شهد تاريخ الإسلام فيما يعرف بإفريقيا جنوب الصحراء عددا من الحركات والثورات الإصلاحية التي تبنت في مسيرتها أنماطا من الأسس التربوية الإسلامية بنت عليها مناهجها في التغيير والدعوة للنهوض بمجتمعاتها وفق مطلوبات العقيدة والدين وضرورات العمل الدعوى في مواجهة عدد من الظروف والمستجدات الحادثة ، ونحاول في هذه الورقة القاء الضوء على بعض أهم هذه الأسس من خلال تصويب النظر في حيثيات عدد من الحركات التصحيحية الكبرى التي انتظمت مناطق الساحل والصحراء ثم انداحت جنوبا في اتجاه العمق الإفريقي، ومن أهمها ثورة المرابطين بزعامة المجاهد عبدالله بن ياسين الجزولي في القرن الخامس الهجري ، الحادي عشر الميلادي باعتبارها اول حركة تصحيحية تنطلق من الصحراء فتنتشر جنوبا متخطية حزام السافنا ، وتمتد شمالا إلى أوربا ( الأندلس ) لتؤسس دولة إسلامية تربط بين الشمال والجنوب ، ومن هذه الحركات التجديدية جنوب الصحراء التي يتناولتها هذه الورقة ثورة الفوديين بقيادة الشيخ المجاهد عثمان دان فوديو في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي والتي أثمرت خلافة إسلامية امتدت لقرن من الزمان من عاصمتها ( سكتو ) ثم الثورة المهدية بزعامة الامام محمد أحمد المهدي في بلاد السودان الشرقي ، كان القاسم المشترك لكل هذه الحركات التاريخية المختارة .
1- انطلاقها جميعا من أسس تربوية متشابه استقت مكوناتها المرجعية من الكتاب والسنة خاصة فيما يتعلق بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره مطلوبا أساسيا من مطلوبات الدين في التغيير والإصلاح بغية استيفاء شروط الخيرية التي في قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) (1) وامتثالا لهديه صلى الله عليه وسلم ، حيث يقول ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم (2) .والتشابه في المعطيات التاريخية لا يعني ( الافتراض) بالضرورة كما يثبت ترمنجهام Trimingham بل يدل على وحدة الأصل والمكونات (3) .
2- انتقالها بالعمل الدعوي من مرحلة الوعظ والإرشاد والتعليم إلى مرحلة السيادة السلطانية وتكوين الدول والإمارات ، وهو أمر لا يستثنى إلا بعون الله سبحانه وتعالى وفق معايير خاصة تناول بعضها العلامة ابن خلدون في مقدمته وعدد من علماء الاجتماع المحدثين .
3- ارتباطها بمؤسسات تعليمية إسلامية خاصة على رأسها المسجد ثم المدرسة القرآنية فالزوايا والمحاضر والربط .
المؤسسات التعليمية التربوية ودورها في الإعداد لتيارات الإصلاح والتغيير : .
1- المساجد :
في هذا الجزء من إفريقيا كما في غيرها قامت مؤسسات التعليم الإسلامي والعربي بدور أساسي في التأصيل للأسس التربوية التي سارت على هديها حركات التصحيح ، وتعد المساجد رائدة في هذا المجال على امتداد تاريخ الإسلام والمسلمين ، حيث لم تقتصر رسالة المسجد منذ فجر الإسلام على أداء الصلوات فحسب ، وإنما كانت منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم مدرسة للعلم ، والتعلم والتربية ، بشتى مناحيها وظل المسجد يؤدي رسالته التربوية التعليمية حتي بعد استقلال المدرسة عنه في القرن الرابع الهجري حسب رواية المقريزي ، ( 4) وهنا في إفريقيا كان تأسيس المسجد يعني بدءا التعريف بالإسلام والإعلام بحركة انتشاره ثم تواصلت مهمته لتثمر التمكين له دينا ودولة ، عقيدة وشريعة ، ولذلك ظل انتشار المساجد في هذا الجزء من إفريقيا أمرا يؤرق أعداء الإسلام على اختلاف فرقهم ، إلى يومنا هذا ، فقد جاء في مقال بعنوان ( تصاعد الشمولية الإسلامية ) في مجلة Afrique Nouvelle التي تمولها الكنيسة الكاثيوليكية في السنغال ، ( بدأت المساجد تنشأ مثل ( الشامبنيون ) ( فطر الأرض ) وتنتشر في كل مربع وكل حارة ، كما أن الصلوات الجماعية تؤدى باعتبارها نشاطا يومياً ، والتعليم القرآني للأطفال يساق إليه الأطفال من سن الثالثة إلى السابعة ….، وذلك في محاولة منها لاستعداء السلطة على الجماعات الإسلامية بحجة علمانية الدولة ( 5) . انطلقت العملية التربوية في إفريقيا جنوب الصحراء من المساجد كما في غانا وبلاد التكرور التي تعد أول بلاد السودان الغربي جنو