الاتصال هو العملية التي يتفاعل بها الناس من أجل التكامل الذاتي والجماعي. ويمثل بالنسبة للإنسان إشباعاً نفسياً واجتماعياً لا غنى عنه في المعرفة حيث يستهدف ذيوع المعلومة وانتشارها ، وبدأ ذلك منذ ولادة الإنسان ويستمر باستمرار الحياة وينتهي عند الموت .
فالاتصال بهذا المعنى يعني توفر إمكانيات الحياة والنماء والارتقاء والتفاعل مع الآخرين والعيش معهم بتفاهم وانسجام ومشاركتهم الأفكار والأماني أما انعدام الاتصال فيعني الانعزال , كما يعني شح المعلومات والجهل.
تتطور مراحل الاتصال بتطور الزمن ومحدثاته فمن الاتصال الشفهي تطور الاتصال للاتصال المخطوط والذي بدوره تطور إلى الاتصال المطبوع بعد ظهور المطبعة ثم الاتصال المسموع عبر المذياع فالمسموع المرئي حتى وصلنا إلى الاتصال الإلكتروني المستمر .
الاتصال ظاهرة اجتماعية حركية تؤثر وتتأثر بمكونات السلوك الفردي وتعني بنقل المعلومات والأفكار والاتجاهات من طرف إلى آخر وتندرج أوجه النشاط الإعلامي والدعائي والإعلاني والتعليمي ومناشط العلاقات العامة تحت عملية الاتصال التي يتوسع مفهومها عند تحرير وصياغة الرسالة مع مراعاة استراتيجيات الإقناع وقياس التغذية العكسية عند تخطيط الحملات للجمهور بالتعديل المستمر للرسالـة الإعلامية بما يتناسب مـع الجمهور والأهداف المرجوة (1) .
وقد عرف تشارلز كولي Cooly الاتصال (2) [ذلك الميكانزم الذي من خلاله توجد العلاقات الإنسانية وتنمو وتتطور الرموز العقلية بواسطة وسائل نشر هذه الرموز عبر المكان واستمرارها عبر الزمان وهي تتضمن تغيرات الوجه والإيماءات والإشارات ونغمات الصوت والكلمات والطباعة والخطوط الحديدية والبرق والتليفون وكل تلك التدابير التي تعمل بسرعة وكفاءة على الرغم من بعد الزمان والمكان ] فالاتصال (3) عند كولي هو : الآلية التي توجد فيها العلاقات الإنسانية وتنمو عن طريق استعمال الرموز ووسائل نقلها وحفظها.
ويرى مهندسا الاتصال شانون وويفر (4) أن الاتصال يمثل كافة الأساليب والطرق التي يؤثر بموجبها عقل في عقل آخر باستعمال الرموز كما عرفه كذلك علماء الاتصال بأنه المشاركة في المعرفة عند استخدام رموز تحمل المعلومات.
تطرح الباحثة مشكلة بحثها التي تتمثل في الاتصال الثقافي في أفريقيا من خلال التساؤلات التالية :-
1- ما أثر وسائل الاتصال على الوحدة والتنوع الثقافي بين الدول الإفريقية.
2- العُزلة الاتصالية بين الدول الإفريقية بعضها البعض وبين أجزاء الدولة الواحدة ما أسبابها وما هي كيفية المعالجات .
3- هل للدول الإفريقية أن تشترك في رسم الملامح الثقافية للألفية القادمة.
منهج البحث
يعتمد هذا البحث المنهج الوصفي الذي يستهدف تحديد وتصوير وتحليل خصائص مشكلة معينة تحديداً وصفياً وكمياً (5).
1- منهج المسح: يعتبر المسح واحداً من المناهج الأساسية في البحوث الوصفية حيث يهتم بدراسة الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها (6) في الدول الإفريقية بقصد تجميع الحقائق واستخلاص النتائج اللازمة لحل مشكلة الاتصال الثقافي بين الدول الإفريقية .
2- وهنالك بعض الدراسات السابقة التي تناولت جزئيات من هذه الدراسة وتتمثل في اتجاهات المعالجة الإعلامية للقضايا الإفريقية في قناة الجزيرة (7) وكذلك إفريقيا في الصحافة العربية (8) ثم الإعلام الأفريقي القاري : نموذج وكالة الأنباء الإفريقية “بانا” (9) .
خلصت تلك الدراسات للنتائج العلمية التالية :-
– تشويه صورة إفريقيا في مرآة الإعلام الغربي المهيمن .
– وكالات الإعلام العالمية الغربية (رويتر – الصحافة الفرنسية – يونيتد برس اسوشيتد برس) تكرس أكثر من 70% من أنبائها للأحداث الجارية في شمال العالم بينما تخصص 1.8% فقط من أنبائها للأحداث الجارية في إفريقيا .
– الإعلام الإفريقي يعيد منتجات برامج المدرسة الغربية وأن أكثر من 80% من المعلومات والأخبار الواردة لأفريقيا تأتي من الوكالات العالمية الكبرى وترتكز تلك الأخبار على الكوارث والحروب والاضطرابات الاجتماعية والفوضى والانقلابات والمجاعة وكل أنواع التهميش ضد الثقافة .
تأثير وسائل الاتصال على الوحدة والتنوع الثقافي في إفريقيا
إن كلمة “الثقافة” لها أكثر من ستين تعريفا. ولكن ما استقر عليه الرأي لدى كثير من المفكرين هو التعريف الذي يربط الثقافة بسلوك الإنسان , وهذا السلوك لا يمكن أن يتكون إلا من عوامل كثيرة وروافد متنوعة من أهمها الإعلام والاتصال , فهذه العملية الإعلامية والاتصالية هي أساس في نقل الكثير من الروافد الثقافية للإنسان مثل ما يقدمه التلفزيون أو المسرح أو الندوات والمحاضرات أو ما يقوله الراديو أو ما يقرأه الإنسان في الكتب . إن التعبير الثقافي يتوفر بواسطة أجهزة الإعلام والاتصال التي تحقق الزاد الثقافي للإنسان والمجتمع .
تعد وظيفة التثقيف من أهم الوظائف التي تؤديها هذه الوسائل فهي تقوم ببث الأفكار والمعلومات , والقيم التي تساعد على تنشئة جميع أفراد المجتمع على مبادئ واحدة (10) .
إن الثقافة لا تتطور إلى الأفضل بانغلاقها على نفسها أو بالتفكير المتحجر, فليست كل ثقافة وافدة شراً وليست كلها خيراً ولكن علينا أن ننتقي بعقل متفتح وفكر مستنير كل مفيد وخلاق .
كذلك لا نريد من أجهزة الإعلام والثقافة أن تأتي لنا بمواد ثقافية هدفها التبعية الثقافية , لذلك علينا أن ننظر بعين حذرة وآذان صاغية لكل وافد جديد .
إن الاحتياجات المادية والمعنوية للبشرية التي تحققها العملية الناجحة للإعلام والاتصال هي : المشاركة الإيجابية الفعالة من أجل خلق فكر مشترك لإسعاد البشرية , فالناس لا يعيشون في عُزلة, ولكن يؤدي التكافل الإنساني إلى ازدهار الثقافة وتبادل العلم والمعرفة من أجل حياة أفضل, ولكن هذا الماضي , وهو السيطرة الأجنبية والاستعمارية الإعلامية عاد اليوم بشكل ووجه حديث في صورة تكتلات دولية نظمت نفسها وتعاون بعضها البعض, فأصبح تدفق إعلامها تسانده الاختراعات الحديثة كالأقمار الصناعية والقنوات الفضائية التي يتدفق منها ما تريده هذه التكتلات ليصل إلى غُرف النوم في كل بيت , بأسلوب به تشويق وترغيب يقصد به الخير أحياناً , ولكنه قد يكون منافياً لتقاليدنا وديننا, وعاملا من عوامل التفكك والانحلال الاجتماعي.
الاتصال في إفريقيا
تكمن أهمية الاتصال والإعلام الإفريقي في تقوية روابط التعاون بين الدول والشعوب الإفريقية من جهة وفي تقديم صورة حقيقية لإفريقيا من حيث الموارد والمواقف والتطلعات لتحسين صورة إفريقيا في النظام السياسي والاقتصادي العالمي .
وذلك لأن النظام الاتصالي يعكس الظروف الا