يسلّط هذا المقال الضوء على التعليم الإسلامي العربي للمرأة في إفريقيا قديماً ومحاولة ربطه بالتعليم العربي الحكومي الحديث، ويقدّم الباحث «نيجيريا» نموذجاً في هذا المقال؛ لأن دور حكومات نيجيريا في التعليم العربي نموذج لكثير من دول غربي إفريقيا.
أوليات دخول المرأة في التعليم العربي الإسلامي:
هل كان هنالك تعليم عربي للمرأة في مناطق غربي إفريقيا قديماً؟ نعم ودون شك، فقد تمتعت المرأة في منطقة بلاد الهوسا[1] بتعلّم الإسلام واللغة العربية، وذلك منذ القرن السادس عشر الميلادي تقريباً[2]، وهناك دلائل تشير إلى وجود هذا النظام التعليمي للمرأة قبل زمن الشيخ عثمان بن فوديو، يدلّ على ذلك وجود تاريخ لعالمات عشن في القرن السادس عشر[3] وقبله، منهن السيدة أم هانئ ، وقد كانت عالمة داعية آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر[4].
كما ثبت في تاريخ علماء بلدان المنطقة وجود مؤلفات يرجع تاريخ تأليفها إلى القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، مثل مؤلفات العالم محمد بن عبد الكريم المغيلي (867هـ / 1463م)[5] وغيره، ويتوقع أن هؤلاء العلماء كانو يقومون بتعليم النساء أمور دينهن ووعظهن.
مرحلة تطور التعليم الإسلامي العربي للمرأة في غرب إفريقيا:
بدأت هذه المرحلة في القرن السابع عشر الميلادي، وازدهرت على أيدي حملة راية حركة الجهاد في المنطقة، أمثال ألفا محمد كعت، والحركة العلمية في تمبكتو و جني وفي ماسِنا، و أغدس عند العالم جبريل بن عمر، وعند علماء باغَرْمِي، و أدَماوا، و كُلُمْفَردُ، و كانم و بَرنُو، وعند علماء يَندُوْتُوْ، غُوْبِرْ، وغيرها.
ثم بلغت مرحلة التطور ذروتها في حركة الشيخ عثمان بن فوديو؛ فقد برز عدد من العالمات، منهن: العالمة مريم، والسيدة خديجة، والسيدة أسماء، بنات الشيخ عثمان بن فوديو.
ويدل على هذا التطور في تعليم المرأة وجود منظومة شعرية باللغة العربية تُنسب إلى السيدة الرقية بنت محمد سعد[6]، ومن أبيات القصيدة ما يأتي:
الكريـم يـقبل تائـباً أتـاه *** لا يخاف بخساً كـل من رجـاه[7]
وبالنظرة الدقيقية للأبيات – وهي تبلغ أكثر من ثلاثين بيتاً – يدرك المرء أنه كان للمرأة نظام تتعلم وتعلّم فيه، وأنها قد بلغت مستوى رفيعاً في الثقافة العربية الإسلامية، وتؤكد البحوث وجود عالمات عشن في تلك الحقبة، وكان لهنّ نشاط دعوي، كتدريس القرآن، وغيره من العلوم العربية الإسلامية.
ومن الدلائل القصيدة التي نظمتها أسماء بنت الشيخ عثمان بن فوديو بالفلانية، وذكرت فيها أسماء العالمات من الصحابيات والتابعيات، وعالمات عشن في بلاد السودان وبلاد الهوسا قبل زمن حياة الشيخ عثمان بن فوديو وبعده، وعرّب القصيدة حفيدها الشيخ جنيد، من أبياتها:
نتبع عابدات عصر شيخنا *** القانتات التابعـات السّـننا
الصالحات الحافظات غيبـاً *** الزاهدات الطـاهرات قلبـا
منهن أذكر يا أخـي، حبيبة *** صالحة الأحوال ذات الهيبة
عالمــة تعلّـم النســاء *** أمـور دينهـنّ لا مــراء
ثم تلي عائشــة الوليـّة *** صـالحـة محسـنة للنيـّة
وجُـوْطَ كاوُرِي التي تعلّـمُ *** للنساء قرءاناً بها اغتنمـوا[8]
وقد تتلمذ بعض علماء المنطقة على أيدي بعض العالمات، كما ذكروا ذلك في كتاباتهم، منهم الشيخ عبد الله بن فوديو شقيق الشيخ عثمان بن فوديو، حيث قال إنهما تتلمذا عند جدته نانا رقية، وأمّه السيدة حواء، وهذا في كتابه (إيداع النسوخ فيمن أخذت منه من الشيوخ)، وهو دليل آخر على تطوّر تعليم المرأة آنذاك وما بلغته من منزلة في العلم.
تطور تعليم المرأة في خلافة ابن فوديو وتنظيمه:
قد شهد تعليم المرأة اللغة العربية والتعاليم الإسلامية وتعلّمها ازدهاراً وتنظيماً في زمن حركة جهاد الإصلاح التي قادها الشيخ عثمان بن فوديو وجماعته ببلاد الهوسا، والمناطق المجاورة، مثل مناطق في الجنوب الغربي لجمهورية النيجر، والبلدان الواقعة في شرق جمهورية بنين، ومنطقة غرب جمهورية الكاميرون، وذلك أن الشيخ نظّم تعليمه ووعظه وإرشاده للمرأة، فخصص للنساء أوقاتاً وأمكنة لذلك؛ فظن بعض العلماء والناس أن الشيخ يترك الرجال والنساء يختلطون في مكان وعظه، حتى كتب العالم مصطفى غُوْنِـي Gwani الأبيات الآتية إلى الشيخ يقول:
أيا ابن فوديو قُمْ وأنذر أولي الجهل *** لعلهـم يفقهـون الديـن والدونـا
فامنـع زيـارة نسـوان لوعظـك إذ *** خلـط الرجـال بنسـوان كفى شينا[9]
فأمر الشيخ عثمان شقيقه الشيخ عبد الله بأن يجيب هذا الشيخ، فرد عليه بالأبيات الآتية:
يا أيهذا الذي قـد جـاء يرشـدنا *** سـمعاً لما قلت فاسمع أنت ما قلنا
نصـحت جهـدك لكن ليـت تعذرنا *** وقلت: سـبحان! هذا كان بهـتانـا!
إنّ الشـياطين إنْ جاؤوا لمجلسـنا *** هـم يبثـون سـوء القول طغيانـا
لسـنا نخالط بالنسوان كيـف! وذا *** كنـا نحـذّر لكن قلـت : ســلمنا
إنْ كـان ذاك، ولكـن لا أسـلم أن *** يُتركن بالجهل هملاً [10] كان إحسـانا
إذ ارتكـاب أخـف الضّر قد خُتمـا *** يكفّر الجهـل إنْ ذا كان عصـيانا[11]
فهذه الأبيات دلّت على اهتمام كلٍّ من الشعب والعلماء بأمر تعليم المرأة، ثم قد كانت المرأة – لاشتياقها إلى التعلّم – تأتي إلى استماع الشيخ وتعليمه، فيبين لهن (الجماعة) أن الاختلاط ممنوع شرعاً[12]، ثم – كما ذكرنا – خصّص الشيخ لهنّ المكان والزمان في كلّ بلد وصل إليه لأمر الدعوة.
وبعد أن تخرجت عالمات تتلمذن على أيدي الشيخ وجماعته؛ تولّت المرأة تدريس النساء في نظام مزدهر، وهو الذي عُرف في تاريخ خلافة سوكوتو (Sokoto) الإسلامية باسم «جماعة يَنْتَارُو» (‘yan taru)، وتم ذلك بتأسيس مدرسة الشيخة أسماء بنت عثمان بن فوديو سنة 1840م[13]، وبعدها تولّت التدريس فيه الشيخة مريم في بيت زوجها، حيث تأتيها الدارسات من جيرانها حتى من القرى، في جمع تقوده عجوز هرمة، يتعلمن القرآن والتوحيد والفقه والحديث واللغة العربية، ثم ترجع هؤلاء النسوة إلى أهليهن ويبثثن ما تعلّمنه، ويحاربن به البدع والشعوذة[14].
ومن الدور الذي لعبته المرأة في دفع عجلة الدراسات العربية الإسلامية إضافتها الكثير من الإنتاجات الأدبية المنظومة، والتآليف المنثورة في اللغة العربية، كما نجده عند السيدة رقية الفلانية، والسيدة أسماء بنت عثمان بن فوديو، التي نظمت أشعاراً عربية في مختلف الأغراض كالرثاء، والمراسلة، والمدح، والثناء على الله[15].
وكذلك مريم ابنة الشيخ عثمان بن فوديو، برسائلها العربية التي تدل على رسمية اللغة العربية في ذلك الزمن، كالرسالة التي كتبتها إلى أمير كنو عثمان[16] بن دَابُوْ، لمّا أرسل إليها يسألها عن أناس ينتقلون من بلاد الهوسا نحو الشرق بزعم قرب ظهور المهدي، فأجابته ببطلان هذا الزعم الذي يرونه هجرة، كما أنها ترجمت ونظمت (مختصر خليل) – في الفقه – إلى اللغة الفلانية.
أوليات التعليم العربي الحكومي الحديث ببلاد إفريقيا: