظ أنّ واردات الهند الأساسية من النفط الإفريقي تتعلق بالنفط الخام.
في حين أنه في الجدول التالي سيتم التطرق لأهم المناطق التي تستورد الهند منها النفط، وكمية الاستيراد بالنسب المئوية.
الجدول رقم (02): أهم مناطق الاستيراد النفطي في إفريقيا بالنسبة للهند لعام 2011م (بالنسبة المئوية)
الدولة
صادرات النفط الخام الإفريقي للهند
Source: Standard charted bank africa-inda trade and investment –playing to strength, the research paper, standard charted bank, 2012, P 4.
من خلال هذا الجدول: يتضح أنّ نسبة التبادل التجاري بين الهند وإفريقيا متوسطة نوعاً ما، وتعتبر ضئيلة مقارنة بالقوى الدولية الأخرى، حيث تستورد الهند من إفريقيا النفط الخام من أهم مناطق الإنتاج النفطي في القارة المتمثلة في: (نيجيريا، أنغولا، الجزائر، والسودان… إلخ).
وتتركز الاستثمارات النفطية الهندية في شرق إفريقيا، وبخاصة السودان بوصفها أكبر منتجٍ للنفط في المنطقة، حيث قامت الهند باستثمار حوالي 750 مليون دولار أمريكي في قطاع النفط السوداني، فقد اشترت الشركة الهندية (ONGC) 25% من مجمّعة حصص تاليمسان الكندية(Tlemcen) في شركة النيل الكبرى السودانية (GNPOC)، أيضاً في عام 2005م موّلت هذه الشركة خط أنابيب متعددة المنتجات من مصفاة الخرطوم إلى بورسودان، كما قامت الشركة الهندية (OVL) باستثمار حوالي 3.5 مليارات دولار في السودان، وفي ديسمبر 2009م وقّعت السودان مذكرة تفاهم لتوسيع علاقاتها مع الهند في مجال النفط كجزء من استراتيجية هذه الأخيرة للتوسع في إفريقيا (13).
أما فيما يتعلق بغرب إفريقيا؛ فيرتكز النفوذ الهندي في هذه المنطقة في نيجيريا التي تعتبر ثاني أكبر مزودي الهند بالنفط الخام بعد السعودية، إذ أنها تلبي نحو 12% من احتياجاتها السنوية (14).
وفي هذا الصدد قامت شركة (النفط والغاز الوطنية الهندية) بالمساهمة في مشاريع التنقيب واستكشاف وإنتاج النفط في نيجيريا(15)، ومن ثمّ فقد عملت الهند على تعزيز علاقاتها مع حليفتها التقليدية نيجيريا، كما أنّ الهند نجحت في الحصول على استثمارات في ليبيا، حيث فازت (OVL) وشركة (ONGC) الهندية بعقود نفطٍ وغازٍ، كما استطاعت شركة (النفط والغاز الوطنية الهندية) من الحصول على حصصٍ في بعض أماكن الاستكشاف والإنتاج في نيجيريا، وفي جنوب إفريقيا أيضاً، كذلك تتركز الاستثمارات الهندية النفطية في أنغولا (16).
استراتيجية الهند للسيطرة على النفط الإفريقي:
تقوم الاستراتيجية الهندية في إفريقيا على عدة محاور، تتمثل في تقديم المساعدات من أجل الحصول على البترول، وفي هذا الصدد قامت الهند بتقديم عرض حوالي مليار دولار لاستخدامها في مشاريع البنية التحتية لبعض دول غرب إفريقيا؛ مقابل الحصول على حقّ استكشاف البترول في هذه الدول، ففي عام 2005م أعلنت الشركة الهندية (ONGC) عن استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار لإنشاء مصفاة ومحطة للطاقة وشبكة سكك حديدية في نيجيريا؛ مقابل الحصول على البترول.
وتتميز الاستراتيجية الهندية بأنها تسعى لتحقيق أقصى استفادة ممكنة بأقلّ تكلفة، وذلك عبر دراسة متأنية ودقيقة لاحتياجات السوق الإفريقية والمناطق الخالية من المنافسة، التي يمكن النفاذ منها دون حدوث مواجهة مع المنافسين الدوليين الآخرين على النفط الإفريقي، مع محاولة التغلغل المتدرج حتى لا يثير ذلك حفيظة الأفارقة، ولعلّ الحرص الهندي على التذكير الدائم بأنّ العلاقة القائمة بينها وبين الدول الإفريقية هي: (شراكة متوازنة) سبباً مهمّاًَ في بناء الثقة التي تزيد من آفاق التعاون بينهما بصورة كبيرة(17).
كما أنّ الشركات الهندية- بصفةٍ عامّة- تقوم بالاستثمار في قطاعات البنية التحتية التي تعرّضت للإهمال على نحوٍ كبير، سواءً في بناء السدود، أو مشروعات الاتصالات والنقل الرئيسة، التي تعدّ على درجة من الأهمية في رفع مستوى الإنتاج وتخفيض مستوى الفقر، وهو ما يساعد في تحقيق نسبٍ عالية من النموّ؛ في مقابل الحصول على حقوق التنقيب عن النفط.
وعلى اعتبار أنّ الهند ليست دولة غنية، ولا يمكنها تقديم مساعدات للدول الإفريقية بالقدر الذي تقدمه القوى الدولية الأخرى الموجودة في إفريقيا، فقد قامت الهند بتسهيل التعاون مع الدول الإفريقية الغنية بالنفط بإنشاء آلية للتعاون الإقليمي، تسمّى: (المبادرة التكنو – اقتصادية لحركة إفريقيا الهند) APPROACH FOR AFRIC INDID TECHNO-ECONOMIC، وذلك بالمشاركة مع ثماني دول إفريقية.
وكان الهدف من هذه المبادرة تطوير روابط أقوى من خلال تكثيف أكبر للصلات المؤسسية الاقتصادية، والشراكة، والصناعة النفطية، حيث ينظر إلى هذه المبادرة بأنها مبادرة لتحويل الاعتماد من منظمة الدول المصدرة للنفط الأوبك إلى غيرها من إمدادات النفط الأخرى، وللتعامل مع ارتفاع أسعار النفط الخام، ولقد أبدت الهند من خلال هذه المبادرة رغبتها، ليس فقط في شراء نفط إفريقيا، ولكن أيضاً الرغبة في المشاركة في جميع مراحل التنقيب والإنتاج إلى التوزيع؛ من خلال توفير فرص التكرير والتخزين والنقل؛ عن طريق إشراك البلدان الإفريقية في شكلٍ وثيق(18).
كما أنّ الهند اعتمدت على استراتيجية توطيد العلاقات التجارية مع إفريقيا من أجل السيطرة على النفط، حيث قامت الهند في هذا الجانب بتخفيض قيود الاستيراد الهندي من الدول الأكثر فقراً، بما في ذلك الدول الإفريقية، كما أنها أعطت الواردات الإفريقية معاملة تفضيلية، وبخاصة الواردات النفطية، وفي هذا الصدد بلغ حجم التجارة بين الهند وإفريقيا حوالي 12 مليار دولار في عام 2011م.
ولقد عملت الهند على محاكاة الاستراتيجية الصينية التي تقوم على توفير القروض في مقابل الحصول على الموارد النفطية الإفريقية، وكان على الهند أن تضع رؤية قوية ومتماسكة لإفريقيا؛ معتمدة بذلك على نقاط قوتها، حيث عملت على استغلال مختلف الفرص لبسط نفوذها، غير أنّ النشاط الصيني الكبير في القارة الإفريقية كان عقبة أمام تحقيق مصالحها وأهدافها النفطية(19).
ومن ثمّ يمكن إجمال أهم الآليات التي سلكتها الهند لتحقيق أهدافها فيما يأتي:
1 – دعم ميزانية المساعدات الخاصة بإفريقيا التي تقدمها وزارة الشؤون الخارجية الهندية، لتنفيذ المشروعات في العديد من المجالات الحساسة التي تركز على تنمية الموارد البشرية وبناء القدرات، وقد تم اعتماد أكثر من خمسمائة مليون دولار في السنوات الخمس القادمة.
2 – تخفيف قيود الاستيراد الهندي من الدول الأكثر فقراً، بما في ذلك الدول الإفريقية، وفى إطار ذلك أعلنت الهند- في القمة- أنها ستقدّم من جانبها معاملة تفضيلية بالنسبة للواردات القادمة إلى الأسواق الهندية من الدول الخمسين الأقل نموّاً على مستوى العالم، والتي من بينها 34 دولة من قارة إفريقيا.
3 – زيادة عملية الائتمان المقدمة للمشروعات التجارية والصناعية من 2.15 مليار دولار (في الفترة من عام 2003م – 2004م إلى عام 2008م – 2009م) إلى 5.4 مليارات دولار على مستوى التعاون الثنائي مع الدول أو التجمعات الاقتصادية الإقليمية في إفريقيا في السنوات الخمس القادمة.
4 – زيادة دور القطاع الخاص في عملية الشراكة، فضلاً عن الاستفادة القصوى من الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وهي آليات تساعد على التغلغل وتقوية الوجود الهندي في القارة.
إلا أنّ ما يؤخذ على السياسة الهندية في إفريقيا هو أنّ لها ارتباطات مع الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، وهي العلاقات نفسها التي تربط الصين بهم، وهو ما يثير قلق الرأي العام الإفريقي والدولي حول هذه العلاقات، فعلى سبيل المثال أخذت الشركة الهندية (ONGC) 25% من مشروع نفط النيل الكبير، على الرغم من الصراع المستمر في دارفور في السودان، والذي اتُّهمت فيه الحكومة بارتكاب حالات قتل تشبه الإبادة الجماعية.
التنافس الهندي الصيني على نفط القارة الإفريقية:
هناك تنافسٌ حادٌّ بين الصين والهند للحصول على أكبر نصيبٍ من الموارد الطاقوية الإفريقية، وهو ما ظهر جليّاً في أكتوبر 2004م، وذلك عندما عرضت الحكومة الأنغولية على الهند حصص (شركة شيل) للبيع، حيث أقدمت الهند على شراء 50% من حصص هذه الشركة في الحقول الأنغولية، فعرضت حوالي 620 مليون دولار للحصول على الصفقة، إلا أنّ الصين هي التي فازت بالصفقة، وذلك من خلال عرض حوالي 2 مليار دولار أمريكي(20).
إنّ الصين هي بلا شك منافسٌ للهند في مجال تعزيز العلاقات مع البلدان الإفريقية في قطاع النفط، فالصين اعتمدت على تقديم المساعدات للبلدان الإفريقية مقابل الحصول على النفط، وهذا ما عملت الهند على اتباعه، إلا أنّ الهند ليس لديها الموارد الكافية لمواجهة النفوذ الصيني، والقدرة على جمع المساعدات اللازمة بالقدر الذي تعمل عليه الصين، وهو ما أوضحته صفقة أنغولا – كما سبق الذكر -، كذلك ما حدث في نيجيريا سنة 2005م، حيث مُنعت الهند من الحصول على امتيازات في نيجيريا لأسباب أمنية، فطلبت الشركات الهندية من الحكومة النيجيرية توفير الظروف المواتية من أجل الاستثمار فيها، إلا أنّ الشركات الصينية تدخلت في هذه الصفقة أيضاً، وقامت بالاستثمار دون أن تضع أي تحفظات، وهناك حالات كثيرة فقدت فيها الهند العديد من الصفقات المربحة في مجال النفط لصالح الصين(21).
لقد قامت الحكومات الهندية بمجموعة من الإجراءات لمواجهة التحدي الصيني، وكذا محاولة تعميق الارتباط الاقتصادي مع إفريقيا، حيث طرحت وزارة الخارجية العديد من المبادرات لدعم القطاع الخاص الهندي في محاولة لتوسيع استثماراتهم في إفريقيا، مثل برنامج (التركيز على إفريقيا)، و (مشروع الشراكة الإفريقية الهندية)، اللذين أُطلقا تحت رعاية (بنك الهند للاستيراد والتصدير)، و (اتحاد الصناعات الهندية)، واللذين يساهمان في تحقيق النموّ للقارة الإفريقية، لتحظى الاستراتيجية الهندية بالقبول من قِبل القارة.
إلا أنّ الهند أدركت في نهاية المطاف أنّ هذه الاستراتيجية غير مجدية لتأمين الموارد البترولية اللازمة لها، وأنها لن تستطيع تحقيق مصالحها النفطية، فالصين ستكون الفائزة في جميع الأحوال، وبذلك فهي بحاجة لاستراتيجيةٍ جديدة لتدارك الوضع، فقررت التعاون مع الصين من أجل حلّ هذه المشكلة، وهو ما وقع بالفعل في يناير 2006م، حيث وقّعت كلٌّ من الهند والصين خمس اتفاقيات بشأن التعاون في مجال الطاقة، وذلك من أجل تأمين تزويدهما بمختلف الموارد الطاقوية، تناولت هذه الاتفاقيات القطاع الخاص في البلدين لتجنّب حرب العقود التجارية.
وتهدف هذه الاتفاقيات إلى دخول شركات البلدين في عروضٍ مشتركة لتعاملاتها التجارية الخارجية، كما تضمّنت الاتفاقيات تبادل المعلومات حول الصفقات النفطية المحتملة في بلدٍ ثالثٍ لتفادي الدخول في صدام حولها، ولبحث إمكانية الاتفاق على دخولٍ مشتركٍ لشرائها، كما اتفق البلدان على إنشاء مجموعة عمل مشتركة تجتمع مرة واحدة في السنة على الأقل، وتكون مهمتها الإبقاء على التواصل وتبادل المعلومات في المصالح المشتركة في هذا الإطار(22)، وبذلك اتخذت العلاقة (الهندية الصينية) في كثيرٍ من الأحيان نوعاً من التعاون في مجال النفط الإفريقي، فعلى سبيل المثال في عام 2003م قررت شركة النفط الكندية بيع مصالحها النفطية في السودان لمؤسسة البترول الوطنية الصينية، والتي قامت بدورها بمنح حصة 25% منها للشركة الهندية(23).
خاتمة:
لقد تمّ التوصل من خلال هذه الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات، والتي تلخّص دور العامل النفطي في السياسة الهندية تجاه القارة الإفريقية في مختلف تفاصيله، والتي تمّت صياغتها في النقاط الآتية:
– يعتبر العامل النفطي من أهم العوامل التي توجّه اهتمام الدولة الهندية بالقارة الإفريقية، وذلك لعدة اعتبارات، منها ما يتعلق بخصائص النفط الإفريقي، ومنها ما يتعلق بحاجة الهند كدولة تسعى جاهدةً لتحقيق درجات معينة من النموّ والتقدّم، خصوصاً أنّ النفط أصبح من أهم المواد الحيوية التي يعتمد عليها الاقتصاد الدولي، فقد أصبح تأمين النفط من أولويات الأمن القومي للدول في ظلّ تزايد حاجتها الاستهلاكية لهذه المادة المهددة بالنضوب.
– لقد أضحت الهند من كبار المستهلكين للنفط في العالم، الأمر الذي حتّم عليها البحث عن مصادر مختلفة لإمداداتها النفطية، ليكون النفط الإفريقي بخصائصه المتعددة خير مموّل للاحتياجات النفطية للدولة الهندية، ولهذا فقد انتهجت هذه الأخيرة مجموعة من الاستراتيجيات الهادفة للاستفادة من النفط الإفريقي بأقلّ تكلفة ممكنة.
– وضع القدرات الهندية غير المتكافئة مع القدرات الصينية؛ حتّم على الدولة الهندية الاتجاه نحو التعاون مع الدولة الصينية، وتجنّب تصادم مصالحها معها ومع غيرها من القوى الدولية الكبرى.
– والجدير بالذكر أنّ النفط لا يعتبر العامل الوحيد المتحكّم في الاهتمام الهندي بالقارة الإفريقية، فهناك الجانب التجاري، وكذا اتفاقيات الشراكة.. إلخ.
– لا يعدّ الوجود الهندي في القارة الإفريقية ذو فائدةٍ كبيرةٍ للقارة؛ على اعتبار أنه مرهون بمحدودية القدرات في مختلف الميادين، وخير دليلٍ على ذلك محدودية المساعدات المشروطة المقدّمة من قِبل الهند للقارة الإفريقية مقارنةً بقدرات القوى الدولية الأخرى.
الاحالات والهوامش:
(*) أكاديمية وباحثة جزائرية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
(1) تحتل الهند المرتبة 4 عالميّاً في استهلاك النفط بكمية استهلاك يومية تبلغ 3.51 (ملايين برميل)، في حين أنّ المرتبة الأولى تحتلها الو.م.أ بكمية 19.15 (مليون برميل/يوم)، ثم الصين بكمية 9.06 (ملايين برميل/يوم)، واليابان في المرتبة الثالثة بكمية 4.45 (ملايين برميل/يوم).
(2) عرض كتاب: صعود الصين والهند في إفريقيا، تم التصفح على الرابط التالي:
http://almawqef.com/spip.php?article4429&lang=ar
(3) بدر حسن شافعي: التغلغل الهندي في إفريقيا، تم التصفح على الرابط التالي:
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions.
(4) كراسات استراتيجية، القوة الناعمة الآسيوية هيمنة جديدة في إفريقيا؟، تم التصفح على الرابط التالي:
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial.
(5) Swati Ganshan, India in africa : strengthening energy and striding to words a strategic partnership (India: resources Institutes, 2012(, P 1.
(6) بدر حسن شافعي: التغلغل الهندي في إفريقيا، تم التصفح على الرابط التالي:
http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions.
(7) Norwegian Institute of international affairs, “India in Africa :implication for Norwegian foreign and development policies”, NUPI report, (Norwegian Institute and affairs, 2012) P 24.
(8) South African institute of international affairs, “before and beyond energy Contextualising the India-African partnership”, occasional paper N° 77, south African institute of international affairs, ( February) 2011, p 08.
(9) حساب التفاضل والتكامل (باللاتينية: Calculus): فرع من فروع الرياضيات يدرس النهايات والاشتقاق والتكامل والمتسلسلات اللانهائية، وهو علم يُستخدم لدراسة التغير في الدوال وتحليلها، وبالرجوع إلى حسابات التفاضل والتكامل الطاقوي نجد أنّ الدول تسعى لحساب التغير في نسب الأرباح والخسائر في منطقة معينة؛ انطلاقاً من هذه التقنيات الرياضية.
(10) With secular France to Kenya and Sudan,” India’s investment in Africa”, report (an initial draft) prepared by party’s Chandra, with special reference to Kenya and Sudan, (29 march), 2010, p 49.
(11) Swat Ganshan , op. cit, p 75.
(12) الإيكونوميست: تنافس محموم بين الهند والصين على التواجد في إفريقيا، تم التصفح على الرابط التالي:
http://www.alquds.co.uk/?p=102111
(13) With special reference to Kenya and Sudan, op. cit, P 57.
(14) سعد حقي توفيق: التنافس الدولي وضمان أمن النفط، مجلة العلوم السياسية، العدد 43، 2011م، ص (26 – 28).
(15) Strategic and international studies, “India in Africa : moving beyond oil”, south Asia program, strategic and international studies, (10 June) 2008, P 01.
(16) سعد حقي توفيق، مرجع سابق، ص 28.
(17) Sharinee Jagtiani, “India’s Africa policy: to word a more coherent engagement”, S.rajarantom school of international studies, (September) 2012, P 48.
(18) Sanjay Kumar Pradhan,” rise of India of India an d china in African oil and gas market: strategies, competition and assessment”, (annual conversion on the theme, the dawning of ‘’Asian country ‘’ :emerging challenge before theory and practice of in India, 10-12 December 2012, India school of liberal studies, 2012), PP 10, 11.
(19) Sharineejagtiani, op.cit, P 02.
(20) Ibid, P 03.
(21) Sanjay Kumar Pradhan.op. cit.p 18.
(22) علي حسين بكير: دبلوماسية الصين النفطية الأبعاد والانعكاسات، الطبعة الأولى (لبنان – دار المنهل اللبناني،
2010)، ص 208.
(23) Sanjay Kumar Pradhan.op. cit.p 19.